|
اتحاد الطلاب الجامعيين المكارثيّين في إسرائيل
سابير سلوتسكر عمران
الحوار المتمدن-العدد: 8005 - 2024 / 6 / 11 - 22:40
المحور:
القضية الفلسطينية
تسعة شبان، طلاب جامعيين، يقفون أمام الكاميرا يحملون لافتة. في الخلفية موسيقى إيقاعية وضاغطة. لا يقولون أية كلمة، لكنّ وجوههم متجهِمة. من الواضح أنهم هنا لمحاربة عدوٍّ مشترك، للدفع قُدُمًا بتشريع يُعتبَر بالغ الأهمية، بل حاسمًا، لدراستهم الأكاديمية. هذا شريط فيديو مهمّ بالتأكيد، لأنّ الإعلان الذي يدعو ويروّج للحملة يظهر في الصفحة الرئيسية من موقع الانترنت الخاص باتحاد الطالبات والطلاب الجامعيين في إسرائيل.
بكوني طالبة للقب الثالث، أثار الأمر فضولي. ما هو الشيء الأكثر أهمية بالنسبة للطلاب الجامعيين اليوم: هل المخطوفون؟ أم سلوك الدولة، الذي يقود نحو مقاطعة أكاديمية غير مسبوقة لإسرائيل؟ هل هو غلاء المعيشة؟ أم الميزانية التافهة المرصودة لصندوق المِنَح التعليمية للطلاب الجامعيين؟
يتضح أن المشكلة الأكبر هي أستاذة الفلسفة د. عنات مَطر، من جامعة تل أبيب، وأستاذة علم الإجرام والعمل الاجتماعي، بروفيسور نادرة شلهوب كيفوركيان من الجامعة العبرية في القدس. أما في المجالات الأخرى جميعها، فكل شيء على ما يُرام كما يبدو.
لا، ليس الحديث عن تسعة طلاب فقط، بل عن حملة متكاملة يقودها الاتحاد القطري للطلاب الجامعيين. الهدف منها، كما يدّعي منظموها، هو "إخراج الإرهاب من الأكاديميا"، بما في ذلك بالوسائل التشريعية. وتتأسس هذه الحملة على اقتباس من مدوَّنة صوتية (بودكاست) باللغة الإنجليزية تدعو فيه شلهوب كيفوركيان إلى إنهاء الصهيونية، وكذلك على بعض الاقتباسات من صفحة د. مطر الشخصية على شبكة فيسبوك، أحدها هو من نص التأبين الذي كتبته لوليد دقّة. وتدعو الحملة إلى إبعاد الطلاب وفصل المحاضرين الذين "يُنكرون وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية" و"يدعمون الإرهاب".
التحريض الأرعن ضد مَن يجرؤون على التحدّث وإسماع أصواتهم ضد الحرب بصورة علنية، التحدّث عن عدد القتلى في قطاع غزة أو طرح فكرة أن هنالك بشرًا في الطرف الآخر أيضًا، لم يبدأ اليوم، لكنه شهد تصعيدًا واضحًا هذا الأسبوع. وتجدهُ الآن مفروشًا على اللوحات الإعلانية في الشوارع، في نتيفي أيالون وفي حيفا، والتي تتراوح كلفة كل واحدة منها بين عشرات ومئات آلاف الشواقل من أموال الطلاب الجامعيين المُعوِزين، بعضهم قد أخلِي من منازله والبعض الآخر ينتظر أحباءهم المخطوفين في قطاع غزة. ومن يمّر قرب هذه اللوحات الإعلانية قد يظنّ أنها حملة إعلانية لمنظمة يمينية متطرفة تعارض الحرية الأكاديمية، لأنّ اتحاد الطلاب الجامعيين امتنع عن الإشارة إلى أن الحملة له وخاصة به. لماذا؟ ما الذي يريدون إخفاءَه؟
لطالما كانت الحركات الطلابية في الجامعات في العالم كله تُعتَبر جزءًا من قيادة النضالات من أجل العدالة الاجتماعية، الحرية والمساواة، وضد الظلم والاضطهاد. فقد خرجوا للدفاع عن مجموعات سكانية مُستضعَفة ومنظمات عمالية وعارضوا الفاشية والحروب. أما في إسرائيل، في المقابل، فلم يسمع الطلاب الجامعيون عن داني الأحمر أو صوفي شول. قادتهم هم مجموعة من المُذعنين للنظام ورئيسهم، إلحنان فِلهايمر، هو ناشط يميني كان قد أدين في الماضي، في إطار صفقة ادعاء، بالتسبب بجروح في ظروف خطيرة وبالتآمر لتنفيذ جريمة. نموذجهم المُحتَذى هو منظمة "أم ترتسو" التي أقرت المحكمة في الماضي بأنها ذات سِمات فاشية.
هل يريد اتحاد الطلاب الجامعيين إعادة أعضائها، المخطوفين منذ ما يزيد عن ثمانية أشهر، بواسطة منظمات إرهابية حقيقية؟ في صفحته على شبكة فيسبوك، ليس هنالك أي ذِكر لهذا الموضوع. لكن، ماذا يوجد؟ ـ أشرطة فيديو تسخر من "التقدميين الأمريكيين" الذين يهتفون "فلسطين". خه خه خه، يا لهم من أغبياء هؤلاء الأمريكان في هارفارد. كيف يحبّون الانشغال بالجندر ولغة المخاطبة بينما لا يمتلكون أدنى معرفة عن أي نهر وأي بحر يجري الحديث.
صحيح أن بعض الطلاب الجامعيين في هارفارد مُزعِجون وسطحيون حقًا. أنا أعلم، لأنني درستُ هناك طوال سنة كاملة. غير أن الأغبياء الحقيقيين هم نحن، الطلاب الجامعيين الإسرائيليين. لقد أنهينا الفصل الدراسي الأول، ثم بدأنا الفصل الدراسي الثاني وأصدقاؤنا ما زالوا يتعفنون في غزة. في افتتاح السنة الدراسية الجديدة، وُضعت صورُهم على كراسٍ خالية في الصفوف التعليمية، وكأنهم أشباح. مرت ثمانية أشهر ولم تبق في الأحرام الجامعية سوى القليل فقط من اليافطات الكالحة التي تحمل أسماء المخطوفين، الذين لم يعد يعض منهم على قيد الحياة. لا مظاهرات من أجل إطلاق سراحهم ولا لوحات إعلانية في "أيالون" تدعو إلى إعادتهم.
في الوقت الذي نسخر فيه نحن من الحركات الطلابية في الجامعات الأمريكية والأوروبية ونتّهم العالم كلّه بمعاداة الساميّة، نسمح لحفنة من النفعيين في اتحاد الطلاب الجامعيين بتحويل ميزانيات هائلة ـ ليس لدعم عائلات المخطوفين، وإنما لرجم أستاذتين جامعيتين تحظيان بالتقدير، رجمًا علنيًا، لمجرد أنهما لا تندمجان في إعلانات الولاء لحكومة نتنياهو ـ بن غفير ومبعوثيها المكارثيّين.
في الحقيقة، كانت بعض اللجان الطلابية قد عارضت هذه الحملة، بينما تنصلت منها لجان أخرى بأثر رجعي ـ الأمر الذي قاد إلى تصنيفها في وسائل الإعلام بأنها "داعمة للإرهاب" ـ إلا أن غالبية اللجان قد التزمت الصمت. لا وقت للانشغال بصغائر الأمور وتوافهها، مثل معارضة الملاحقة والإسكات، في الوقت الذي يتعين علينا تنظيم حفلات يوم الطالب. لحظة، ولكن ماذا مع الطلاب المخطوفين؟ ـ لا تقلقوا، في أي نشر عن الاحتفالات ستجدون أيقونة الشريط الأصفر معلَّقًا على الزاوية العليا، مثل افتتاحية בס ד ـ "بسَيعَتا دِشمَيا" ("بإذنه تعالي"، بالآرامية). حقًا، كان من المفضّل كتابة בס ד، ففيها ثمة مطلب ما على الأقل من جسم يملك القدرة على المساعدة، حتى لو كان سماويًا.
لم يفت الأوان بعد لرفع الصوت وجعله مسموعًا. نحن الآن في خضمّ مرحلة سياسية حرجة، عصيبة ومحفوفة بالمخاطر: كل مَن لا يتصدّى بشكل فاعل للعنصرية، للتحريض، للخطوات الفاشية وللمس بحرية التعبير ـ يدعم، بصورة فاعلة، العنف وكتم الأفواه. وحين تمرّ مثل هذه الإجراءات الحقيرة بهدوء، فسوف تصبح هي القاعدة المعيارية الجديدة التي لن يكون من الممكن التراجع عنها. صرخات الصدمة والذهول والتعقيبات على بوست لـ "أم ترتسو" ـ عفوًا، لاتحاد الطلاب الجامعيين ـ لم تعد تكفي. ينبغي أن يتلقى اتحاد الطلاب الجامعيين آلاف الرسائل الإلكترونية التي يوجهها طلاب جامعيون إلى رئيس لجنة الطلاب في المؤسسة الأكاديمية التي يدسون فيها ويطالبونه بالتوقف عن تمويل هذه الحملة البائسة من الرسوم التي يدفعونها للَّجنة.
يمكن، أيضًا، الكتابة إلى رئيس اتحاد الطلاب الجامعيين، فِلهايمر، الذي يظهر عنوان بريده الإلكتروني على موقع مجلس التعليم العالي، والتظاهر في كل حرم جامعي أو الإعلان جهرًا عن دعم المحاضِرَتين المهددَّتين بالفصل لمجرد أنهما عبّرتا عن موقف سياسي يدرك كل من يصغي إليه أنه ينبغي أن يكون محميًا تحت مظلة حرية التعبير. صحيح، ليس من السهل التحدث دائمًا. قد يخشى المرء أحيانًا، وخصوصًا في الأجواء الحالية بالتأكيد، وهنالك عبء الامتحانات أيضًا. لكن، لم يعد من الممكن الوقوف جانبًا بعد الآن. ممنوعٌ تطبيع سلوك اتحاد الطلاب الجامعيين. ممنوعٌ التعوّد على الفاشية.
الكاتبة هي محامية لحقوق لإنسان، مديرة مشارِكة في حركة "لنكسر الحيطان" وتدرس لنيل درجة الدكتوراة في القانون في جامعة بار إيلان
#سابير_سلوتسكر_عمران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اتحاد الطلاب الجامعيين المكارثيّين في إسرائيل
المزيد.....
-
بمن فيهم مجرمون.. السلفادور تستقبل مهجرين وسجناء أمريكيين في
...
-
المدعية العامة في نيويورك تتحدى ترامب
-
أ ب: الصين تعلن فرض رسوم إضافية على العديد من المنتجات الأمر
...
-
نتنياهو يمدد زيارته إلى واشنطن
-
لابيد: وقف إطلاق النار لن يسقط حكومة نتنياهو
-
هزة أرضية بقوة 6.2 درجة في إندونيسيا
-
القناة -12- الإسرائيلية: 6 إصابات بعملية إطلاق للنار قرب حاج
...
-
فضيحة تهز فرنسا.. اتهام طبيب بالاعتداء الجنسي على 299 طفلا ت
...
-
ترامب عن دور ماسك في الإدارة: موظف خاص بصلاحيات محدودة
-
السودان.. القوة المشتركة تتصدى لهجوم عنيف من -الدعم السريع-
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|