أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - و. السرغيني - الحماقات الصبيانية و صراع الإخوة الأعداء















المزيد.....



الحماقات الصبيانية و صراع الإخوة الأعداء


و. السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 1762 - 2006 / 12 / 12 - 11:28
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


توجيه لا بد منه:
إذا كان لا بد من أن تتحدوا فاعقدوا اتفاقيات من أجل تحقيق الأهداف العملية للحركة، و لكن إياكم و المساومة في المبادئ، إياكم أن تقوموا "بتنازلات في النظرية" ماركس في نقده لبرنامج غوتا.

تقديم:
عرفت الشهور الأخيرة من السنة الدراسية الجامعية 2005/2006 اقتتالا دمويا بين الفصائل الطلابية التقدمية، و قد اعتبرناه في حينه عملا مرفوضا و غير مقبولا، بل مضرا بمستقبل و مسار الحركة الطلابية التقدمية، و في نفس الوقت معرقلا و كابحا لنهج الوحدة الطلابية التقدمية التي تسعى لها كل الأطراف و الفصائل و التيارات و المجموعات و الفعاليات التقدمية المناضلة، داخل و خارج الجامعة.
و إذا كان الشوط الأول اتخذ لنفسه ذريعة إيديولوجية تحت شعار "استئصال التروتسكية" بالنسبة لأحد طرفي الصراع، و "حصار الستالينية" كشعار اتخذه الطرف الآخر.. فما أن خمدت نار المواجهة بين الطرفين، أي بعد الحصيلة المأساوية التي تأسفنا لها جدا، مأساة تخللها الاعتقال و الترهيب و خلفت المصدومين و المعطوبين و الجرحى من كلا الطرفين.. حتى اشتعلت المواجهة من جديد شاطرة "التيار الماوي" ـ إحدى مجموعات البرنامج المرحلي بالجامعة ـ لنصفين، حيث اتخذ الصراع شكلا حادا من العنف الرهيب، خلف ضحايا و عاهات تأسف و استنكرها جميع التقدميون المغاربة، طلبة و غير طلبة.
و قد حاولنا جاهدين و منذ بداية أشواط العنف هذه، أن نلعب دورا أو مساهمة لإيقافها أو الحد منها، بأن ناشدنا جميع الأطراف و الفعاليات و كل المتدخلين من قريب أو بعيد، بشكل مباشر أو غير مباشر.. قصد التدخل لتحويل الصراعات و الاقتتالات الدموية العنيفة إلى نقاشات ديمقراطية رفاقية، تؤطر الاختلاف من داخل الوحدة و تناقش الأوضاع الجامعية و الطلابية المزرية و تطرح الإجابات و المخارج لحل مشاكلها في شكل شعارات، برامج أو اتفاقات حد أدنى..الخ إجابات تعبر قدر الإمكان عن التطلعات التي نعرف أن غالبيتها متقاربة من حيث المنطلقات و الأهداف العامة، رغم الاختلافات الطبيعية في تقدير أدوار الحركة الطلابية في الصراع الطبقي، و في طريقة الوصول للمجتمع الاشتراكي و في بناء الدولة الاشتراكية و في تقدير الضمانات لاستمراريتها كدولة للديمقراطية، ديمقراطية الطبقة العاملة المسنودة من كافة الجماهير الكادحة و المستغََلة.. نجدها أيضا تختلف في التقدير للأوضاع داخل الجامعة و للأزمة التي تعيشها الحركة الطلابية و إطارها التقدمي إوطم.. تختلف كذلك في طريقة استرجاع وجود و شرعية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كإطار منظم للطلبة له قوانينه و مبادئه الثابتة، التي بالرغم من ادعاء الجميع تبنيها و الدفاع عنها، نجد ممارسات الغالبية من التيارات و المجموعات تعكس مبادئ و قناعات أخرى غير تلك المعلنة صراحة.. و لا نعرف إن كان ذلك بوعي أو بدونه!
و حتى لا يعتبرنا المتتبع من المناضلين، طلبة و غير طلبة، بأننا من محترفي الصيد في الماء العكر.. تركنا هذه المسافة الزمنية حتى تهدأ النفوس و تضمد الجراح للدخول في نقاش نقدي لبعض التراشقات المفاهيمية التي صاحبت و أطرت الصراع الأخير بين شطري المجموعة الماوية من أنصار البرنامج المرحلي، مع الإدلاء بوجهة نظرنا في الشكل الذي اتخذه هذا الصراع، معتمدين على إحدى الورقات الصادرة باسم "النهج الديمقراطي القاعدي" ـ و هو الاسم الأصلي الذي اشتغلت تحت يافطته حركة الطلبة القاعديين، و تستعمله الآن مختلف تيارات و مجموعات البرنامج المرحلي ـ تحت عنوان "حماقات الصبية الجدد" من جهة، و من جهة أخرى على أحد البلاغات المنسوبة للطرف الآخر ـ المنشق عن المجموعة الماوية يشتغل بقوة داخل جامعتي مكناس و الراشيدية تحت نفس الاسم "النهج الديمقراطي القاعدي" ـ

دفاعا عن الديمقراطية القاعدية
لقد كانت التجربة القاعدية و ستظل، تجربة نوعية داخل الجسم اليساري الماركسي و قد توفرت على هذه الميزة من خلال التراكمات و القيم الإيجابية التي ورثتها عن تجربتي "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين" ـ التنسيق الطلابي الذي جمع بين منظمتي "إلى الأمام" و "23 مارس" الماركسيتين اللينينيتين ـ و تجربة المجالس القاعدية السرية لسنتي 75/76 ـ و التي تشكلت من بقايا أعضاء المنظمتين و من بعض الطلبة المتعاطفين، الذين لم يشملهم القمع و الاعتقال الذي عرفته أطر و مناضلي المنظمتين ـ و بالإضافات النوعية التي زرعتها و طورتها الطلائع المناضلة خلال فترة 79/84.
و على الرغم من انسحاب بعض التيارات الصغيرة ـ تيار التروتسكيين، تيار المبادرة الجماهيرية، تيار العمل الوحدوي المعروف بوجهة نظر بنيس ـ ظلت التجربة متماسكة، تدبر عملها الميداني العملي بكل كفاحية و تفان مستندة على آليات تنظيمية راقية، من حيث الديمقراطية الداخلية و من حيث المرونة، و من حيث التحصين الأمني ضد الاختراقات البوليسية القمعية.. و من حيث الاستشارة و الأخذ برأي جميع المتعاطفين من الطلبة المناضلين.
و يشهد التاريخ و ملفات المخافر السرية و المحكمات الرجعية على مصداقية و صدق ما نقول، فعلى طول هذه الفترة، لم يعرف مسلسل الاعتقالات و المحاكمات التوقف و لا التراجع في صفوف الطلبة القاعديين، بل على العكس، لم تتوقف عملية الالتحاق الجماهيرية "بالطلبة القاعديين" ـ
و نظرا لما شاب اسم "النهج الديمقراطي القاعدي" من لبس، سنكتفي بالكلام عن "الطلبة القاعديين"، فمن جهة تم تأسيس حزب سياسي باسم "النهج الديمقراطي" و من جهة أخرى بسبب من الصراع الذي تخوضه المجموعات اليسارية الطلابية من أجل و تحت هذا الاسم ـ استمر الترشيح باسم لائحة "الطلبة القاعديين" الشيء الذي يعني في تلك الفترة السقوط و الإدراج في لائحة "منظمة إلى الأمام" و المتابعة تحت طائلة تأسيس منظمة شيوعية هدفها إسقاط النظام المَلكي و إقامة نظام جمهوري شيوعي محله.
* فهل قوة و هول القمع هي التي ساعدت التجربة على اتخاذها ذلك المنحى؟
أقول أن القمع ممارسة طبقية ثابتة، و لا زالت مستمرة إلى الآن و إن كانت بطرق أخرى، ملتوية و ذكية، لكنها باقية و لا يمكن أن تزول سوى بزوال الطبقات.
* هل الحنكة و التجربة التي توفرت لدى المناضلين آنذاك، كافية لتبرير الفروقات بين البارحة و اليوم؟
أقول أن بعض المواقع الطلابية توفرت فيما بعد على طاقات في نفس المستوى، الكمي و النوعي، و ربما أحسن و أنضج.. لكن الفرق كان باديا و الانحسار واضحا.
* هل هناك تغيير طرأ على بنية الجامعة و الحركة الطلابية مما أثر و سيؤثر لا محالة على مسارها و مسار مختلف مكوناتها؟
أقول بالرغم من مجموعة من المتغيرات و المعطيات الجديدة، فخلال تلك الفترة، شمل البناء الإوطمي معاهد و مدارس لا يمكن للمناضل القاعدي الحالي أن يفكر في اختراقها و مخاطبة طلابها.
* هل كان للمتغيرات السياسية الدور الحاسم في التأثير على واقع الحركة الطلابية، كظهور التيارات الظلامية و استقواءها، مثلا. و انسحاب القوى السياسية التي هيمنت على قيادة إوطم خلال فترة 79/84، بل تحولها و ارتمائها في الخندق الرجعي المحافظ كمدعم مستميت لسياسة الدولة في التعليم و في تسيير الجامعات من خلال الإدارة و مجالس الكليات و النقابة الوطنية للتعليم العالي، إضافة للاستقطاب الواضح الذي عرفه جزء أساسي من القوى الظلامية ـ"العدالة و التنمية" ـ ليتم دمجها في العديد من مؤسسات الدولة، بما فيها الجامعة؟
هذا بعض من الأسئلة العديدة التي لا تجد جوابا، أسئلة لها حقها في النقاش، و تستحق بالتالي الإجابة الشافية لكي نفهم مسار التجربة القاعدية و لكي نجد تفسيرا لهذا التحول المرعب و هذا الانتقال الغريب من مدرسة "للديمقراطية الشيوعية" إلى حلبة "للفرسان" و "الشجعان" دورهم مواجهة و استئصال "الجبناء" و "الخونة"، "جبناء" من أبناء جلدتهم استمرت معانقتهم لحد البارحة، و "خونة" عملاء للمخابرات و هم كذلك من أبناء عمومتهم و لم يفارقوهم لحدود الأمس القريب!
و إذا كان استغلالي لهذه الأحداث الرهيبة و المؤلمة لكي افتح الصراع من جديد، فإني أحاول جاهدا لكي لا أسقط في الاستغلال السلبي و الذاتية المبالغ فيها، بهذه الخلفية، و فقط، وددت تقديم تجربتي و رؤيتي لتجربة الحركة الطلابية و الحركة القاعدية خلال تلك المرحلة، لكافة المناضلين الطلبة المدافعين و المناصرين لإوطم و لكافة الطلبة الاشتراكيين و الشيوعيين، كيفما كانت مرجعيتهم و انتماءاتهم.. قصد الاطلاع عن إشعاعات التجربة التي لن تطفئها بعض الإظلاميات المحدودة في الزمان و المكان.
أكدت خلال هذا المحور على الديمقراطية القاعدية لما لاحظته من فروقات و اختلافات بين التجربة الماضية و بين مختلف التجارب الحالية.. و أحاول بكامل جهدي أن أقدم بصدق ما عايشته و ما تعلمته على يد المناضلين و الرفاق القاعديين الذين درٌسونا مبادئ النقد و النقد الذاتي، و وحدة ـ نقد ـ وحدة، و حق الأقلية في التعبير، و خضوع الأقلية للأغلبية بعد اتخاذ القرار.. علٌمونا طرق الاستقطاب المبدئي و كيفية استيعاب كل الطاقات في مستويات تنظيمية مختلفة تقوي من كفاءاتها و تجربتها و تؤهلها بالتالي لمستويات تنظيمية أعلى.. علمونا السرية الإيجابية و علمونا كذلك الاستغلال الأقصى للعلنية، علمونا استغلال الفضاء الجامعي و الدفاع عن حرمته.. علمونا كسب الثقة الجماهيرية بعد أن فرضت ظروف القمع و المنع في حقنا الاعتماد على السرية لإنجاح المعارك و الإضرابات، أي دون اللجوء للنقاشات المفتوحة و للجموعات العامة..الخ اكتفينا حينها بالمناشير الداعية للمقاطعة و الإضراب.. باختصار علمونا كيف ننجح إضرابا وطنيا و كيف نقاطع الدروس و الامتحانات لمدة تفوق الشهر، بالأشكال السرية و من خلال التنسيقات القاعدية الإوطمية أو تلك الخاصة بحركة الطلبة القاعديين.
فهلاٌ استفدنا من هذا الإرث الكفاحي العظيم؟
هلاٌ التفتنا لهذا التاريخ المنارة، المنارة و البوصلة التي ستساعدنا على شق الطريق نحو المستقبل، مستقبل النصر و الانتصار على أعدائنا الطبقيين؟
و خلال محاولتي هذه، بدون أن أحمل المسؤولية لطرف دون الأطراف الأخرى، سأحاول تقديم الإجابة قدر الإمكان و سأقول و أجزم بأن المسؤولية جماعية لا تستثني أحدا.. بل إن غالبية التيارات القاعدية المناضلة لا تفكر بجدية في سبل تجاوز هذا الواقع المأزوم، فالغالبية اخترقها العياء و اليأس من جراء المعارك الداخلية و معاركها ضد التيارات الأخرى، معارك توظف و تستنزف كل الطاقات و الإمكانيات بتوظيف كل الأشكال الحماسية و التهييجية دون اعتبار لما تخلفه من عاهات و إحباطات داخل الطلبة و المناضلين.. و دون تقدير لما تخلف من رداءة نظرية و سياسية.. و من عدوانية استئصالية تجاه المخالفين.. و من عفوية و عدمية تنظيمية تجاه الذات و تجاه المقربين.. و الحال أن المرحلة الحالية و بعد انتعاش الحركة الطلابية التقدمية الملحوظ، خاصة بعد استفراد تياراتها القاعدية بقيادة المعارك الجماهيرية المناهضة "للميثاق التعليمي".. تستوجب التوظيف الإيجابي لجميع الطاقات الإوطمية المناضلة، دفاعا عن إوطم و دفاعا عن الحق في تعليم جامعي لأبناء الكادحين.. بروح وحدوية لا تلغي الاختلاف و التمايز و لا تنفي الصراع الديمقراطي بين المخالفين و المختلفين.. الشيء الذي لا يتنافى في شيء مع مهام الحركة الطلابية التقدمية و التيار الشيوعي داخلها.
و إننا لنغتنم، "كتوجه قاعدي" تمثيلية الخط البروليتاري الماركسي اللينيني داخل الحركة الطلابية و الجامعة، هذه الفرصة لدعوة كافة المناضلين الإوطميين التقدميين، القاعديين و غير القاعديين، لعقد مجالس للمناضلين الإوطميين، مجالس موسعة تضم جميع الطلبة التقدميين تيارات، حساسيات و أفراد، مجالس تحظر للبرامج النضالية و للأسابيع الثقافية باسم إوطم و مبادئه الأربعة، مجالس تكون لها القدرة للتخطيط و لصياغة الاتفاقات و البرامج و التصورات الخاصة بالنضال الطلابي و ما يتطلبه من برامج نضالية لمواجهة "الميثاق" و كافة البرامج اللبرالية و الظلامية المكتسحة للساحة.

كراسة: حماقات "الصبية الجدد"
بالنظر للتداخل الذي عرفته صياغة الكراسة بعدم فصلها بين الحقلين الطلابي و السياسي، سنحاول قدر الإمكان إعمال منهجيتنا، مع الإدراك المسبق لمحدودية و نسبية نجاعة هذه المنهجية، التي ستركز على عدم خلط الأوراق في السجال السياسي الذي هو الأساس، دون اللجوء لاستعمال أية نظرة احتقارية أو تحقيرية في حق الرفاق من المناضلين الشباب، و بدون أية رؤية استقطابية انتهازية تجاههم مستنكرين ما تمارسه أغلبية "الشجعان" و "الرهبان" في مثل هذه الحالة.. فإن قدمت الولاءات و الانضباط كان الشباب ثوريون و صادقون، و إن اختاروا النقد و المحاسبة و اختاروا التمرد.. أصبحوا صبايا جبناء و عملاء للنظام و المخابرات و جهاز القمع بكل أصنافه..!
كلا، فعلى هذه المنهجية، المنهجية التي تقدر العطاءات و التضحيات الميدانية لكل التيارات المناضلة و المناهضة للنظام القائم كنظام قائم على الاستبداد و الاستغلال و الاضطهاد و العمالة للإمبريالية.. تقدر حجم الاتفاقات و الاختلافات النظرية و السياسية لمعالجة الأوضاع في مغرب البؤس و القمع و الاضطهاد.. تقدر دور الاتفاقات في الدفع بحركيتنا اللنضالية إلى الأمام.. اتفاقات تراعي القدرات و قوة و حجم انتشار الأطروحة الاشتراكية في صفوف الشباب من أبناء الكادحين و في صفوف الكادحين نفسهم و بشكل خاص الطبقة العاملة التي بدونها لن تكون اشتراكية.
بنفس المنهجية، سنراعي جميع مجالات الصراع الطبقي و لن نقفز بالتالي على أوضاع الحركة الطلابية و أوضاع الطلبة بالجامعة و أوضاع الجامعة نفسها.. بكل ما تتطلبه هذه الأوضاع، من المناضلين التقدميين و الثوريين و الشيوعيين من إجابات عملية و برامج معينة تراعي التطورات الكمية و النوعية التي عرفتها الجامعة و الحركة الطلابية، تراعي المخططات اللبرالية الزاحفة على الجامعة، تراعي انتشار المخلوقات السياسية الجديدة، بالجامعة ـ القوى الظلامية و تنظيماتها الطلابية ـ تراعي حربائية اليسار اللبرالي بمحاولاته العديدة و المتعددة لاختراق الجامعة تحت عباءة "حقوق الإنسان" و نشر ثقافة "المواطنة" و "الحداثة" و "الديمقراطية"..الخ.
منهجية تراعي كذلك مستوى تطور الصراع الطبقي بالمغرب و مستوى تطور الوعي داخل الطبقة الطليعية و القائدة لجيش الكادحين في المدن و الأرياف ـ الطبقة العاملة بدون شريك و لا منازع ـ تراعي تقدم الوعي في مستوياته الفكرية السياسية و التنظيمية ـ من أجل حزب الطبقة العاملة المستقل ـ تراعي تقدم الوعي لدى الحلفاء الطبقيين و وعي جيش الكادحين بضرورة الدعم النضالي للقيادة الطبقية العمالية.. يعني مراعاة جميع معطيات و شروط النضال الذاتية و الموضوعية، المعطيات المبطنة و الدقيقة، البارزة و السافرة، المهمة و التافهة أحيانا..الخ للمسك بجميع الخيوط العديدة و المتداخلة.. بهذه المنهجية سنخوض النقاش ضد طرفي الصراع بشكل ديمقراطي و رفاقي، في اتجاه تقديم الفعل و تطوير الأداء و الوعي وسط الشباب المناضل، الشباب التلاميذي و الطلابي و العمالي و الكادح أو المعطل..

ترنح و انحسار التيار "الماوي" داخل الجامعة
و بدون أن نبحث للتيار الماوي في جذوره القديمة، سنكتفي بالكلام عن تجربة مجموعته الطلابية، و هي مجموعة حديثة العهد تشكلت أواخر التسعينات و يمكن اعتبار نشوئها جاء نتيجة للانقسامات و الانشطارات التي عرفتها تجربة "أنصار البرنامج المرحلي" بالجامعة ابتداءا من سنة 94، حيث تناسلت المجموعات و التيارات داخل المجموعات للحد المخيف الذي وصلت إليه الآن ـ خمس مجموعات على الأقل، دون الفعاليات الفردية التي فضلت الابتعاد دون أن تعلن ولاءها و لا معارضتها لأي من المجموعات و التيارات ـ
و بالنظر لارتباط التيار بالقطاع الطلابي مباشرة و بالحركة القاعدية خاصة، عرف التيار عدوى النواقص و السلبيات و التيه الذي عرفته الحركة القاعدية، في جميع المجالات الفكرية، السياسية و التنظيمية.. بحيث يمكن تسجيل تراجع الثقافة التنظيمية و سيادة الحلقية و العفوية، تراجع الفكر الشيوعي الماركسي اللينيني و اكتساح مكانه من طرف الأطروحات الشعبوية الماوية و الغوارية الغيفارية و اليسراوية العدمية و بعض مظاهر التروتسكية في مواقع محدودة جدا.
و الكراسة التي أمامنا هي تعبير مكثف و صادق عن تأثيرات هذه السلبيات، تعبير عن الأزمة و تمظهرات هذه الأزمة، أزمة الحركة القاعدية و أزمة المجموعات الماوية و ديالكتيك العلاقة بين الأزمتين.
سنلاحظ بجلاء الأزمة التي تعيشها هذه المجموعة و مستوى العمى السياسي الذي أصيبت به و حالة الخبط العشوائي في جميع الاتجاهات و التي لا تفرق فيه بين الأصدقاء و الأعداء، و بين الحلفاء الثابتين و الحلفاء المؤقتين.. عبرنا عنها بحالة الترنح التي لا نريدها أن تقضي على الأخضر و اليابس، و لا نريد من نتائجها تجميد الطاقات المناضلة، بل النهوض بعد السقوط المؤقت و الانطلاق من جديد على أرضية الفكر الماركسي اللينيني و ارتباطا بالطبقة العاملة من أجل مهامها نحو الثورة و المجتمع الاشتراكيين.
و دون الدخول في سجالات نظرية سبق و أن قدمنا فيها الرأي سنكتفي في ردنا هذا على بعض النقط التي حاول التيار الماوي، في صراعه ضد نجله، الاستغلال الانتهازي و المفضوح للثقافة العمالية و جزئها المشع، الأدب اللينيني، في صراعه داخل الحركة العمالية ضد التيارات الانتهازية الإصلاحية، الشعبوية، الإرهابية، الشوفينية، العفوية و اليسراوية الطفولية..
مع الإشارة لكون أن الكراسة المعنونة "بحماقات الصبية الجدد" الصادرة باسم "النهج الديمقراطي القاعدي" ـ و في الحقيقة عن المجموعة الماوية من داخل أنصار "البرنامج المرحلي" ـ بتاريخ ماي 2006، قد وزعت بمراكش في حينها مما مكننا من الحصول على نسخة منها.. و سنعمل قدر الإمكان على إدراج بعض النصوص و الجمل كاملة حتى يكون المتتبع و القارئ، في الصورة التي تمكنه من الحكم على جميع الآراء بكل موضوعية.

في النصوص و مرجعيتها
"لقد اتضح الانحراف، و لن ندور حول بعضنا، و إننا سنقول بصراحة، أن الانحراف هو انحراف، لا بد من تقويمه، و سوف نقومه، و ستكون المناقشة نظرية" لينين، حول وحدة الحزب و الانحراف النقابي الفوضوي.
سبق و أن انتقدنا في مقالات عديدة طريقة الالتفاف على بعض النصوص و المفاهيم و الاصطلاحات الماركسية اللينينية التي يستعملها بعض منظري التيار الماوي ظانين أن الماوية هي الماركسية اللينينية أو العكس كما كان يدعي الحزب الشيوعي الصيني في بياناته و هتافاته "عاشت الماركسية اللينينية فكر ماو تسي تونغ"
فعلى نفس المنهج الذي اعتمدناه منذ بداية المقال، نعتبر أن الصراع على خلفية النصوص و المقولات الماوية بين أبناء التيار قد ارتقى درجة و نستحسن من جهتنا أن يتخذ هذا المنحى، اتقاءا للخلط و الغموض الذي شاب العديد من المفاهيم و التصنيفات الماركسية اللينينية.. آنذاك لن نعتبر أنفسنا معنيين بالعديد من الاتهامات و التصنيفات خاصة تصنيفات الانحراف و التحريف التي بدأت تعرف طريقها للتوضيح بأن نالت تعريفها النهائي بأنها انحراف عن الخط الماوي و بالتالي سيكون الماركسيون اللينينيون في منأى عن هذا الصراع و غير معنيين به.
فإذا كانت المعطيات هكذا، فنحن مبدئيا كماركسيين لينينيين نقدر كل الثوريين المناهضين لمجتمعات الاستعباد و الاستبداد و الاستغلال، و نقدر بصدق إسهامات الحركة الثورية الماوية و الغيفارية في جميع مواقع المناهضة للرجعية و الإمبريالية.. بنفس النظرة التي نقدر بها إسهامات جميع الحركات الثورية و الحركات الديمقراطية الاحتجاجية المناهضة للرأسمال و الإمبريالية.. نقدر النضالات العمالية النقابية و نضالات الطلبة و المعطلين و بؤساء الهوامش، نقدر العصيانات الشعبية في المدن و الأرياف..
و بعد هذا، لن ندعي بأي شكل من الأشكال احتكارنا للإرث البلشفي اللينيني، بل نعتبره إرثا لجميع التيارات المناضلة لأخذ الدروس و العبر لتطوير و تجذير ممارستها في مجال بناء التاكتيك و الإستراتيجية، في مجال التنظيم، في مجال التحالفات، في مجال المزاوجة بين الأشكال النضالية المتعددة، في فن الهجوم و فن التراجع، فن الصلابة الفولاذية و فن الليونة و المراوغة و المساومة..الخ.
لكن أن تتم المحاسبة بين جناحي التيار الماوي على قاعدة المرجعية الماركسية اللينينية و تحت جلباب الحركة العمالية، في الوقت الذي يرفض فيه الجناحين التصور البروليتاري اللينيني في جميع جوانبه، النظرية السياسية و التنظيمية.. يعني في الوقت الذي ما زال التيار يعارض مبدأ طليعية الطبقة العاملة ضد الرأسمال و حلفاء الرأسمال و الإمبريالية بشكل عام.. و استبدالها بالفلاحين. يعارض مبدأ استقلالية الطبقة العاملة فكريا، سياسيا و تنظيميا.. و يتبنى "حزب الجماهير الشعبية" و "حزب الكادحين" و "حزب الطبقة العاملة و عموم الكادحين".. يحول التاكتيك لإستراتيجية بمعارضته لبرنامج الثورة الاشتراكية الإستراتيجي و بتعويضه بتاكتيك و برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية البرجوازي للإطاحة بالإقطاع و لتسييد الرأسمالية كمدخل للتحول الاشتراكي! ينادي بالجبهات الطبقية عوض التحالفات التي تحتفظ للطبقة العاملة باستقلاليتها و بقيادتها للتحالف، يتنازل عن التصور اللينيني البلشفي الخاص بحسم السلطة عن طريق الإضرابات و الإضراب المعمم و الانتفاضة الشعبية المسلحة.. لصالح "إستراتيجية القواعد الحمراء المتحركة" و "الحرب الشعبية الطويلة الأمد" لحصار المدن عن طريق الأرياف بالاعتماد على الجيش الشعبي الفلاحي..
كل هذه الأمور و الخلافات يرى الماويون في المغرب و خارج المغرب على أنها إضافات للإرث اللينيني.. و هي ليست بالإضافات في نظرنا، هي نظرية شعبوية مستقلة بذاتها نقدرها و نحترمها إذا استمرت في الدفاع عن نفسها و إذا استقلت بنفسها كأطروحة.. و سنواجهها و نفضحها و سنصارعها فكريا و سياسيا بالطرق الرفاقية الديمقراطية إذا ما تكلمت باسم الطبقة العاملة أو حاولت الاستقطاب التنظيمي و نشر أفكارها وسط الطلائع الشبابية من أبناء العمال و الكادحين.
صراحة خلق توقيع الكراسة باسم "النهج الديمقراطي القاعدي" إحراجا لنا قبل الرد، و قد اعتبرناه كشكل من أشكال الفرار من ساحة المعركة السجالية.. إذ كان حريا بكاتب المقال أن يكتب المقال باسمه حتى لا تكبر الفضيحة و أن يشرح النصوص عوض إقحامها في غير مكانها، و يدقق في المفاهيم و حمولاتها دون التنطط و خلط الأوراق.
لاحظوا معي منهجية الخلط و التضبيب، فما معنى أن يذكر الماوي العارف و الملم بصراع الخط البلشفي و انتصاراته ضد الشعبوية و الإرهابية و المناشفة و التروتسكيين و الاشتراكيين الشوفينيين و اليسراويين..؟
فما موقع الماوية من هذا الصراع؟ أية منهجية هذه التي تسمي بعض التيارات بأسمائها و البعض الآخر بنزعاتها؟ لماذا لا نقول مثلا انتصارات الخط البروليتاري داخل الحركة العمالية، و ليس الثورية فحسب؟ انتصاراته ضد الشعبوية و الإرهابية و الاقتصادوية و العفوية و الانتهازية الإصلاحية و الشوفينية و اليسراوية الشيوعية..
أو نقول مثلا انتصارات الخط البلشفي ضد "الاشتراكيين الثوريين" و المناشفة و اشتراكيي الأممية الثانية و الشيوعيين اليساريين..الخ هكذا و على ضوء هذه المنهجية، يمكن أن تفيد و تستفيد بل يمكنك أن تقدم أطروحاتك دون تحفظ و لا اختباء وراء أطروحات أخرى.
فحين يكون الاستشهاد بل اعتبار تفوق الخط البروليتاري عن الخط الشعبوي انتصارا فيجب تقديم النظرتين مع توضيح نقط الخلاف بينهما ولو بشكل مختصر، تقديم كذلك ما عنته الماركسية بالشعبوية و الإرهابية و اليسراوية.. و هي نزعات نعتبرها قد أتت على الجسم الماوي و اكتسحته لحد النخر و جعلت البعض من شبابنا المناضل ينبهر و يتباهى بها ـ دون أن تكون له القدرة لممارستها، بالطبع ـ انبهار و إعجاب ليس إلاٌ.. و حين يكون العكس سنسميه مرة أخرى فرارا من ساحة المعركة السجالية أو الصراع الفكري بين الماركسية اللينينية و الماوية.
بنفس الرؤية و المنهجية أطرت الاستشهاد بمقولة لاسال في التنظيم، و لولا الاستشهاد اللينيني بهذه المقولة و بهذا الاسم لما دخل التاريخ و لما عرفه الماركسيون و الثوريون..
هذه المقولة التي استشهد بها لينين حين كان يقدم نظريته حول الحزب العمالي و المنظمة الثورية للمحترفين الماركسيين و هي مقولة موجهة ضد كاتب المقال و ضد معارضيه من الصنف الماوي الآخر قبل أن توجه ضد أي كان.. ألم يلاحظ الكاتب بداية المقولة "بالنضال الحزبي" و نهايتها "بالحزب يقوي نفسه بتطهير نفسه"؟!
فقبل نعث الآخرين بكل التصنيفات التي واجهها الخط البلشفي البروليتاري وجب توضيح موقفكم من الحزب و النضال الحزبي و الحزب اللينيني ـ حزب الطبقة العاملة المستقل ـ وجب الشرح للتطهير و دواعي التطهير و المعنيون بالتطهير، من داخل التاريخ و ليس من خارجه، يعني متى كان لينين متشددا في التطهير أي انشقاقيا و متى كان متسامحا مع مهمة التطهير أي وحدويا.. بدون فهم الموقف اللينيني بعمقه الديالكتيكي نكون ابتعدنا عن الماركسية و المادية و الديالكتيك و دخلنا عالم المثالية المجرد.
فبدون موقف واضح من الحزب الماركسي اللينيني الذي استند على توجيهات و خبرة ماركس و إنجلز خلال تجربتي "العصبة الشيوعية" و "الأممية الأولى" و تجارب الحركة العمالية و بشكل خاص الحزب الألماني اللاسالي.. و تجربة المنظمات الماركسية الثورية الروسية و اجتهادات الطلائع العمالية الروسية ـ رسالة إلى رفيق ـ.. بدون توضيح موقفكم من نظرة لينين لمنظمات الاستناد الجماهيرية و الشبه جماهيرية كيفما كانت نوعيتها و مرجعيتها، أي النضال داخل أشد الإطارات اصفرارا و رجعية.. لن يقبل منا اتهام الآخرين باليسراوية و الانعزالية.
"إنه لصعب جدا ـ و ثمين جدا ـ أن يكون المرء ثوريا حين تكون الشروط، غير موجودة من أجل نضال مباشر و علني جماهيري فعلا و ثوري فعلا، أن يكون قادرا على الدفاع عن مصالح الثورة (بالدعاية و التحريض و التنظيم) في الهيئات غير الثورية، و في كثير من الأحيان في الهيئات الرجعية السافرة، في وضع غير ثوري، بين الجماهير العاجزة عن أن تقدر بصورة فورية الحاجة إلى طرق العمل الثورية" عن ـ مرض اليسارية ـ لينين.
فمن أجود المرجعيات التي يحتاجها السجال ضد "اليسراوية" أو "اليسارية الطفولية" لن يجد الماركسي أحسن من الكتاب المذكور أعلاه "اليسارية الشيوعية، المرض الطفولي" للرفيق لينين حيث يمكن الاطلاع على مجمل الخطط و التاكتيكات البلشفية اللينينية، مع التعريف الموسع و المعمق لليسراوية، و كذلك البحث في جميع تمظهراتها و تلاوينها داخل الحركة الشيوعية و العمالية.
و عوض أن ننصح الرفاق بقراءة مقال ماو "ضد اللبرالية"، كان الأجدى أن ننصحهم بقراءة مقال آخر لماو "صححوا أخطاء الانحراف اليساري" حيث تعرف الماوية اليسراوية و الانحراف اليساري.
آنذاك يمكن مقارنة "اليسراوية" التي عرفها لينين و واجهها، مع "اليسراوية" التي ناهضها ماو داخل حزبه و التي قال عنها: "قامت بدعاية وحيدة الجانب لنهج الفلاحين الفقراء ـ الأجراء الزراعيين بدل أن تروج فكرة وجوب اتحاد البروليتاريا مع جميع الشغيلة و مع جميع المظلومين: البرجوازية الوطنية و المثقفون و الوطنيون الآخرون (بمن فيهم الإقطاعيون المستنيرون الذين لا يعارضون الإصلاح الزراعي"
و يستمر على نفس منهجيته "التصحيحية" نابذا مدينا ممارسة "اليسراوية" بعد قيامها "بدعاية وحيدة الجانب تزعم أن على الفلاحين الفقراء و الأجراء الزراعيين أن "يستولوا على الأنهار و الجبال و يعلنوا سيادتهم عليها" أو أن الحكومة الديمقراطية يجب أن تكون حكومة فلاحين فحسب و ألا تصغي إلا إلى العمال و الفلاحين الفقراء و الأجراء الزراعيين" ليخلص إلى: إن "هذا خطأ مبدئي خطير"!
فهاكم سياسة الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية على الطراز الماوي، أي بعد تشويه و لي عنق التاكتيك اللينيني خلال ثورة 1905/1907، الثورة الوطنية الديمقراطية بقيادة حزب الطبقة العاملة المستقل، ببرنامجها الثوري المبني على الجمهورية و مصادرة أملاك البرجوازية الكبيرة و الملاكين العقاريين الكبار، و إقامة حكومة ثورية مؤقتة و سلطة المجالس العمالية و الشعبية في المدن و الأرياف و مركزتها في إطار دكتاتورية البروليتاريا و الفلاحين الديمقراطية الثورية.
كيف أجابت الماوية على تطلعات اليساريين الثوريين داخل الحزب و كيف "صححت أخطائهم": "يجب ألاٌ يُمنح الملاكون العقاريون و الفلاحون الأغنياء قطع أرض و ممتلكات تفوق ما يمنح لجماهير الفلاحين. و لكن ينبغي ألا نكرر أيضا خطأ السياسة اليسارية المتطرفة التي طبقت في الأعوام 1931/1934 التي قالت لا أرض للملاكين العقاريين و أرض جدباء للفلاحين الأغنياء" ـ الوضع الراهن و مهماتنا ـ المجلد الرابع لماو تسي تونغ.
و اعتقد أن هذا كاف لاتخاذ نظرة عن تعريف ماو لليسارية المتطرفة، وجب أخده بعين الاعتبار و استحضاره أثناء السجال حول اليسراوية و قضايا أخرى تخص طبيعة الثورة التي ستخدم مصلحة الطبقة العاملة و عموم الكادحين بالمدن و الأرياف، طبيعة برنامجها، تحالفاتها و قيادتها.. تصورها للبناء لمرحلة ما بعد حسم السلطة، خصوصا مسألة المصادرة و التأميم و نظرة الطبقة العاملة للمِلكية الصغيرة في المدن و الأرياف، و تصورها للتدابير الثورية فيما يخص الأراضي الفلاحية.
و لا بأس إذا استرجعنا النقاش حول قضايا من هذا النوع بالرغم من بديهيتها لدى الماركسيين، لما لها من علاقة مع الموضوع، إذ لا يمكن فهم النزاعات اليسراوية داخل المجموعة الماوية بدون التعريف بالمرجعية الأصل، الماوية كأطروحة ثورية مستقلة بذاتها عن الفكر العمالي الماركسي اللينيني.
و لا بأس كذلك إذا استرجعنا "ذاكرتنا" للسنوات الأولى من عمر الماركسية و بشكل خاص خلال صراع ماركس ضد الفوضوية البرودونية و الباكونينية فيما بعد، خلال السجال الذي خاضه ماركس منتقدا مؤلفي برودون "ما الملكية؟" و "فلسفة البؤس" التي دافع فيهما عن المِلكية الخاصة للفلاح و الحرفي بل ذهب لحد المطالبة بصيانتها و تعزيزها و تقويتها.
و خلال محاجٌاته ضد باكونين، قال ماركس عن الأوضاع في البادية باسطا تصوره لأوضاع ما بعد الثورة و لمهام السلطة العمالية ـ دكتاتورية البروليتاريا ـ، مسجلا ملاحظاته بخصوص التشكيلة الطبقية في الريف الفرنسي "حيث ما زال الفلاحون قوى عددية كبرى و لم يستبدلوا بالعمال الزراعيين كما في انجلترا فالذي يحدث هو بالتالي: إما أن الفلاحون سيقاومون أية ثورة عمالية و يكتبون لها الفشل كما فعلوا حتى الآن في فرنسا، و إما أن على البروليتاريا (...) كطبقة سائدة أن تتخذ تدابير تصلح مباشرة وضع الفلاح و تكسبه لقضية الثورة، تدابير تسهل من البداية الانتقال من المِلكية الخاصة للأرض إلى المِلكية الجماعية" و يضيف للتوضيح أكثر "لا ينبغي أبدا توطيد المِلكية الصغيرة بتكبير قطع الأرض الصغيرة بوضع المزارع الكبرى بين أيدي الفلاحين حسب تصور باكونين الثوري" ماركس يرد على باكونين، معتبرا أن التشبث بالمِلكية الفردية و بالإنتاج الصغير، و بالرغم من غلافه الثوري الفوضوي، يمثل سياسة و مسارا رجعيا متخلفا بالمقارنة مع الاقتصاد الرأسمالي الكبير.
فلا مكان اليوم لشعارات بدون تفسير و تدقيق، لا مكان لثوريين لا يعرفون قيمتهم و حجم تياراتهم الحقيقية، لا مكان للمزايدة و الاستزادة، لا مكان لقادة لا يرددون سوى خلاصات تجارب ما زال النقاش مفتوحا حول نتائجها الكارثية على مسار الحركة العمالية.
فالمكان مفتوح على مصراعيه، للتحليل العلمي و للمنهجية الماركسية "التحليل الملموس للواقع الملموس"، مفتوح لمن له الجرأة و القدرة و قوة المبادرة لتفعيل شعاراته و مقترحاته.
فإذا كان لينين يشرح و يعيد الشرح لمقترحاته و خططه و تاكتيكاته، فلم يترك نقطة لم يدقق فيها و لم يترك البرامج عرضة للتأويل.. بل لطالما قدم البرامج و بجانبها الشروحات الإضافية.. و لطالما قدم التعديلات مع الشروحات المستفيضة لدواعيها.. فما بالك بالشعارات و البرامج التي عمٌرت لسنوات. دون أن يطالها النقد أو التعديل، شعارات و برامج دون شروحات للمدافعين عنها و لا للمستهدفين بها!؟
و نقدم هنا نموذجا لاجتهادات الخط البروليتاري البلشفي بقدرته على الربط الديالكتيكي بين التاكتيك و الإستراتيجية الثوريين دون التنازل عن الثوابت النظرية المرتبطة بالمرجعية الماركسية فكرا و أطروحة الطبقة العاملة، إذ و في مجرى تقييمه لثورة 1905، قال: "إن أصالة الثورة الروسية تتلخص بالتحديد في أنها كانت ثورة برجوازية ـ ديمقراطية من حيث مضمونها الاجتماعي، و لكنها كانت بروليتارية من حيث وسائلها الكفاحية. لقد كانت ثورة برجوازية ديمقراطية لأن الهدف الذي كانت تطمح إليه مباشرة و الذي كان في مقدورها بلوغه مباشرة بقواها الخاصة، كان الجمهورية الديمقراطية و يوم العمل من 8 ساعات و مصادرة الأملاك العقارية الكبيرة الشاسعة التي تخص النبلاء.
و في نفس الوقت كانت ثورة بروليتارية، لا لأن البروليتاريا كانت فيها القوة القائدة، طليعة الحركة و حسب، بل أيضا لأن وسيلة الكفاح المميزة الخاصة بالبروليتاريا، أي الإضراب، كانت الوسيلة الرئيسية لتحريك الجماهير و أبرز واقع يصف تصاعد الأحداث الحاسمة موجة إثر موجة".
ذكرنا بهذه النصوص لتوضيح منهجية لينين في عرض تصوراته التي تدققت في تدابير الثورة و في مضمونها الاجتماعي و في وسائلها البروليتارية الحاسمة.. فقط لنميط اللثام عن حقيقة "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" المروٌج لها في المغرب و التي بقيت لسنوات، بدون ملامح و لا مضمون طبقي واضح.. و عن حقيقة الوسائل البروليتارية الحاسمة التي دعا لها الماركسيون لكي تسهل مقارنتها بالوسائل الفلاحية الماوية "إستراتيجية الحرب الشعبية للتحرير الوطني" و "القواعد الحمراء المتحركة"..الخ

تجليات اليسراوية وسط الحركة
الطلابية التقدمية
"إن العمل على إنشاء التنظيم الكفاحي و على تحقيق التحريض السياسي أمر إلزامي في الظروف "الرمادية السلمية" أيا كانت، في مرحلة "هبوط المعنويات الثورية" أيا كانت، ناهيك بأن هذا العمل ضروري بخاصة في مثل هذا الظرف على وجه الضبط و في مثل هذه المرحلة، على وجه الضبط، لأنه يفوت الأوان لإنشاء التنظيم، في أوقات الانفجارات و الغليانات، ينبغي أن يكون التنظيم جاهزا لكي يقوم بنشاطه على الفور" لينين ـ "بما نبدأ؟"
لقد ارتبطت جل التيارات الرفضوية اليسارية في تشكلها و نشأتها بحركة الشباب و الطلاب.. و يمكن اعتبار سنوات العشرين من القرن الماضي، السنوات الأولى لرواج أفكارها و أطروحاتها قبل أن تنضج و تتعفن خلال سنوات الستينات و بداية السبعينات بأوربا، اليابان و كندا و الولايات المتحدة الأمريكية.. في إطار ما سمي و عرف بحركة "اليسار الجديد" الذي شكلت التروتسكية و الماوية إحدى تياراتها الأساسية إلى جانب حركة الهيبيين و الماركيوزيين و الزنوج و المثليين الجنسيين.. الخ
و إذا كانت التجربة اليسارية السبعينية المغربية، قد أعلنت، و منذ ولادتها، عن انتماءها للحركة الماركسية اللينينية، فلم تخف وثائقها و أرضياتها عوامل التأثير من لدن الحركة الانتفاضية الطلابية العالمية التي قادتها فصائل حركة "اليسار الجديد"..
و لم ينكر كذلك البعض من أطرها و مؤسسيها تتلمذهم على يد حركة "اليسار الجديد" الأوربية بل هناك من شارك انتفاضاتها ببعض العواصم الأوربية.. قبل أن يلتحق ببلاده ليساهم في تأسيس منظمات اليسار السبعيني.
و إذا اعتبرنا أن مجال الفعل الأساسي لحركة اليسار السبعيني، الساحتين الطلابية و التلاميذية، قد عرف هيمنة و انتشارا لأفكار و مواقف و تحليلات المنظمتين "أ" و "ب"، قبل أن تتحول "أ" إلى "إلى الأمام"، و أن تنشق "ب" إلى منظمتي "23 مارس" و "لنخدم الشعب".. فيمكن اعتبار أن الحركة قد جلبت معها بعضا من أفكار "اليسار الجديد" الأوربية الرافضة ـ و بالرغم من أن بعضها وجد له تفسيرا في واقع الصراع الطبقي آنذاك، إلا أن التفسير و التبرير الذي رافقه لم يخلو من يسراوية طفولية تشبه في الكثير ما عارضه لينين و ما انتقده في أطروحات و ممارسات الشيوعيين اليساريين ـ و التي نشرتها عبر تجربتي تعبيراتها الطلابية "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين" و "الطلبة المجالسيين" خلال تجربة 75/76.. ليستمر البعض من أفكارها و مواقفها و شعاراتها و ممارستها في التجربة القاعدية لسنة 79 ـ النهج الديمقراطي القاعدي ـ قبل أن تتفكك للعديد من التيارات و المجموعات.. التي ما زالت حاضرة و مكافحة ميدانية بالرغم من أخطاءها و انزلاقاتها.. لتبقى المحتضن الوحيد للمنظمة الطلابية إوطم بعد أن تحولت من حاضن إلى محتضن.
و يمكن اعتبار سنوات التسعينات، أي بعد الهزات العنيفة التي عرفتها مجتمعات تجربة البناء الاشتراكي و سقوط جدار برلين و بلد ثورة أكتوبر ـ الاتحاد السوفياتي ـ.. مع ما خلفه ذلك من نشوة انتصار بالنسبة للرأسمالية الإمبريالية لإعلان هيمنتها و عولمتها الاقتصادية السياسية العسكرية و الثقافية.. مما أدى لانبهار و انهيار العديد من الأحزاب و المنظمات الاشتراكية و الشيوعية لحد تغيير القناعات و الجلد أحيانا.. و من بين ردود الأفعال "الايجابية" و الصادقة في غالب الأحيان ـ برزت مجددا في الساحة تيارات الرفض و المعارضة الجذرية، تيارات التطرف اليساري الحاقدة و الفاضحة للأحزاب و المنظمات المرتدة، مشهرة بالأصوات اليائسة و المشككة في إمكانية تجاوز نمط الإنتاج الرأسمالي، و في المشروع المجتمعي الاشتراكي كبديل قادر على تقويض المجتمع الرأسمالي و تصحيح التجارب المنهارة.
و إذا كانت آخر المنظمات التي حملت لواء الماركسية اللينينية بالمغرب منظمة "إلى الأمام" قد بدأت مسار تفككها و تفسخها الذاتي منذ أواسط الثمانينات ـ بالرغم من استمرار صدور بعض البيانات باسمها و استمرار صدور بعض الأعداد من مجلتها المركزية بفرنسا "إلى الأمام" ـ قبل أن تنحل و تتحول لحركة و حزب "النهج الديمقراطي".
فيمكن اعتبار أن لهذا المسار التأثير السلبي و القوي في الساحة الطلابية و في صفوف "الطلبة القاعديين" بشكل خاص لما عرفته غالبية الشباب الماركسي المناضل بفعل إحساسه باليتم و التيه و التشرد النظري، السياسي و التنظيمي.. بسبب انتحار الأب الروحي الموجه، كاريزم التجربة الماركسية اللينينية المغربية.. منظمة "إلى الأمام".
و في هذا الإطار و أمام هذه المعطيات تجند العديد من الشباب الثوري، من الطلبة و البعض من قدماء الحركة القاعدية لإيقاف زحف المراجعة و الردة و الارتداد.. تجندوا و اصطفوا من جديد ـ و إن في تيارات و مجموعات متعددة ـ للدفاع عن إرث التجربة و عن تضحيات الشهداء و عن خط الثورة المهموم بأوضاع الكادحين و بؤس الفقراء من المغاربة..
في هذا الإطار تشكلت الحركة الماركسية اللينينية المغربية الجديدة بتياراتها و مجموعاتها و حساسياتها المتنوعة و المتعددة.. حاملة معها ـ إضافة للصدق النضالي و الكفاحية الميدانية و التفاني من أجل قضايا الكادحين ـ أخطاء و أمراض الماضي، الحلقية، تقديس العفوية، اليسراوية الرفضوية، العدمية.. بل يمكن اعتبار أن بعض المجموعات تتميز الآن بالتقديس الأعمى للتجربة الأم و بالدفاع عن طهرانيتها مع تكريسها للجانب الرفضوي اليسراوي و لغالبية المنزلقات و الأخطاء النظرية و العملية التي عرفتها التجربة السبعينية.
و إذا كانت المجموعتين موضوع النقد و الانتقاد لا تخرج عن هذا الإطار، فيمكن اعتبار مساهمتنا في هذا النقاش، دفاعا عن القيم الشيوعية الثورية، قيم الديمقراطية الرفاقية، قيم النقد و النقد الذاتي.. باعتبارنا جزء لا يتجزأ من تجربة "النهج الديمقراطي القاعدي" و جزء لا يتجزأ من تجربة الحملم كاستمرار لخطها البروليتاري من داخل الحملم الجديدة.. سنعمل على النقاش مع الطرفين دون نصرة أي طرف على الآخر و دون التجني على احد، مدافعين عن نظرتنا الوحدوية المبدئية مع كل التيارات و المجموعات الماركسية اللينينية التي تتقارب نظرتها و نظرتنا لمهام الطبقة العاملة، في بناء حزبها السياسي المستقل الشرط الذي لا بد منه لانجاز الثورة الاشتراكية و لبناء السلطة المجالسية لعموم الكادحين في المدن و الأرياف، كقاعدة للسلطة المركزية الديمقراطية ـ دكتاتورية البروليتاريا ـ

في نقدنا لمحتويات و خطاب
"الكراسة"
".. إنما يعتبر انحرافا نقابيا و فوضويا واضحا و جليا و ليس في ذلك مبالغة: لقد وزنت كلامي بعناية، فالانحراف ليس اتجاها كاملا بعد. و الانحراف يمكن إصلاحه. إن أشخاصا قد ضلوا الطريق أو بدأوا يضلونه، لكن ما زال في الإمكان تقويمهم" ـ حول وحدة الحزب و الانحراف النقابي الفوضوي ـ لينين.
تذكير و تنبيه لأنصار الكراسة بالمنهجية اللينينية حول وحدة الحزب، لننتقل لمقال الكراسة موضوع النقاش، مقال يرد على احد بيانات المنشقين عن أنصار الكراسة نفسهم، بطريقة و نظرة إقصائية تؤرخ بافتراء و انتقاء و مبالغة في تقدير تجربة "الطلبة القاعديين" و إسهاماتها الغنية و المتنوعة.. على طريقة "الطلبة القاعديون ناضلوا من اجل صيانة خطهم الفكري و السياسي!! منذ المؤتمر 17 إلى حدود الآن"
و للتصحيح نقول، لقد كانت حركة و ستظل حركة تحمل داخلها تيارات و متناقضات ككل حركة، حركة شكلت أرضياتها و برامجها المتعاقبة و أشكالها التنظيمية المرنة..، لحمتها الضامنة لقوتها لسنوات.. و إذا كانت بعض التيارات العاملة داخلها لا تملك الجرأة النضالية و الفكرية و السياسية للإعلان عن هويتها السياسية و الإيديولوجية و البرنامجية داخل هذا التنوع، فنعتبر ذلك من باب الانتهازية و من باب الترنح وقت الاحتضار و من باب اليسراوية الطفولية، و من باب الافتراء و المغالاة في الافتراء على حركة مناضلة قدمت المئات من المعتقلين و العديد من الشهداء.. بادعاءات لن يستطيع أصحابها أن يقدموا دليلا ملموسا عن "الخط الفكري و السياسي" و عن سبل الصيانة على امتداد التجربة من 79 إلى الآن.
فمن خلال هذه الادعاءات يمكن ملاحظة الخلط الفظيع بين التيار الفكري و السياسي الذي كان له الحق دائما في التعبير عن نفسه و في الانتماء لحركة الطلبة القاعديين! كتعبير عن الحول النظري الذي خلط و ما زال بين حركة الطلبة القاعديين و الحزب السياسي الإطار المؤهل لإمتلاك الخط الفكري و السياسي.. ملاحظة منهجية ستساعد لا محالة في تقدير خطاب و ممارسة التيارين اللذين لم يتعديا فضاءات بعض الكليات و ليس الجامعات! ـ حقوق مكناس، مراكش و أكادير ـ!!

انتفاض اليسراوية الجنين
ضد اليسراوية الأم
"إذا شئتم أن تساعدوا "الجماهير" و أن تكسبوا عطف "الجماهير" و تأييدها، فيجب ألا تخشوا المصاعب، يجب ألا تخشوا المكائد و المماحكات و الإهانات و الاضطهاد من جانب "الزعماء".. يجب أن تكونوا قادرين على كل تضحية، على التغلب على أعظم العقبات كي تقوموا بالدعاية و التحريض بصورة منهجية و صابرة، و مستمرة، و عنيدة، بالضبط في تلك المؤسسات و الجمعيات و الرابطات ـ حتى الأكثر إغراقا في الرجعية حيث توجد الجماهير البروليتارية و نصف البروليتارية" توجيه لينيني من إحدى نصوصه عن اليسارية، ارتأينا وضعه نصب أعيننا حتى لا نتيه أو نصاب بالحول النظري فيما يخص مهمة الارتباط بالجماهير و بمنظمات الجماهير.
و رغم نعت "الصبية الجدد" الذي استخدمه أنصار الكراسة لتمييزهم عن "الصبية القدامى" ـ و المعنيون بالأمر هم "رفاق كوبا" أحد تيارات البرنامج المرحلي المعجبين بتجربة حرب العصابات الكوبية و بعطاءات الرٌمز الثوري الخالد شي غيفارا ـ فصبيانية المنتقدين لا تقل عن صبيانية القدامى و لا الجدد.. و لن تتضح كفاية إلا ببراهين أخرى إضافية، غير هذه المقدمة ضمن صفحات الكراسة موضوع النقد.
"فالصبية الجدد" على حد تعبير أنصار الكراسة، عبارة عن "أشباح في الظلام منفصلين عن الحركة، غرباء عن الجماهير الطلابية، مرتبطين بالبيوت و المقاهي.. يكتفون بتسويد الأوراق في شكل بيانات.." .. هكذا يتم التقييم إذن، لتجربة لها إسهاماتها و تضحياتها.. رغم محدودية تأثيراتها و رغم اختلافاتنا العديدة مع اجتهاداتها و أطروحاتها.. التي لن تعمينا للحد الذي سيدفعنا إلى نعت المناضلين و المخالفين "بالأشباح"! و إلا سنسائلكم متوسلين، قصد الاستفادة من خبرتكم في أساليب حروب ضد "الأشباح"! و الحال أنها وصلت ذروتها، أي لحد الاقتتال الدموي بينكم و بين "الأشباح"!!
سؤال آخر نود الإجابة عنه بصدق و دون لف و لا دوران، هل تعتبرون عادات الجلوس في المقاهي و البيوت و تسويد الأوراق.. عادة محرمة في إنجيل الماويين؟ و هل في ذلك شكلا من أشكال المساس و الانتقاص من هويتهم الثورية، أم أن الثورية تفترض على المناضل الصعود لأعالي الجبال لصياغة بياناته هناك؟! هراء، هراء و فقط.
لنحاول الآن و قدر الإمكان متابعة ما قيل في الكراسة كانتقادات لأحد بيانات المجموعة الأخرى و الخاص بفاتح ماي 2006.. إذ و بالرغم من أنني لم أطلع على البيان المذكور فسأستند على انتقادات الكراسة لأناقش الموقفين معا و بأقصى حد من الموضوعية.
انقسم المقال بعد التقديم إلى ثلاث نقاط:
1 المواقع التي أدرجت في البيان
2 مضمون البيان
3 خلاصة: خلفيات
أما بخصوص النقطة الأولى التي تتسائل عن المواقع التي وقعت البيان، فلا دخل لنا بها، بل و ليس من اختصاص المناضلين البحث في مثل هذه الأمور، لأننا نعتبرها شبه داخلية، و بالتالي، على المعنيين بالأمر، أي مناضلي المواقع التي أدرجت أسماءها بدون علمهم أن يتقصوا الأمر و يعبروا عنه بالطرق النضالية الديمقراطية الناضجة و ليس بطريقة نشر الغسيل على سطوح الأعداء.
فيما يخص النقطة الثانية المعنونة بمضمون البيان، فقد قسمت هي الأخرى إلى ثلاثة:
1 الوضع الدولي
2 الوضع المحلي
3 الحركة الطلابية
و خلال هذه الفقرة لا حظنا حملة تجني واضحة و مريبة في حق الرفاق موضوع النقد، بدون أن نلمس ما يدعو لذلك، و الحال أن معطيات الكراسة تؤكد استنتاجنا هذا.
تقول الكراسة عن البيان "يقتصر البيان في تناوله للوضع الدولي على وصف الإمبريالية وتناقضها العام (التناقض بين الرأسمال و العمل المأجور) و هجومها على الشعوب، شعاراتها الديماغوجية و تدعيم الكيان الصهيوني.." عدم التفصيل في هذه الأمور كالإشارة للوضع في النيبال و البيرو و الفلبين.. دفع بالرفاق أنصار الكراسة لاعتبار أن التغييب كان عن قصد و أرجعوه بالتالي، إلى ضعف المنهجية التي "تنفي الصراع و التناقض.." و حكموا عليها في آخر المطاف بأنها رجعية و منافية للماركسية اللينينية! فعوض قراءة البيان يبدو أن الرفاق قرؤوا الفنجان و شتان بين ما يقوله البيان و بين ما يلمح به الفنجان.
و أظن أن التناقض الذي تضمنته القراءة / الرد لا يحتاج منا إلى نباهة و فطنة حتى نلاحظ التجني و بشكل سافر في حق الرفاق أصحاب البيان، فإذا كان البيان قد تحدث عن التناقض بين الرأسمال و العمل المأجور الذي نعتبره أساسي و رئيسي و محدد.. في البحث و المتابعة.. فكيف توصل المنتقدون للادعاء بأن البيان ينفي الصراع و التناقض؟
صحيح أنه كان من المفروض أن تتم الإشارة لإنجازات الطرف النقيض.. لكن إذا كان لا بد و من الواجب التذكير فعلى الماركسيين اللينينيين التذكير و التركيز على إنجازات الطبقة العاملة، طليعة النضال ضد الرأسمال و الإمبريالية.. مع إضافة الإشارة لنضالات الشعوب الكادحة و المناهضة للهيمنة الإمبريالية.. دون إغفال للنداءات التي يجب أن توجه لطلائع عمال هذه الشعوب و مثقفيها الثوريين بأن ينتظموا في حزب مستقل متسلحين و مستندين على المرجعية الماركسية اللينينية و بتوجيه سياسي و برنامجي ثوري يمكنهم من قيادة النضالات و من رفع راية الاشتراكية خلال مسار هذه النضالات.
خلاصة القول، أنه لا يمكن اتهام الرفاق و تحت أية ذريعة، بالرجعية إلا إذا كانت مواقفهم مناهضة صراحة لهذه النضالات الموجهة ضد الرأسمال و الإمبريالية، أو إذا عبروا عن خط و مواقف سياسية رجعية في الميدان لصالح "مخطط الميثاق" أو دافعوا عن سياسة الدولة الرأسمالية في ميدان من الميادين، أو تبين أنهم نسجوا تحالفات سياسية مع أطراف رجعية.. أو ساندوا، و لو بالتلميح، إلى مواقف رجعية في قضايا أساسية من قضايا التحرر ـ نضالات الكادحين، حق المرأة في المساواة، حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي..الخ ـ دون هذا، أو بعضه، لا يمكن للمناضل الماركسي أن يجازف و يحول بعض النقائص في البيان إلى ذريعة لاتهام الرفاق بالرجعية.
بالنسبة للوضع المحلي العام كنقطة ثانية، استمر الهجوم و العدوانية بنفس الخطاب و بنفس الأسلوب المتجني دون اعتبار لرفاقية الأمس و لا لميدانية الغد التي ستجمع الجميع حتما أمام و ضد عدو واحد.
فإذا لم يتوفق الرفاق في صياغة البيان بالشكل الشامل الذي يشفي غليل جميع المناضلين المعارضين للدولة و لسياستها و للنظام السياسي و الاقتصادي القائم بالمغرب.. فلن ننعتهم بالانتهازية و الرجعية إلا إذا لامسناها من خطابهم و ممارستهم.. و لن نذهب و كيفما كانت الأحوال لتشبيه رفاق لنا و إن خالفونا في التحليل و التقدير و الشعارات.. "بمصطفى العلوي" ـ أحد الوجوه التلفزية الرسمية بالمغرب ـ
فمن الممكن جدا أن يفتقد الرفاق للملكات الأدبية الماركسية لتكلفتها بصياغة البيانات بمنهجية ماركسية، و لن نعتبر ذلك خطأ و لا انزلاقا إلا إذا تكرس الخط و أصبح خطابا متداولا له مرجعياته و منظريه..الخ أما أن نتصيد ضعف المنهجية و ركاكة الصياغات.. و أحيانا عدم شموليتها.. فالجميع ليس بمنأى عن هذا الضعف و النقص. فأن نحول ضعف الصياغة و عدم شموليتها إلى التشكيك و التنقيص في كفاحية المناضلين و تفانيهم دفاعا عن الجماهير الطلابية و عن أطروحة التغيير الثوري.. فهذه هي الديماغوجية و هذه هي الانتهازية.
فليس هكذا نعامل المناضلين و الطاقات المكافحة، فالنقد و النقد الذاتي، و وحدة ـ نقد ـ وحدة، و حق الأقلية في التعبير عن رأيها مع الالتزام بموقف الأغلبية بعد الحسم.. كلها مبادئ ثابتة في العلاقة بين الرفاق المناضلين و بشكل خاص الماركسيين منهم.. سواء كانوا في مراحل تنظيمية جنينية ـ خلايا، حلقات، مجموعات، تيارات.. ـ أو في المستويات المتقدمة الراقية ـ منظمة أو حزب ثوري ـ و لا يجب أن يعمينا خط الانعزالية لحد التنازل عن هذه المبادئ و نعوضها بالتالي بأساليب التشهير و القدح و الافتراء..الخ
خلال فقرة، الوضع الجزئي: الحركة الطلابية، تغيرت النظرة و التقدير للرفاق أنصار البيان و لم يبقوا أشباحا كما صرحت به الكراسة في التقديم، و لم يبقى انحصارهم في موقع الراشدية! إذ أصبح الكلام ـ و العهدة على الراوي ـ عن تواجدهم بوجدة و مكناس و مراكش و أكادير.. و التصريح يفضح إذن افتراء أنصار الكراسة السابق و الذي تكلمنا عنه و منذ البداية.
"لقد قام البلاشفة، من بين جميع أحزاب المعارضة و الأحزاب الثورية المهزومة، بالتراجع الأكثر نظاما، بأقل خسارة لحقت "بجيشهم" و بالمحافظة على نواته على أفضل وجه، و بأقل الانقسامات (من حيث العمق و استحالة العلاج) و بأقل انهيار في المعنويات، و بأفضل الشروط من أجل استئناف العمل على أوسع نطاق و بالطريقة الأصح و الأكثر فعالية. و إنما حقق البلاشفة ذلك لأنهم فضحوا و طردوا بلا هوادة المتحذلقين الثوريين الذين رفضوا أن يفهموا انه لا بد للمرء أن يتقهقر و لا بد أن يعرف كيف يتقهقر، و لا بد له بالضرورة أن يتعلم كيف يعمل بصورة شرعية في أكثر البرلمانات رجعية، و في الأكثر رجعية من النقابات، و الجمعيات التعاونية، و شركات التأمين، و المنظمات المماثلة الأخرى" عن "اليسارية" لينين.
فذكٌر لعل الذكرى تنفع المناضلين من كل شاكلة و لون، ذكٌر فالدرس البلشفي اللينيني مهم لجميع الرفاق من كلا التيارين.
خلال هذه الفقرة أيضا تؤاخذ الكراسة على الرفاق أصحاب البيان "إيمانهم الكامل بقوة النظام" و قد استوقفتنا هذه المؤاخذة لما حملته من شحنة يسراوية و صبيانية في نفس الوقت، اضطررنا بعدها لطرح السؤال التالي: ألا يومن الثوري و الماركسي بشكل خاص بقوة الأنظمة الاستبدادية في مرحلة من المراحل و باختلال ميزان القوى الطبقي لصالح المهيمن من الطبقات الاستغلالية؟ ألا يومن الماركسي المغربي بقوة النظام الاستبدادي و الاستغلالي القائم في المغرب الآن؟! ألا تساهم الصراعات بين المناضلين الثوريين، بهذا الشكل أو ذاك ـ الافتراء، العنف، التخوين و محاولات الاستئصال.. ـ في التكريس، و لو بطريقة غير مباشرة، لقوة النظام و لموازين القوى الطبقية الحالية أي المختلة لصالح الأعداء؟
أعتقد من جهتي بأن الماركسيين اللينينيين المغاربة يومنون فعلا بقوة النظام الاستغلالي و الاستبدادي القائم في المغرب.. و لا يسهلون أمور النضال و الثورة و تعقيداتها و إلا أصبحوا يسراويين صبيانيين، هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى فهم يعتبرون أن كل من يضع قوة النظام حجرة عثرة و تبريرا للهروب و الانبطاح و الانتظارية و لا يعمل بالتالي على تطوير وعي الكادحين و أساسا الطبقة العاملة ـ وعي سياسي، فكري و تنظيمي ـ في اتجاه تغيير موازين القوى.. فهو انتهازي يميني لا حق له في الانتماء للحركة الثورية، ماركسية أو غير ماركسية.
ليبقى السؤال الجوهري و المحير، هو أين موقع كلا المجموعتين من هذا التحديد اللينيني الذي لم يراوغ قط في تحديد طبيعة المراحل ـ التي تحمل في جوهرها تقديرا لموازين القوى الطبقية ـ بكل الدقة العلمية و الموضوعية و ما تتطلبه من وسائل نضالية متنوعة، علنية أو سرية، هجومية أو دفاعية، سلمية أو مسلحة..الخ
تأويل آخر صادفناه خلال هذه الفقرة، و هو تأويل يفقئ العينين حيث نقلت الكراسة من احد البيانات التضامنية التي أصدرها الرفاق أنصار البيان، إحدى المقتطفات التي تقول: "بالنضال من أجل توفير الشروط الموضوعية لمواجهة الميثاق" لتخلص الكراسة إلى موقفها المتجني "و هكذا أصبحت الشروط الذاتية تحدد الشروط الموضوعية"
إنه تأويل و تأويل متحامل يستغل مرة أخرى ضعف الصياغة الذي تكلمنا عنه منذ البداية.. فعلى الرغم منه، لن يدفع بنا ولا بأي كان للتحامل على الرفاق و بأن نهمش ميدانيتهم و نلغي تضامنهم البين مع النضالات و تعبيراتهم الصادقة عن واقع معقد و مركب.. على حساب ضعف الصياغة و عدم التوفق في التعبير بلغة ماركسية قحة.. فمن اليسير جدا أن نجيب عن الأوضاع المعقدة الطلابية و غير الطلابية بشتى الخلاصات السهلة و السريعة.. مثل "النظام يعيش أزمة خانقة" و "النظام ضعيف" بل "و النظام نمر من ورق يكفي النفخ عليه لكي يسقط و يتهاوى.." إلى آخر الاستنتاجات التي تعودناها في الثقافة اليسراوية الصبيانية.
و بغض النظر عن تقديرات الرفاق أنصار البيان حول ما أسموه "بالشروط الموضوعية لمواجهة الميثاق" و هل عنوا فعلا الشروط الموضوعية أم الشروط الذاتية التي يجب التوفر عليها للدخول لمعركة مناهضة الميثاق؟ فالرفاق أنصار الكراسة و بعد اتهامهم لرفاقهم بالجهل و الانتهازية.. قدموا نموذجا آخر من التجني و في تقويل الآخرين ما لم يقولونه و في استخبال القارئ المتتبع بالصورة الأكثر فظاعة.
فالرفاق إذن، أي أنصار البيان، قدموا تقديرهم للاستعداد لمعركة محددة في قطاع محدد ـ استنهاض الفعل الطلابي لمناهضة مخطط ميثاق التربية و التكوين في الجامعة ـ معركة يتداخل فيها الموضوعي و الذاتي، لكن أن يهرب النقاش و يسقط على المجتمع ككل تحت ذرائع التمكن النظري و الفهم المعمق "للجامعة المغربية و للمجتمع المغربي و المجتمعات الشبه مستعمرة و الشبه إقطاعية"!.. فتلك هي الديماغوجية في أبشع صورها، خاصة إذا غاب البسط لأي فهم معمق عند المنتقدين، للجامعة و للمجتمع و لأي شيء آخر يقربنا من فهم المنهجية البديلة التي ادعتها الكراسة.
"إذا غابت الشروط الموضوعية لا يبقى ثمة أي مبرر لطرح هذا الشعار التاكتيكي، شعار المجانية أو الاستشهاد"!
على هذه الطريقة يعمق الرفاق الديالكتيك و النقاش النظري، أي بطريقة التملص من النقاش الماركسي الحقيقي و بدون أدنى تحديد نظري للشرط الذاتي و لا الموضوعي، داخل الجامعة و خارجها و لا لتصور العمل في حالة انتفاء إحدى الشروط و لا لكيفية العمل على تحويل موازين القوى و تطوير الإمكانيات و خلق شروط أرقى..الخ
"لقد كان ماركس يحدد المهمة الأساسية لتاكتيك البروليتاريا بالتوافق الدقيق مع جميع مقدمات مفهومه المادي ـ الديالكتيكي. إن حسبان الحساب بشكل موضوعي لجميع العلاقات بين جميع الطبقات في مجتمع معين، دون استثناء، و بالتالي، حسبان الحساب للدرجة الموضوعية لتطور هذا المجتمع و للعلاقات بينه و بين سائر المجتمعات يمكن له وحده أن يكون سندا لتاكتيك صحيح للطبقة المتقدمة، علما بأنه ينظر إلى جميع الطبقات و جميع البلدان، ليس في حالتها الساكنة بل في تحركها أي لا في حالة الجمود، بل في حالة الحركة التي تنبثق قوانينها من الظروف الاقتصادية لمعيشة كل طبقة، و الحركة بدورها يُنظر إليها لا من وجهة نظر الماضي و حسب، بل من وجهة نظر المستقبل أيضا، و فضلا عن ذلك يُنظر إليها لا وفقا للمفهوم المبتذل "للتطوريين" الذين لا يلاحظون سوى التحولات البطيئة، بل وفقا للديالكتيك" لينين من كتابه "كارل ماركس" درس آخر و فيه منفعة للجميع، عسى أن ينجح في تطوير المفاهيم و تغيير المنهجيات.
سبق و أن انتقدنا بقوة شعارات الشجعان و البطولة و الزعيق الثوري الصبياني من شاكلة "المجانية أو الاستشهاد" أو "المجانية أو إحراق الذات".. و اعتبرناه نوعا من الاستزادة الصبيانية، ليس إلا، عوض التنازل عنه للبحث عن الشعار الملائم للمرحلة و عن البرنامج المقدر لإمكانيات و مصالح و تطلعات الجماهير الطلابية.. اكتفى دعاة الشعار بتحويله إلى تاكتيك، عسى أن يخرجوا من ورطته و تورطهم به لأنهم عجزوا صراحة عن ممارسته، و عن الدعاية له، و عن الإقناع به.. و عن شرحه حتى..
سألناهم إذا كان الاستشهاد تاكتيكا ستمارسه الحركة الطلابية و جماهيرها الواسعة، فما هي إستراتيجية النضال إذن، من سينفذها و يحميها؟ لم نتلق أية إجابة و خمٌنا كثيرا، فأجبنا، ربما الانبعاث يوم الحشر قد يشكل إحدى الإجابات!
فمن يطرح ديالكتيك الذاتي و الموضوعي و يتشبث به بقوة لا بد له من طرح السؤال التالي: هل شعار المجانية شعار يهم الجماهير الطلابية فقط؟ دون التلاميذ و الكادحين عموما من آباء الطلبة و التلاميذ؟ هل يهم فقط الحركة الطلابية دون الحركة الديمقراطية و التقدمية و العديد من النقابات و التيارات اليسارية الجذرية..؟ يعني أليست القضية في جوهرها قضية طبقية تهم المجتمع الحالي و جميع المتطلعين لمجتمع اشتراكي بديل؟..الخ
و بالتالي نرى أن من مصلحة الحركة الطلابية أن تبقى متشبثة بإطارها العتيد إوطم على أرضية مبادئه الأربعة و قانونه الأساسي و أن تتوحد على شعار استرجاعه و هيكلته دون تأخير، مع الاستمرار بالموازاة في مناهضة الميثاق دون تجزيء و لا تفكيك، آنذاك ستقدم هيكلة إوطم الإضافات المطلوبة لتغيير موازين القوى داخل الجامعة و ستساعد، لا محالة، على تطوير العلاقات بين التيارات اليسارية الاشتراكية و الماركسية اللينينية، ستجدد مهمة إوطم، إذن، كمدرسة للديمقراطية و للشيوعية بدون شك.
"إن الماركسي لا يشك مطلقا في أن الثورة مستحيلة دون وضع ثوري و لكن ليس كل وضع ثوري يؤدي إلى الثورة" نستفيد من هذه المقولة اللينينية بأن هناك علاقة ديالكتيكية بين الشرطين الذاتي و الموضوعي و بانتفاء أحدهما لا يمكن أن نصل لمبتغانا لتحقيق مصالحنا و مصالح الجماهير.
ذكرنا بهذا التوجيه لوقع الصدمة الذي تركته فينا ترهات الكراسة المتواصلة و خرافاتها المتجددة على شكل التساؤل المقدم للرفاق أنصار البيان "النضال من اجل توفير الشروط الموضوعية لمواجهة الميثاق و البرنامج المرحلي أية علاقة"
هنا تكمن ورطة التيارين و مجموع تيارات البرنامج المرحلي، هل هي زلة لسان أم ماذا؟ مناهضة الميثاق أم البرنامج المرحلي؟ لمن الأولوية إذن؟ فالجميع مطالب بالإجابة إلا الجماهير الطلابية المناضلة التي انخرطت منذ سنوات مجابهة خطوات الميثاق التصفوية الطبقية.
فعدا الزعيق بشعار "المجانية أو الاستشهاد" لم يقدم أحدا من مجموع تيارات و مجموعات "البرنامج المرحلي" خطة برنامجية عملية في اتجاه مناهضة الميثاق، و مما يزيد الطين بلة هو عدا العجز و انتشار ثقافة العجز نجد من ينظر للكساح الكلي و النهائي! نجد "الحماقات" تواجه "بحماقات" أفظع منها!
"المسألة أصبحت مرتبطة بالهوية البرنامجية للطلبة القاعديين" استنتاج خطير! ما المعنى إذن، إذا كنتم و ما زلتم لحد الآن تتكلمون عن مرحلية البرنامج و فقط فما علاقة الهوية بالمرحلية؟
حقيقة الأمر أن كل التيارات المناضلة كانت قطاعية أو سياسية حزبية.. فلا بد لها من أن تتوفر على برامج مرحلية تاكتيكية، برامج حد أدنى، برامج قطاعية..الخ إضافة لبرنامجها الاستراتيجي و هو الوحيد في اعتقادنا الذي يمكن اعتباره جزئا من الهوية إلى جانب المنطلقات أو المرجعية، أما الأخرى فلا، لماذا؟ لأنها ببساطة تخضع للشروط الذاتية و الموضوعية، تخضع للتحليل الملموس للواقع الملموس بجميع معطياته، تخضع للتحالفات الميدانية المؤقتة، تخضع لشروط التنازلات إذا فرض الواقع و موازين القوى حدا أدنى..الخ هذا ما علمتنا إياه الماركسية اللينينية و خبرة الحركات العمالية المناضلة و خبرة الحركة الطلابية التقدمية و إطارها إوطم.
"إن البرنامج هو عبارة عن بيان موجز و واضح و دقيق عن كل ما يريد الحزب بلوغه و عن كل ما يناضل في سبيله" تعريف لينيني بسيط و مركز سيقينا الخلط بين ما نريد بلوغه نحن و ما تحتاجه الحركة الطلابية من برنامج حد أدنى.
و من نماذج هذا الخلط، الادعاء الذي وجدناه في إحدى الفقرات "لقد استمد الطلبة القاعديون لدى صياغتهم للبرنامج المرحلي بوصفه برنامجا للحركة الطلابية من قراءة الواقع الذاتي و الموضوعي للحركة الطلابية.."
هو ادعاء و فقط و كاتب الكراسة لا قدرة له على تفنيد ما نقوله فإن كانت هناك "قراءة للواقع الذاتي و الموضوعي للحركة الطلابية كخلفية للبرنامج المرحلي وقت صياغته، فقدمها للطلبة و للمناضلين لإطلاعهم و تنويرهم.. بدل تصديق ما يحكى من خرافات عن مرحلة قدم خلالها المناضلون القاعديون أشياء أثمن من الشعارات و المزايدات و الادعاءات.
فقد سبق و أن فندنا هذا الادعاء الذي لا نعرف مصدرا له و سبق و أن أوضحنا بأن المدعو برنامجا تقدم به الرفاق بجامعة وجدة خلال النصف الثاني من الثمانينات ردا على برنامج "الكراس و الكراسيين، لسنة 84" و سبق أن أوضحنا، إلى أن يتم التكذيب بالقرائن، إن التجربة ابتدأت بشعارات كان لها الصدى لحدٍ ما في أوساط الغالبية من الطلبة القاعديين، بالنظر للحمولة النضالية و الكفاحية لتلك الشعارات، كمواجهة مخطط إصلاح التعليم، المطالبة برفع الحظر العملي على إوطم و مناهضة البيروقراطية كتصور تنظيمي لإوطم.. مع إضافات و تعديلات في الصياغة هنا و هناك، دون أن يكون هناك لا تقديم و لا تحليل و لا أرضية شرح لدواعي التنازل عن البرنامج المرحلي الذي كان محط إجماع بالنظر لشرعية الجهة التي سهرت على صياغته ـ التنسيق الوطني للطلبة القاعديين ـ
و في نفس السياق و الفقرة سجلنا خطأ نظريا آخر حين كان الادعاء بأن البرنامج هو برنامج الحركة الطلابية! و قد لا يتسع المجال هنا للتفصيل في تحديدات نظرية و فلسفية حول مفهوم الحركة و مكونات الحركة و التناقض و صراع المتناقضات..الخ و سنكتفي بتقديم رؤيتنا و بشكل مركز لكي لا نثقل كاهل المقال.
نقول أن التيار المناضل الذي يشتغل داخل اتحاد طلابي، نقابة عمالية أو أي إطار جماهيري يضم التنوع و الاختلاف، يقدم برنامجه للجماهير قاعدة الإطار، أما الحركة أي القلب النابض لذلك التنوع الجماهيري فتحتوي بداخلها على مكونات و تيارات و فعاليات و حساسيات.. لها رؤاها و تصوراتها الخاصة، لا تلبث أن تقدمها و تنشرها في أوساط جماهير الإطار في شكل شعارات، برامج، أرضيات..الخ
من هذا الاختلاف، و الاختلاف داخل الوحدة طبعا، تنبع الرغبة في تقديم برامج للحركة في شكل برامج للحد الأدنى يعني أننا لا ننفي أنه بإمكان أحد التيارات أن يبادر و يقدم برنامج حد أدنى يلف حوله بعض التيارات أو غالبيتها أو جميعها في مرحلة من المراحل.. و الحال أن معطيات التاريخ تقول أن "البرنامج المرحلي" حين طفا للسطح تعاطف معه البعض و تبناه، و رفضه البعض الآخر و أعلن معارضته و محاربته له، و كلا المتعاطفين و الرافضين مكونات من مكونات الحركة الطلابية التقدمية، بل و من الحركة القاعدية أيضا.. و إذا اكتفينا فقط بالحركة القاعدية فلن نختلف على تيارين معارضين على الأقل ـ أنصار الكراس لسنة 84، و أنصار الكلمة الممانعة المنشقون عن البرنامج المرحلي بعد أن كانت لقيادتهم الريادة في الصياغة و في الدفاع عن البرنامج الأصل ـ

الإطارات الجماهيرية العلنية
بين الانتماء المبدئي و الرفضوية العدمية
"لا يسعنا إلا أن نعتبر من قبل اللغو السخيف و الصبياني تلك المقالات الطنانة، العالمة جدا، و الثورية بصورة رهيبة، التي تصدر عن اليساريين الألمان بصدد أن الشيوعيين لا يستطيعون و لا يجوز لهم أن يعملوا في النقابات الرجعية، و انه من الجائز الامتناع عن هذا العمل، و انه من الضروري الخروج من النقابات و خلق "اتحاد عمالي" جديد كل الجدة، لا دنس فيه يبتكره شيوعيون لطفاء جدا (و على الأرجح معظمهم فيه يافعون)..الخ
.. إن رفض العمل في النقابات العمالية يعني ترك جماهير العمال المتخلفة و الناقصة التطور تحت نفوذ الزعماء الرجعيين و عملاء البرجوازية، الارستقراطيين العماليين" عن اليسارية مرة أخرى للرفيق لينين.
وصلنا الآن إلى النقطة التي حفزتنا أكثر للدخول في هذا النقاش و التي تهم الحركة الشيوعية و الماركسية اللينينية أكثر من أي كان، و هي نقطة النضال من داخل الإطارات الجماهيرية العلنية كيفما كان لونها و كيفما كانت طبيعة قيادتها.
فلا أرى من العيب في شيء أنه إذا كان من اللازم نصيحة الرفاق من كلا الطرفين للاطلاع على انتقادات لينين "للشيوعية اليسارية" من خلال موضوعاته في كتاب "اليسارية مرض الشيوعية الطفولي" ـ أو الصبياني ـ و هو كتاب قيم انتقد فيه مظاهر اليسراوية في العديد من البلدان و من خلال العديد من التيارات و الأحزاب الشيوعية آنذاك.
و لا يمكن تلخيص الكتاب الآن، فقط نشير لنقط الخلاف اللينينية مع اليسراوية، كعلاقة الحزب بالقادة و الحزب بالجماهير، العمل في البرلمانات و النقابات و الجمعيات الأشد رجعية، استغلال النضال العلني، عقد اتفاقات و مساومات مع أطراف سياسية حليفة و أحيانا معادية، خلال النضالات و خلال الحروب ـ صلح بريست مثلا ـ التاكتيك و الإستراتيجية و برامج الحد الأدنى..الخ
من هنا وجب توضيح الموقف الخاص بالطرفين فيما يخص العداء للعمل في الإطارات الجماهيرية العلنية.. و إذا كانت المعاداة فقط تجاه بعض الإطارات وجب توضيح كذلك للأسباب و الدواعي النظرية و السياسية و تحديد الإطارات المعنية بالعداء، بالدقة اللازمة.. هذا مع ملاحظتنا الصادقة في التعديل النسبي الذي عرفته مواقف أنصار الكراسة بهذا الخصوص.
"إن المنظمات الجماهيرية على اختلافها يجب أن توجد في كل مكان و على أوسع نطاق و تضم أكبر عدد من الجماهير و تقوم بوظائف كثيرة التنوع ما أمكن و لكن من الخطأ و الضرر أن نخلط بينها و بين منظمة الثوريين أو أن نطمس الحد الفاصل بينهما" توجيه لينين آخر من كتابه القيم "ما العمل؟"

الخلاصة و الخلفيات، أية علاقة؟
عنونت الكراسة فقرتها الأخيرة "بالخلاصة و الخلفيات" و عوض أن تقدم خلفيات الآخرين حسب ما ادعته، قدم كاتب الكراسة خلفياته هو و خلفيات خطه، التي لا تتجاوز في شيء الأطروحة الشعبوية الماوية بعد أن تم فصلها عن منبتها لتتحول لغربال "أبو عيون كبار" القصد به حجب الواقع الذي يعيشه الكادحون ببلادنا و في مقدمتهم الطبقة العاملة صاحبة مشروع التغيير و قائدة الجماهير الكادحة صاحبة المصلحة في التغيير.
و قد شرحنا بما فيه الكفاية تاكتيك الخط البروليتاري اللينيني "الثورة الوطنية الديمقراطية" الذي لم يطالب مبدعه لينين قط، بتعميمه، بل واجه بحزم كل من ادعى أو حاول استعارة التاكتيكات و الشعارات البلشفية دون تمحيص و شرح حيث دافع و بقوة عن جوهر الماركسية و منهجيتها "التحليل الملموس للواقع الملموس" الذي لم تفهمه قط التيارات الانبطاحية و لا التيارات المناضلة اليسراوية.
و حسب ما فهمناه و ما فهمه الماركسيون قبل أن يتحولوا لماركسيين لينينيين، أن التاكتيك تمت صياغته بعد دراسة و تمحيص خاص ببلد روسيا و بمستوى تطور الرأسمالية في روسيا و بمستوى تطور صراع الطبقات و مستوى وعي البروليتاريا و تحالفاتها مع قوى جمهورية ديمقراطية.. أي ما معناه مستوى النضج و الحنكة التي تمتعت بها قيادة البروليتاريا و حزب البروليتاريا لتدبير التحالفات السياسية و الطبقية من أجل إنجاز برنامج حد أدنى مع اقتراح لكل الآليات و التقنيات العملية لمتابعته ـ الإضراب العام، الانتفاضة المسلحة و الحكومة الثورية المؤقتة..ـ و بعد أن شوهت الستالينية هذا التاكتيك الذي نصحت به القيادة الماوية داخل تجربة الحزب الشيوعي الصيني.. و بعد النجاح المظفر للثورة الصينية اتسع تأثير الأطروحة و أطروحات مشابهة لها بالفيتنام و لاووس و كمبودجيا و كوبا.. انبهر العديد من الماركسيين و تنازل العديد منهم عن ثوابت التجربة اللينينية خاصة بعد صراعات الحركة الشيوعية التي حسمت الأمر خلال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي ـ الذي عوض و لسنوات الأممية، كتنظيم عمالي عالمي ـ و انتشرت ثقافة الانبهار و التولع بالكفاح المسلح، الذي حوله الرفاق أنصار الكراسة إلى إستراتيجية، لتنتشر من جديد الثقافة البلانكية و اليسراوية العدمية.. و خاصة العداء للعمل داخل الإطارات النقابية و داخل الاتحادات الجماهيرية و داخل البرلمانات الرجعية..الخ و العداء كذلك للتحالفات و لبرامج الحد الأدنى و لطرق استغلال العلنية..الخ
أمامكم نموذج آخر يفقأ العينين، نموذج يتكلم عن تاكتيك "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" و عن إستراتيجية الثورة الاشتراكية و في نفس الوقت يحول إحدى وسائل النضال التي أوصى بخصوصها لينين خلال حربه ضد نزعة التولع بالكفاح المسلح بأن صرح بألا يجب أن تكون الوسيلة الوحيدة و لا الرئيسية في أساليب النضال.. حيث حولها أنصار الكراسة إلى "إستراتيجية الحرب الشعبية"!
فإذا كانت الثوابت اللينينية تقول بالاعتماد على الطبقة العاملة الواعية و المنظمة في حزبها الثوري البروليتاري و في نقاباتها و جمعياتها الجماهيرية و بالاعتماد على أسلوب الإضرابات الجزئية و القطاعية و الإضراب العام ثم الانتفاضة الشعبية المسلحة في المدن و الأرياف بقيادة الطبقة العاملة و حزبها.. فما موقع هذا، إذن، من أطروحة حرب التحرير التي تراهن على تشكيل الأحزاب الفلاحية بمرجعية طبقية عمالية!! و تأسيس الجيش الشعبي الفلاحي و إعلان الكفاح المسلح انطلاقا من الجبال و القرى لمحاصرة المدن، و ما على الطبقة العاملة إلا المباركة!!
أين هذا من ماركسية ماركس و من ماركسية و لينينية لينين و خطه البروليتاري؟ و هل ستجدي النصيحة مرة أخرى للمطالعة و الإطلاع على حروب ماركس و إنجلس ضد الفوضوية و البلانكية و صراعات لينين ضد الشعبوية و الإرهابية و خط الولع و التولع بالكفاح المسلح.

من الصبيانية إلى خطابات التخوين
يبدو أن حماستكم الزائدة في البحث عن "أفكار جادة" على المقاس، أي بالشكل الذي يوافق أفكاركم و ممارستكم.. دفعت بكم للمغالاة في نظرتكم الاحتقارية التي توجهونها لكل من خالفكم من التيارات المناضلة اليسارية.. للحد الذي حللتم لنفسكم نعت "رفاق الأمس القريب" و خطابهم و خصالهم بخصال الإمبريالية و الرجعية و الإصلاحية و التحريفية..الخ دون شرح و لا بحث و لا متابعة و لا فصل بين النعوتات المتناقضة و التي تفضح المتفوه بها قبل المنعوت بها!.. إنه تجني كبير و احتقار واضح و بين لعطاءات و قدرات مناضلين يشقون طريقهم بإصرار رغم الأخطاء و المنزلقات.. مناضلون ما زالت دمائهم لم تجف و كدماتهم ما زالت بادية للعيان.. نعجز عن التشفي لحالتهم كيفما كانت خلافاتنا معهم.. فكما نعتبركم مناضلين و مكافحين، فكذلك نقدر و بكل موضوعية نضالية، عطاءات و كفاحية الآخرين الميدانية، دون مجاملة و لا محابات.. و قد نبدي نفس الرأي في حق مناضلي "النهج الديمقراطي" و "التيارات التروتسكية" و مناضلي الحركات الطلابية و المعطلة و التلاميذية و العمالية.. و سائر المناهضين للرأسمالية و الإمبريالية.. دون أدنى حرج و تحت أية نظرة ضيقة.
فليست بهذه الطرق و الأساليب تعالج أزمة الحركة الثورية بالمغرب و بشكل خاص أزمة الحملم، فللماركسيين أسلوبهم الخاص، أسلوب ديمقراطي رفاقي و غير متجني، أسلوب يناقش الخلافات بكل موضوعية، بعيد كل البعد عن التأويلات و الافتراءات.
الماركسيون وحدويون مبدئيون مع كل التيارات المناضلة لأهداف محددة، و انشقاقيون حازمون إذا ما تم المس بالثوابت النظرية المبدئية و بمصالح البروليتاريا في صراعها ضد الطبقات المرتبطة بالمِلكية و الرأسمال و القائمة على الاستغلال.
و للتوضيح أكثر ننصح مرة أخرى الرفاق، بالرجوع إلى سجالات ماركس و إنجلز ضد الفوضويين و البلانكيين.. و لينين و تياره البروليتاري البلشفي ضد مختلف التيارات الاشتراكية ـ الشعبوية و الإرهابية ـ و الماركسية العمالية من مناشفة و عفويين ـ روزا و تروتسكي ـ و انتهازيين و اقتصادويين ـ كاوتسكي، باور و برنشتاين ـ و اشتراكيين شوفينيين أيام الحرب، و يسراويين في كل مكان بعد انتصار ثورة أكتوبر.
فلا بد من تحيين الدرس اللينيني، لتجربته خلال صراعه الرفاقي ضد اليسراوية، و لا بد من أخذ العبرة من الطريقة التي عالج بها موضوعات الخلاف.
فبالرغم من تدعيم الشيوعيين اليساريين للأطروحات البلشفية اللينينية، و بالرغم كذلك من نصرتهم لإنجازات الثورة البروليتارية الروسية و لإطروحة المجالس و ديكتاتورية البروليتاريا.. فلم يسلموا من سياط النقد اللينيني بعد تحذيراته الرفاقية بعدم عزل الأشكال النضالية الثورية عن شروطها، بعد توجيهاته الرفاقية قصد الاستفادة من جميع الأشكال النضالية و باستغلال جميع الإطارات العلنية، و بعدم التخاذل في عقد التحالفات و عدم تبخيس "المساومات" إذا فرضت مصلحة البروليتاريا و الكادحين ذلك، في حالة و في شروط ما.
فلم نتصور أن تصل الأمور إلى هذا الحد، أي حد الوصول لحالة التقزز و الاشمئزاز التي شعرنا بها حين يصل المناضل، بسبب من خلافاته و اختلافاته مع رفيق له أو مع تيار مناضل معارض له، لينعته بشتى النعوتات بل و يعتبره أنه ضد المعارك و ضد النضال و يستنتج أن كل ما يخالفه فهو "يمد يد المساعدة للنظام و لأجهزته القمعية و المخابراتية"
إنه الرأي الذي لا يمكن أن يبدي به المناضل الثوري المبدئي ضد مخالفيه داخل حركة اليسار، كيفما كانت الآراء و كيفما كان وضع و حجم التيار و كيفما كانت اختياراته و درجة مهادنتها و تقاعسها ـ من الممانعين إلى التروتسكيين مرورا بالنهج الديمقراطي و "الكراس" ـ
فحذار أيها الرفاق من هذا الخطاب المسموم، فقد يخلط الأوراق و يجني على الجميع بأن يُفقد أية مصداقية للتيارات اليسارية المناضلة في أعين الجماهير الطلابية و غير الطلابية.. فالتربية على نعت الممارسات المخالفة لنا "بالسلوكات البوليسية" لن تتأخر في أن تُرمى بوجه أصحابها في لحظة من اللحظات المستقبلية.
فحين تصرون لحد عمى البصيرة على "أن الرفاق انسحبوا من بين أجهزة الأواكس و البوليس و المخبرين" ـ دون أن يتم اعتقالهم، و في ذلك شبهة حسب نظركم ـ عوض شجاعتكم و انسحابكم "المحصن" ـ و نود، رجاءا، معرفة أساليب التحصين هذه للاستفادة و تعميم الخبرة ـ فكيف تفسرون مواجهات فاتح ماي بمكناس ـ 2006 يعني نفس اليوم ـ التي تحمل فيها المسؤولية الكبرى الرفاق المعنيين بالنقد، نيابة عن جميع اليساريين، مواجهات تجندت لها قوات القمع و البيروقراطية النقابية و بعض الأحزاب المسماة اشتراكية و كذا بعض الزعامات الظلامية من "جماعة العدل و الإحسان"!؟
هذا بعض ما كنا نود تجنبه في العديد من المقالات و قد حذرنا في حينها ألاٌ تحذو الصراعات حذو التخوين و الاشتباه.. إنه انحراف واضح لمسار النقاش الذي يجب أن يتناول الأفكار المسؤولة و المعلنة عوض التأويلات و القراءات الذاتية لبعض الممارسات المعزولة.. إذ ما معنى أن يدعي الرفاق بأنهم في حالة صراع ضد مجموعة من المشبوهين و من عملاء المخابرات، من الذين يقدمون يد المساعدة للنظام و أجهزته القمعية.. و يطالبوهم في نفس الوقت بالجرأة في التعبير عن أفكارهم!؟
فما الداعي إذن لمطالبتهم بالكتابة و التبرير لأفكارهم "كونوا أكثر جرأة في التعبير عن "أفكارهم" الحقيقية و اخرجوا من دائرة المشاحنات الرخيصة و الاتهامات الغير مبررة، أكتبوا و برروا أفكاركم".. هذا ما نادت به الكراسة، لكن ما علاقتنا "بعملاء المخابرات و النظام" حتى نطالبهم بنشر أفكارهم! أليست هذه قمة الحماقات و قمة الصبيانيات.
فليست بالصبيانية اليسارية، إذن، أو بالشيوعية التي عارضها لينين، لأن لينين لم يكن يعارض عملاء البوليس باسم الشيوعية اليسارية، بل كان يصارع تيارا عماليا و مناضلا تشكل على يسار الحركة الشيوعية في العديد من البلدان لدرجة تشكيله لأحزاب و نقابات عمالية بهوية يسراوية..
عارضه لينين لأنه خلط بين التاكتيك و الإستراتيجية و لأنه استهان بدور الجمعيات و النقابات الجماهيرية و البرلمان.. و لأنه عادى العلنية.. و لأنه انتقد بشدة إمكانيات المساومة في شروط محددة.. و لأنه عجز و لم يتوفق بالتالي في إعمال المنهجية الماركسية "التحليل الملموس للواقع الملموس"..
فهناك، إذن، صبيانية و صبيانية و الفرق بينهما كبير و شاسع، هناك الصبيانية الشيوعية التي ارتبطت بالحركة الشيوعية العمالية و هناك صبيانية الشعبوية و صبيانية المتياسرين.. و بعض النزعات الرفضوية البدائية المرتبطة أساسا بحركات الشباب و بالنقص في التجربة و بالغياب للمرجعية النظرية أو بانتشار الضبابية و التغييم الفكري..الخ
لقد اضطررنا للانخراط في هذا الصراع قصد التوضيح و قصد إماطة اللثام عن النزعات الصبيانية البدائية، فلم تكن نيتنا التحيين لأطروحات لينين في هذا الباب لأن المجموعتين المتصارعتين غير معنيتين بالمرة، أو في هذا الحين على الأقل.. فقط حاولنا من جديد فضح المتكلمين باسم التراث الماركسي اللينيني، فضح المعتمدين عن النصوص الماركسية اللينينية بتلك الطريقة الانتقائية الفجة.. و فضح كل المسارات المضرة بالنزعة الرفاقية الوحدوية التي بدأت تعم فصائل و تيارات و فعاليات الحملم..
فما وجدناه داخل الخطابين سوى صبيانية بدائية مبتدئة عبرت بالملموس على عدم النضج لدعاتها.. و عدم التقدير الحقيقي لواقع الحركة الثورية في المغرب و الحملم كجزء لا يتجزأ منها..
عبرت كذلك عن سوء تقدير و مبالغة لعطاءات و مساهمات الماركسيين المتواضعة في مختلف مجالات الصراع ـ الجامعة، الثانويات، النقابات، الجمعيات.. ـ فإذا كانت يسارية الشيوعيين الذين عارضوا أحزابهم و نقاباتهم بداية العشرينات من القرن الماضي، واضحة في بدائلها بأن شيدت نقابات و أحزابا خاصة بها.. فلا ملامح لبدائل الصبيانية البدائية بالمغرب، سوى رفع الشعارات الثورية دون الانخراط العملي في أي شكل من أشكال العمل الثوري.. التولع بالكفاح المسلح و حرب التحرير الشعبية دون أي إسهام عملي في هذا الباب.. ادعاء الارتباط بالطبقة العاملة دون انضمام للنقابات و دون أدنى عمل في اتجاه بناء النقابات و تقويتها.. رفع شعار الارتباط و الإنغراس وسط الكادحين دون الانخراط في جمعياتهم أو التأسيس لأخرى على المقاس.. استعمال نظرية الطبقة العاملة كيافطة دون نشر مفاهيمها و محتوياتها الفكرية و إعمال منهجيتها و نشر ثقافتها الاشتراكية الماركسية اللينينية على أوسع نطاق.. ادعاء الارتباط بالتاكتيك اللينيني، بعد التشويه، الذي يعتمد التحالفات الطبقية و السياسية، على اعتباره حدا أدنى، و بالمقابل نشر الثقافة الانعزالية و التفرد و الإقصاء!
هذه بعض مظاهر نزعات اليسراوية بالمغرب و داخل حركته الطلابية بشكل خاص، استوجبت منا النقاش و بشكل رفاقي مع الدعاة و مع المتعاطفين قصد التقاط اللحظة التي نراها ملائمة لعقد اتفاقات و تحالفات تطور و تقوي اليسار الثوري عوض أن نرغم على الاختيار بين اثنين، إما العزلة و إما الانجرار وراء التيار الإصلاحي الانبطاحي دون رجعة.
فعدم التقدير، أو سوءه، لعطاءات و تضحيات كل الطاقات المكافحة، و التي تدعي غالبيتها الارتباط بالماركسية و بالخط اللينيني.. و ما ينتجه في الغالب من إقصاء و استفراد بالساحة في بعض المواقع الجامعية، حالة مرضية و مضرة بالنضال الثوري المحتاج لإسهامات جميع المناضلين بل لعطاءات الجماهير المناضلة بأوسع شكل يمكن أن نتخيله.. حالة سيعاني من مضاعفاتها الثوريون الذين يمارسون نضالهم خارج الجامعات و الذين يجدون صعوبات جمة لاستيعاب الطاقات داخل آليات النضال الجماهيري الرحبة.
فما كانت الافتراءات و لا السواطير طريقة لإخراس الأصوات، كما أن حرب البيانات و البلاغات التي يتم نشرها بطريقة إعلامية في قمة الانتشار ـ الانترنيت ـ فقد تعطي نظرة غير حقيقية و مقزمة لتضحيات المناضلين، و التي نقدرها رغم اختلافاتنا العديدة مع اختياراتهم و ممارساتهم.
و بالتالي ننصح الرفاق بالتأني و التريث قبل النشر و بالمراجعة و التنقيح قبل الصياغة الأخيرة، و بألاٌ تتحول الكتابات من مجرد ردود أفعال إلى أرضيات نظرية و توجيهية..الخ
فمن السهل جدا أن نستشهد بماركس و إنجلس أو لينين، من السهل جدا أن نستظهر أجزاءا من كتاب "ما العمل؟".. لكن الصعوبة هي أن نفهم دواعي السجال الذي ضم صفحاته، أن نفهم طبيعة التيارات العمالية التي صارعها لينين، و أن نفهم شروط الثورة و شروط النضال الثوري الروسي و الأممي آنذاك..الخ
لقد شكلت الأطروحة المتضمنة بين صفحات "ما العمل؟" إحدى الانعطافات الأساسية داخل تجربة الحركة الماركسية العالمية آنذاك.. شكلت و بدون مبالغة، الإعلان عن الخط البروليتاري اللينيني في تميزه عن التيارات العمالية الأخرى و بشكل خاص التيارين الاقتصادوي و العفوي ـ برنشتاين، و روزا و تروتسكي ـ بعد أن حسم الأمر فيما قبل مع تيارات الفوضوية و الشعبوية الإرهابية.. فالجدية إذن، إذا كانت لها من فرصة للتواجد مطلوبة من لدن الجميع أي من جميع التيارات و المجموعات الماركسية، مطلوب دون تعطيل أن يفتح النقاش حول هذا التراث و حول هذه التجارب الثورية العمالية قصد تسجيل الانتماء الفعلي للخط الماركسي اللينيني، فإما أن نكون ماركسيين لينينيين، مرجعية و خط سياسي و برامج و خطة تنظيمية، و إما أن نبحث لنا عن خلطات سحرية و وصفات شعبوية أو مزيج ما بين الشعبوية و العدمية اليسراوية..الخ
و بدون إحباط و لا تيئيس ننهي مقالتنا المتواضعة بهذه المقولة الوجيهة: "و فورا بعث ماركس 17 أبريل 1871 إلى كوغلمان تأنيبا قاسيا قال فيه: سيكون من السهل جدا صنع التاريخ العالمي، إذا كنا لا نخوض أي نضال إلا إذا كنا واثقين كل الثقة من نجاحه..
و استطاع ماركس أيضا أن يرى بأن هناك لحظات في التاريخ يكون فيها نضال الجماهير اليائس حتى و لو من أجل قضية يائسة، ضروريا لتصليب عود هذه الجماهير نفسها فيما بعد، و إعدادها للمعركة القادمة" من مقدمة لينين لرسائل ماركس لكوغلمان.
و. السرغيني
شتنبر 2006



#و._السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انفضاح أم انتصار للخط الانتخابي داخل -النهج الديمقراطي-
- إلى أين يسير -النهج الديمقراطي- بطنجة
- طنجة التضامن مع الشعبين الفلسطيني و اللبناني يعني الاحتجاج ...


المزيد.....




- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...
- محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
- لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - و. السرغيني - الحماقات الصبيانية و صراع الإخوة الأعداء