أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - جرعة الحب الأخيرة














المزيد.....

جرعة الحب الأخيرة


يحيى نوح مجذاب

الحوار المتمدن-العدد: 7999 - 2024 / 6 / 5 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


هي في الجانب الآخر من الوجود تطل عليه كل ردح من زمن بعيد. جاءته بعد غيبة طِويلة وهي تخترق الأستار، وتغوص في أحجبة الليل بنفس السمرة المُنبَلجة كالصُبحٍ الناصعٍ المبين في صفاء رائق الجنبات. إنها تتهادى مثل نسمة ناعسة كزلال الماء على صفحة الليل.
كل شيء نيّر مُنكشف برّاق يندفع في حزم مكثَّفة من وعي وجودي صلب هو أصلب من البصر الحديد.
أيُّ لغز هذا الذي تتناوب فيه ومضات الضوء، وتُخرج الذات من دائرة الأحداث الموهومة المُسجَّلة في الشريط الأبدي المكتوب حتى تتشكّل في عوالم افتراضية لا تُدرَك إلاّ بالقُدرة.
إنها الأوتار الفائقة التي تفتَّقت عنها العقول المُتكشِّفة فانبثقت الحقائق، تلك التي ستعقبها مفاهيمَ جديدة قد لا تخضع للقوانين المُبرهَنة التي تُحرِّك مفاصل الكون بالدقة الكلاسيكية المعروفة؛ معايير ستؤول إليها الأحداث حتماً في يومٍ ما بَعُد ذلك اليوم أو قَرُب.
وأخيراً جاءت جرعة الحب بعد أن ذبلت أطراف الجسد، وتيبَّست العروق الغائضة، وغاصت الآمال وركست في قاع الظلمات.
سمراء فارعة الطول، وطباء، ذات قلبٍ مكلوم، وعيون زيتية تناغمت مع ثوبها العشبي الأخضر اللاصف. نظر إليها باهتمام بالغ لم تألفه روحه منذ سنين، وهي المرأة الفتيَّة التي تتحرك بِوَحيِ بُوصَلتها الأنثوية التي لا تعرف الخطأ، فتجرِّد الرجال من كل شيء إلاّ من عمق الرغبة. زورته بطارف عينها الخفية واقتربت. كانت لحيته البيضاء الطرية كخيوط الحرير الناعم تعكس سمة اكتماله، ولم تخفِ بعض وسامته الغارقة في القدم. إنه مازال يحتفظ في داخله بكل انبعاثات العشق السرمدي وعنفوان الشباب الطاغي.
إنه هو ذات الفتى القديم الذي لا يقوى على مقاومة الدعوات الأنثوية المنغمسة في ثراء العقل والقوة القاهرة، فليس كل شيء يُستشعر يتحول إلى حروف وكلمات منطوقة عندما تتجاذب القوى والأقطاب وتتهاوى الصروح المُشَيَّدة من رمال الصحاري. لقد سقطت الرتابة واندحرت اليوميات المكررة المُملَّة وتلاشت الأعراف والقيم المصنوعة من هياكل الرمال المتناثرة كالهباء. كان يستشعر غَيض الماء فتقشفت شفتاه من جور القيظ الذي حلّ به دون استئذان وسابق أوان.
لقد غابت عنه منذ زمن طعوم الحب وشهقات الأشواق حتى نسي كيف تتسلق الهمسات وتزحف على الأكتاف العارية في طقوس الجوى. وها هي مسارات الأحداث تهبط عليه من عليائها وهي تتدلى من عناقيد الثريا.
كانت تنتظر دورها في الدخول وقد لملمت بيديها مجموعة من الأوراق؛ تحاليل وفحوصات لجسد غضّ ما كان له أن يمرض. أطلقت كلماتها في حضرته وهي تلامس شغاف قلبه المُتعَب. جمالها الراسخ عكس نقاء وجهها وسمرته الصافية.
سألته كثيراً بعد أن كسرت حاجز الغُربة، كانت تنتظر إجابته بعد كل جملة ألقتها في أذنيه وهي ترقب عينيه الذابلتين.
غيّرت مقعدها أكثر من مرة حتى استقرت بجانبه. كان يتحسس بشغف أنفاسها النقية المفعمة في خياله البهي، فهو يكابد مشاعر متلاطمة لم تخرج في قرارها عن دائرة العشق النامي ومُسلِّمات العقل، وطواعية الاقدار. أما هي فلم تمثل عنده سوى صورة سريالية للمرأة الشهية المُتوَّجة بالعقل الراجح وهو يمتد خلف أستار المعابد.
لقد أراد أن يكون شيئا عظيماً بنفسٍ متفجرة تستمد القدرة من ارتقاء الذات وتستشعر قِيم اللذائذ في أزمان السعادة اللانهائية، فنذر نفسه للكائن الآخر جمالاً وعذوبة، حتى أخرسته الوقائع برتابتها المجحفة ولم يستطع أن يتخلص من ثوب الجسد القشيب، والنظم القسرية للأعراف وحاجاته اليومية الرتيبة المكبلة بالقيود فضاعت مكنونات ذاته بقيمها السماوية الخارقة.
لقد كان أحوج ما يكون لهذه الجرعة الباعثة للحياة حتى لو كانت تنبض في خفوت في عالمها الافتراضي فهي التي أوقدت فيه وفي اللحظة الضائعة جذوة الأمل من جديد.



#يحيى_نوح_مجذاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لسعة المرض
- غطسة العدم
- السماء الأولى
- صراع البقاء ومعركة الفناء
- الجدران الأربع
- صانع الرموز
- الأماني الضالة
- انكفاء الثعابين
- عتمة الغيب
- في (ملتقى الزمن) تلتقي الأفكار
- الوعي المطلق
- نافورة الحياة
- موظفة الاستقبال
- عاصف1 كيركو3 (فانتازيا الأحلام)
- فانتازيا الزمن
- انحدار المنحنيات
- محرك الكون ووحدة الوجود
- لذة الاحتراق
- سراب الشفق
- نقرات في جسد العدم


المزيد.....




- -بعد شد وجذب- لـ 3 سنوات.. إجازة عرض فيلم -الملحد- في مصر
- سؤال يطرحه فيلم -لو- كيف يؤثر الصديق الخيالي على صحة طفلك ال ...
- عبد الحليم حافظ فعلها قبله.. هجوم على أحمد سعد بعد ارتدائه ا ...
- الأرض كروية.. معهد الفلك بمصر يرد على تصريحات الفنان محمد صب ...
- جزر الماركيز تنتظر إدراجها في قائمة التراث العالمي لليونسكو ...
- الحرب على غزة.. تبادل الأدوار بين الصحافة وأدب اليوميات
- موسم أصيلة الثقافي يكرم المغربية أكزناي والياباني نوغوشي
- لماذا تُعتبر المعكرونة مهمة جدا في الثقافة الإيطالية؟
- الاعتداء على مذيعة مصرية بسبب -فيلم للكبار فقط-
- شاهد الأفلام الوثائقية الشيقة.. أضبط الآن تردد قناة ناشيونال ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى نوح مجذاب - جرعة الحب الأخيرة