أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - فيكتور هوجو: نجمٌ ساطعٌ لم يخفت بريقه















المزيد.....

فيكتور هوجو: نجمٌ ساطعٌ لم يخفت بريقه


حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)


الحوار المتمدن-العدد: 8002 - 2024 / 6 / 8 - 00:17
المحور: الادب والفن
    


يُعدّ فيكتور هوجو، أديب فرنسا العظيم ورمز الحركة الرومانسية، من أعمدة الأدب العالمي، تاركاً إرثاً أدبيّاً ضخماً خَلّد اسمه عبر العصور. ورغم مرور قرنين على رحيله، يطرح البعض تساؤلات حول استمرار بريقه الأدبي وتأثيره في عصرنا الحالي.
لقد واجه هوجو خلال حياته وبعد وفاته آراءً متباينة، فمنهم من اعتبره عبقريّاً لا مثيل له، بينما رأى آخرون أنه مبالغٌ في تقديره. فعلى سبيل المثال، عبّر الكاتب الفرنسي أندريه جيد عن استيائه من سؤال حول "من هو أكبر كاتب فرنسي؟" قائلاً: "للأسف، فيكتور هوجو!". بينما وصفه ناقد آخر بـ "مجنون يتصور أنه فيكتور هوجو".
تميز هوجو بمواقفه السياسية المتنوعة، ففي بداية مشواره، دعا إلى "الأدب الاجتماعي الملتزم" مؤكداً على ترابط الأدب والسياسة. وتنوعت إبداعات هوجو لتشمل مجالاتٍ أدبيةً مختلفة، من الروايات والشعر والمسرحيات، إلى المقالات والرسائل.
لقد حظي هوجو بتقديرٍ رسميٍّ كبير، حيث أعلنت الحكومة الفرنسية الحداد العام بعد وفاته، ودُفن في مقبرة بانتيون المخصصة للمشاهير، وهو شرف لم يحظ به أي أديبٍ آخر في ذلك الوقت. وتُشيرُ مصادرُ أدبيةٌ غربيةٌ اليوم إلى أنّ مؤلفات هوجو شكّلت مبادئَ لحركةٍ تنويريةٍ وثقافيةٍ تاريخية.
فقد نادى عام 1864 بـ "الأدب الشعبي"، وعبّر عن إيمانه العميق بالإنسانية والعدالة، ممّا جعله محبوبًا بين مختلف فئات المجتمع.
ورغم بداياته الرومانسية، برزت تنوعاتٌ هائلةٌ في قدرات هوجو الأدبية. فقد برز كأحد أشهر الأدباء الشعبيين على مستوى العالم، وتناول في كتاباته قضايا العمّال وغيرها من القضايا الاجتماعية الهامة.
ولا شكّ أنّ فيكتور هوجو أيقونةٌ أدبيةٌ خالدة، تركت بصمةً لا تُمحى في تاريخ الأدب العالمي. ورغم مرور قرنين على رحيله، لا يزال تأثيره واضحاً وفعّالاً، فأعماله تُقرأ وتُترجم وتُدرس في مختلف أنحاء العالم، وتُلهم الأجيال المتعاقبة برسالتها الإنسانية السامية.

فيكتور هوجو: رائد التغيير وأيقونة الرومانسية
تركيز هوجو على الأخلاقيات والتقدم:
تميز فيكتور هوجو، عملاق الأدب الفرنسي، بتأكيده على الجوانب الأخلاقية للتطور البشري والتقدم الفكري.
فقد آمن بأنّ الأدب لا يقتصر على الترفيه، بل يجب أن يكون أداةً للتغيير الاجتماعيّ والسياسيّ. ووضع قضايا الشعب في صميم رواياته وقصصه، مؤكداً على ارتباط الأدب الوثيق بهموم الناس ومشاكلهم. وبهذا، فقد تحدّى هوجو النظريات والجماليات الأدبية السائدة في عصره، ساعياً إلى إحداث نقلة نوعية في دور الأدب في تغيير المجتمع.
تأثره وتأثيره:
تأثر هوجو في بداية مسيرته الأدبية بكتابات شكسبير والرومانسية الألمانية، ممّا انعكس على أعماله الشعرية والقصصية الأولى التي اتّسمت بطابعٍ رومانسيٍّ واضح. ومع ذلك، فقد شكّلت مسرحياته الرومانسية ثورةً حقيقيةً على المسرح الكلاسيكي الفرنسي، ممّا جعله رمزاً بارزاً للحركة الرومانسية. ففي مقدمة مسرحيته الشهيرة "كرومول"، قدّم هوجو برنامجه الأدبي ورؤيته الجمالية للمدرسة الرومانسية الفرنسية. فقد أكّد على ضرورة أن تكون المسرحيات اجتماعيةً وأن تُعنى بالقضايا الاجتماعية، وأن تُصبح خشبة المسرح منصةً للنقد الاجتماعيّ والأخلاق الحميدة. وإيماناً منه بأنّ المسرح يعكس السياسة، فقد رفض هوجو الفصل بينهما.
وقد واجهت هذه الآراء المبتكرة في ذلك العصر مقاومةً قويةً من أنصار المسرح الكلاسيكي، ممّا أدّى إلى صراعاتٍ أدبيةٍ وفكريةٍ هامة.
الترابط بين الرومانسية والمسيحية:
تميزت رومانسية هوجو عن رومانسية بعض معاصريه بربطها الوثيق بالمسيحية والحكومة الدستورية. فقد رأى هوجو أنّ هذه الرومانسية تتوافق مع القيم المسيحية وتُعزّز مبادئ الحكم الديمقراطيّ في عصره.

يُعدّ فيكتور هوجو أحد أهمّ روّاد التغيير في تاريخ الأدب، فقد ربط بين الأدب والأخلاق، وجعل من كلماته أداةً للتعبير عن قضايا عصره والدعوة إلى التقدم والعدالة الاجتماعية. وتجاوزت تأثيراته حدود فرنسا لتشمل العالم أجمع، تاركاً إرثاً أدبيّاً ضخماً يُلهم الأجيال حتى يومنا هذا.

وقد برز نبوغ فيكتور هوجو الأدبيّ في سنٍّ مبكرةٍ، ففي سنّ السابعة عشر، حاز على جائزةٍ شعريةٍ مرموقة عام 1819، ممّا لفت إليه أنظار الملك لودفيج الثامن عشر الذي كافأه بمنحه مقعدًا دراسيًّا في الأكاديمية.
كما تميزت قصائد هوجو في تلك المرحلة بمزجها بين الموضوعات الفلسفية والتأملات العميقة، ممّا أثار مقارناتٍ بينه وبين فولتير، شاعر فرنسا السياسيّ الشهير. وتأثرت قصائده المبكرة أيضًا بآداب الشرق، فظهر فيها ميلٌ نحو الطبيعة وتسجيلٌ لخواطر حزينة، ممّا أضاف إليها عمقًا عاطفيًّا خاصًّا.
طموحات أدبية عظيمة وإنجازات خالدة:
تمتع هوجو بثقةٍ كبيرةٍ بنفسه، ففي صباه، عبّر عن إيمانه بأنّه سيحقق شهرةً تضاهي شهرة شاتوبريان، أحد أكبر روّاد الأدب الفرنسيّ في ذلك الوقت.
ووفّى هوجو بوعده، فلقّبه بعض النقاد بـ "شكسبير الرواية" تقديرًا لإبداعاته السردية المتميزة،
وإنْ تأثر في بداية مشواره ببعض روايات والتر سكوت.
روايات خالدة تُجسّد حقبةً تاريخية:
تُعدّ روايات هوجو بمثابة نوافذَ تُطلّ على مختلف جوانب الحياة في عصره، فمن خلالها، يمكن للقارئ اليوم أن يتعرّف على أحداثٍ تاريخيةٍ هامةٍ مثل ثورة يوليو الفرنسية، وثورة عمال باريس، وتفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية في ظلّ الملكية الدستورية والرجعية الحاكمة آنذاك.
وتنوّعت أعمال هوجو الأدبية لتشمل رواياتٍ وقصائد ومسرحياتٍ ومقالاتٍ، وتميزت جميعها بعمقها الفكريّ وقدرتها على التعبير عن المشاعر الإنسانية بصدقٍ وروعة. ففي روايته "أحدب نوتردام"، التي تُعتبر من أهمّ الروايات التاريخية في العصر الرومانسي الفرنسي، يُجسّد هوجو صراع الإنسان مع ذاته ومع المجتمع، ويُسلّط الضوء على قضايا العدل والظلم، والرحمة والقسوة.
وتُعدّ رواية "البؤساء" من أشهر أعمال هوجو وأكثرها قراءةً على مرّ العصور. في هذه الرواية، ينجح هوجو في ربط مختلف النزعات الفلسفية والسياسية والأدبية والإيديولوجية لعصره، ليُقدّم ملحمةً إنسانيةً مؤثّرةً تُمجّد قيم الخير والعدالة وتُدين الظلم والقهر.
مواقف راسخة ضد الظلم والقهر:
ولم يقتصر إبداع هوجو على المجالات الأدبية فحسب، بل اتّخذ مواقف سياسية واجتماعية جريئة. ففي روايته "الراية السوداء"، يُعبّر عن رفضه الشديد لسياسة الاستعباد الأوروبية بحقّ الأفارقة، بينما ينتقد في روايته "سنة 93" العنف المُفرط الذي قد تُخلّفه الثورات الاجتماعية.

يُعدّ فيكتور هوجو ظاهرةً أدبيةً استثنائيةً أثرت بشكلٍ عميقٍ في الأدب الفرنسي والعالميّ. فمن خلال أعماله الخالدة، عبّر هوجو عن مشاعر وأفكار إنسانيةٍ عميقة، وتناول قضايا اجتماعية وسياسية مهمّة، ليُخلّد اسمه كأحد أهمّ روّاد الأدب في التاريخ.

فيكتور هوجو: حياة حافلة بالإبداع والنضال
عاش فيكتور هوجو (1802-1885) حياةً حافلةً بالأحداث، فنشأ في فرنسا، وقضى طفولته في إسبانيا وإيطاليا، حيث كان والده جنرالًا في جيش نابليون. وبعد تخرجه من جامعة البوليتكنيك في باريس، كرّس هوجو نفسه للأدب، وخاصّةً "الأدب الاجتماعي". ففي مؤلفاته، دعا إلى النضال ضدّ حكم نابليون الثالث، ووصفه بـ "نابليون الحقير". وخلال فترة غيابه عن فرنسا، واصل هوجو نضاله السياسيّ ودعوته إلى عودة الديمقراطية. و من المؤكد أنّ هوجو كان يُلهم العديد من الكتاب والمفكرين، فرواية "البؤساء" تُعدّ من أعظم الروايات في التاريخ، وتُجسّد معاناة المظلومين و تُسلّط الضوء على قضايا إنسانيةٍ هامة.
لقد تميز هوجو بقدرته الفريدة على تصوير العالم السفليّ ومعاناة المظلومين. ففي رواياته، لم يُسلّط الضوء على قضايا اجتماعيةٍ وسياسيةٍ هامةٍ فحسب، بل قدّم أيضًا تحليلًا نفسيًّا عميقًا لشخصياته، ممّا أضفى على أعماله واقعيةً روائيةً مُقنعةً.

فيكتور هوجو: نافذةٌ على العالم السفلي وصرخةٌ من أجل العدالة
أديبٌ استثنائيٌّ وناقدٌ اجتماعيٌّ جريء:
تُعدّ رواية "البؤساء" لفيكتور هوجو (1802-1885) تحفةً أدبيةً خالدةً، تُجسّد عبقرية هوجو الأدبية ونضاله من أجل العدالة الاجتماعية. ففي هذه الرواية، يُسلّط هوجو الضوء على معاناة المظلومين والمضطهدين في المجتمع،
ويُقدّم صورةً مُؤثّرةً للعالم السفليّ المُهمل.
قصةٌ تُلامس مشاعرنا وتُغيّر مفاهيمنا:
على الرغم من مرور أكثر من 14 عقدًا على كتابتها، لا تزال "البؤساء" حاضرةً بقوّةٍ في وجداننا، وتُواصل تأثيرها على القراء في مختلف أنحاء العالم. ففي هذه الرواية، يُجسّد هوجو صراع الإنسان مع الظلم والقهر، ويُقدّم حكايةً إنسانيةً مؤثّرةً تُلامس مشاعرنا وتُغيّر مفاهيمنا حول الإنسان والعالم.
تُعدّ "البؤساء" أكثر من مجرد رواية، بل هي صرخةٌ مدوّيةٌ ضدّ الظلم والقهر، وصرخةٌ من أجل العدالة الاجتماعية.
ففي هذه الرواية، يُضفي هوجو صوتًا على المُهمّشين والمُظلومين، ويُخلّد معاناتهم في ذاكرة التاريخ.
باريس من منظورٍ مختلف:
تناول العديد من الكتاب عظمة باريس وجمالها،لكنّ هوجو اتّخذ منظورًا مختلفًا، ففي "البؤساء"، يُقدّم لنا صورةً مُظلمةً للعالم السفليّ في باريس، عالم "طفل المجتمع البائس". في هذا العالم، يُجسّد هوجو صراع الخير والشرّ، ويُسلّط الضوء على قضايا اجتماعيةٍ هامةٍ مثل الفقر والجريمة والبؤس.
ثورةٌ أدبيةٌ من أجل التغيير:
لم تقتصر إبداعات هوجو على المجالات الأدبية فحسب، بل كان أيضًا ناقدًا اجتماعيًّا جريئًا. ففي "البؤساء"، يُشنّ هوجو ثورةً أدبيةً ضدّ الظلم والقهر، ويُطالب بتحسين أوضاع المُهمّشين والمُضطهدين. وإيمانًا منه بقوة الأدب في التغيير، سعى هوجو إلى التوعية بمعاناة المظلومين وإثارة مشاعر التعاطف معهم في نفوس القراء.

"البؤساء".. ملحمة إنسانية خالدة
معاناة جان فالجون: رمزٌ للظلم والقهر
تُجسّد رواية "البؤساء" لفيكتور هوجو (1802-1885) صراع الإنسان ضدّ الظلم والقهر، وتُقدّم صورةً مُؤثّرةً لمعاناة المُهمّشين والمُضطهدين في المجتمع. في هذه الرواية، نلتقي بشخصية "جان فالجون"، الذي يُحكم عليه بالسجن لخمس سنوات لسرقة رغيف خبز لإطعام أطفال شقيقته. وخلال سجنه، يُواجه فالجون ظلمًا قاسيًا يُحطّم روحه ويُغيّر مجرى حياته.
من جان فالجون إلى السجين رقم 24601:
يُحرم جان فالجون من هويته وحياته السابقة، ويُصبح مجرّد رقمٍ في سجلّات السجن: "السجين رقم 24601". ويمضي سنواتٍ طويلةً في السجن، يُعاني خلالها من القهر والظلم، وتُصبح روحه مُحطّمةً ويائسة.
وبعد إطلاق سراحه، يسعى جان فالجون إلى بدء حياةٍ جديدةٍ بعيدةً عن ماضيه المُظلم. ويفعل كلّ ما بوسعه ليكفّر عن "جريمته" ويُصبح إنسانًا صالحًا. ولكنّه يُواجه ملاحقةَ مفتش الشرطة "جافير" الذي لا يهدأ سعيًا وراء القبض عليه.
شخصياتٌ تُجسّد جوانب الخير والشرّ:
تُقدّم رواية "البؤساء" معرضًا غنيًا لشخصياتٍ مُتعدّدةٍ تُجسّد مختلف جوانب الخير والشرّ في المجتمع. فمن جهة، نلتقي بشخصية "الأسقف ميريل" الذي يُمثّل تجسيدًا للرحمة والغفران، ويُلهم جان فالجون بأن يصبح إنسانًا أفضل.
ومن جهةٍ أخرى، نلتقي بشخصية "جافير" الذي يُمثّل تجسيدًا للظلم والقسوة، ويُلاحق جان فالجون بلا هوادة.
ملحمةٌ إنسانيةٌ خالدة:
تُعدّ رواية "البؤساء" من أهمّ الأعمال الأدبية في التاريخ، وتُصنّف ضمن روائع الأدب العالمي. فقد نجح هوجو في تصوير معاناة الإنسان في مختلف ظروفه، وقدم نقدًا اجتماعيًا لاذعا للظلم والقهر في المجتمعات الإنسانية.
ولا تزال رواية "البؤساء" تحظى بشعبيةٍ كبيرةٍ حتى يومنا هذا، وتُترجم إلى مختلف اللغات، وتُتحوّل إلى أفلامٍ ومسرحياتٍ وأعمالٍ فنيةٍ أخرى. فقد نجح هوجو في تقديم قصةٍ إنسانيةٍ تُلامس مشاعر القراء وتُثير تساؤلاتٍ هامةً حول العدالة والظلم والدور الذي يلعبه الفرد في المجتمع.

تُعدّ رواية "البؤساء" لفيكتور هوجو تحفةً أدبيةً خالدةً، تُجسّد صراع الإنسان ضدّ الظلم والقهر، وتُقدّم صورةً مُؤثّرةً لمعاناة المُهمّشين والمُضطهدين في المجتمع. وإيمانًا بقيمتها الخالدة، ستظلّ هذه الرواية تُلهم الأجيال القادمة وتُحفّزهم على النضال من أجل عالمٍ أفضل.

فيكتور هوجو: رحلة جان فالجون من الظلام إلى النور
التحوّل القاتم:
بعد مرور 9 سنوات ضائعة من عمره، يُطلق سراح "جان فالجون" من السجن وقد تغيرت حياته جذرياً.
فقد أصبح رجلاً مُرّاً مُحطّماً، يحمل جوازًا أصفرًا يجعله مُميّزًا عن بقية الناس، ويُجبره على التسجيل يوميًا لدى السلطات.
يُرفضه المجتمع ويُصبح منبوذًا، ولا يجد أيّ عملٍ أو مسكنٍ يأويه.
لقاءٌ يغيّر المسار:
في خضمّ يأسِه، يلتقي جان فالجون بـ "الأسقف ميريل" الذي يُظهر له رحمةً ولطفًا لا مثيل لهما. ففي الوقت الذي يُعامله فيه الجميع كمجرمٍ مُنبوذ، يُرحّب به الأسقف كأخٍ ويُقدّم له المأوى والطعام. يُشكل هذا اللقاء نقطةَ تحوّلٍ هامّةٍ في حياة جان فالجون، فقد يُغيّر من نظرته إلى العالم ويُلهمه لبدء حياةٍ جديدة.
صراعٌ بين الخير والشرّ:
على الرغم من مشاعر الامتنان التي يشعر بها جان فالجون تجاه الأسقف ميريل، إلا أنّه يُواجه صراعًا داخليًا عميقًا. فقد اعتاد على حياة السجن وتأثّر بالقسوة والظلم الذي واجهه، ممّا جعله يُفكّر كمجرمٍ لا يرى الخير في العالم.
يُفكّر جان فالجون بسرقة فضة الكنيسة كطريقةٍ للخلاص من بؤسه، ولكنّه يُقبض عليه ويُواجه خطر السجن مدى الحياة.
يتدخّل الأسقف ميريل مرةً أخرى لإنقاذ جان فالجون. ففي لفتةٍ إنسانيةٍ عظيمة، يذهب بنفسه إلى مركز الاعتقال
ويُقدّم لجان فالجون المزيد من الشمعدانات ويُناديه "أخي" بكلّ لطفٍ وحنان. يُذهل جان فالجون من هذا التصرف ويُدرك أنّ الرحمة لا تزال موجودةً في هذا العالم، ممّا يُغيّر من نظرته للحياة ويُلهمه لاختيار طريق الخير.
التكفير عن الخطيئة والبدء من جديد:
يُقرّر جان فالجون تغيير اسمه إلى "مسيو مادلين" ويبدأ حياةً جديدةً بعيدةً عن ماضيه المُظلم. يقوم بتأسيس مصنعٍ يُوفّر فرص العمل للعديد من الأشخاص، ويُصبح رمزًا للخير والعدالة في المجتمع. يُجسّد جان فالجون قصةً مُؤثّرةً عن التكفير عن الخطيئة والقدرة على التغيير والبدء من جديد، ويُؤكّد على أنّ الخير لا بدّ أن ينتصر في النهاية.
فيكتور هوجو: قوة الأخلاق والعدالة في "البؤساء"
جان فالجون: رمزٌ لقوة الأخلاق:
على الرغم من افتقاره إلى التعليم، تُجسّد شخصية "جان فالجون" في رواية "البؤساء" قوة الأخلاق والضمير الإنساني. فقد واجه جان فالجون ظلمًا قاسيًا وظروفًا قاسيةً جعلت منه مجرمًا سابقًا، ولكنّه احتفظ بجوهرٍ إنسانيٍ طيّبٍ ومُشاعرٍ نبيلةٍ تدفعه للخير.
تُظهر لنا رواية "البؤساء" كيف أنّ القوة الأخلاقية يمكن أن تكون أقوى من العقل والإدراك، وكيف أنّ الإنسان لديه القدرة على التغلب على الظروف والاختيار بفعل الخير.
هوجو: مناضلٌ من أجل العدالة:
لم تكن معاناة جان فالجون مجرد قصةٍ خياليةٍ من وحي خيال فيكتور هوجو، بل كانت انعكاسًا لواقعٍ قاسٍ عاشه هوجو بنفسه. فقد واجه هوجو الاضطهاد السياسيّ وقضى 20 عامًا في المنفى لانتقاده لنظام "لويس نابليون". وخلال فترة منفاه،
تحوّل هوجو إلى مفكّرٍ سياسيٍّ ودافع عن قضايا العدالة والحرية. فقد رأى أنّ حكومة فرنسا تمثل الشرّ والقهر، بينما وقف هو إلى جانب الخير ومُناصرًا للمُضطهدين والمُهمّشين.
لقد مثّلت فترة المنفى مرحلةً إبداعيةً غزيرةً لهوجو. فقد اتّحدت فيه روح السياسة والإبداع الأدبيّ، وأنشأ خلالها العديد من الأعمال الخالدة، ومن أبرزها رواية "البؤساء".
تُعدّ هذه الرواية ملحمةً أدبيةً تتجاوز ألف صفحة، وتُغطّي مختلف جوانب الحياة من تاريخٍ وسياسةٍ واجتماع. فقد نجح هوجو في تصوير المجتمع الفرنسيّ في القرن التاسع عشر بكافة تناقضاته وظلمه، وقدم لنا قصةً إنسانيةً مُؤثّرةً تُلامس مشاعر القراء وتُثير تساؤلاتٍ هامةً حول العدالة والظلم والطبيعة البشرية.

فيكتور هوجو: نافذةٌ على معاناة النساء في "البؤساء"
فونتين: رمزٌ لمعاناة النساء:
تُجسّد شخصية "فونتين" في رواية "البؤساء" معاناة النساء في المجتمعات المُتخلّفة. فقد أُجبرت هذه المرأة الشابة
على العمل في مهنٍ دنيئةٍ لتُعيل نفسها وابنتها "كوست" بعد أن تخلى عنها حبيبها. تُعاني فونتين من قسوة المجتمع
ودونية المرأة في ذلك الوقت، ممّا يُجبرها على إرسال ابنتها إلى عائلةٍ غريبةٍ لتربيتها خوفًا من أن تُحرمها من مستقبلٍ أفضل.
مشاهدٌ حيةٌ لمعاناةٍ مُستمرة:
على الرغم من مرور زمنٍ طويلٍ على كتابة رواية "البؤساء"، إلا أنّ مشاهدها لا تزال حيةً في ذاكرة القراء وتُلامس مشاعرهم. فقد نجح هوجو في تصوير معاناة الإنسان بطريقةٍ مُؤثّرةٍ تُثير مشاعر التعاطف مع المُضطهدين والمُهمّشين.
لم تُعدّ رواية "البؤساء" مجرد قصةٍ خياليةٍ أو هجومًا على أصحاب المال والثروة، بل تحوّلت إلى صرخةٍ مدوّيةٍ بوجه المجتمع القاسي وتشريحًا عميقًا للظلم والعنف في الوعي الجمعي. فقد نجح هوجو في التعبير عن مشاعر الغضب والسخط التي يشعر بها المُضطهدون والمُهمّشين، وإثارة تساؤلاتٍ هامةً حول حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
وعلى الرغم من تشاؤمه من طول مدّة الكفاح ضدّ الفقر والظلم الاجتماعي، إلا أنّ هوجو لم يفقد إيمانه بقدرات الإنسان على التغيير. فقد آمن هوجو بأنّ الخير لا بدّ أن ينتصر في النهاية، وأنّ الإنسان لديه القدرة على خلق مجتمعٍ أفضل.
تُعدّ رواية "البؤساء" تحفةً أدبيةً خالدةً، تُجسّد صراع الإنسان ضدّ الظلم والقهر وتقدم صورةً مُؤثّرةً لمعاناة المُهمّشين والمُضطهدين في المجتمع. وإيمانًا بقيمتها الخالدة، ستظلّ هذه الرواية تُلهم الأجيال القادمة وتُحفّزهم على النضال من أجل عالمٍ أفضل.

مالمو
2024-06-07



#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار المؤلف والقارئ والنص في الأدب
- قراءة في مذكرات ابنة ستالين- الجزء 2
- قراءة في مذكرات سفيتلانا ستالين- الجزء 1
- تأملات حول -الإسلاموفوبيا-
- التأثير الإيديولوجي على مواقف البلاشفة وماركس وانجلز من أدبا ...
- فيلم -جمعية الشعراء الموتى-: رحلة الشعر و الإبداع والتحرر
- الدين والشعراء والسلطان
- ماركس والنقد الديني
- -قلب الظلام- صراعات النفس البشرية في مواجهة الشرّ
- إعادة تشكيل الذات بين سارتر وماركس
- المديرون التنفيذيون في السويد نبلاء العصر البرجوازي
- بروين اعتصامي - ملكة الشعراء
- ماذا بقي من الاشتراكية الديمقراطية؟
- سمكة القمر
- -أنا- الإنسان: ثنائية معقدة
- رواية -المسخ- علامة فارقة في تاريخ الأدب العالمي
- علم الجمال الماركسي، ما تبقى منه، وتطوره
- النقد الأدبي الماركسي لم يزل منهجا تحليليا مهما، ولكن...
- تراجع الديمقراطية وحقوق الإنسان: تحديات عالمية
- كيف يمكن لحل الدولة الواحدة للإسرائيليين والفلسطينيين أن يشف ...


المزيد.....




- -لن تستبدل الآلة بالبشر-.. سينما بريطانية توقف عرض فيلم كتبه ...
- الوثنية السياسية
- اللغاوون،قصيدة (سجن الهموم)بقلم الشاعر مصطفى الطحان.مصر
- بريطاني يدهش روّاد مواقع التواصل بإتقانه اللغة العربية.. ماذ ...
- سنتكوم: دمرنا زورقين ومحطة تحكم أرضية ومركز قيادة للحوثيين
- نزلها الآن وشاهد اجمل أفلام كرتون القط والفار.. تردد قناة تو ...
- نصري الجوزي رائد الكتابة المسرحية في فلسطين
- كوريا الجنوبية تُطلق تأشيرة للأجانب للتدرّب على ثقافة -كي بو ...
- شغال.. رابط موقع ايجي بست 2024 Egybest فيلم ولاد رزق 3 القاض ...
- أحداث مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 29 مترجمة للعربية وال ...


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - فيكتور هوجو: نجمٌ ساطعٌ لم يخفت بريقه