غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8006 - 2024 / 6 / 12 - 00:48
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يُعد هذا الموضوع من القضايا الشائكة التي تحتاج إلى مزيد من النقاش والتحليل لإيجاد توازن بين مطالب الوعي الوجودي وحرية التفكير الفلسفي, هذا المفهوم يشير إلى الشعور الفردي بالوجود في اللحظة الراهنة، مع الاهتمام بالتجربة المباشرة والحية للحياة.اذ تركز الحاضرية الوجودية على الفرد وخبرته الشخصية الحاضرة، بدلاً من الخضوع لمعايير أو نظريات مسبقة.ويمكن تصنيف ذلك الى:
الوعي الوظيفي (-function-al Consciousness)
هذا يشير إلى الوعي الذي نستخدمه في أداء مهامنا اليومية والتفاعل مع العالم المادي. هو الوعي المرتبط بالأنشطة العملية والمهام التي نقوم بها.
الوعي المفارق (Transcendent Consciousness)
هذا النوع من الوعي يتخطى الحدود المادية للوجود، ويشير إلى الإدراك الأسمى والأكثر عمقًا للوجود والحقيقة الكونية. يرتبط هذا المفهوم بالتجارب الروحية والميتافيزيقية.
في مجمل الأمر، هذه المفاهيم الفلسفية تتناول مختلف جوانب الوعي والذات الإنسانية، من الخبرة المباشرة إلى الأبعاد الأسمى للوجود. وقد شكلت موضوعات نقاش هامة في التقاليد الفلسفية المختلفة. بعض الفلاسفة، مثل كيركيجور، رأوا أن الالتزام بالحاضر والفردية يتعارض مع الوصول إلى المطلق والأبدي, فالوعي المفارق ينفي الحاضرية الوجودية. آخرون، مثل كين ويلبر، قدموا نماذج تصف تسلسل مراحل تطور الوعي من المادي إلى الروحي, فالوعي المفارق يمثل مرحلة أعلى من الوعي الوجودي, بعض الفلاسفة الشرقيون، في البوذية والتاوية، رأوا أن الوعي الوظيفي و المفارق يشكلان جانبين متكاملين ومتفاعلين للوجود, فهما ليسا متعارضين بل متلازمين. هناك من حاول التوفيق بين هذين البعدين، مثل كارل يونغ الذي رأى أن الصراع بينهما يمثل جزءًا من رحلة الفرد الروحية نحو التكامل. بعض الفلاسفة المعاصرين، مثل كين ويلبر، اقترحوا نماذج تصف تسلسل مراحل تطور الوعي مع الحفاظ على التوازن بين البعد الوجودي والبعد المفارق.
بشكل عام، هناك تنوع في الأراء الفلسفية حول هذه العلاقة، مما يعكس تعقيدها وأهميتها في فهم طبيعة الوعي والوجود الإنساني. بعض الفلاسفة الوجوديين، مثل ألبير كامو، رأى أن الالتزام بالحاضر والوجود المادي يتعارض بشكل جذري مع البحث عن المطلق والروحاني. فالوعي المفارق ينفي جوهر الوجودية. آخرون، مثل ريتشارد تارناس، اقترحوا أن الوعي يتطور تدريجيًا من المستويات المادية إلى المستويات الروحية والميتافيزيقية. فالوعي المفارق يمثل مرحلة متقدمة من الوعي الوجودي. بعض الفلاسفة مثل موريس ميرلو-بونتي رأوا أن الحاضرية الوجودية والوعي المفارق ليسا متناقضين، ولكن متداخلين ومترابطين بطريقة عضوية. فلاسفة آخرون اقترحوا أن الوعي له أبعاد متعددة، بحيث تمثل الحاضرية الوجودية والوعي المفارق مستويات مختلفة أو جوانب متميزة لكيفية تجربة الواقع. بحيث تتكامل الحاضرية الوجودية والوعي المفارق في هذا الإدراك المتعدد الأبعاد. هناك بعض الفلاسفة البارزين الذين رأوا تناقضًا بين الحاضرية الوجودية والوعي المفارق، ولم يتمكنوا من التوفيق بينهما بشكل كامل. وهذا الخلاف مازال موضع نقاش واختلاف بين الفلاسفة. النقاط المشتركة بين الفلاسفة الذين يرون تناقضًا بين الحاضرية الوجودية والوعي المفارق:
الانفصال الذاتي
جميعهم يرون أن الوعي المفارق ينطوي على نوع من الانفصال بين الذات والموضوع، مما يتعارض مع مطلب الحاضرية الوجودية بالتماهي والوحدة بين الذات والموضوع.
الموضوعية والاندماج
هؤلاء الفلاسفة يؤكدون على أن الحاضرية الوجودية تتطلب نوعًا من الموضوعية والاندماج المباشر في العالم، بينما الوعي المفارق يفترض نوعًا من الانفصال والتجريد.
الوجود الأصيل
يرى هؤلاء الفلاسفة أن الوجود الأصيل والحقيقي يتطلب الانخراط المباشر والوعي بالحاضر، وليس الانفصال والتأمل المفارق.
الجسد والإدراك
بعضهم، مثل مرلو-بونتي، يؤكد على أهمية الجسد الحي كمركز للإدراك، وهذا قد يتعارض مع الطابع المفارق للوعي.
إذن، هناك تشابه كبير في وجهات النظر بين هؤلاء الفلاسفة، فجميعهم يرون أن الوعي المفارق يتنافى مع جوهر الحاضرية الوجودية التي تتطلب الوحدة مع العالم والموضوعية والانخراط المباشر، وليس الانفصال والتجريد,وبالتالي هناك تباين في آراء الفلاسفة حول إمكانية إطلاق مفهوم "الروح" على الوعي المفارق. في إطار الحاضرية الوجودية، مفهوم الروح له بُعد مختلف عن المعنى التقليدي الميتافيزيقي. هذه بعض النقاط الرئيسية حول مفهوم الروح(الوعي المفارق) في الحاضرية الوجودية.
التركيز على الوجود الإنساني
في الحاضرية الوجودية، مفهوم الروح يرتبط بالوجود الإنساني والتجربة المعاشة للإنسان، بدلاً من التصورات الميتافيزيقية التقليدية.
الروح كمشروع وصيرورة
الروح في الحاضرية لا تُنظر كجوهر أو كيان ثابت، بل كمشروع وصيرورة متجددة للوجود الإنساني، تتحقق من خلال اختياراتنا وتصرفاتنا.
الوعي والحرية
الروح في الحاضرية ترتبط بالوعي والحرية الإنسانية، حيث يختار الإنسان بحرية كيف يشكّل ويعطي معنى لوجوده.
في هذا السياق، قد ينطبق مفهوم الوعي المفارق على الروح الحاضرية، باعتبارها قدرة الإنسان على التخطي والانفصال عن الواقع المادي لصالح وعي متجدد. مفهوم الروح في الحاضرية الوجودية له طابع وجودي وليس ميتافيزيقي بالضرورة، وقد ينطبق عليه جزئيًا مفهوم الوعي المفارق باعتباره بُعدًا من أبعاد الوجود الإنساني المتحرر والواعي. لان المفهوم التقليدي للروح لا يرتبط بشكل وثيق بحرية الاختيار والالتزام الوجودي. بينما في الحاضرية، الروح ترتبط بحرية الإنسان واختياراته وصدقه مع ذاته ,الاختلاف الجوهري هو أن مفهوم الروح في الحاضرية له طابع وجودي متجدد، مرتبط بتجربة الإنسان المعاشة وحريته، بدلاً من طابعه الميتافيزيقي في المفهوم التقليدي. في الحاضرية الوجودية، الروح مرتبطة بحرية الاختيار والتصرف, هذا يعني تحمل المسؤولية الكاملة عن اختياراتنا وأفعالنا، بدلاً من إلقاء اللوم على قوى خارجية أو كيانات روحية مجردة غير مثبتة معرفيا. مفهوم الروح كصيرورة متجددة يؤكد على ضرورة الالتزام بالوجود الإنساني والاختيارات التي نقوم بها. هذا يعني عدم الهروب من المسؤولية والالتزام بتحقيق الذات. بدلاً من النظر للروح كجوهر ثابت، في الحاضرية يُنظر للنمو الروحي كعملية مستمرة تتحقق من خلال الاختيارات والتجارب الوجودية. هذا يعني أن الإنسان مسؤول عن تطوير وعيه( روحه). مفهوم الروح كصيرورة يؤكد على أهمية الوعي والحضور في اللحظة الراهنة. فالروح لا تتحقق إلا من خلال الانفتاح على التجربة المعاشة والإدراك الواعي للوجود. بدلاً من الانفصال عن العالم المادي، مفهوم الروح في الحاضرية يؤكد على ارتباطنا العضوي به. هذا يعني الاندماج في العالم والتفاعل معه بدلاً من النظر إليه كموضوع للاستخدام أو التسلط. النتائج العملية لتطبيق مفهوم الروح في الحاضرية هي تعزيز المسؤولية الشخصية، الالتزام الوجودي، النمو الروحي النشط، الوعي والحضور، والاتصال العضوي بالعالم. في الحاضرية الوجودية، يُتطلب من الفرد أن يكون صادقًا في التعبير عن مشاعره الداخلية بدلاً من إخفائها أو المبالغة فيها. فالأصالة تتطلب الشجاعة للتعبير عن الذات كما هي, بدلاً من الاستسلام لضغوط المجتمع أو الانصياع لتوقعات الآخرين، يجب على الفرد الوجودي اتخاذ قراراته الخاصة والوقوف خلفها بشكل مسؤول, هذا هو جوهر الأصالة.
الحاضرية الوجودية تشجع على التمرد ضد المعايير والتقاليد المجتمعية التي لا تنسجم مع قيم الفرد وأصالته. فالالتزام الوجودي يعني الجرأة على التعبير عن الذات بطريقة فريدة. بدلاً من محاولة إخفاء أوجه الضعف والتناقضات الشخصية، يُطلب من الفرد الحاضري الوجودي الاعتراف بها والتعامل معها بصراحة. فالأصالة تتطلب قبول حدود الذات, بدلاً من الهروب أو التجنب، يجب على الفرد الوجودي مواجهة المواقف الصعبة والمعقدة بشجاعة وصدق. فالأصالة تعني الوقوف في وجه التحديات بدلاً من تجاهلها. الصدق والأصالة في الحاضرية الوجودية تعني الشجاعة على التعبير عن الذات كما هي، اتخاذ القرارات الشخصية، التمرد على المعايير التقليدية، الاعتراف بالحدود الذاتية، ومواجهة التحديات بصراحة. نحن نختبر أنفسنا بشكل مباشر كموجودات واعية وذات معنى, هذا الشعور الفوري بالوجود والكينونة هو واقع أساسي لا يمكن إنكاره, نشعر بأنفسنا كذوات حرة قادرة على الاختيار والتخطيط وتحمل المسؤولية. هذه التجربة الذاتية للحرية الإرادية تبدو متناقضة مع نظرية الروح كمجرد خاصية وظيفية وجودية او كينونة ذات وعي مفارق. نواجه بشكل مباشر الحاجة إلى إعطاء معنى لوجودنا ولحياتنا, هذا البعد المعنوي والقيمي للوجود البشري لا يمكن تفسيره بشكل كاف من خلال النظرة المادية البحتة. نشعر بأنفسنا كأشخاص فريدين ومتميزين، وليس مجرد أجسام مادية. هذا الإحساس بالذات المستقلة والهوية الشخصية يدعم الفهم الوجودي الحاضري للإنسان. بناءً على هذه الظواهر الوجودية الأساسية، يرى الفلاسفة الحاضريون الوجوديون أن الإنسان لا يمكن اختزاله إلى حالات وظيفية مادية بحتة، بل هو كيان متميز له بعد روحي وذاتي لا يمكن تفسيره بالمفاهيم الميكانيكية فقط. هذه الحجج الوجودية تقدم تفسيرًا قويًا لتجربة الوجود الإنساني المتكامل بغض النظر عن الحجج القبلية لماهية الوجود.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟