|
الحوار المتمدن: السخرية والسب
أمين بن سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 7995 - 2024 / 6 / 1 - 23:53
المحور:
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
المحور "كتابات ساخرة"، أي دعوة مباشرة للسخرية، أي أيها الكتاب اسخروا لكن بما لا يتجاوز قواعد النشر، وشخصيا أرى في الجملة الأخيرة حولا فكريا فالسخرية من المفروض عادة ما تكون من المحظور وتتجاوز كل الخطوط الحمراء ومنها العقائد والأفكار المقدسة عند من يعتقدون بها ومنها أيضا الرموز. لا أستطيع أن أشعر بدقة بما يشعر به متدين عندما يسخر من دينه ورموزه وإلهه، لكني أتصور أن وقعه عظيم، وأقل منه سيكون وقع السخرية من أي أيديولوجيا ومن رموزها على أتباعها كالسخرية من رموز يساريين أو ليبراليين أو قوميين إلخ. حقل التنوير يشبه العمل السياسي، وفيه يسخر من الرؤساء والوزراء ورموز الأحزاب، فهل يمكن السخرية من رموز التنوير؟ وبما أن كلا منا يدعي وصلا بليلى فهل يمكن السخرية منا؟ من أفكارنا لا نقاش في ذلك لكن ماذا عنا كأشخاص؟ مثلا هل موقع الحوار موقع ظلامي؟ والجواب عند التنويريين بالقطع هو موقع تنويري، وإذا كان الأمر كذلك هل يحق لساخر أن يسخر من السيد عقراوي؟ التنوير كالسياسة، والسيد عقراوي يمكن اعتباره "رئيس حزب سياسي" فهل يمكن السخرية من رئيس حزب سياسي؟ في الدول المتحضرة نعم، بل حتى في بعض دولنا، فهل يجوز لي قول ما قلت؟ أم أن المقارنة لا تجوز وعلى الساخر الابتعاد عن "الشخصنة"؟ السؤال الأهم عندي، إذا قلنا إنها لا تجوز أو أنها لا تنتج حوارا متمدنا ومعرفة وفائدة، هل يجب منعها؟ لنكن منصفين للحظة، ولنتأمل فيما نقول في الأديان كمثال، "أفكار طفولية" "خرافات" "خزعبلات" "عنصرية" إلخ، حتى وإن لم نقل ذلك مباشرة للمتدين فإننا ضمنا نقول له أنت "صاحب فكر طفولي" و "مخرف" و "عنصري" بما أنه لا يفرق بينه وبين دينه. السؤال هنا، نحن لا شك عندنا في وصفنا لتلك الأديان ولرموزها وعندنا أدلتنا، لكن كل ما نراه، لا قيمة له عند المتدين الذي يرى دينه "الكمال المطلق"، فهل من حقه أن يتهمنا بأننا "نشتمه" و"نحقره" و"ننزل بمستوى الحوار" و"نحن غير متمدنون" إلخ؟ مثال ثاني هذا القول: "الشيوعية والرأسمالية والنازية وجوه لنفس العملة: استعباد البشر تحت زيف الشعارات"، بقطع النظر عن صحته، هل من حق ذلك الشيوعي الذي أمضى حياته محاربا للنازية أن يراه قدحا فيه هو شخصيا؟ ولنقل مثلا شخصا ما "يعبد" ستالين أو لينين: "ما الفرق بين ستالين ولينين وهتلر؟" سيكون الجواب بالتأكيد لا، لكن ماذا لو قيل له: "أنت مخرف، وأنت وستالينك وهتلر سواء"؟ هل هذا قدح فيه؟ شتم له؟ والسؤال الأهم هل يستوجب المنع والحظر؟ التنويري يعتقد أنه الحل لمجتمعه، ومهما كانت مرجعيته فإنه يراها الحل، إذا كان "متفتحا" سيرى مجالا لغيرها معها، وإذا كان "عابد صنم" فإنه سيراها "وحدها" الحل. في الحالتين، هو يعرض بضاعة في سوق التغيير والتنوير، ولا نقاش في النقد والسخرية من بضاعته، لكن هل يمكن السخرية منه هو شخصيا؟ هو يقف في السوق ويعرض البضاعة، كأي بائع يبيع بضاعة، هل من حقي السخرية من بائع مواد تنظيف مثلا وهو متسخ البدن والملبس؟ يقال إن أبناء بيل غايتس لم يلقحوا أي تلقيح والرجل يعمل على حقن البشرية بأسرها، فكما يحق لنا السخرية منه ووصفه بما يستحق، أظن أنه من حقنا وصف من يبيع شيئا في أي سوق بما يستحق ولا يمكن اعتبار ذلك سبا أو قدحا ولا قيمة لدفاعات المدافع عن نفسه، فكلها ستكون رد فكرة على غيرها التي تنقضها. لنفترض الآن أن من يبيع مواد التنظيف "نظيف" ووصفناه بما ليس فيه، هل يعد ذلك "سبا"؟ والجواب نعم أكيد، لكن للسائل أن يسأل: هذه سوق وكل يريد بيع بضاعته وما أدرانا من الصادق ومن الكاذب وكل يدعي أنه الأنظف والأكمل، هل هدفنا معرفة الأحسن لنا أم إضاعة وقتنا في تتبع من قال فيمن؟ الشتام أكيد سيأخذ علامة سلبية منذ البدء لكن هل حقا قضيتنا أن نمنعه من قول ما قال؟ وما أدرانا فربما في قوله شيء من الصحة؟ أسلوبه أكيد منبوذ وحبذا لو ارتقى بنفسه عنه لكن هل مهمتنا حقا منعه؟ (ملحد مصري "الشتام" "اللعان" لا شك أن أسلوبه سيء لكنه أفاد الكثيرين، لنتخيل أننا منعناه من الكلام؟). أيضا أضيف، كما قلنا إن الشتام سيأخذ علامة سلبية منذ البدء، مثله ذلك "الحساس" "المرفه الشعور" الذي أي كلمة يسمعها يطالب مباشرة بالقمع والحظر، بل هو عندي أسوأ: في سوق الأفكار، الحظر يساوي السجن المؤبد أو القتل، حتى لو أخطأ صاحب ذلك القول في حق محاوره، أنا وأنت الآن وجها لوجه نتناقش في موضوع خلافي وسببتك ونعتك بأفظع الألفاظ: هل تدعو إلى سجني مباشرة؟ إلى قتلي؟ ألا يوجد حلول أخرى قبل ذلك؟ قلي "عيب عليك يا فلان" "قلي أنت تشخصن وهذا لا علاقة له بالأفكار" إلخ لكن أن تدعو مباشرة إلى قتلي زاعما أنك ترتقي بمستوى الحوار أو تريد إعطاء أنموذج على حوار راق أو غيره فاعلم أن عليك مراجعة ما تدعو إليه من مبادئ وإن لم تفعل فأظن أنه من المنطقي جدا أن تترك مكانك لغيرك ممن يستطيع التأقلم مع أي موقف حتى وإن كان "مظلوما" "معتدى عليه". سؤال ومثال: في عائلتك، تريد مثلا أن يقسم إرث بالتساوي بين أخوتك، وأخوك سلفي يجيبك مباشرة أنك "فاسد" و"زاني" و"سكير" و"مرتد" ووو ولا يحق لك أن تتكلم أصلا؛ هل ستدعو إلى "حظره"؟ لا شك أنه شتمك وتجاوز لكن هل الحل صراخك ورفع دعوة عليه؟ حتى لو أنصفك القانون، ألا ترى أنه من المعيب أن تقف مع أخيك في محكمة؟ ألا ترى أنك فوت على أخواتك فرصة لقسمة عادلة بالتراضي وربما قبل ذلك المتدين لو عرفت كيف تتصرف؟ من المثال أعمم، ألسنا نزعم أننا ننقد الفكر ولا نكره البشر؟ أليس هذا الشاتم أخا لنا؟ أم أن أغلبنا يدعون ويفعلون ما لا يعتقدون؟ من القليل الذي سبق، أزعم "حقيقة" ليتفكر فيها المتفكرون: كل من يدعو إلى القتل قاتل، وكل من يدعو إلى الحظر لا يمكن أن يكون مؤمنا بالحريات ومهما كانت تعليلاته وتبريراته فإن ردها كلها يسير. بالنظر إلى ما تعانيه مجتمعاتنا من تخلف والنخب من قمع لا يمكن إلا المناداة بإعلاء سقف الحريات أعلى ما يمكن، وفي موقع كالحوار لا يمكن الجمع بين ما يقرأ على الصفحة الأولى من مبادئ وبين بعض ما يمارس وإن كان قليلا.
توضيح ربما يفيد: في كل حرف كتبته منذ بدايتي في الموقع، فليبحث من أراد عن تجاوز واحد وقع مني حتى مع من تهجم علي. بل أدعو السبابين الشتامين إلى شتمي كيفما أرادوا، لست مازوشيا بالمناسبة لكن شتم من يشتم لن يحرك في شعرة واحدة وسيرتد عليه لأنه مستوى غير لائق لكن أبدا لن أدع إلى منعه وسأعتبره طريقة في التعبير وإن كانت غير محترمة. كلام أغلب الأمريكان من أبسط عامي إلى رئيس الدولة لا يمكن أن أتلفظ به ما حييت لكني لا يمكن بالمقابل أن أدعو إلى منعه = قولي بالسماح لا يعني أني أستعمل ذلك الأسلوب، ولو كنت أراه جيدا لاستعملته لكنه ليس لي، لكن هذا لا يسمح لي انطلاقا من مبادئي أن أدعو إلى حظره، في هذا المضمار لن أكون في صف يوسف البدري ونجيب جبرائيل، بل سأكون دون تفكير في صف الآخرين مهما كانت "تجاوزاتهم".
#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-لا إله إلا الله محمد (وحده) عبده رسوله-!
-
الحوار المتمدن: -من أجل مجتمع مدني علماني ديمقراطي-
-
خربشة حول فلسطين و-ديانة الحرب العالمية الثانية-
-
خربشة حول الجنس والحرية
-
-تكوين- بين التنوير والإصلاح
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...2-3
-
-تكوين- ولعنة العقل العربي الاسلامي
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...2-2
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...2-1
-
نحن نقص عليك أحسن القصص...
المزيد.....
-
فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار
...
-
دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن
...
-
لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
-
لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
-
قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا
...
-
التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو
...
-
Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
-
اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
-
طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح
...
-
إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-
المزيد.....
-
مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 2/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
الفساد السياسي والأداء الإداري : دراسة في جدلية العلاقة
/ سالم سليمان
-
تحليل عددى عن الحوار المتمدن في عامه الثاني
/ عصام البغدادي
المزيد.....
|