أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - نواجه المصاعب في العثور على مخاطب جاد وجدّي قادر على حل القضية الكردية ، حوار اوجلان مع محاميه بتاريخ 6-12-2006















المزيد.....


نواجه المصاعب في العثور على مخاطب جاد وجدّي قادر على حل القضية الكردية ، حوار اوجلان مع محاميه بتاريخ 6-12-2006


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1763 - 2006 / 12 / 13 - 09:15
المحور: القضية الكردية
    


نواجه المصاعب في العثور على مخاطب جاد وجدّي قادر على حل القضية الكردية
عندما كنت أعمل في دائرة السجل العقاري كان لي صديق جيد اسمه "أنور"، وهو من مدينة "هازرو". بلغوه تحياتي إن التقيتم به. لقد أبلغوني بقرار "هيئة انضباط السجن"، وأعتقد أنه يجب الاعتراض على هذا القرار لدى قاضي التحقيق في بورصة. ففي حال مصادقة القاضي على القرار – وأعتقد أن هذا ما سيكون – فسيتم تنفيذه في الأيام المقبلة. لقد أدركتُ ممارسات وسلوكيات الدولة في هذه المرحلة، وأود الدخول في هذا الموضوع.
يقولون أنني أنادي بالانفصالية. وأرد الآن عليهم فوراً؛ كلا! إننا لسنا انفصاليين، لقد كنا على الدوام من الموالين والمنادين بالسلام والوطن الديمقراطي. وإننا نعبر عن ذلك ونذكره منذ مدة طويلة. لقد بدأت بعض الأوساط تفهمنا، ولكن ليس بالشكل الكافي. انظروا في هذه المجلة "بيريكيم" ماذا كتب "لاتشينر": "...أمة ديمقراطية واحدة...". إنه يدرك ما أقوله، ويستوعبه، وهو من اليساريين القدماء. وهو يكتب حول هذه المواضيع منذ ثلاثين سنة، ولكنه جبان، حيث يلجأ إلى الجمل الإيمائية والغامضة. لقد أدركوا معاني وماهيات المصطلحات، ولكنهم لا يستخدمونها في مكانها بالشكل الكافي. أنا لست من الموالين لـ"أمة واحدة"، بل أؤمن بمصطلح "وطن ديمقراطي واحد". ومن الآن أقترح على حزب اليسار: كيف يمكن أن يكون الوطن الديمقراطي الواحد؟ عليهم النقاش في ذلك والرد عليه عبر مقترحات شاملة وواسعة.
إن أصحاب النزعة القوموية التركية السائدة في تركيا طيلة السنوات المائة الأخيرة ليسوا بأتراك في أصولهم، وقد كنت ذكرت ذلك سابقاً. إذ لا وجود للأتراك، ولا لطبقة العمال الأتراك في بلاد الأناضول الفقيرة. وأخص بالذكر طبقة العمال الأتراك، لا وجود لها هناك على الإطلاق. ومن ينادي بالنزعة التركية هم في أصولهم من الأرناؤوط، الشركس، وقسم من العرب، وقسم من الكرد، والبعض أرمني، وكذلك من الروم. والأرناؤوط بالذات ذوو تأثير في هذا المضمار، كما لا يمكن تجاهل قوة الشراكسة في ذلك. لا علاقة إطلاقاً للشراكسة بالتركياتية من حيث الجذور، ولكنهم غدوا أصحاب نفوذ في القوموية التركية. إن هذا التعريف للقوموية التركية ليس بتعريف اجتماعي سوسيولوجي، وبالمقدور نشر المئات، بل الآلاف، من الكتب والكراسات والمقالات بصدد بنية وجذور هذه النزعة القوموية التركية. يمكنكم إثارتها في الوسائل الإعلامية. إنه أمر هام. وقد استوعبت بعض الشخصيات هذا الأمر. لقد ألَّف كل من "ماهر كايناك" و"عمر لطفي مته" كتاباً مشتركاً بشأن بنية الاستخبارات في العالم. تتواجد في جذور هذه النزعة القومية كل من التنظيمات الصهيونية والماسونية.
يذهب "عمر لطفي مته" في كتابه "فرسان المعابد" وحتى الاحتلال الفرنسي. وحسبما يسرد المؤلف، فإن مَلِك سكوتلندا يقوم بقتل ثلاثة آلاف جندي من فرسان المعابد في سكوتلندا، فأباد وجودهم هناك. وفيما بعد يُقسِم الفرسان الناجون، ويؤسسون تنظيماً سرياً، وينتظمون في كل مكان. إنه تنظيم سري للغاية. وقد تمكنوا فيما بعد من قطع رأس ملك فرنسا. إنه تنظيم ماسوني. وتكمن الأفكار والمعتقدات الصهيونية في منابع كل هذه التنظيمات. بالطبع، يجب ألا يتم فهم ذلك على أنني ضد اليهود، أو أني مناهض للساميّة. بل إني أعتقد بحق اليهود في أخذ مكانهم في منطقة الشرق الأوسط على نحو ديمقراطي. في حين أن الصهيونية تعتبر عقلية وذهنية مختلفة.
إن الصهيونية تولِّد نقيضها على الدوام. وقد ولدت النزعة القوموية البعثية كنقيض لها. كما تعززت الشيعية أيضاً كنقيض لها. وما المشاكل القائمة في فلسطين ولبنان سوى محصلة وثمرة لمناهضة الصهيونية. لقد بذلت هذه التنظيمات الصهيونية (أو لنقل الماسونيون) جهوداً حثيثة من أجل إقناع السلطان عبد الحميد بمعتقداتهم وحثه على قبولها، وعرضوا عليه مائة وخمسين مليون ليرة ذهبية مقابل سالانيك وفلسطين، كي يستطيعوا الحظي بمكان لهم هنا، في هذه الأراضي. ولكن السلطان عبد الحميد كان يدرك نواياهم، وبالتالي، فقد رفض مطالبهم تلك. ولهذا السبب، قامت هذه التنظيمات بتأسيس "الاتحاد والترقي" الذي لا يحوي ضمنه العناصر التركية إلا ما ندر. وما قام به تنظيم "الاتحاد والترقي" هنا واضح للعيان، حيث قُتِل الأرمن على أيديهم، وتسببوا بالتالي في ولادة تنظيم "تاشناق" ذي النزعة القومية الأرمنية كمناهض لهم. وقد ألحق تنظيم "تاشناق" الأرمني ذاك ضربات عدة بهم، وبالمقابل، قاموا هم بتهجير وقتل الشعب الأرمني. واليوم تدور المساعي على قدم وساق في سبيل تطبيق نفس السياسات على الكرد أيضاً. لقد تمكنت البنية القوموية من القيام بالانقلاب على السلطان عبد الحميد، وخلعه عن طريق تنظيم "الاتحاد والترقي". بالتالي، ما من قائد يمكنه إحراز النجاح في الشرق الأوسط ما لم يكن ماسونياً.
مصطفى كمال أيضاً ماسوني. وفي الفترات اللاحقة قام مصطفى كمال بانتقاد الماسونيين، وتأسيس تنظيمه الماسوني الخاص، ولكنه لم يستطع إحراز النجاح في ذلك. إن مصطفى كمال شخصية سياسية للغاية. أي أن جانبه السياسي أقوى بكثير من جانبه العسكري. كما أنه، وفي نفس الوقت، جمهوريّ. وقد كان متنبهاً لكل هذه الأمور. ثمة جملة شديدة الغرابة كان قد ذكرها "يالجين كوجوك" في هذا الصدد، حيث قال: " إن هذه الحرب (ويقصد حرب الاستقلال) هي في حقيقتها حرب بين المسيحيين واليهود الماسونيين".
مقابل ذلك، فإن "النقشبندية" هي ضرب من ضروب التنظيم الماسوني بين الكرد. لقد تطلع السلطان محمود الثاني إلى اقتلاع جذور الانكشاريين في عهده. وقد كانت تلك محاولة لإلحاق الضربة بدعائم الدولة. إن ما سعى السلطان محمود لتطبيقه هو إصلاح يعادل في قيمته وماهيته ما قام به مصطفى كمال. إنه حدث عظيم. لقد اقتلع الانكشاريين من جذورهم. وقد كانت "البكداشية" متسترة في معتقدات هؤلاء. بالتالي، وبعد القضاء على "البكداشية"، فقد قام "النقشبنديون" بملء الفراغ الحاصل. وقد تمكن النقشبنديون من تحقيق المساومة والوفاق مع السلطات السياسية ليحظوا بذلك بقوة كبرى وبارزة. كما استطاعوا بسط نفوذهم وتنظيمهم حتى بلاد مصر، سوريا، لبنان، وأفغانستان، حصيلة الجهود الحثيثة التي بذلها "مولانا الشيخ خالد النقشبندي"، والذي هو كردي الأصل، ويتواجد قبره في دمشق. إنهم يمتلكون شبكة تنظيمية واسعة النطاق للغاية. إن "مولانا خالد" من مدينة السليمانية، والتي كانت مشهورة في تلك الأزمان بـ"التكية السليمانية"، وبكونها منبعاً للعديد من الطرائق الدينية. إن النقشبنديين أصحاب نسيج اجتماعي متين.
وما "فتح الله بيك" اليوم سوى ضرب من ضروب الامتداد لهم. كما أن ما حاول "سعيد النورسي" البتليسي ليس سوى شكلاً حديثاً من أشكال الطرائق. إن القوة العظمى التي امتلكتها النقشبندية والطرائق الأخرى في تلك الأزمان تحولت فيما بعد إلى وسيلة للمتاجرة. أنا لست مناهضاً للطرائق الدينية. فالطرائق عبارة عن حاجة، ويمكن لهؤلاء الاستمرار في ممارسة معتقداتهم وثقافاتهم، مع إبداء الاحترام والتسامح تجاه بعضهم البعض. ولكني بالمقابل أرفض أن تكون أداة للمنافع السياسية، أو أن تتحول إلى وسيلة للمتاجرة بها. لا أدري بشكل جازم، ولكن، ثمة اقتتالات ونزاعات تحصل، كما هي الحال في حدث قتل شخص في جامع "إسماعيل آغا". كما أنني أتناول الشيخ المقتول في سوريا، والشيخ المقتول في باطمان، وأمثالهم من أصحاب النوايا الحسنة خارج هذا النطاق.
جلي للعيان ما يحاول "حسين جليك" القيام به. كيف يمكن تحقيق تبعية الكرد بالدولة؟ إنهم يقومون بهذه الحسابات، ويعملون على تطبيقها على أفضل نحو. كذلك الأمر بالنسبة لـ"آكسو" المعروف بقيامه بنشاط من هذا القبيل، ولـ"جونيت زابسو" الذي يتميز بمكانة مؤثرة للغاية داخل الطريقة الدينية. لقد حاولوا كثيراً تنحية "عمر دينجر" من مهامه، ولكنهم لم ينجحوا في ذلك، ولن ينجحوا، فهو مستشار رئيس الوزراء، وله خدماته المهمة جداً في الدولة. لأمثال هؤلاء خدماتهم المهمة للغاية بالنسبة للدولة، وقد احتلوا أماكن جد مهمة داخل الدولة أيضاً، ولن يرغبوا في التخلي عن ذلك بهذه السهولة. ثمة معلومة أخرى لدي؛ حيث وصلتني معلومة في عام 1982 تفيد بأن "كنعان أفرين" كان قد عقد لقاءات في ذلك التاريخ في ماردين مع قسم من الشيوخ من كل من تركيا وسوريا، وكذلك مع شيوخ عائلة الخزنوي. بل حتى أن الجنرال القائم على انقلاب 12 أيلول كان يذهب ويقوم بعقد اللقاءات معهم أيضاً. لقد كانوا يتحدثون عن العلمانية وغيرها، ولكنهم في المقابل كانوا يدعمون ويساندون الكيانات المتمحورة حول الدين تجاه الشيوعية الروسية. كما أنهم استخدموا قسماً من هؤلاء ضدنا في السنين الثلاثين الأخيرة.
يتم قبول "الشيخ عبيد الله" بين الكرد كممثل للنقشبندية في نفس الوقت. وكذلك، فإن "الشيخ سعيد" نقشبندي. وفي حقيقة الأمر، فإن "الشيخ عبد القادر، وغيره من النقشبنديين الكرد كانوا يتفقون مع مصطفى كمال. ولكنهم سعوا لاقتطاع نصيبهم من السلطة بعد حرب الاستقلال. لقد كان مصطفى كمال جمهورياً قحاً، ومتأثراً بالاستعمار الفرنسي، ومعجباً بالجمهورية الفرنسية. وقد أراد تطبيق نموذج العهد الجمهوري الثالث المعروف في تاريخ فرنسا كما هو. وكما تعلمون، فقد شهدت فرنسا النموذج الجمهوري الرابع والخامس فيما بعد، والآن هي تتجه نحو الديمقراطية الليبرالية. لقد أولى مصطفى كمال القوموية أهمية تتوافق والمقدار التي تكون فيه مناسبة للجمهورية. فما كان يهم مصطفى كمال هو أن تكون الجمهورية على أفضل نحو. ولهذا الغرض كان استخدم الطرائق في البداية، ومن ثم قام بسحق قواها. وهؤلاء بالمقابل قاموا بتنظيم أنفسهم في طرائق على أشكال مختلفة، وانسحبوا إلى ما تحت الأرض، أي عملوا بسرية تامة. وأنتم تعلمون ما حل بـ"سعيد النورسي" بعد هذا التاريخ، وما قام به، حيث تقرب أكثر من أمريكا فيما بعد، وقام بتسيير نشاطاته بموجب ذلك.
قولوا لكل أبناء ديار بكر، ولجميع الكرد؛ عليهم ألا يصوِّتوا لمن يستغل هذه الطرائق، ولهؤلاء، ولهذه الأحزاب بتاتاً. عليهم ألا يمنحوهم ولو صوتاً واحداً. فالأصوات التي يمنحونهم إياها ترجع إليهم على شكل قنبلة، أو ثقافة البطش. إذ يتم تصعيد ثقافة البطش بحق الكرد في كل أماكن تواجدهم. كل هذه الأمور مدروسة، ويتم تسييرها ضمن مخططات ممنهجة. فأينما يتواجد كردي ما يتهمونه بأنه من أعضاء PKK فيقومون بالبطش به على الفور. وقد تتحقق المئات من أحداث البطش بحق الكرد. يجب اتخاذ التدابير.
سأخصص حديثي لليوم ضمن ثلاثة أبعاد. البُعد الأول فلسفي، والثاني سياسي، والثالث بصدد الاشتباكات.
أبدأ بالبُعد الفلسفي. لم نستطع التفكير حتى اليوم بظاهرة التحول المجتمعي والدمقرطة دون التطلع إلى السلطة. ثمة أفكار جد هامة في كتاب "المجتمع الأفقي" الذي استفدت منه، ولكنه ناقص وغير منظم نوعاً ما. وأنا أذكر تلك الأفكار على نحو أكثر انتظاماً. هكذا أقوم بتعريف السلطة؛ السلطة موجودة في كل مكان. في البيت، العائلة، المجموعات، القرى، في الأحياء، وفي كل مكان تتواجد فيه العلاقات. وقد تطرق "م. فوتشولت" إلى أفكار مهمة في هذه الشؤون. وبتأثير العولمة، وانتشار الانترنيت والتلفاز، لم تبقَ مجموعة أو فرد لم يتلطخوا بالسلطة. أي أنه أقيمت علاقة الجميع مع السلطة بشكل من الأشكال.
إن السيادة الديمقراطية أمر، والديكتاتورية، أو السلطة أمر آخر. لقد ألحق "ستالين" الضرر بالمجتمع تحت اسم البروليتاريا وهتلر باسم الرأسمال. وكلاهما متماثلان، أي، لا فرق بينهما. لقد تحقق التحول إلى سلطة والتلطخ بالسلطة بين صفوف الكرد أيضاً. وقد تطرقت إلى هذا الموضوع من أجل رفاقنا أيضاً، حيث قلت بضرورة التطلع إلى الدمقرطة دون الاحتكاك بالسلطة. إن عدم إحراز النجاح في تجربة تشيلي أو أمريكا اللاتينية يرجع في أساسه إلى ظاهرة السلطة. فالولايات المتحدة الأمريكية تتعقبهم، وتتابع أمورهم، وتنظر إليهم، وفي حال أي خطأ أو خلل بعد وصولهم إلى السلطة، تقلب أمورهم رأساً على عقب. ولكن يتم الوصول إلى الهدف لدى تحقيق الانفراج والانفتاح وتشكيل الكيانات اللازمة من أجل دمقرطة المجتمع برمته، دون التلطخ بالسلطة. كنت قد قمت بتثبيت الأمر التالي سابقاً: "ثمة مقاومة وتمرد في كل مكان تتواجد فيه السلطة".
ثمة مقاومات موجودة في جميع أنحاء العالم، ولكنها مستقلة عن بعضها، ومنفصلة بحد ذاتها. ورأيي في هذا الصدد هو لم شمل كل تلك التجارب والحركات، والعمل على الحراك معاً. بالتالي، فإن ما أطرحه إنما يعنى بالعالم بأجمعه. ولهذا السبب فقد عبرت عن الكيانات أو الأفكار التي ستتكون وتتحقق دون التطلع إلى السلطة، عبر مصطلحات "الائتلاف الديمقراطي"، "كونفدرالية المجتمع المدني، والكونفدرالية الديمقراطية". إنني أشبِّه السلطة، أو السلطات، السياسية القائمة بالطوق. وثمة نقاط ضمن هذا الطوق. وقد أشرت إلى ذلك سابقاً، وقلت أنه ضرب من ضروب اشتراكية فرعون. وهذا الطوق، أو الحصار، هو طوق فرعون. علينا أن نقضي على الطوق، وعلى النقاط أيضاً. إن المجموعات الداخلة في تلك النقاط التي هي داخل الطوق، إنما هي على شكل حلقات متداخلة. أي أنها متقاطعة. لنوضح ذلك بمثال؛ يمتلك الفرد أجهزة عضوية عديدة في جسمه، كالعين، الساق، الذراع، وغيرها. كل هذه الأجهزة العضوية مرتبطة ببعضها البعض بروابط نسيجية. لا يمكنكم تحويل كل شيء إلى العين، أو إلى أي جهاز عضوي آخر لوحده. هل يمكنكم تحويل الجسد بجميع أجهزته العضوية إلى خلية واحدة فقط؟ هذا أمر مستحيل، ذلك أنه لكل جهاز عضوي وظيفته وآليته الخاصة به. ولكنها جميعها مرتبطة ببعضها البعض، ومتأقلمة مع بعضها البعض. ومفهومي بصدد المجتمع إنما هو كذلك، نسيجي وفعال.
أستأنف إلى الصعيد السياسي الآن. تتميز تصريحات "آغار" الأخيرة بأهمية بالغة. فالمصطلحات التي يستخدمها "آغار" قريبة جداً من تلك التي أستخدمها أنا. إنه، هو أيضاً، يتحدث عن التحرر الجنسوي. هذا أمر هام. إن النموذج الذي يسعى "آغار" إلى تطبيقه على أرض الواقع هو نموذج الديمقراطية الليبرالية الذي طبقه الاتحاد الأوروبي. ولكنه لا يمتلك المعلومات الكافية بشأن بعض المواضيع الأخرى. لقد استوعب "آغار" ما تحتاجه تركيا. يمكن تقييم ذلك كفرصة سانحة. لقد قبل "آغار" بالديمقراطية وهضمها. "أردوغان" أيضاً يتحدث عن الديمقراطية، ولكنه لم يستطع هضمها أبداً.
ثمة بعض الانطلاقات الراديكالية في حراك "أردوغان"، ولكنه يستخدم الديمقراطية في حال جلبت له الأصوات، ويتخلى عنها في حال العكس. أي أنه يتحرك بموجب ما يكون في مصلحته. وقد عبر عن ذلك بنفسه حين قال: "إن مفهومنا السياسي هو متاجرة التجار". أي، يمكنه التجارة بكل شيء في سبيل مصالحه. أي أنه يتلاعب على القوموية وعلى الديمقراطية أيضاً. قد تكون الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وراء "آغار" يساندانه. لم يقيِّم أردوغان هذه الفرصة، حيث عجز عن ذلك. ويبدو أن حزبه يتجه نحو الانحدار. لم يبقَ أمام أردوغان أي هدف عدا رئاسة الجمهورية. "مسعود يلماز" لم يستغل هذه الفرصة. فقد تطلع هو أيضاً إلى الديمقراطية الليبرالية، ولكنه لم يطبقها عملياً. "آركان مومجو" أيضاً ذو نزعة قوموية، ودولتية، وهو أكثر تخلفاً من "أوزال" و"مسعود يلماز". فقط "أوزال" أراد القيام ببعض الأمور، ولكن لم يحصل.
واضح للعيان رغبة "آغار" في القيام ببعض الأشياء. وكما ذكرت آنفاً؛ لقد استوعب "آغار" الديمقراطية الليبرالية التي تحتاجها تركيا. وفي الأساس، فقد طُبِّقَت الديمقراطية الليبرالية في جميع أرجاء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ولهذا السبب فإن أغلب الأحزاب المتأسسة بعد الحرب هي أحزاب ديمقراطية ليبرالية. بالطبع هي ليست مماثلة لمفهوم الديمقراطية الليبرالية الذي أتطلع إليه وأهضمه. وقد عبرت عن مفهومي سابقاً بمصطلح "الاشتراكية الكومونيالية"، ولكن تركيا بحاجة للديمقراطية الليبرالية. وأعتقد أن "جمعية رجال الأعمال والصناعيين التركية TUSIAD" سيدعم آغار، وبالتالي سيدعم الديمقراطية الليبرالية.
إن موقف "آغار" أشبه بموقف "عدنان مندريس". أي أنه الموجة الرابعة من الانطلاقة. سابقاً كان قد تأسس حزب الاتحاديين، ولكن لم ينفع. ثم تأسس الحزب الديمقراطي. إن انطلاقة "آغار" تتميز بنفس الأهمية التي امتاز بها الحزب الديمقراطي عبر المرحلة التي ابتدأها في تاريخ تركيا. قد يلقى آغار صعوداً بارزاً. وإذا ما أبدى تعاطياً موضوعياً وواقعياً مع القضية الكردية، وقضية المرأة، ومشاكل العلمانية، فسيحرز النجاح. ولكن، لست في وضع يخولني لقول أي شيء - مهما كان بسيطاً - أو الجزم بمدى صدق نوايا آغار، ومدى تخطيطه ومنهجته لتصريحاته تلك، وفيما إذا كان سيتراجع عن موقفه هذا أم لا. علينا الانتظار والمتابعة.
يمكن القيام بنشاط "قاعدة ديار بكر للديمقراطية" في مدينة ديار بكر. كما يمكن للنقابة في ديار بكر أن تؤسس "لجنة العدالة وتقصي الحقائق". يمكنه القيام بذلك بالاشتراك مع عشرة أو خمسة عشر نقابة في المنطقة. أعتقد أن النقابات في المنطقة تتحرك كل عشرة أو خمسة عشر مع بعضها البعض. وبخصوص النقابة، يمكنها دعوة "آلكيس بوريل" إلى ديار بكر – إن كان لا يزال حياً يرزق – واللقاء به ليشرح تجربة جنوب أفريقيا. يمكن أن ينضم الجميع في ديار بكر من الليبراليين والديمقراطيين والمتنورين والمثقفين والأوساط الدينية المعنية إلى المبادرة بخصوص استمرار مرحلة وقف إطلاق النار، والنضال من أجل السلام. وبطبيعة الحال، يمكن لحزب المجتمع الديمقراطي DTP أن يحتل مكانه ضمن ذلك.
يسعى DTP لتكثيف نشاطاته السياسية. وقد كنت نوهت سابقاً إلى مدى أهمية هذه النشاطات السياسية التي يقوم بها DTP. ولكن DTP غير كافٍ على الصعيدين النظري والعملي، بل يبقى محدود النطاق. إنه يبقى ناقصاً في تنشئة وتطوير الكوادر، واستيعاب وتحليل العديد من الأمور. وأخص أمثالكم من الشباب المفعمين بالحيوية بأنه تقع على عاتقكم الكثير من الأعمال.
أنادي الرفاق المعتقلين؛ فليخلِّدوا ما عشناه وعايشناه، ويحوِّلوه إلى ضروب من الحكايات والروايات وغيرها من المأثورات الأدبية.
أود التطرق إلى موضوع المرأة أيضاً، لما له من أهمية قصوى. أود قول ما يلي من أجل جميع النساء والفتيات، ومن أجل كل الرجال الصادقين والديمقراطيين؛ عليهم الاستمرار في تنظيماتهم ضمن الإطار الذي رسمناه. ثمة نشاطات بحوث ودراسات سائرة على مستوى العالم تذكر ما يشير إلى تأييدها لأحاديثي بصدد المرأة. ثمة حوادث انتحار المرأة في المنطقة، وفي باطمان. عليهن العمل في سبيل سد الطريق أمام حوادث انتحار المرأة.
إنني أصف علاقات المرأة والرجل القائمة حالياً بأن تسعين بالمائة منها فيه اغتصاب، حيث تكمن علاقات جد قبيحة وراءها. إني لست مناهضاً للعشق والزواج. وقد تتواجد الغرائز الجنسية والقوية في العشق والزواج، وهذه أمور طبيعية لا يمكننا إنكارها. أما الخاصية التي أرفضها ولا أتقبلها، فهي ثقافة الاغتصاب السائدة. ثمة الكثير من وقائع وأحداث الاغتصاب المعاشة قبل الزواج، بل وحتى بعده. وإذا ما تناولنا الحدث على صعيد العنف داخل العائلة، فسنرى أن حوادث الاغتصاب القائمة تحت قناع الزواج أكثر قبحاً.
فهم يزوجون الفتيات اليانعات لعجائز في سن الستين، ومقابل هذا الإجحاف والظلم الجائر تلجأ الفتاة إلى الانتحار. ثمة زيجات غير مرغوب بها تتحقق. بل حتى أنهم في بعض الأحيان يأخذون المرأة مقابل المال، أي أنهم يشترونها رسمياً. إنه أمر قبيح ولا أخلاقي للغاية. إنني أستوعب سيدنا محمد على نحو أفضل، حيث يقترح التقرب من المرأة على أساس الحب. هذه خاصية مهمة. ولكني أعبر عن ذلك بعلانية أكثر؛ تلاحظ مثل هذه الحوادث في المجتمعات الإسلامية بنسبة أكبر بكثير. فأفظع حالات اللاأخلاق تحصل في المجتمع الإيراني، وفي المملكة العربية السعودية. أقول للرفيقات الفتيات؛ عليهن هن أن يحددن هذه العلاقة، ويناقشن حولها. وبمقدور النساء العفيفات النزيهات الوقوف في وجه مثل هذه العلاقات السيئة. عليهن بذل الجهود الحثيثة في سبيل ذلك. ولكني مستغرب ومحتار من عدم قيام الرفيقات بنشاطات كافية رغم وجود مثل هذه العلاقات.
آتي الآن إلى موضوع الاشتباكات ووقف إطلاق النار. إني أريد التراجع عما قلته منذ خمسة عشر عاماً. ففي الصباح سمعت نبأ مقتل خمسة من العساكر والكريلا، وأردوغان ذهب إلى إيران، ومنها سيذهب إلى سوريا. إنهم يتباحثون في عدة أمور، ولكن بشكل قبيح للغاية. إنه السلطة. لا، بل ليس بالسلطة حتى. وإذا ما استمر الوضع على هذه الحال، فهذا معناه أنهم يرغموننا على التراجع عن كل ما قلناه بشأن السلام منذ خمسة عشر عاماً، أي منذ عهد أوزال. واعتباراً من بداية رأس السنة سأسحب كلامي ذاك. أي، سأنسحب، وهذا أمر وارد. فبسبب عقوبة العزلة قد يكون هذا اللقاء الأخير لهذا العام. ولربما نستطيع اللقاء والنقاش قبل بداية رأس السنة الجديدة.
قد أتطرق إلى هذا الموضوع للمرة الأخيرة في المرات القادمة. الربيع قادم بعد ذلك، وثمة وقت للكرد حتى الربيع. سأقدم أشد اعتذاري للكرد ولكافة الرفاق والأصدقاء، وسأقول لهم: "منذ خمسة عشر عاماً حاولت جاهداً لإنجاز شيء ما بصبر عظيم، ولكن، لم يحصل". ذلك أن المساعي والجهود المبذولة والمستمرة طيلة هذه السنين الخمسة عشرة بقيت على الدوام بدون جواب، بل جوبهت بالمماطلة والتسويف. وسابقاً كنت قد ألفت كتاباً بعنوان "أبحث عن مخاطب". إنني ألاقي المصاعب في العثور على الشخصيات القادرة على حل هذه القضية بشكل جاد. إن حل هذه المشكلة جد بسيط في حال رغبت الدولة في ذلك، ولكنهم لا يرغبون. تقوم القوى المعروفة ورجالات السياسة بإرسال رسائل على الدوام، ولكنهم يماطلون ويتماطلون كتكتيك منهم.
يراد للتحالف الكردي – التركي الذي أبرمه السلطان ياووز سليم منذ خمسة قرون أن يصار به إلى النهاية. أبلِّغ كافة المسؤولين هنا بذلك. لقد ذهب الطالباني إلى إيرن بهدف تطوير العلاقات. وهذا ما معناه أن التحالف الكردي – التركي ذي الخمسمائة سنة يترك محله للتحالف الكردي – الشيعي. ثمة زمن قصير باقٍ من الزمن أمام الكرد، ثلاثة أشهر. عليهم النقاش جيداً خلال هذه الشهور الثلاث. وبأي حال من الأحوال لا أتحمل مسؤولية ما قد يصل من مستجدات ومتغيرات بعدها. فأنا أعاقَب بالعزلة داخل العزلة بسبب أحاديثي التي أذكرها بشأن وقف إطلاق النار. إنهم لا يرغبون أن أتكلم. بل، وبسبب إشارتي إلى حق الدفاع المشروع أعاقَب بجزاء العزلة داخل الحجرة الانفرادية. إن العقوبة متخذة بحق أحاديثي بشأن السلام. لكلٍ حقه في الدفاع المشروع عن الذات، وهذا أمر حقوقي. ولا يمكن لأحد التخلي عن ذلك. وبذريعة أني أذكر ذلك تتم معاقبتي. لا يمكن القبول بذلك أبداً.
إنني قادر على تحمل الظروف والمصاعب الجسدية، وذلك لا يشكل معضلة بالنسبة لي. لكن الضغط الفكري القائم في هذه المرحلة يضايقني جداً. لم يتم تغيير سريري. فقط أتى طبيب الأمراض الداخلية. ما من شيء أريده.
طابت أوقاتكم جميعاً، وأبلغ تحياتي وتقديري إلى شعب ديار بكر، والشخصيات، والرفاق في المعتقلات، وإلى جميع أبناء شعبنا، وإلى النساء.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الجزء الثاني ...


المزيد.....




- الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة ...
- الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد ...
- الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي ...
- الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
- هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست ...
- صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي ...
- الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
- -الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - نواجه المصاعب في العثور على مخاطب جاد وجدّي قادر على حل القضية الكردية ، حوار اوجلان مع محاميه بتاريخ 6-12-2006