أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - مصطفى محمد غريب - هامات فسفورية مشرقة















المزيد.....

هامات فسفورية مشرقة


مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب

(Moustafa M. Gharib)


الحوار المتمدن-العدد: 530 - 2003 / 7 / 1 - 00:57
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


كل المساءات وكل الصباحات ما كانت إلا إضاءة من هامة، شكلت فيما بعد هامات عاليات طويلات يضاهين الشمس في عليائها..

تعرضت الهامة للسؤدد كل ما قدم جذام ليشوههاـ لترتقي قمة الصعود وتفوز في الركن كما تفوز في الجري على الرغم من القواطع الحادة، ومخالب المرائين التي تسعى لحمل آفات الجروح المرّة مرةً أخرى لكي تصيب الهامة بجرح يبقى ينزف كي ينتهي بها المطاف إلى العزلة فيرتاح الطبالون بعد العجز في دق طبولهم اكسب عواء الثعالب الهائمة تحت الموائد الصفراء..

الوشاح الهابط على الهامة لم يكن إلا في جوهره أداة للتخفي واعاقة للظهور لأن الظهور يظهر في العاهات والجماليات على حد سواء.

وتنجلي الفطنة بالعودة إلى ذات المائدة التي كانت تجمع العراقيين على أساس أنهم

يستطيعون تنقية الأجواء بما يقدمونه من تصريفات لأهوال عمت البلاد وطالت العباد

 حتى أصبح الشيء الملازم للهامة الوقوف دائماً للإنارة كشمس تنير أجواء العتمة المطلوبة لجو التشويه والتقتيل والتعذيب والترهيب وأخيراً الموائد العامرة بالمقبلات والمسكرات والغواية والضلالة تزن في آذان الذين يترقبون الدخول مطهمين بالتجلى مرة بالخوذة ومرة بالعمامة ومرة بالقبعة ومرة " بكلاو الخناس" وتَبين  دخولهم وخروجهم على خطوط الهداية والهواية معاً.

ولكي تمحى آثار أناملهم من المائدة يكتسون أثواباً من شعر المعز أو من صوف منسوج على شكل أدعية وتراتيل وصلوات لغنائم تجيء بكاتمات الصوت المقدسة أو من فوهات حديدية أخرى لتهدي الناس إلى الطاعة ، ويجؤي التبشير بيوم عظيم وخالد يسجل للعرب  قيمتهم وتراثهم وللعراقيين عبقريتهم في الخضوع أربع عقود، فتنهال التبرعات بالدم تزيادة الدم المسكوب من عهد قديم إلى يوم يبعث الحجاج إليهم فقيل ما قال وخلد ما خلد وطهر ما طهر من موائد لكي تستمر بالإمتلاء وتجمع حولها المخالب تنتظر المخلب الأكبر القادم لعصر الرعونة وعهد الخونة الذين يضنّون أن الهامة هامتهم فعفروها بالزبالة والقاذورات والنتن والبعرور، بينما عفر هامات العيط بالبيضاء كرائمٍ(1) في التبختر والعلياء والشموخ والتبصر ومعرفة النفس وطهارتها وإبائها العظيم.

كم عرّت المواد ذلة الأفواه وأعقبتها العيون في إغفاءة على وخزٍ من ضميرٍ أو الذلة التي اقتبست من انتعاش المصلحة، وبدلاً من وخزة ضمير اصبح الضمير مقلاة كالجمر والثاني لصب ما في الجوف من تخزين نشاز الذلة وإخراجه كعنفوانٍ للصمود والتصدى بينما تقف الأفواه عاجزة تلوك المائدة ذاتها، وترمي العيون نخاسة الانبطاح بحجة الوقوف.

لم تبق إلا هامات المسكٍ منعّمة بالسؤدد والعزّ دون تحفظ.. وبالرغم من المكايدة والتضيق وصولاً إلى جدران المخالب وانياب الضباع المهوسة بالمسح واللمس والتنفيذ تسبكرّ(2) ألسنتها لتطال الأقوام الهابطة بهاماتها نحو تفسخ الوصول بطرقٍ مبتذلة..

كم القدود تسربلت في الموائد وحطت قدْرها عليها وزمرت لعامرة فراغها وسلت ما بينها وبين ماضيها من مودة، وكم تجلت اللحظات أمام أربع عقود من القحط والفراغ

والتيبس والانحطاط وفراغ القامات وهول الأحلام المرعبة ولا ينجع(3) إلا إلا التدفق أما الذات والتتلمذ من التجربة والتجارب حتى وإن كان العقاب من فنون الحزن الطويل المتشعبْ.

عقود م الموائد على مائدة واحدة تأكل من رأسها اباطرة عليهم امبراطور ديوث استعمل مخالب متنوعة وافواه ضباع جائفة ليأكلوا فِتات الموائد ثم حثهم على الإنصياع وسيران خفايا الليل ليمضغو لحوم المغيبين عن الحقائق أو الذين يفقهون الحقيقة لكنهم مغيبين عنها لأن النوائب لازمتهم والفواجع أجزعتهم فكان الصبر والتجلد ليس استعارة إنما تأصلاً في استقصار المسافة للهم الذي يستحقونه.

التحقق كان وليمة الخرسان والعميان والطرشان بعدما ولى الأمبراطور النشاز والصفحة الرديئة واختباء مخالب التابعين وأنياب الجيفة في جحور تنتظر الفرصة المناسبة للوثوب إذا لم تخرج لحد الآن.. وساحت ضباع الليل بعد تربص لفتنة مقبلة..

وتحقق مجيء الجيوش الخارجة من دائرة التاريخ تريد سد فراغ الماضي بنوع من

الماضي تقول عنه إضاءة المستقبل المنقوع بمقابر تبدو للوهلة الأولى عددية تعدها الأعين والألسن والأسماع ولكن المغيب منها ما زال مقبوراً يلم الشواهد من القدود والهامات التي أذلت الذل على الرغم من صعلكة الزمان الرديء المحدد بالمكان الذي جلب كل عاهات الخردة الرخيصة.

وبعد خراب الموائد ، والمائدة الصفراء وذهاب زفرتها الرخيصة، عمرت موائد جديدة بموصفات جديدة غايتها احتلال المكان في زمن يتلوث بالزفرة من جديد، ألتف حولها شيطان له ملايين الأعين، لكل عين رأس نووي أو صاروخ يأتي عبر بلدان متاخمة مشوية على طبق اللذة في السيطرة ، هذه الآفات تحمل بين طياتها خطابات الانكشاف

فيصفق لها خراخيش الفكر الرديء الذي استبدلوه بفكرٍ يرى العتمة ضوءً والضوء عتمة.

جيوش الخراب التي امتدت على كل بقعة من التراب لتدوس بعمق المأساة القديمة متحفة بمقاييس مأساة لا نعرف حدود معرفتها ولا حدود مواقعها ولا حدود زمنية محمددة.. لها أمراس(4) من فولاذ صقيل تبدأم ن ناطحات السحاب لتلتف على أعناق قوانين حامورابي، ومدينة كلكامش، ضاربة في عمق الصحراء ، شاهقة كقمم حصاروست وقنديل وبقايا مقابر هندرين.

وبينما كان الهتاف القديم يتوارى عن الأنظار أعادوه تارةً أخرى فكان شعاراً زانياً وفاسقاً ونشازاً ترفضه الهامات النظيفة، ولما سقط تمثال الأمبراطور الجريمة كان العرّة يتسابقون ليمضغون لباناً أمريكياً محلولين تصديره لكي تمضغه الأفواه ليصبح ظاهرة للمضغ يؤدي إلى الموائد الجديدة ورأسها المائدة المرصعة بنجوم خيالية ومبطنة بنجمة سداسية ستكون شرفهم وعفتهم وعنوان وطنيتهم، يصفقون عراة صدورهم وأفكارهم تكاد أن تكون قابلة للنطح لينطحوا الفكرة لعلهم يعودون إلى صوابهم الذي فقدوه مرتين.. فرحة الأولى وحزن الثانية.

بينما تتذأب قطعان جديدة وتتقلد بخبث التلصص فيكثر الذباب لتصبح الأرض مذأبة(5) فتهجر من تذأب الرياح المسممة وتخلع عن وجهها قناع التمشدق بالحضارة والديمقراطية وراحة البال وحقوق المضطَهَدين الذين اضطِهدوا من قبل ذلك مما جعلهم خارج الحلقة.. وبدلاً من التسليم حسب الوعود استلموا هم أموراً وتقدوا دروعاً وهم لا يتصورون أنهم كافؤا الأمبراطور وطغمة الفساد بالحرية ليجعلوه بطلاً بعد خراب العراق.

تعود الهامات لترى الموائد، والمائدة السداسية إذلال من نوع جديد، ومذلة ما بعدها مذلة قد تتساوى مع إذلال أربع عقود حجاجية، أقول أربع منذ أن قدموا بالقطار وطشوا البراغيث في جسد العراق فأصابه بالعلل وفي مقدمتها الطاعون اللاقومي.

يريدون أن يقودونها كما يقودون العير بعد ترويضها بألجمة التعص أو الإنفتاح حتى أخر زر، نذيراً حتمياً لصاعقة مهلكة كي لا يهلكوا هم فيها، ينقذون إلى وادي لا زرع ولا ماء ولا نبات فيه، إلا عواء الذئاب الجائعة المتهيأة للنهش، فهل تقبل الهامات بالودي أو بالعير المُروض أو بالمائدة لتهبط إلى قعر الرضوخ؟ أم تقف تناطح الشمس لكي تهيأ مائدتها بطرد من يريد أن يعيد الماضي، أو من يريد أن يكون الماضي بمخلب جديدٍ وأسطونة مشروخة؟ وهل يترك الأمر على مجراه؟ مثلما ترك أربع عقود فقامت مقابر لا حرث فيها سوى العظام الآدمية التي غيبت في حفلات التشعوث لرفاهية ضباع الليل، حتى العلم والتحضر والأمة والتاريخ والتراث لا تعرف الكثير عن أصحابها.. كيف قضوا؟.. كيف كانوا؟.. وماذا كانوا ؟.. أي ذنب اقنرفوه ؟.. وكيف نفذ فيهم عقاب المخالب ولعاب الضباع البصاصين؟..

ان كل المساءات وكل الصباحات ستعود الهجرة مرة أخرى إذا لم يكن بالإستطاعة حسم الأمر أولاً بين أهل الدار الذين يعرفون جيداً أن لا منقذ لهم إلا بوحدة الهدف والطريق، وأن لا تعود الهامات للتضرع لأيجاد المكان كالطيور تبحث عن وُكُناتها(6)..

 فتبقى مترقبة في سماء الوطن المغتصب مرتين.. امبراطور سقيم وطغمة فاسدة، وآليون جدد يمتدحون المستقبل بالماضي ويتنكرون لمستقبل الهامات.

فهل تنشد الهامات رؤيتها هادفة تقرير المصير؟

سنرى........................................!

1-الرائم:الضبي الأبيض.2- اسبكرّت: الطول، الإمتداد.3-ينجع: تنفع.4-الامراس: الحبال.5-مذأبة: كثير الذباب.6-الوكنات:مواقع الطيور.

 

 



#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)       Moustafa_M._Gharib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العزيز الدكتور وليد الحيالي تعلم الآخرين التواضع من خلال توا ...
- ما بين الحرب والإحتلال وبين التحرير ما بين التطرف وقيام الح ...
- الجامعة العربية والإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وجهان ...
- الشاعر سعدي يوسف..... وعواد ناصر هل السخرية قيمة حضارية أم ...
- السيد عزيز الحاج و التعلم والتسامح الديمقراطي
- هكذا التهميش وإلا فلا انهم أول من يحتقرون كلابهم اللاحسة الم ...
- بول بريمر .. وعود، وإلغاء، ووعود عديد من - البروفات - لمسرحي ...
- هل الدولة الدينية حلاً لمشاكل جميع العراقيين والعراق ؟
- أين كنتم يا أيها البرلمانيون من ضحايانا ؟ نصيحة للذين يتراشق ...
- للأطْفَــــــــالِ أُغَنِي
- ما الفرق بين زيارة وزيارة ؟ زيارة بلير للبصرة وزيارة جي جارن ...
- حنين إلى المـــــــدّ
- العلة أصبحت ليس في المواقف فحسب وإنما في...!
- إنَهم جَاءُوا إلَينا دَيْدَبَاء... !
- البارحة كان الشيخ الفرطوسي واليوم الشيخ العبادي
- كَرَهْتُ أنْ يُبْطئ عَليكَ خَبِرِي
- الثقافة والوعي عند الإنسان
- مغامرة الحلم في اليقضة
- فسيفساء المقابر
- فسيفساء فكرية


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - مصطفى محمد غريب - هامات فسفورية مشرقة