حكاية قبل النوم

فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7996 - 2024 / 6 / 2 - 12:39
المحور: الادب والفن
    

هذا المساء، هبط الظلام سريعًا على المدينة التي راح المطر يهطل فوقها بغزارة بينما صوت الرعد
سبب فزعًا للصبي ذي الستة أعوام، فلم يجد سوى أمه التي فتحت له ذراعيها مثلما تفعل في كل مرة يشعر فيها بالخوف.
قبّلته وهمستْ:
- تعال حبيبي، ارتمي في أحضاني لأدفئك، الليل سيكون طويلًا جدًا، ما رأيك بسماع قصة؟
هزّالطفل رأسه وابتسم.
قالت وهي تحيطه بذراعيها:
- سأقص عليك حكاية أميرة حسناء، تزوجت من أمير وسيم، عاشوا أيامًا من الحب، يلف قلوبهم الدفء والأمان.
كل شيء حولهم رائع وجميل، ولم يخطر على بالهم أن حياة أخرى وراء جبل من الأحزان تنتظرهم.
شعرت الأم باسترخاء جسد طفلها، أمسكت يده الصغيرة، وطبعت عليها قبلة ثم أكملت حديثها:
- استدعى الملك في ليلة ممطرة كهذه الليلة ابنه الأمير طالبًا منه قيادة الجيش لمحاربة أعداء البلاد.
امتثل الأمير الوسيم للأوامر، فأمن البلاد واستقرارها، أهم من حياة أفرادها.
حزنه الوحيد كان في مفارقته لزوجته حبيبته.
غادر الأمير، ليمتلأ الشفق الصافي بالغيوم السوداء.
أتدري يا صغيري؟ تمر علينا لحظات، يصبح كل شيء فيها مجرد عبث لا معنى له.
الأمير كان حبها الوحيد الذي عرفت معه معنى الحياة. ما زالت تتذكر كلماته حين ودعها:
"ساشتاق إليكِ، كوني قوية" لكنها كثيرًا ما تتساءل: ترى، كيف سيكون الأمر في المستقبل وأيامي يلفها المجهول؟
من أين أحصل على القوة لأستمر وهذا الجنين يوشك على المجيء لهذا العالم وحيدًا؟!
قاطع الطفل أمه ليسألها:
- هل ولدتْ بنتًا،أم صبيًا؟
- ولدت صبيًا يشبه أباه الوسيم.
مرت الأشهر والسنين. صار عمر الطفل ستة أعوام، بدأ يسأل عن والده الذي وصلت أخبار انتصاراته وبطولاته شرق البلاد وغربها، لكن ماذا يعني ذلك لطفل لم يرَ والده منذ أن أبصرت عيناه النور، ربما كان يقول في سره، ليتني لم أولد أميرًا.
السماء كانت رحيمة بالفتى، إذ سمعت توسلاته ورقّت لعذاباته، ففي إحدى الصباحات الربيعية الجميلة، وصلت الأنباء عن وصول جيش الأمير المنتصر. استقبله الجميع بالفرح ونثروا عليه الزهور، عاش بقية حياته مع زوجته وابنه ينعمان بالسعادة التي ظلت ترفرف على حياة العائلة إلى آخر الزمان.
قال الطفل بفرح:
- وعاش الجميع عيشة سعيدة، أليس كذلك يا أمي؟!
- ليس الجميع يا صغيري، ثمة امرأة في كوخ صغير، لم تزل تنتظر هي وطفلها رجوع زوجها الذي ذهب مع الأمير للحرب، لكن لم يعد معه.
ألقتْ الأم نظرة على طفلها الذي أغمض عينيه واستسلم للنوم، قبلته بحنان، ثم مسحتْ دمعتين سقطتْ على وجنتيها وهي تنظر عبر النافذة لأشجار الحديقة العارية، المرتجفة، من البرد والوحدة.

#فوز_حمزة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات