|
السياسة والتحالفات، والإيمان بالرسالة
مجدي مهني أمين
الحوار المتمدن-العدد: 8002 - 2024 / 6 / 8 - 00:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أثار تأسيس "مركز تكوين"- الذي تم بمعرفة عدد من المفكرين- العديد من تدخلات المؤسسات الدينية، أحدها كان البيان الذي أعلنه الأنبا أرميا، الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، وهو تدخل يقع في نطاق التحالف السياسي.. يعني نوع من عمل سياسي، الأمر الذي يجعلنا نختار أصعب اللحظات، لحظة صَلْب المسيح، فهي لحظة مليئة بالسياسة،
- فكيف تصرف رجال السياسة، وكيف تصرف السيد المسيح؟
فلما حكي الناس "عما فَعَلَ يَسُوعُ، جَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعًا وَقَالُوا: «مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَة. إِنْ تَرَكْنَاهُ هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا«. " (يوحنا11: 46- 48) ، وهنا حسم قيافا، الموقف قائلا:"«أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا«!" (يوحنا 11: 50).. فالكهنة هنا يتخذون قرارا سياسيا كي يتخلُّصوا من المسيح فلا يفقدوا دورهم أمام الرومان.
ثم يقوم الكهنة بعرض تُهم سياسية على بيلاطس، الوالي الروماني، قَائِلِينَ: «إِنَّنَا وَجَدْنَا هذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ، وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ، قَائِلًا: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ«. (لوقا 23: 2) ، «إِنَّهُ يُهَيِّجُ الشَّعْبَ« (لوقا 23: 5) ، «إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ «! (يوحنا 19: 12).. يعني بيقدموه كمتمرد وثائر ضد القيصر، وأي تعاطف من الوالي الروماني مع المسيح يُعد موقفا ضد القيصر، وضد روما.. يعني كانوا مَلَكِّيين أكتر من المَلِك، ورومانيين أكتر من الوالي الروماني شخصيا.
ومع هذه المحاولات، يعلن المسيح قوة رسالته، ويترفع، ويوقظ الضمائر، فحين "سَأَلَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ يَسُوعَ عَنْ تَلاَمِيذِهِ وَعَنْ تَعْلِيمِهِ. أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلاَنِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِمًا. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ. لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟ اِسْأَلِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا مَاذَا كَلَّمْتُهُمْ. هُوَذَا هؤُلاَءِ يَعْرِفُونَ مَاذَا قُلْتُ أَنَا«. (يوحنا 18: 19: 21) .. فرسالته يطرحها على الملأ؛ لا تحمل تآمرا ولا يوجد بها سرية.. قوة رسالته في علانيتها وشفافيتها.
ويرسل بيلاطس المسيح للملك هيرودس، الذي لَمَّا « رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدًّا، لأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيل أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَتَرَجَّى أَنْ يَرَي آيَةً تُصْنَعُ مِنْهُ. وَسَأَلَهُ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. «(لوقا 26: 8- 9)..المسيح يترفع عن مجاراة هيرودس، رغم أن هذه المجاراة يمكن أن تمثِّل فرصة ذهبية للمسيح، فمعجزة واحدة أمام هيرودس كافية لقلب المائدة.. المسيح يترفع، فهيرودس زائل، ورسالة المسيح خالدة.
أيضا، لم نجد أي محاولة لاستمالة بيلاطس، فعندما دخل بيلاطس "إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: «مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟» وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَابًا. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَانًا أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَانًا أَنْ أُطْلِقَكَ؟« أَجَابَ يَسُوعُ: «لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. «" (يوحنا 19: 9: 10).. الغريب أنه رغم قوة رد المسيح، إلا أن "بِيلاَطُسُ كَانَ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ." (يوحنا 19: 12).
المحاكمة كانت فرصة كي يتحدث المسيح عن رسالته وتجرده، ففي حواره مع بيلاطس " أَجَابَ يَسُوعُ: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا «. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي «." (يوحنا 18: 36: 37).. طريقته الطوباوية يسرت مهمة أعدائه، ولكنه، من ناحيته، لم يترك باب العداوة مفتوحا بل طلب الغفران لصالبيه،
- "يا أبتاه، اغْفِرْ لَهُمْ، لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." (لوقا 23: 34)
المسيح لم يواجه السياسة بتحالفات ولا باستمالة أصحاب السلطة، بل ذهب في الرسالة للنهاية، والنهاية كانت الصَلْب، وكأنها هزيمة للخير وانتصار للشر، ولكن تأتي القيامة لتضع الأمور في نصابها الصحيح، فلم تكن القيامة مصدر تفاخر لتلاميذه بقدر ما كانت مصدر فرح.. قيامة استرد بها تلاميذه رجاءهم؛ فكان لديهم ما يبشرون العالم به، ومعهم أصبح الصليب أداة انتصار، المسيح انتصر على الصَلْب،
- " »أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟" « كورونثوس الأولى ( 15: 55)
في محاكمة المسيح، قوة الإيمان كانت أكبر وأكثر خلودا من السياسة،
- من هنا وجب نراجع أنفسنا كل يوم حتى لا تجرفنا التحالفات السياسية بعيدا عن جوهر المحبة.
#مجدي_مهني_أمين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يهوذا واعتراض الطريق
-
الناظر شيوعي!!
-
الأخت أديلا، المحاربة المبتسمة
-
صلاح سبيع، عندما تكون التنمية وجهة نظر
-
أبونا وليم، صفحة من كتاب الإيمان الحي
-
أَعْطُوهَا الْوَلَدَ الْحَيَّ وَلاَ تُمِيتُوهُ فَإِنَّهَا أُ
...
-
شنودة الذي حل ضيفا على هذا المجتمع القاسي
-
ساويرس، بكري، علاء، والحق الضائع وغير الضائع
-
الموعِظَة على الجبل، والعِظَات المصاحبة
-
لكن عشق الجسد فاني
-
الرجل رأس المرأة
-
المؤمن ثقيل الظل
-
الصيدلي المتشدد والعمل الإرهابي في سيناء
-
دون مزايدة
-
عَيِّلة تايهة يا ولاد الحلال
-
أبونا عيروط، إصلاح الخطاب الديني
-
يا أهل المحبة
-
نبيل صموئيل: المصلح المسالم
-
المستشارة تهاني الجبالي
-
شريف منير وحكاية فيلم -ريش-
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|