|
التعيين الواقعي للطبقات والشرائح الاجتماعية المتضررة من الرأسمالية المالية.....
هيفاء أحمد الجندي
الحوار المتمدن-العدد: 8004 - 2024 / 6 / 10 - 09:54
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يسود في بلدان الاطراف رأسمالية مالية تجارية خدماتية، ذات طابع طفيلي ربوي تنشط في مجال التداول والوساطة والاستيراد والتصدير والسمسرة والتهريب والمضاربات المالية والعقارية ، اضافة الى تجارة المولات والسوبرماركات والفنادق وتعتمد هذه الطبقة على الدولة من أجل إعادة إنتاج علاقات الإنتاج الرأسمالية بشكلها المشوه والمبتور، وتشكلت هذه الطبقة عند صعود الرأسمالية الاحتكارية في المراكز، والتي تعمل أيضا في مجال المضاربة المالية والعقارية ، الأمر الذي أدى إلى تضخم القطاع الثالث الخدماتي على حساب قطاع الإنتاج ووسائله وهكذا تهيأت الظروف الموضوعية لنشأة جناح مهم من أجنحة الرأسمالية العربية المعروفة بالبورجوازية الكومبرادورية ، ولعبت وحدات الجهاز المصرفي دورا مهما في ضخ السيولة في مجالات النشاط الطفيلي الخدماتي، وخاصة في بلدان الخليج حيث ظهرت فئة التجار الذين يديرون منشأت حديثة ، منفتحة على السوق العالمية وتحمل انماطا استهلاكية جديدة مستوردة ، متل المدن السياحية والمولات العملاقة وخاصة الموجودة في مدينة دبي والتي تدر ارباحا خيالية ، تقدر بمليارات الدولارات وهذه المولات تمتص كل السلع الأجنبية وتمتص أيضا جزءا من فائض القيمة . ولهذا السبب فتح باب الهجرة الى الخليج لأنهم بحاجة إلى العمالة الهامشية الرخيصة للعمل في قطاعات الرأسمال الخدماتي الطفيلي والذي ساهم في زيادة عدد الموظفين من ذوي الدخل المحدود والأساتذة والمعلمين والذين لا تتجاوز مرتباتهم أجور العمال ، و ساهم هؤلاء في إنتاج فائض قيمة ويعتبرون بروليتاريين ، على الرغم من قسمة العمل الرأسمالية التي جعلت منهم موظفين بقوة عمل ذهنية واعتبر ماركس هذه الشريحة عمالاً مأجورين واستخدم انجلز هذا التوصيف بعد ثلاثة عقود ، للدلالة على تدهور أوضاع هؤلاء والذين أصبحوا يبيعون خدماتهم لشارع المال والأعمال . وما يميز العشر سنوات الأخيرة أيضا وبعد خصخصة القطاعات الأكثر حيوية وتوسع العلاقات الرأسمالية ، هو استغلال عمل الفئات المبلترة من الطبقة الوسطى المتعلمة وتكفي الإشارة هنا الى خصخصة التعليم وازدحام سوق العمل بقوة العمل المتعلمة الرخيصة وهذا الوضع شكل حافزا للذين يمتلكون رأسمالا، إلى تأسيس مدارس خاصة لبيع الخدمات التعليمية شأنها شأن أية مؤسسة رأسمالية تهدف إلى إنتاج فائض قيمة ، عن طريق استغلال قوة عمل المدرسين والرأسمالي الذي يريد استثمار أمواله في التعليم الخاص، يقسم رأسماله إلى رأسمال ثابت كالبناء ووسائل التجهيز والرأسمال المتحول ممثلا بأجور المدرسين، والأرباح التي يجنيها هذا النشاط يستمد أصله من عملهم المجاني ، والمدرسين الذين يعملون في المدارس الخاصة يكونون إما متفرغين لهذا العمل وحده ، أو يعملون في المدارس الحكومية ويضطرون لبيع قوة عملهم الى القطاع الخاص من أجل مواجهة ظروف المعيشة المرتفعة ، في الحالة الأولى يكونون بروليتاريين وفي الحالة الثانية أنصاف بروليتاريين سيما وأن مؤسسات التعليم العالي أصبحت أكثر ارتباطا برأس المال الكبير وبالدولة، وتخضع لمصالح الاحتكارات ومرتبطة بالطبيعة الطفيلية للرأسمالية الاجتكارية ، الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد العمال من ذوي الياقات البيضاء، وزادت نسبة المهندسين والعلماء والذين باعوا قوة عملهم للاحتكارات الكبيرة، بنفس الطريقة التي تبيعها الأقسام الأخرى من الطبقة العاملة ولم يعودوا يشعرون بأنهم مجموعة ذات امتياز ، خاصة وأن ماركس لم يقتصر مفهومه عن البروليتاريا على أولئك الذين هم موضوع الانتاج، بل أدرج في صفوف الطبقة العاملة ، كل أولئك الذين يخلق عملهم فائض قيمة يأخذ شكل مباشر أي انتاج السلع أو بشكل غير مباشر وهكذا يتم استيعاب العلم وتجنيد العلماء وبناء مختبرات البحث العلمي وتشييد الجامعات التقنية ، والتي تتطلب إنفاقاً ضخما توفره ظروف الرأسمالية الاحتكارية، لا ضير من القول أن ثمة قوى جديدة برزت في الاونة الاخيرة قوى لعمل عاطفي ، يتحدد في المشاعر والمعرفة والتي أطلق عليها انطونيو نيغري قوة العمل اللامادية التي تنتج منتوجات لا مادية متل المعلومات والمعرفة والأفكار والصور والعلاقات والعواطف وتنتج سلعا لا مادية تتمثل في انتاج المعلومات والاتصالات .
ومن التحولات الأساسية التي طرأت على الواقع الطبقي في الفترة الأخيرة هو زيادة أعداد العمالة الهامشية ، الوثيقة الصلة بالرأسمال الخدماتي التجاري ويقصد بالعمالة الهامشية الأعداد الكبيرة من العمالة الغير رسمية الذين يعيشون في المدن الرئيسية ، ويبيعون السلع الاستهلاكية على أرصفة المدن والشوارع إضافة إلى أعمال التشييد والبناء والصيانة وجمع القمامة وفرزها وتنظيف السيارات والخدمة بالمنازل وزادت نسبة هذه الشريحة بعد أزمة الديون والركود وسياسات التثبيت الهيكلي ، الذي سبب نزوحا للفلاحين الى المدن ونتج عن ذلك اختلال في البناء الطبقي في معظم البلدان العربية ، نتيجة الثقل الذي تحتله البروليتاريا الرثة ولا يمكن اعتبارها طبقة ثانوية لأنه يوجد وفي إطار التركيب الطبقي الراهني طبقتين مهيمنتين الرأسمالية المالية والتي تعيد انتاج هيمنتها وفق نظام أوليغارشي مغلق وعبر الدولة والطبقات الشعبية ممثلة بعناصر من الطبقة العاملة الصناعية والبروليتاريا الهامشية الرثة والبورجوازية الصغيرة المسحوقة وصغار الموظفين الحكوميين و صغار المزارعين والحرفيين وتتسم هذه الطبقة بالتفكك ، ويسهل احتواءها والسيطرة عليها لعدم وجود تنظيمات ثورية ويمكن أن تكون قاعدة للثورة المضادة الرجعية والتنظيمات الطائفية. ورغم أهمية التحليل الماركسي ولكن يوجد انفصام في المجتمعات العربية ما بين الأوضاع الطبقية الموضوعية للفئات الاجتماعية والتعبيرات الايديولوجية عن هذه الأوضاع ، لأنه يوجد تداخل وتعايش بين أنماط إنتاج تعود إلى ما قبل الرأسمالية ، حيث تخضع العلاقة بين العامل وصاحب الرأسمال لاعتبارات غير اقتصادية مرتبطة بالبنى الفوقية وأشكال التسلط والقهر الموروثة من الماضي القائم على الانتفاع وعلاقات الخدمة والاستزلام، ولهذا السبب لا تقوم آليات سوق العمل على بيع وشراء قوة العمل كسلعة حرة بالمعنى الرأسمالي الحديث ، بل يتخللها العديد من الموروثات حيث يتعايش القديم والجديد في جوف واحد, وعلى الرغم من من تغلغل الأشكال الحديثة للإنتاج الرأسمالي تظل هناك علاقات تنازع بين الأشكال والعلاقات الرأسمالية الجديدة ، وبين العلاقات والولاءات التقليدية القديمة لأن الطبقات الحديثة ولدت في أحضان التشكيلات الما قبل رأسمالية وهذا يفسر التداخل ما بين الطبقات والفئات الاجتماعية، بسبب تعايش عدة أنماط أنتاج داخل التشكيلة الاجتماعية ويفسر بدوره التفاوت البنيوي بين أنماط الانتاج المختلفة. وبسبب هذا التداخل يحمل الانسان أكثر من هوية اجتماعية ضمن نظام معقد لتقسيم العمل ، الذي يمثل خليطا من الأوضاع التقليدية القائمة على الروابط العائلية والطائفية والاليات الحديثة لسوق العمل والذي يفسر التداخل ما بين الطبقي والطائفي في الوعي الاجتماعي لدى الفئات الاجتماعية الهامشية، هذه الشريحة التي راهن باكونين على ثوريتها، والتي تشكل نفيا ثوريا للطبقة الرأسمالية مع الفلاحين والمضطهدين وملايين السود والطلاب وفق ما ذهب اليه هربرت ماركوز، ولكن الطلاب ليسوا طبقة بالمعنى الماركسي ، لأنهم لا ينتمون الى أصول عمالية ولا ينتجون فائض قيمة وإن كانوا يعانون من نظام الاستغلال ، على عكس العمال الذين يرتبطون بتناقض أساسي مع نظام الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ، ولكنهم يلعبون ومع المثقفين الثوريين دورا حيويا في توصيل الفهم الثوري الى الشعب في المراحل الاولى للثورة على غرار ما حدث في انتفاضة 1968 التي كانت تعبيرا عن السخط المتراكم للشعب الفرنسي بعد عشر سنوات من حكم ديغول، فقد بلغت البطالة رقما قياسيا وخفضت الحكومة وكبار أصحاب العمل وقتذاك التأمين الاجتماعي، وجرى تقييد على الحقوق الادراية للعمال وشركات الزراعة ، وقضت على عشرات الالوف من صغار المزراعين، وانتقل هذا السخط الى الى الطبقة العاملة ، وكان الحزب الوحيد الذي لم يجمد الصراع الطبقي هو الحزب الشيوعي والذي قاد الشعب الفرنسي الى النضال من أجل التغيير . ولا ضير من القول بإنه مع نمو الحركة الثورية تخلق الطبقات الشعبية مثقفيها وفهمها الجماعي، وتصبح قادرة على أداء وظيفتها الأساسية كقائدة للنضال، وعندها تلقي الطبقة العاملة بثقلها في المعركة وتصبح القوة الحاسمة في الصراع الطبقي، لأن الطلاب يفتقرون الى خبرة الصراع الطبقي وهم ليسوا في المصانع والشركات الخاضعة لاستغلال الرأسمال الاحتكاري بشكل مباشر. اذا أردنا للرأسمالية أن تتحطم ، فلا بد أن تنتقل السلطة الى التحالف الطبقي النقيض وإلى النفي الثوري الذاتي للرأسمالية أي الطبقات الشعبية ، لأنها الطبقة الأكثر تضررا من سياسة خصخصة الأرباح وتعميم الخسائر، وهي الطبقة الاجتماعية الجديدة التي ستواجه الرأسمالية الاحتكارية وستكون حفارة قبرها...
#هيفاء_أحمد_الجندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نفهم الامبريالية اليوم
-
صندوق النقد الدولي ... مفقر للشعوب ومحفزعلى الثورات..
-
بحث في بنية التركيب الاقتصادي-الاجتماعي للمجتمعات الكولونيال
...
-
التغيير الجذري من منظور أزمنة البنية الاجتماعية الكولونيالية
...
-
الامبريالية والتطور اللامتكافىء
-
الميركنتيلية الجديدة
-
رأسمالية الدولة الاحتكارية تحتضر والبديل لم يولد بعد!!
-
إعادة إنتاج للرأسمالية المالية أم انتقال إلى الاشتراكية؟!
-
الإنتفاضات الشعبية العربية من منظور قانون تفاوت التطور اللين
...
-
الأسس الفكرية للانتهازية الثورية والإصلاحية الوسطية
-
هل ستتحقق نبوءة زعيم الثورة البلشفية وتندلع ثورة اشتراكية عا
...
-
مفهوم الإمبريالية بين الأمس واليوم
-
دفاعاً عن النضال الإشتراكي والصراع الطبقي
-
سمير أمين.. المنتج للتمرد
-
المسألة الفلاحية والانتفاضات الشعبية
-
حكاية إسمها ثورة أكتوبر
-
الفكر النقدي الثوري ومفهوم البورجوازية الصغيرة
-
ما الإستراتيجية التي تتبعها الإمبرياليات والطبقات المسيطرة م
...
-
مفهوم الأنتلجنسيا ودورالمثقف الثوري في عملية التغيير
-
مهدي عامل عن التحرر الوطني والصراع الطبقي
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|