أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - مسلسل محو الذاكرة الوطنية التقاء التيار العدمي مع الاسلام السياسي















المزيد.....

مسلسل محو الذاكرة الوطنية التقاء التيار العدمي مع الاسلام السياسي


قصي الصافي

الحوار المتمدن-العدد: 8009 - 2024 / 6 / 15 - 23:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ظل يوم 14 تموز لعقود عديدة في ذاكرة العراقيين رمزاً للوحدة الوطنية وحدثاً فارقاً في تأريخ العراق الحديث. وقد استمرت محاولات النظام منذ الايام الاولى لمجلس الحكم المحلي لمحوه من الذاكرة الوطنية حتى تجرأت أخيرا على حذفه حتى من لائحة العطل الرسمية التي اقرها البرلمان لعام 2024 م. صوت الاحتجاج كان خفيضا، باستثناء قلة من الكتاب والمثقفين الحريصين على ذكرى الثورة ونضالات القوى الوطنية التي أسهمت في تحقيق استقلال العراق استقلالا ناجزاً، ولاذ بالصمت أو أفصح عن ترحيبه بالقرار -علناً أو تلميحاً- عدد كبير من المثقفين، وهذه ظاهرة تستدعي التامل والبحث في حيثياتها.

دون عناء يمكن تفسير سر عداء النخب الإسلامويه الحاكمة وكراهيتهم للثورة، فكما اشار عدد من الكتاب ان الاسلام السياسي الحاكم يكشف بوضوح عن نزعته الطبقية والأيديولوجية في العداء للجمهورية، انهم كطبقة أوليغاركية نهابة يمثلون وريثاً شرعياً للاقطاع فكراً، ولعدد منهم نسباً ايضاً، الى جانب التناقض الحاد بين ظلامية فكرهم الرجعي وتشريعات الثورة التحررية، (عبر محسن الحكيم بعد اجهاض الثورة عن فرح وشماتة معتبراً ذلك عاقبة الهية.) لذا لم يكن مستغرباً ان النظام الحاكم قد بدأ وفي السنين الأولى من ( العملية السياسية) محاولاته الحثيثة لالغاء قانون الأحوال المدنية بدل تطويره، ولحسن الحظ قوبل ذلك باعتراضات جمه لانه سيكون منافياً لابسط مبادئ الديمقراطية التي كانوا هم وسلطة الاحتلال يعدوننا بها.

وقد تكرر الامر بتقديم مشروع ما يسمى بالقانون الجعفري بديلاً عن قانون الاحوال المدنية وهو الآخر لم يمر لنفس الاسباب اضافة الى اعتراض المكونات الاخرى لأبعاده الطائفيه الواضحة.

حكومة الكاظمي والتى تعتبر أكثر ميلاً للغرب وابعد - ولو ظاهرياً - عن الإسلام السياسي نجحت في خطوة اولى لتغييب ذكرى الثورة حين قدمت وباقتراح من وزير ثقافتها ( وهو مثقف لبرالي له مكانته في الوسط الثقافي) قانوناً للبرلمان باعتبار 3 تشرين عيدا وطنياً، وهو اليوم الذي أوصت فيه بريطانيا بادخال العراق عضواً في عصبة الامم مشترطة التزام العراق باتفاقية 1930 المجحفة بحق البلد، والتي عدتها القوى الوطنية ارتهانا للأستعمار البريطاني واذلالاً للعراق( كما عبرت عن ذلك بالإجماع الشخصيات الوطنية التي دعاها الملك الى الاجتماع لأخذ مشورتهم ومن بينهم جعفر ابو التمن، ياسين الهاشمي، محمد مهدي الجواهري، كامل الجادرجي وغيرهم. ) ولمعرفة تفاصيل تلك الاتفاقية سيئة الصيت يمكن الرجوع الى بنودها المنشورة على الانترنيت.
الانضمام الى عصبة الامم و انهاء الانتداب شكليا مع بقاء الهيمنة البريطانية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً لا يعد استقلالاً ناجزاً، و لم يكن بالحدث الكبير في تاريخ العراق، بدليل انه لا يشغل و لو حيزاً صغيراً في ذاكرة المواطن العراقي، على عكس يوم ١٤ تموز الذي لم تستطع حتى الحكومات المتعاقبة والتي اجهضت الثورة محوه من ذاكرة الشعب. رغم ذلك فقد نشطت القنوات الفضائيه ومواقع التواصل الاجتماعي لتسويق ( العيد الوطني الجديد) وتمجيد رجال الملكية والمتخادمين مع الاستعمار على انهم رجال دولة حققوا استقلال البلاد بالحنكة والخبرة السياسية، ويعد هذا اهانة للقوى الوطنية الممثلة للشعب آنذاك، واستهانة بمعارضتها لتلك المعاهدة وبنضالها من اجل الاستقلال الحقيقي.

واليوم يتقدم النظام الحاكم بخطوة أبعد بالغاء 14 تموز من قائمة العطل الرسمية بغية تغيير الهوية الثقافية وترسيخ مفاهيم جديده تتناغم مع أجندته الرجعية.
سلسلة محاولات النظام الاسلاموي الحاكم لمحو الذاكرة الوطنية لم تكن لتمر هكذا بهدوء وصمت لولا شيوع الخطاب العدمي الذي اخترق العقل الجمعي في حملة لتشويه وعي المواطن العراقي بعد 2003، وقد شارك في ذلك نخبه من المثقفين والإعلاميين واليوتوبرز ومدمني الفيس بوك متأثرين باجتياح الاعلام المعولم والتطور السريع لتكنولوجيا الاتصالات.

يصف محمد عابد الجابري استجابة العرب للعولمة: (إما بالهروب الى الخلف أو الهروب الى أمام) الفريق الاول هارب الى الخلف يبحث في كهوف الماضي البعيد عن مدينة فاضلة، ليصنع هوية ساكنة غير متحركة مع الزمن، معزولة بجدار منيع عن ثقافات الأمم، تلك تندرج ضمن الهويات القاتلة بتعبير أمين معلوف. هذا الفريق بالطبع يرفض اي خروج من كهف الماضي البعيد ويعلن معاداته لأي منعطفات في تاريخنا الحديث وخاصة التحرري منها كثورة تموز.

أما الفريق الثاني الهارب الى أمام فانه يتماهى بالذوبان - لا بالتفاعل - مع كل ما تأتي به العولمة (معظم المفكرين العرب والاجانب يفضلون مصطلح الامركة بدل العولمة)، بل تتعالى دعوات هذا الفريق للطلاق البائن مع ثقافتنا وتاريخنا و منظومتنا القيمية عملًا - كما يدعون - بمبدأ الشك الديكارتي واعادة قراءة التاريخ القديم والحديث، ولكن بات واضحاً ان اعادة قراءة التاريخ بالنسبة لهم لا لتنقيته من مفاهيم وافكار وقيم باليه، وانما لشيطنة الذات والامعان في جلدها، الامر الذي أسهم في تخليق شخصية وطنيه مهزوزة تعاني من عقدة نقص وفي حالة تيه وتشتت. وقد كان لثورة تموز النصيب الأكبر من المراجعة المزعومة. بدأ الامر بالتساؤل (هل 14 تموز انقلاب ام ثورة)، السؤال الذي بات يتردد وبتواتر محموم في الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب.
لا ضير من طرح الأسئلة اذا كان الهدف منها البحث عن الحقيقة، الا ان أصحاب تلك الحملة لهم إجاباتهم المسبقة ليس بنفي صفة الثورة عن 14 تموز فقط بل الادعاء بانه اول انقلاب عسكري فتح الباب لسلسلة من الانقلابات، وتحميل الثورة مسؤولية تعاقب الدكتاتوريات الدموية، متجاهلين حقيقة ان اول انقلاب في العالم العربي و ليس في العراق فقط هو انقلاب بكر صدقي عام 1936 ثم تلاه انقلاب رشيد عالي الكيلاني عام 1941، وان الاعدامات و قمع الاحتجاجات واعتقال المعارضين لم يستحدث في الأنظمة الجمهورية، بل كان قائماً و مستمراً ابان الملكية أيضاً، نعم كان أقل قسوه لأن النظام كان فتياً غير مستقر ولم تزل أجهزته القمعية ضعيفة نسبياً مقارنة بانظمة ما بعد الثورة التي اصبحت أكثر ثراء و استقراراً وخاصة بعد تأميم النفط. ولم يتوقفوا ايضاً من تكرار إتهام الثورة بالدموية، لمقتل عدد من أفراد العائله المالكه الذي لم يكن بتوجيه أو بايدي رجال الثورة بل للأسف الشديد لرعونة البعض من الحشود الغاضبة، ويتناسى أصحاب الحملة الدعائية ضد الثورة ان الثورة الفرنسية مثلًا قد راح ضحيتها عشرات الآلاف، بل لم يسلم حتى قادتها من المقصلة(روبسبير، دانتون، جان جاك مارا) وأعدم فيها حتى عالم الكيمياء المشهور لافوازييه.
الحديث عن منجزات الثورة في عمرها القصير والانفكاك من التحالفات الاستعمارية وتحقيق الاستقلال وما الى ذلك لا يلقى آذاناً لدى هذا الفريق، فالامر بالنسبة لهم محسوماً.
ليس مصادفة أن تجري تلك النقاشات بعد الأحتلال الامريكي مباشرة، فرغم ما يدعيه البعض ان حرية التعبير الجديده اتاحت طرح مثل هذه الأسئلة، فأن ما يفند هذا الزعم إن الانظمة السابقة وخاصة نظام البعث الدكتاتوري المعادي للثورة كان سيرحب بنفي صفة الثورة عن 14تموز، ومع ذلك لم تكن محاولات التشكيك شائعة حتى في المجال الاكاديمي. ترافقت محاولات التشكيك هذه مع شيوع الجدل في توصيف الوجود الامريكي، هل هو احتلال أم تحرير!!، ثم تطور الامر الى اعادة الاعتبار للاستعمار البريطاني وتمجيد الشخصيات المتخادمة معه، وهنا يكمن سر هذه الحملة بعد الاحتلال الأمريكى تحديداً. أدرك أو لم يدرك من شارك فيها كان الهدف هو تهيئة الشعب العراقي للترحيب بالاحتلال والايحاء بان اميركا كسابقتها بريطانيا سنصل معها الى فردوس الديمقراطية (فلا تفوتنا الفرصة كما ضيعناها بطرد الاستعمار البريطاني). ,
وهكذا بات واضحاً تلاقي الفريق الماضوي مع الفريق المتعولم العدمي في محاولات اعادة فرمتة الذاكرة الشعبية ومحو ذكرى ثورة تموز كخطوة في سلسلة لم تنته لتبديد الهوية الوطنية. كلا الفريقين أصوليان، الاول يدعونا الى مدينته الفاضلة ومرجعيته ماضٍ متخيّل مجيد، يجب أن نرحل اليه ونتوطن فيه الى الابد. والثاني يدعونا الى مدينته الفاضلة أيضاً ومرجعيته مستقبل متخيّل سعيد لايمكننا الوصول اليه إلا بالخلاص من ارثنا (الثوري المرضي) في مناهضة الاستعمار.



#قصي_الصافي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جون لوك والاستعمار الاستيطاني
- اسرائيل لا تستهدف المؤسسات الصحية أبدا ؟ً ج1
- ما الذي كان سيقوله ماركس عن غزة؟
- بين اللبرالية ودعاتها في العراق
- أزمة أخرى أكبر في طريق الجمهورية الإسلامية في ايران
- تأملات خارج النص
- كيف عمل فريق اوباما- بايدن على تمكين القاعدة في سوريا
- حفاضات أطفال في قبضة السي آي أي
- هل تقودنا الرأسمالية الى الجنون؟ الجواب المختصر : نعم
- شجعت أميركا على الفساد بأفغانستان لعدة سنين وطالبان تدرك ذلك
- الدولة الفاشلة صناعة مشتركة
- أغلال الديون في بلدان الجنوب عبء على كاهل العمال في كل مكان
- لن يهزم أردوغان الكفاح من أجل الديمقراطية في تركيا أبداً
- تركيا تشن حملة وحشية في كردستان
- كيف تخلت المنظمات غير الحكومية عن حركات التغيير الجذري في ال ...
- كيف تخلت المنظمات غير الحكومية عن حركات التغيير الجذري في ال ...
- اطفال الفلوجة: اللغز الطبي في خضم الحرب على العراق
- لنتذكّر كيف تهيمن قوى الاستبداد
- شهر عسل منفّر بين اسرائيل والامارات
- قد يعود ترامب أو نسخة منه ثانية


المزيد.....




- تزامنا مع جولة بوتين الآسيوية.. هجوم روسي -ضخم- يدمر بنية ال ...
- نشطاء يرشون نصب ستونهنج التذكاري الشهير بالطلاء البرتقالي
- قيدتهم بإحكام داخل حقيبة.. الشرطة تنقذ 6 جراء -بيتبول- وتحتج ...
- مستشار ترامب السابق: روسيا قد تسبب مشاكل للولايات المتحدة في ...
- كاتس تعليقا على تهديد حزب الله لقبرص: يجب أن نوقف إيران قبل ...
- طريقة مجانية وبسيطة تثبت فعاليتها في منع آلام أسفل الظهر الم ...
- كيف تتعامل اليابان مع الكميات الكبيرة الصالحة للأكل من بقايا ...
- أوكرانيا تنشئ سجلاً لضحايا الجرائم الجنسية الروسية
- كشف فوائد غير معروفة للدراق
- السيسي يطالب الجيش بترميم مقبرة الشعراوي بعد تعرضها للغرق


المزيد.....

- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - مسلسل محو الذاكرة الوطنية التقاء التيار العدمي مع الاسلام السياسي