غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8011 - 2024 / 6 / 17 - 12:53
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لقد كان فلاسفة الأخلاق على مر العصور مهتمين بدراسة العلاقة بين الحاجات الأساسية للإنسان مثل الحاجة إلى الغذاء والجنس وبين الأخلاق, فيما يلي بعض الآراء البارزة في هذا الصدد:
أرسطو: اعتبر أرسطو أن السعادة هي الغاية القصوى للفعل الأخلاقي، وأن الفضائل الأخلاقية تمكن الإنسان من تحقيق هذه السعادة. وربط أرسطو بين الفضائل الأخلاقية والحاجات الأساسية مثل الشهوة والغضب.
توماس الأكويني: ربط الأكويني بين الشريعة الإلهية والطبيعية، حيث اعتبر أن الحاجات الطبيعية للإنسان مثل الطعام والجنس هي جزء من النظام الأخلاقي الإلهي.
إيمانويل كانط: رفض كانط ربط الأخلاق بالحاجات الأساسية، واعتبر أن الأخلاق يجب أن تكون مبنية على مبادئ عقلية مجردة مثل الواجب والقانون العام.
فريدريك نيتشه: انتقد نيتشه الأخلاق التقليدية وربطها بالضعف البشري، واعتبر أن الأخلاق الأقوى هي التي تنبثق من إرادة القوة والتحرر من الحاجات الأساسية.
سيجموند فرويد: ربط فرويد بين الغرائز الأساسية للإنسان مثل الجنس والعدوان وبين تطور الأنا والأنا الأعلى، وأثرها على السلوك الأخلاقي.
إدوارد ويلسون وعلم الأخلاق البيولوجي
ركز ويلسون على أن للسلوك الأخلاقي أساسًا بيولوجيًا في الغرائز والميول الفطرية للبشر. وأشار إلى أن الميل الفطري للتعاون والتضحية من أجل المجموعة له أساس في الانتخاب الطبيعي.
جوناثان هايت وأخلاق التطور
طور هايت نظرية أخلاق التطور، والتي تؤكد على أن الأخلاق تنبع من قواعد وغرائز فطرية تطورت من أجل التعاون والتنسيق ضمن المجموعات البشرية.
شيلي كاجان وتأثير البيئة على الأخلاق
ركزت كاجان على تأثير البيئة والسياق الاجتماعي على تطور الأحكام الأخلاقية لدى البشر، بما في ذلك دور الغرائز الأساسية.
رتشارد رورتي والأخلاق كممارسة اجتماعية
اعتبر رورتي أن الأخلاق هي ممارسة اجتماعية متطورة، وليست مجرد قواعد مطلقة، وأن الغرائز الإنسانية تؤثر عليها بشكل كبير.
هناك العديد من الآراء الفلسفية الأخرى المهمة في موضوع العلاقة بين الغرائز والأخلاق والتي لم يتم مناقشتها بعد:
نظرية العقد الاجتماعي لفلاسفة مثل جون لوك وروسو
تفسر هذه النظرية نشأة الأخلاق والقوانين كناتج لعقد اجتماعي بين الأفراد لحماية مصالحهم المشتركة. وتناقش دور الغرائز والحاجات الفردية في هذا العقد وكيف يتم ضبطها من خلال الأخلاق والقوانين.
نظرية الفضيلة لأرسطو
ترى هذه النظرية أن الأخلاق تنشأ من ممارسة الفضائل وتنمية الصفات الطيبة في الشخصية ,وتناقش دور الغرائز والميول في هذه العملية وكيف يمكن توجيهها لتحقيق الفضائل.
النظرية الوجودية لفلاسفة مثل سارتر وكيركجور
تؤكد هذه النظرية على حرية الإرادة والاختيار في تحديد الأخلاق بعيدًا عن الغرائز والميول الفطرية, وتناقش كيف يمكن للفرد أن يتجاوز قيود طبيعته البيولوجية لينشئ أخلاقه الخاصة.
الفلسفة البراغماتية لفلاسفة مثل ديوي وويليام جيمس
تنظر هذه الفلسفة إلى الأخلاق كأداة عملية وفعالة لحل المشكلات الإنسانية, وتناقش كيف يمكن توظيف الغرائز والميول البشرية في صياغة أنظمة أخلاقية ناجحة. هذه هي بعض الآراء الفلسفية الأخرى المهمة في هذا الموضوع والتي تستحق المزيد من النقاش والتحليل.
من منظور النظرية الحاضرية الوجودية، فإن دور الغرائز في تحديد الأخلاق هو محدود لان الوجود الواعي يتغلب على الوجود الغريزي. فالوجوديون كسارتر وكيركجور يؤكدون على أن البشر لديهم الحرية والقدرة على الاختيار والتحديد الذاتي للأخلاق، بعيدًا عن قيود الطبيعة البيولوجية أو الغرائز. حسب الحاضريين الوجوديين، الإنسان ليس مجرد كائن بيولوجي محكوم بغرائزه وميوله الفطرية، بل هو كائن حر ومسؤول عن صنع مصيره وتحديد أخلاقه بإرادته المطلقة. فالفرد عند الوجوديين هو من يخلق قيمه وأخلاقه الخاصة من خلال الاختيار والالتزام والمسؤولية. وبالتالي، فالغرائز والميول الطبيعية قد تلعب دورًا في تحديد الأخلاق لكن ثانويا وفقًا للنظرية للحاضرية الوجودية. كون الأخلاق هي نتاج لحرية الإرادة والالتزام الشخصي للفرد، بعيدًا عن قيود الطبيعة البشرية أو الحتميات البيولوجية. في الحاضرية الوجودية تختلف عن النظريات الأخرى في تفسير دور الغرائز في تحديد الأخلاق بعدة طرق رئيسية:
موقف نقدي من الحتمية البيولوجية
النظريات الأخرى كالنفسية التحليلية والتطورية تنظر إلى الغرائز كمحددات أساسية للسلوك الأخلاقي. بينما الوجوديون يرفضون هذا المنطلق الحتمي ويؤكدون على حرية الإرادة والاختيار.
تأكيد على الدور الأساسي للفرد والاختيار
بخلاف النظريات التي تحدد الأخلاق بناءً على العوامل الخارجية كالبيئة أو الغرائز،يؤكد الوجوديون على الدور الأساسي للفرد في خلق أخلاقه الخاصة بحرية اختياره.
تجاوزتأثير الحاجات الغريزية
في مقابل نظريات كنظرية العقد الاجتماعي التي تربط الأخلاق بالحاجات الفردية،
يرى الوجوديون أن الإنسان قادر على تجاوز قيود حاجاته الغريزية.
التركيز على المسؤولية الشخصية
بعكس النظريات التي تنظر للأخلاق كنتاج لعوامل خارجية،يضع الوجوديون المسؤولية الأخلاقية بشكل كامل على عاتق الفرد.
بهذه الطرق، تتميز النظرية الوجودية بتأكيدها على دور الإرادة الحرة والاختيار الشخصي في تحديد الأخلاق، بعيدًا عن قيود الغرائز والميول الطبيعية. من منظور الحاضرية الوجودية، تلعب الحرية الإنسانية دورًا مركزيًا ورئيسيًا في تشكيل الأخلاق:
الحرية هي جوهر الإنسان, الإنسان ليس مجرد كائن محكوم بالطبيعة أو البيئة، بل هو كائن حر بشكل جوهري. الاختيار الأخلاقي هو اختيار حر, الفرد هو من يختار قيمه وأخلاقه بحرية مطلقة، دون قيود خارجية. المسؤولية الأخلاقية مطلقة, نتيجة لهذه الحرية المطلقة، يتحمل الفرد المسؤولية الكاملة عن أخلاقه وتصرفاته. تخطي الغرائز والميول الطبيعية, الحرية تمكّن الإنسان من تجاوز قيود الطبيعة البشرية والغرائز في صنع أخلاقه. لذلك، تعتبر الحرية الإنسانية المطلقة هي الأساس الأخلاقي في النظرية الحاضرية الوجودية. فالفرد هو من يخلق أخلاقه بنفسه انطلاقًا من حريته، لا بناءً على غرائزه أو ميوله الطبيعية. يطرح الحاضريون الوجوديون بعض الحلول لتجنب الانزلاق إلى الأنانية والفوضى الأخلاقية في ظل الحرية المطلقة للإنسان:
الالتزام والمسؤولية
على الرغم من الحرية المطلقة، يجب على الفرد الالتزام بتحمل المسؤولية الكاملة عن أفعاله, هذا الالتزام ينظِّم الحرية ويمنعها من الانزلاق إلى الأنانية.
الاختيار المتعمَّق والواعي
الفرد مطالب باتخاذ قرارات أخلاقية بعناية وتفكير عميق. الاختيار المتأني والمسؤول يحول دون الانجرار وراء دوافع أنانية.
الانفتاح على الآخرين والتضامن
على الفرد أن ينفتح على الآخرين ويتضامن معهم, هذا الانفتاح على الآخر يُحد من الأنانية ويعزز الأخلاق الجماعية.
الأصالة والصدق مع الذات
على الفرد أن يكون أصيلاً وصادقًا مع ذاته في اختياراته الأخلاقية, الصدق مع الذات يمنع الانزلاق إلى الفوضى الأخلاقية والتناقض.
الالتزام بالقيم العليا
على الرغم من حرية الاختيار، يجب الالتزام بقيم أخلاقية عليا كالعدالة والكرامة, هذه القيم العليا تُوجِّه الحرية وتحد من الأنانية. بهذه الآليات، يرى الحاضريون الوجوديون إمكانية تجنب الأنانية والفوضى الأخلاقية والحفاظ على أخلاق منسجمة مع الحرية المطلقة للإنسان. هناك عدة قيم أخلاقية عليا على الفرد بالالتزام بها عملياً في الحاضرية الوجودية لتجنب الانزلاق إلى الأنانية والفوضى الأخلاقية:
الحرية والمسؤولية
الحرية المطلقة للفرد تتطلب منه تحمل المسؤولية الكاملة عن اختياراته وأفعاله, الالتزام بهذه القيمة يحافظ على الحرية دون انزلاق إلى الأنانية. على الفرد أن يكون أصيلاً وصادقاً مع ذاته في اختياراته الأخلاقية, هذا الصدق مع الذات يمنع التناقض والفوضى الأخلاقية. الالتزام بالقيم الإنسانية العامة, مثل العدالة والكرامة والإنصاف والتعاون, هذه القيم الرفيعة توجه الحرية وتحد من الأنانية. التضامن والانفتاح على الآخر, على الفرد أن ينفتح على الآخرين ويتضامن معهم, هذا الانفتاح والتضامن يحد من الأنانية ويعزز الأخلاق الجماعية. الشجاعة والبطولة الأخلاقية, على الفرد أن يواجه بشجاعة القرارات الأخلاقية الصعبة, هذه الشجاعة الأخلاقية تجنب الانحراف نحو السهولة والانانية.
الفضيلة في الحاضرية الوجودية
في الفلسفة الحاضرية الوجودية، الفضيلة لا تُعرّف بشكل مسبق أو متطلبات أخلاقية جامدة، بل تُحدد من خلال الاختيارات والالتزامات الشخصية للفرد, الفضيلة هي تحقيق الذات الأصيلة من خلال اتخاذ قرارات حرة وتحمل المسؤولية عنها. الفضيلة تتطلب الاختيار والصدق مع الذات بدلاً من الالتزام بقواعد أخلاقية مسبقة.
العطف في الحاضرية الوجودية
العطف في الحاضرية الوجودية يتجاوز مجرد الشفقة أو التعاطف السطحي، ليصبح التزامًا أخلاقيًا عميقًا, العطف هنا يعني الالتزام الشخصي والتضامن مع الآخر، وليس مجرد الشعور بالتعاطف. العطف في الوجودية مرتبط بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الآخرين وتجاه المجتمع ككل. بشكل عام، فإن الفضيلة والعطف في الفلسفة الوجودية لا يتحددان سلفًا، بل يُبنيان من خلال حرية الاختيار والالتزام الشخصي للفرد في سياق وجوده وعلاقاته مع الآخرين.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟