أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام موسي - الحياة حلم) بين انتقادات الكلاسيكية الجديدة و الواقعية و احتفاء الرومانتيكية و طليعة النصف الأول من القرن العشرين















المزيد.....

الحياة حلم) بين انتقادات الكلاسيكية الجديدة و الواقعية و احتفاء الرومانتيكية و طليعة النصف الأول من القرن العشرين


حسام موسي
كاتب وباحث وناقد ومؤلف مسرحي مصري


الحوار المتمدن-العدد: 8005 - 2024 / 6 / 11 - 22:20
المحور: الادب والفن
    


يشير ميلتون بوتشانان إلى أن النقاد الذين ينتمون إلى الكلاسيكية الجديدة في أسبانيا خلال القرن الثامن عشر قد هاجموا مسرحيات كالديرون دي لاباركا. الكاتب و الناقد الأسباني ترِيجِروس قد وصف (الحياة حلم) في عام 1788 بالمسرحية البغيضة التي لا تستحق التقدير الزائد الذي منحه البعض لها فقد كُتبت بأسلوب غاية في الحذلقة، و كلٍ من موضوعها و المؤامرة (الخطة، المكيدة، الخدعة) داخلها هما أكثر ما يمكن تخيله من السخف غير المُقْنِع. بالإضافة إلى ذلك يدَّعي ترِيجِروس أن مسرحية كالديرون تخلو من جلال التراجيديا و سحر الكوميديا. بالمثل فإن موراتين يسخر من حديث روساورا الافتتاحي حيث يتساءل مستنكرا كيف أن امرأة سقطت توا من فوق حصانها الهارب في جبل وعر تنطق بهذه الحذلقات التي لا يستطيع الجمهور أو الحصان فهمها!
بصفة عامة يمكن ملاحظة أن الجمع بين عناصر كلٍ من الكوميديا و المأساة في (الحياة حلم) يناقض بوضوح مبدأ الفصل بين الأنواع الذي يُعد واحدً من أهم المبادىء التي دعت إليها الكلاسيكية الجديدة في إطار محاكاة الأقدمين. كما يمكن النظر إلى الخط الدرامي المتعلق بروساورا و رغبتها فى الانتقام ممن دنّس شرفها بغوايته لها –و هو أستولفو إبن شقيقة الملك باسيليو– على أنه حبكة ثانوية تتداخل مع الحبكة الرئيسية الخاصة بحبس سيخسموندو على يد والده و تحريره مرتين بطريقتين مختلفتين تنتهيان بانتصاره على أبيه الملك الذي يُقر بخطئه لتنتهي عقدة المسرحية بتحول سيخسموندو عن قسوته و بالتالي يصبح جديرا بأن يتولى الحُكم. هكذا تخالف (الحياة حلم) القاعدة الكلاسيكية الخاصة بوحدة الحدث و يصبح كالديرون أقرب من حيث الأسلوب إلى شكسبير في إنجلترا القرن السادس عشر منه إلى راسين في فرنسا االقرن السابع عشر. و لعل هذا يفسر ما حدث لاحقاً مع بدايات القرن التاسع عشر من امتداح ويلهلم شليجل لأعمال كالديرون معتبرا إياه نموذجا لما يجب أن تكون عليه الرومانتيكية. يؤكد بوتشانان أنه في الفترة ما بين 1817 و 1824 في ألمانيا حظت مسرحيات كالديرون بعروض أكثر من تلك التي قُدمت فيها أعمال شكسبير. يشير إيتشيڤارِّيا إلى أنه –و على النقيض من نقاد الكلاسيكية الجديدة– فإن قبول مُنظري الرومانتيكية الأسبان، لاسيما في مراحلها المبكرة، لأعمال كالديرون يعود جزئيا إلى ما حظت به هذه الأعمال من حفاوة في ألمانيا.
أما فيما يتعلق باللغة –على وجه الخصوص– فإن قيام شخصيات كالديرون في كثير من الأحيان بوصف المنظر المسرحي يعود جزئيا إلى حقيقة أن المسرح الأسباني في القرن السابع عشر –مثلما هو الحال في المسرح الإليزابيثي– يخلو من استخدام المناظر المسرحية ، و بذلك يقوم الحوار مقام الإرشادات المسرحية ليتمكن المشاهدون من بناء المنظر في خيالهم. وفقا لبوتشانان فقد تم استخدام ستارة الخلفية االمرسومة لأول مرة في المسرح الأسباني حوالي سنة 1765.
و لكن رفض كلٍ من ترِيجِروس و موراتين للغة شخصيات كالديرون يتجاوز حدود ما ساد من تقاليد قيام الحوار مقام الإرشادات المسرحية لأغراض عملية إلى انتقاد الحذلقة االلفظية التي يمكن فهمها في إطار المعركة الأدبية و الفنية ما بين الحركتين الأسلوبيتين الأسبانيتين: التقعرية Culteranismo و اللوذعانية Conceptismo ، حيث إحتل الصراع بينهما جانبا كبيرا من المناقشات النقدية في عصر الباروك Baroque الأسباني. تتميز كتابات أنصار الحركة التقعرية –و التي يطلق عليها أحيانا إسم الجونجورية Gongorismo نسبة إلى رائد الحركة الشاعر الأسباني لويس دي جونجورا Luis de Góngora (1561 -1627)– بالإفراط فى الزخرفة اللفظية و استخدام أكبر قدر ممكن من الكلمات لتوصيل المعنى، و كذلك التغيير أو القَلب العمدي لترتيب أجزاء الجملة . فضلا عن ذلك لجأ جونجورا و تابعيه إلى استخدام سيل متشابك من كافة أنواع المجاز (التشبيه، الاستعارة، الكناية، الجناس) إلى الحد الذي كثيرا ما يتسبب في غموض المعنى. يكاد معظم االباحثين يجمعون على انتماء كالديرون –أو على الأقل ميله إلى– هذا الاتجاه التعقيدي في الكتابة. يشير إيتشيڤارِّيا إلى أن أنصار الكلاسيكية الجديدة تجاهلوا جونجورا و كالديرون واصفين أعمالهما بأنها نماذج مخجلة لفشل أسبانيا في أن تصبح جزءً من الحداثة.
و لعل حديث كلوتالدو بعد اكتشافه لروساورا المتنكرة في زي رجل و تابعها كلارين في الفصل الأول من (الحياة حلم) يكون من بين أكثر كتابات كالديرون تعرضا للانتقاد و السخرية باعتباره نموذجا واضحا لهذه التعقيدية. إن ذلك الحديث الذي ينطوي على استعارةٍ –يشبِّه فيها كلوتالدو بندقيتَه و ما قد يخرج منها من طلقات بالأفعى ذات الصليل– و ما تبثه من سم يأتي في مقام تهديد و غضب و هو ما يجعل المجاز – من وجهة نظر منتقدي كالديرون – حذلقة لغوية غير مُقنِعة.
و يواصل إيتشيڤارِّيا رصد ماحدث بعد فترة من التقدير الرومانتيكي للباروك بصفة عامة و لكالديرون على وجه الخصوص، حيث عاد انتقاد –و ربما السخرية من– الحذلقة الأسلوبية على يد دعاة الواقعية في أسبانيا مع نهايات القرن التاسع عشر. فعلى سبيل المثال رفض مارثيلينو بيلايو (1856- 1912) –أهم نقاد هذه الفترة في أسبانيا و أكثرهم تأثيرا– أدب الباروك إجمالا بسبب أنه غير واقعي بصورة كبيرة.
في العقود الأولى من القرن العشرين قام مجموعة كتاب ما يُعرف بإسم (جيل الـ 27) بإعادة إكتشاف –و رد الاعتبار إلى– شعر الباروك. إهتم أعضاء المجموعة من الشعراء الذين مارس بعضهم النقد الأدبي أو تدريس الأدب أكاديميا في إطارالطليعة avant-garde الأوروبية بالتأكيد على أن أعمال كلٍ من جونجورا و كالديرون يمثلان أقوى نماذج التقاليد الشعرية في اللغة الأسبانية.
من ناحية فإن هذا التباين في تلقي مسرحية كالديرون بواسطة أنصار هذه الاتجاهات و المذاهب الفنية و المسرحية المختلفة يبدو أمرا طبيعيا حيث يتم تقييم المسرحية بقياسها وفقا لمبادىء و سمات هذه الاتجاهات و المذاهب. من ناحية أخرى فإن قيمة المسرحية تاريخيا تعود إلى احتوائها على السمات الأسلوبية الخاصة بعصر النهضة الأسباني – مثلها في ذلك مثل مسرحيات لوب دي بيجا – فضلا عن تمثيلها لعصر الباروك الأسباني بما ساد فيه من جدل حول قضايا دينية و سياسية. و سيظل دائما المعيار الأساسي في تقييم النصوص المسرحية هو قدرتها على تجاوز زمن إنتاجها باجتذاب المخرجين للظهور في إنتاجات جديدة بعد سنوات أو عقود و ربما قرون من كتابتها.
يستعرض چون رينولدز ردود الأفعال المتباينة للنقاد بعد عرض (الحياة حلم) في نيويورك "خارج برودواي" عام 1964 ما بين منتقد و مادح. على سبيل المثال لخص نورمان نادال معارضته للمسرحية بقوله أنها مسرحية طويلة و لغتها مسهبة. إتفق مارتِن جوتفرِيد مع هذا الرأي مؤكدا أن مسرحية كالديرون بالغة الطول و شديدة الخواء، و تبدو المسرحية –وفقا لوجهة نظر جوتفرِيد– كتيار لا ينتهي من التعليقات الفلسفية التي لا تُلقي أي ضوء جديد على بديهيات قديمة و أحيانا تقدم الشخصيات ملحوظات ساذجة بلا معنى. بالمثل إنتقدت إيديث أوليڤر (الحياة حلم) بدعوى أن شخصيات المسرحية تقضي وقتا أقل في الفعل مقارنة بما تقضيه في الجدل حول القدرية و الإرادة الحرة، الوهم و الحقيقة، الكبرياء و المهانة، الحرية و العبودية، و غيرها من القضايا التجريدية الأخرى مثل الشرف و الانتقام.
و في المقابل يشير رينولدز إلى أن النقاد الأمريكيين الذين امتدحوا (الحياة حلم) ركزوا على تقدير مكانة كالديرون بمقارنته مع شكسبير من ناحية و من ناحية أخرى اقترحوا تأثيره على الكاتب الإيطالي لويچي بيرانديللو(1867 - 1936). على سبيل المثال إدَّعى وُالتر كِر أن كالديرون قد سبق بيرانديللو فى استكشاف العلاقة بين الوهم و الحقيقة، و أن (الحياة حلم) يجب أن تتمتع على الأقل بنصف ما تحظى به (هاملت) من شهرة و تقدير. يقترح رينولدز أن تكرار إشارة هؤلاء النقاد المادحين لمسرحية (الحياة حلم) إلى بيرانديللو ربما يعود إلى مصادفة أن مسرحية (ست شخصيات تبحث عن مؤلف) للكاتب الإيطالي قد امتد عرضها في أحد مسارح "خارج برودواي" في ذلك الوقت.




الفعل الإنساني بين الإرادة الحرة و القَدَرية في (الحياة حلم):
عندما كان كالديرون طالبا في جامعة سالامانكا كان الأساتذة الجزويت (اليسوعيين Jesuit) بالجامعة مشتبكون مع الدومينيكان Dominican من جامعة كويمبرا في جدل حول المشكلة العقائدية الخاصة بأفعال الإنسان ما بين الإرادة الحرة free will و القدَرية predestination ، و هي تيمة مركزية في (الحياة حلم). الجدل حول هذه القضية الخلافية القديمة إستعر بشدة خلال القرنين السادس عشر و السابع عشر. جوهر القضية هنا هو المدى الذي يشارك به الإنسان في خلاصه الفردي.
في هولندا أصر دِزيدِرياس إيرازموس على أن دورا ما –أيا ما كان هذا الدور ضئيلا– لا بد أن يُترك للإرادة الإنسانية. لاحقا في أسبانيا مضى الجيزويت أبعد في نفس الاتجاه حيث تبنوا رأيا توافقيا عن دور الإرادة الإنسانية من خلال التأثير الإلهي (Divine Grace) الذي يعمل على إلهام الدوافع الفاضلة للبشر من أجل تحمل المعاناة و مقاومة الإغراء. تحت زعامة لويس دي مولينا إقترح الجيزويت أنه فيما يتعلق بأفعال البشر فإن الرب يهيىء (يشير إلى) و لكنه لا يُلزم. و هكذا فإن شخصية الإنسان، من خلال ممارسته لإرادته الحرة، تصبح عاملا في تحديد مصيره و يقع على عاتقه درجة أعظم من المسؤولية.
هذه التوافقية الدقيقة، التي تعلي من شأن الإنسان و في ذات الوقت تمثل انتصارا للرب، قد تم قبولها بواسطة كالديرون و تم تجسيدها في مسرحية (الحياة حلم). بعد تحريره من سجنه بواسطة الثائرين من أفراد شعبه يهزم سيخسموندو أباه و لكن الأمير المنتصر – متذكرا تجربته السابقة – يختار أن يُظهر من العفو و التسامح ما يجعله جديرا بالعرش. هكذا و على العكس من أفعال و أقوال سيخسموندو في زيارته الأولى اللاإرادية للقصر، تتفق فى النهاية إرادة الأمير الحرة في كبح ميله الطبيعي للعنف مع ما يمكن تصوره من التأثير الإلهي الذي ينتصر في نهاية الأمر. بالمثل يمكن ملاحظة إتفاق الإرادة الحرة لكلٍ من الملك باسيليو و أستولفو و حتى كلوتالدو مع الدوافع الفاضلة التي يشير التأثير الإلهي و يهديهم إليها.



#حسام_موسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -النقطة العميا- دعوة لتأمل الذات ومراجعة الضمير
- - النقطة العميا- دعوة لمعرفة الذات
- دنيس ديدرو والابن الطببعي
- كالديرون دي لاباركا والمسرح الباروكي


المزيد.....




- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...
- 3isk : المؤسس عثمان الحلقة 171 مترجمة بجودة HD على قناة ATV ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام موسي - الحياة حلم) بين انتقادات الكلاسيكية الجديدة و الواقعية و احتفاء الرومانتيكية و طليعة النصف الأول من القرن العشرين