شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 8010 - 2024 / 6 / 16 - 16:11
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الجزء الثامن
آتاش / شعلة عدد 150 ، مجلّة الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينينيّ – الماوي )
جريدة " الثورة " عدد 857 ، 10 جوان 2024
https://revcom.us/en/reality-communism-1
ملاحظة الناشر : المقال أدناه نُشر باللغة الفارسيّة في مجلّة آتاش / شعلة عدد 150 ، ماي 2024 ، على موقع أنترنت cpimlm.org . و ترجمه إلى الأنجليزيّة متطوّعون من موقع revcom.us . و قد أضاف المترجمون كلمات و جمل بين معقّفين وبعض الهوامش لمزيد التوضيح . و الجزء 1 و2 و3 و4 و5 و6 و7 قد وقع نشرها على موقع أنترنت revcom.us.
و المصدر الأساسيّ لهذه السلسلة من المقالات هو كتاب ، " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك ؟ " (1986) و الجزء الثاني من كتاب ، " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا لكن الإنسانيّة بوسعها أن تتجاوز الأفق " و كتابات أخرى لبوب أفاكيان حول الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة .
------------------------------
في سلسلة المقالات إلى حدّ الآن ، نقدنا جميع الديمقراطيّات في إطار الرأسماليّة . و قلنا إنّ كلّ المجتمعات الموجودة اليوم تتميّز بعلاقات إضطهاديّة و إستغلاليّة و اللامساواة . و التاريخ الطويل للمجتمع المنقسم إلى طبقات مستغلّة و مستغَلّة يتميّز بالدكتاتوريّة الإقتصاديّة للطبقة المهيمنة . و هنا ، " الدكتاتوريّة " ليست الكلمة الشائعة الإستعمال لكن وصفا علميّا للدولة في المجتمع المنقسم إلى طبقات . و الوجه الآخر للعُملة هو أنّ هناك ديمقراطيّة بالنسبة إلى فئة المجتمع التي تمارس الدكتاتوريّة .
ليست الديمقراطيّة و لا يمكن أن تكون شيئا مُطلقا في حدّ ذاته أو غاية في حدّ ذاتها . لا يمكن أن يوجد شكل " خالص " : يتّخذ دائما شكلا كجزء من الدولة – أي ، دكتاتوريّة – طبقة أو أخرى ، و بصفة خاصة في هذا العصر ، دكتاتوريّة البرجوازيّة أم دكتاتوريّة البروليتاريا . بيد أنّه هناك إختلاف نوعيّ عميق في مضمون الديمقراطيّة في ظلّ حكم طبقة أو أخرى ، أي ، بين الديمقراطيّة في ظلّ الإشتراكيّة و الديمقراطيّة في ظلّ الرأسماليّة . (1)
في مقال سابق [ من هذه السلسلة ] ، لاحظنا أيضا أنّ مقاربة الشيوعيّة للديمقراطيّة ليست سلبيّة كلّيا .
فثمّة إختلاف نوعيّ عميق بين الدولتين – الطبقيّتين ، أي ، بين الديمقراطيّة في ظلّ الإشتراكيّة و الديمقراطيّة في ظلّ الرأسماليّة . حتّى و إن كانت الدولة الإشتراكيّة كذلك دكتاتوريّة / ديمقراطيّة ، فإنّ الطبقات المستغٍلّة ( الأقلّيات التي تحتكر الاقتصاد و تستغلّ عمل الآخرين ، و تراكم رأس المال ) لا تمسك بالسلطة . و أبعد من ذلك ، و أهمّ ، مهمّة و هدف الدولة الإشتراكيّة ( الدكتاتوريّة / الديمقراطيّة البروليتاريّة ) خُطوات تدريجيّة لإلغاء الظروف التي تجعلها هي نفسها ضروريّة .
ببساطة المجتمع الإشتراكي هو مرحلة إنتقاليّة من الرأسماليّة إلى الشيوعيّة العالميّة . و رغم حصول القطيعة مع الرأسماليّة، تأثيرات و بقايا الإنقسامات الإجتماعيّة الرأسماليّة و الطُرق التقليديّة للتفكير تظلّ لوقت طويل ، و تصبح مصدرا للصراع الطبقي الدائر . و الحصار الرأسمالي العالمي للمجتمع الإشتراكي ينفُخ في النزعات البرجوازيّة القائمة و يعزّزها في المجتمع الإشتراكي . و كلّ هذه المسائل تحتاج إلى وجود دولة ، دكتاتوريّة / ديمقراطيّة البروليتاريا ، عبر مرحلة إنتقاليّة إشتراكيّة .
و الحفاظ على الطابع الإشتراكي لهذه الدولة ، مع ذلك ، يرتهن بإيجاد ظروف إضمحلالها . و يُنجز هذا بالتقدّم في مهمّتين مُتوازيتين : التثوسر المستمرّ للعلاقات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة ، و النظرة السياسيةّ و الإيديولوجيا السائدتين في المجتمع الإشتراكي نفسه ؛ و خدمة نموّ و تطوّر الثورة العالميّة . و على هذا النحو ، يتحرّك المجتمع بإتّجاه العالم الشيوعيّ و كذلك تفعل الدولة .
و السعي وراء هذا الهدف ( تركيز مجتمع شيوعيّ وهو ممكن فقط على الصعيد العالمي ) يميّز الدولة الإشتراكيّة طوال المرحلة الإنتقاليّة الإشتراكية نحو الشيوعيّة و يشكّل سياساتها . و نظرا إلى كون النظام الرأسمالي – و علاقاته الإجتماعيّة و الإنتاجيّة و الأفكار النابعة من ذلك نظام عالمي ، فإنّ إجتثاث عروقه سيرورة عالميّة . و بالتالى ، الأمميّة مكوّن من ممارسة البروليتاريا للدكتاتوريّة / الديمقراطيّة و تعبيرها الملموس هو أنّ الدولة الإشتراكيّة في كلّ مكان من العالم تعمل كقاعدة إرتكاز للثورة العالميّة .
في هذا المقال ، سنتطرّق بشكل مقتضب إلى مسألتين : 1) إن كانت الإشتراكيّة خطوة نوعيّة متقدّمة نسبة للرأسماليّة و كافة أنصاف العلاقات الإستغلاليّة ، و إن كانت البروليتاريا تمثّل مصالح أغلبيّة الشعب ، و إن كان العصر الإشتراكي يتحرّك بإتّجاه القضاء على الإستغلال و الإضطهاد ، عندئذ لماذا الدكتاتوريّة ضروريّة في المجتمع الإشتراكي ؟ 2) كيف ستختلف الديمقراطيّة في الجمهوريّة الإشتراكيّة الجديدة عن الديمقراطيّة في ظلّ الرأسماليّة ؟
للإجابة على السؤال الأوّل ، لنعُد إلى النقطة الجوهريّة و مفادها أنّ البنية الفوقيّة السياسية و الإيديولوجيّة لكلّ مجتمع في علاقة جدليّة بالقاعدة الإقتصاديّة ، و في نهاية المطاف القاعدة الإقتصاديّة هي التي تحدّد المؤسّسات السياسيّة و الثقافيّة للمجتمع . في ظلّ الدولة الإشتراكيّة ، تغيّر البروليتاريا طبيعة القاعدة الإقتصاديّة بالتحكّم في البنية الفوقيّة ، و تستخدم هذه السلطة لإلغاء الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج و تستبعد الربح و قانون القيمة من الدور الموجّه للإقتصاد . و بطبيعة الحال، تُنجز هذه التغيّرات من خلال سيرورة مديدة و معقّدة من الصراعات . و هذه التطوّرات في البنية التحتيّة الإقتصاديّة تجعل بنية فوقيّة مختلفة ليست ممكنة فحسب بل ضروريّة . و ، في كلّ خطوة تعمّق هذه التطوّرات في القاعدة الإقتصاديّة ، تنجز تغييرات كبرى أيضا في البنية الفوقيّة ، و العكس بالعكس .
و إلغاء العلاقات الرأسماليّة و القوانين المتّصلة بها و التي تمثّل عراقيلا لنموّ قوى الإنتاج ( بالملموس ، الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج ، و فوضى الإنتاج ) ، و الإجتثاث التدريجي لطُرق التفكير الناجمة عن النظام السابق للإضطهاد و الإستغلال – ستوفّر حرّية كبرى لممارسة الشعب لسيادة تلبّى حاجيات المجتمع ، و تجاوز كلّ الإختلافات الطبقيّة و العلاقات الإجتماعيّة الإضطهاديّة . و هذا يوفّر عمليّا القاعدة الماديّة للديمقراطيّة الإشتراكيّة ، غير أنّ هذا يقتضى حقبة ملتوية من الصراع الطبقي . و قد قال لينين عن حقّ إنّ :
" ... المصادرة وحدها ، كعمل قانوني أو سياسي ، لا يعالج المسألة ... حينما يطرح التاريخ مسألة ما إذا كانت أم لا إمتيازات العهد القديم و الإمتيازات القديمة لآلاف السنوات – في مثل هذا الوقت للحديث عن الأغلبيّة و الأقليّة ، حول الديمقراطية الخالصة ، حول عدم ضرورة الدكتاتوريّة و حول المساواة بين المستغِلّ و المستغَل ! يا لها من منتهى البلاهة و التحفّظ العميق جدّا اللذين يحتاجونهم لهذا ! (2)
و يعود هذا ، كما شرح بوب أفاكيان ، مهندس الشيوعيّة الجديدة و القائد الثوري ، المجتمع الإشتراكي مرحلة إنتقاليّة إلى الشيوعيّة . و حتّى بعد الإطاحة بالبرجوازيّة و مصادرة ملكيّة المستغِلّين السابقين ، و حتّى بعد تحويل وسائل الإنتاج التي كانت ملكيّة خاصة سابقا ( بشكل أو آخر ) إلى ملكيّة عامة ، و سيظلّ الإنتقال التام إلى مجتمع خالى من الطبقات ، إلى المجتمع الشيوعي يتطلّب صراعا حادا على عدّة جبهات .
و النضال من أجل بلوغ هذا الهدف يعنى مواجهة و إجتثاث علاقات الإنتاج و الأفكار التقليديّة ؛ فلهذه التقاليد التي تراكمت طوال آلاف السنوات جذور عميقة . و هناك عراقيل هائلة يجب إقتلاعها تماما من الجذور . و ليس بوسع المرء أن يتجاوز فجأة نوع التناقضات الإجتماعيّة " ... تناقضات و لامساواة موروثة من المجتمع القديم و لا يمكن تجاوزها دفعة واحدة و إنّما بطرق متنوّعة و إلى درجات مختلفة ستظلّ قائمة لبعض الوقت . و على رأس كلّ هذا ، بيّنت التجربة أنّه من غير المرجّح إلى أقصى الحدود أن تتركّز الإشتراكية بضربة واحدة في أيّ شيء مثل جميع أو حتّى غالبيّة ، بلدان العالم ، لكن من المرجّح أن تتركّز في فقط بلد واحد أو في بضعة بلدانن في ظرف معيّن من التناقضات العالميّة ... لهذا ، منظور إليها على ضوء كلّ ما تقدّم ، يُصبح من الواضح أنّ البرجوازيّة لا تزال لها اليد العليا في العالم ككلّ – و يرجّح أن يكون هذا لبعض الوقت – إلاّ أن هذا يتداخل مع ، و بالفعل يحدّد الإطار العام و أساس النضال في سبيل التقدّم بتثوير المجتمع في بلد إشتراكي معيّن ". (3)
و بهذا المعنى ، ينبغي على الدولة الإشتراكيّة ، بطريقة إستعجاليّة ، في كلّ مرحلة من المراحل، و إلى أقصى درجة ممكنة، ليس أن تعالج التناقضات في صفوف المجتمع الموروثة من الماضي ، و العلاقات بين الناس فحسب – من مثل التفوّق الذكوري و كره النساء و العنصريّة و البون الشاسع بين العمل اليدوي و العمل الفكريّ ، و البون الشاسع بين المركز و الأطراف إلخ – بل كذلك يجب أن تعالجها بأسرع ما أمكن في كلّ مرحلة . غير أنّه عليها أن تعالجها على نحو يوطّد إمكانيّات التقدّم و يعمّق الإشتراكيّة في صفوف الشعب و يحوّل تفكير الناس – من خلال مشاركتهم و قيادتهم في معالجة تناقضات المجتمع – و كذلك نشر الثورة إلى أبعد من حدود الدولة الإشتراكيّة .
و من طبيعة المجتمع الإشتراكي ، بما في ذلك دوره كمرحلة إنتقاليّة إلى عالم خالٍ من علاقات الإستغلال و الإضطهاد و الإنقسامات الإجتماعيّة ، ينبع التشخيص المفتوح و دستور الدولة الإشتراكيّة كتعبير عن مصالح ، بالمعنى الأوسع ، طبقة خاصة ، البروليتاريا – ما يُفضى في نهاية المطاف إلى تحرير الإنسانيّة ككلّ من الإنقسامات الطبقيّة و كافة علاقات الإستغلال و الإضطهاد و النزاعات العدائيّة المدمّرة التي تفرزها مثل هذه العلاقات – و الدور الصريح لهذه الدولة الإشتراكيّة كأداة لقمع مصالح و القوى التي هي و التي تعمل في معارضة عدائيّة لهذا . و مع ذلك ، بينما دستور الدولة الإشتراكية – و مؤسّسات و هياكل الحكم و السيرورات المنبثقة عنها – يجب أن تأخذ بعين الإعتبار الإنقسامات الإجتماعيّة التي " وُرثت " من المجتمعات السابقة القائمة على علاقات الإستغلال ( و التي ستظلّ موجودة بدرجات متفاوتة و بأشكال متنوّعة ، لفترة زمنيّة طويلة في المجتمع الإشتراكي ) ، في الوقت نفسه " حكم القانون " ينبغي أن يستند إلى دستور الدولة الإشتراكيّة و كذلك القوانين الخاصة التي تصدرها على أساس ذلك الدستور ( و التي يجب أن يُحكم عليها ، حسب تنوّعها، في إنسجام مع ذلك الدستور ) و يجب تطبيقها كذلك على كلّ إمرء في المجتمع . و هذا تناقض آخر من الصعب معالجته لكن يجب معالجته معالجة صحيحة .(4)
الإختلافات :
على عكس الصورة التي يرسمها المنظّرون البرجوازيّون ل " حكم القانون " على أنّه مضاد للدكتاتوريّة و ترويجهم للحرّية و الديمقراطيّة على أنّهما هدف في حدّ ذاتهما ، الواقع هو أنّه بأيّ شكل كان ، " حكم القانون " جزء من الدكتاتوريّة ، و يفرض حكم الطبقة السائدة . و لوضع ذلك بشكل واضح جليّ ، القوانين و الحقوق جزء من البنية الفوقيّة السياسيّة للمجتمع و لهما طابع طبقي خاص . وفى ظلّ الإشتراكيّة ، يكون لهما طابع طبقي بروليتاري لأنّهما يخدمان التحويل الإشتراكي للمجتمع و يعبّدان الطريق لتحقيق مجتمع شيوعي على الصعيد العالمي . و عندما يتمّ بلوغ الشيوعيّة ، لن تعود هناك حاجة إلى القانون . و في المجتمع الإشتراكي هناك مؤسّسات تطبّق قانونها ( الفرع التنفيذي و جهازه ) ، لكن تطبيق القانون يكون مصاحبا بتعبأة الجماهير و تشريكها المتنامي في التقدّم بأهداف الدولة الإشتراكيّة .
يتناغم " دستور الجمهوريّة الإشتراكيّة الجديدة في شمال أمريكا " مع واقع أنّ الإشتراكيّة تشمل نظاما إقتصاديّا و نظام حكم خاص ( دكتاتوريّة البروليتاريا ) ، و فترة إنتقاليّة نحو الشيوعيّة . و في كلّ مرحلة من هذه السيرورة و في كلّ خطوة من هذه المرحلة الإنتقاليّة ، يتعيّن على الدستور أن يأخذ بعين الإعتبار شيئين إثنين : أوّلا ، يجب أن يعكس المستوى الجاري من تطوّر الإنتاج و العلاقات الإجتماعيّة في كلّ لحظة معطاة من السيرورة الإنتقاليّة ، و الأهداف المناسبة لتلك المرحلة ؛ ثانيا ، يجب أن يشجّع النضال من أجل دفع المرحلة الإنتقاليّة إلى مراحل أكثر تقدّما من الإشتراكيّة ، و أساسا بإتّجاه الشيوعيّة ( إلى جانب النضال من أجل مثل هذا الهدف عبر العالم قاطبة ).
لكن هذا لن يكون سيرورة يسيرة أو هيّنة ذلك أنّ هناك نزاع بين حاجيات الشعب الأكثر جوهريّة و أساسيّة – التقدّم نحو الشيوعيّة – و ما يرغب فيه الناس عفويّا في أيّ زمن معطى . و يوفّر هذا التناقض الأساس الموضوعي لإتّهام الحكومات الإشتراكيّة بإجبار الناس على يوتوبيا غير ممكنة ! لكنّ الحلّ الصحيح لهذا التناقض لن يكون إستخدام " القوّة " ، بل أن يُرسي الدستور حدود و الإطار العام الذى ضمنه يسير المجتمع ، في أيّ لحظة معيّنة بما في ذلك تشجيع وجهات النظر و البرامج المعارضة .
و هذا النزاع بين الأفكار المتنافسة بمشاركة الجماهير في النقاش و الصراع حول القضايا الجوهريّة ، سينهض بدور هام في معالجة هذه التناقضات كي يمكن في أيّ ظرف من الظروف ، تصبح مواقف الناس ، إلى أقصى درجة ممكنة ، منسجمة مع مصالحها الجوهريّة . بكلمات أخرى ، الدور الآخر للدستور هو توفير إطار لمواصلة النضال ضد النزعات العفويّة في صفوف الشعب .
و سيوفّر الدور القيادي المؤسّساتي للطليعة الشيوعيّة الموضّح في الدستور ، في تسيير الحكم و عامة في السيرورة السياسيّة للمجتمع الإشتراكي ، سيوفّر " لبّ صلب " لهذا النضال . و إستنادا إلى هذا " اللبّ الصلب " ، تحديدا القيادة الشيوعيّة ، سيوجد الكثير من المرونة لظهور نزعات و تيّارات متنوّعة و معارضة في المجتمع ، إلى درجة أنّ الدولة الإشتراكيّة ستمضى إلى " حدود السحب و التمزّق " (5) لكن ليس إلى حدّ الإطاحة بها .
و الإختلاف الجوهري بين الدستور و السيرورات السياسيّة للمجتمع الإشتراكي و تلك للمجتمعات الرأسماليّة عامة ، تنبع من الإختلاف العميق في طبيعة و في ديناميكيّة النظامين – إختلافات في القاعدة الإقتصاديّة و في البنية التحتيّة ، و في علاقات الإنتاج و العلاقات الإجتماعيّة ، و في الأهداف و الطابع الطبقي لسيروراتها السياسيّة .
و لنأخذ ، على سبيل المثال ، الانتخابات . في كلّ من الديمقراطيّة الإشتراكيّة و الديمقراطيّة البرجوازيّة ، ثمّة انتخابات . لكن كما قلنا في المقالات السابقة ، في الديمقراطيّات البرجوازيّة الانتخابات مجرّد وسيلة لنقل السلطة ضمن فئات متنوّعة من الطبقة الحاكمة و لخلق وهم أنّ للناس دور في الحياة السياسيّة للمجتمع . بيد أنّه في المجتمع الإشتراكي ، الدور الإيجابي الذى تضطلع به الانتخابات أكبر من جعل الناس يناقشون القضايا الحيويّة للمجتمع ، و الحصول على الوعي بمدى إختلاف البرامج المناسبة لمصالح طبقيّة متباينة . و أيضا ستكون الانتخابات وسيلة للحزب الشيوعي ليقيّم أداءه في تحويل نظرة الناس إلى العالم . لكن بالنسبة إلى النوعين من الدول ، ليست الانتخابات – و ليس بوسعها أن تكون أبدا – التعبير عن أعلى طموحات الشعب و أهمّ مصالحه الجوهريّة . (6)
و الإختلاف الجوهري بين الديمقراطيّة في هذين الصنفين من الأنظمة ينعكس كذلك في حقوق الشعب . ليس مجرّد أنّه في ظلّ الإشتراكيّة للناس حقوق أكثر – هناك إختلاف في مدى و إطار هذه الحقوق . و يعود هذا إلى كون ، كما وضع ذلك ماركس ، " لا يمكن أبدا للحقّ أن يكون أعلى من الهيكلة الإقتصاديّة للمجتمع و تطوّره الثقافي المشروط بتلك الهيكلة " .
مع إنتصار الثورة الشيوعيّة و التغييرات الموضوعيّة في كيفيّة هيكلة القاعدة الإقتصاديّة و لأ التغيير المتّصل بذلك في ] البنية الفوقيّة الإجتماعيّة – الثقافيّة للمجتمع ، تنشأ إمكانيّات جديدة لحقوق الناس . و مثلما قال ماو تسى تونغ إنّ حقوق العمّال ليست منحصرة في الحصول على الأجور ، و ساعات العمل و نوع بيئة العمل
" ... لا جدال في أنّ حقّ العمّال في تسيير الدولة و المؤسّسات المتنوّعة و التعليم و الثقافة . عمليّا ، هذا أكبر حقّ من حقوق العمّال في ظلّ الإشتراكيّة ، الحقّ الأكثر جوهريّة ، الحقّ الذى دونه لا وجود لحقّ للعمّال ، ولا في التعليم و لا في الإجازة المرضيّة إلخ .المسألة الأهمّ بالنسبة إلى الديمقراطيّة الإشتراكيّة هي : هل للعمّال الحقّ في إخضاع القوى المعادية المتنوّعة إلى تأثيرهم ؟ ...بإختصار ، يجب أن يكون للشعب حقّ تسيير البنية الفوقيّة ". ( 7 )
و الحقّ الأكثر جوهريّة للشعب في المجتمع الإشتراكي – وهو غير ممكن التحقيق حتّى في أكثر الديمقراطيّات تقدّما في إطار الرأسماليّة – هو حقّ ممارسة السلطة السياسيّة وفقا لمصالحه الجوهريّة و المساهمة في القرارات المؤثّرة على المجتمع .
و ختاما ، علينا أن نشدّد على أنّ أهمّ مظهر مميّز للمجتمع الإشتراكي هو دوره و هدفه خلال مرحلة تاريخيّة إنتقاليّة و التحرّك ، إلى جانب النضالات الثوريّة حول العالم ، نحو الهدف النهائيّ لإرساء الشيوعيّة عبر العالم – بإتّجاه عالم يكون قد وقع إجتثاث الإنقسامات الطبقيّة و اللامساواة الإجتماعيّة ألخرى و العلاقات الإضطهاديّة ، و تكون الدولة كجهاز قمع مهما كان شكلها ، قد إضمحلّت من الوجود . [ و سيعنى هذا نهاية ] الدور المؤسّساتي الخاص الذى تنهض به الدولة في توجيه إدارة المجتمع ، و حكم القانون و حتّى الحقوق . و مثلما قال ماركس ، هذا المستقبل سيعنى قفزة أبعد من الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي – قفزة عميقة في التطوّر التاريخي للعلاقات الإجتماعيّة الإنسانيّة . (8) فالدولة الإشتراكية :
" ليست مليون مرّة أكثر ديمقراطيّة ، إنّها طريقة جديدة نوعيّا و مختلفة بعمق : إنّها تمثّل و تعتمد على أوسع مشاركة متعمّقة أبدا للجماهير المستغَلّة و المضطهَدَة سابقا في كافة مجالات المجتمع – و أكثر من ذلك تقتضى تمكّنها المتنامي من تسيير شؤون الدولة ، و إدارة الاقتصاد و مظاهر أخرى من الإدارة ، و بالفعل للبنية الفوقيّة ككلّ بما فيها الثقافة و كذلك مجالات الإيديولوجيا . و كلّ هذا يمضى أبعد – مرّة أخرى ، هو مختلف نوعيّا عن – مجرّد مسألة ديمقراطيّة شكليّة أو حقوق شكليّة . " (9)
هوامش المقال :
1. Bob Avakian, Democracy, Can’t We Do Better Than That? Banner Press, 1982, Chapter 7, “Democracy and the Communist Revolution,” pg. 227-8. [back]
2. V. I. Lenin, “Proletarian Revolution and Renegade Kautsky,” Lenin’s Collected Works, Vol. 28, pp. 252-254. Quoted in Democracy, Can’t We Do Better Than That? page 228. This Lenin quote strongly counters the propaganda that calls Marxism s theory of the future utopian. In this polemic and repeatedly elsewhere, Lenin has said that in order to build socialism and advance towards communism, one must start with material conditions and people as they have been "delivered" by the old society (whether´-or-not they have undergone dramatic changes in the process of gaining power through mass armed struggle). [back]
3. Bob Avakian, Democracy, Can’t We Do Better Than That?, pg. 226.
For further discussion, see For a Harvest of Dragons, Chapter 3, Part 2 also see A Terrible End´-or-an End to the Terror, Chapter 2, pages 149-151, and Chapter 4, pages 195-199, as well as Conquer of the World, The International Proletariat Must and Will, Section 2. [back]
4. Bob Avakian, Birds Cannot Give Birth to Crocodiles, But Humans Can Soar Beyond the Horizon, Part 1: Revolution and the State, Subhead “Bourgeois Political Philosophy, Its-limit-ations and Distortions.” [back]
5. Ibid Footnote 14 quoting from the Constitution of the Revolutionary Communist Party, USA ("Appendix, Communism as a Science") on “solid core with a lot of elasticity” [back]
6. Ibid Subhead: The Notion of "Human Nature" — As a Reflection of Capitalist Society [back]
7. Mao Tse-tung, A Critique of the Soviet Economy (1977) Monthly Review Press. Pg 61. [back]
8. See Birds Cannot Give Birth to Crocodiles, But Humans Can Soar Beyond the Horizon, “Democratic Intellectuals, Idealist Notions, and the Need for Materialism.” [back]
9. Bob Avakian, Democracy: Can t We Do Better Than That? pg. 229. [back]
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟