|
ثقافة الفكر المشرقي : لمحات حياتية
مظهر محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 7994 - 2024 / 5 / 31 - 02:47
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الثقافة ليست شيئا ثابتا ، إذ يمكن أن تتغير مع مرور الوقت ولاسيما ثقافة الفكر ، بكونها تتأثر بعوامل متعددة مثل التاريخ والدين والتعليم والسياسة، وتؤدي دوراً حيوياً في تشكيل الهوية الفردية والجماعية . فمنّ خلال تحليل وفهم ثقافة الفكر، يمكن للأفراد والمجتمعات تحسين التفاهم المتبادل وتعزيز التعاون والتسامح وبناء انماط حياة اكثر استقراراً وأمنا وسلاماً. فقد جادل الكاتبان Hobsbawm, E. & Ranger, في كتابهما المنشور في العام (1983). بعنوان : اختراع التقليد - The invention of tradition. Cambridge, UK: Cambridge University Press. منوهين فيه ، ان ما قد نعتبره (تقاليد قديمة) غالباً (أحدث مما نعتقد) . وبالرغم من ذلك ،يبقى التساؤل : هل يمكننا اكتشاف أي تقليد هو في الواقع أحدث مما يعتقده الناس عادة في عالمنا المشرقي؟ والجواب تجده غالباً في دنيا التفكير الواسع وهو ما يمكن ان نطلق عليه بثقافة الفكر المشرقية Oreintal culture of thought اذ يعج مشرقنا والعراق تحديداً على الدوام -بثقافة الفكر او الحضارة المشرقية Oriental civilization وهي بالتاكيد مجموعة الأفكار والمعتقدات والقيم والمعارف التي يحملها الأفراد أو المجتمعات ، والتي تؤثر على طريقة تفكيرهم وفهمهم للعالم من حولهم. وتعد هذه الثقافة جزءاً أساسياً من الهوية الفكرية لأي فرد أو مجتمع، والتي تنصرف بين المبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية و توجه سلوك البشر وتفاعلهم مع الآخرين. كذلك تنصرف تلكً الافكار الى المعارف كافة ، وهي المعلومات والعلوم المكتسبة من خلال التعليم والتجربة. اضافة الى المعتقدات التي تجسدها الافكار الدينية والفلسفية و تؤثر في الوقت نفسه على الرؤية الإنسانية صوب العالم، فضلاً عن العادات والتقاليد الاجتماعية والممارسات اليومية التي تتبعها مجتمعاتنا المشرقية تحديداً . يعد المفكر الدكتور عقيل الخزعلي من بين القلائل في بلادنا منن يتناول في تاملاته ثقافة الفكر المشرقي كقضية يدور جدلها حول الانسان . ومن اجمل خواذره عندما تناول مفردة (الأشفيَّةُ) بالقول: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) وهو يواصل القول :
للتشافي *الروحي*؛السياحة مع العِرفان. للتشافي العقلي؛ السياحة مع الوعي. للتشافي العاطفي؛ السياحة مع الحُب. للتشافي البدني؛ السياحة مع الانضباط. للتشافي الحماسي؛السياحة مع الانجاز. للتشافي الريادي؛ السياحة مع الالهام. للتشافي الوطني؛ السياحة مع التضحية. للتشافي الإنساني؛السياحة مع الشهادة. ومن وانا ابحر في ثقافة الفكر المشرقي لاقول :انه عندما تزحف الانسانية نحو جوانبها المشرقة بالتشافي ..فانها اشبه بسياحه في تلمس اشراقات الحياة بمحيطها البشري الواسع ، غايتها بذر الخير لجني السعادة للاخرين …انه السمو الروحي حقا. اما المفكر الكبير حسين العادلي ، فقد طرق باباً في ثقافة الفكر المشرقي عنوانه: المَتجَر . فالمتجر عند العادلي هو : • (العِظَة) أكثَر السِّلَع كَسَاداً في مَتجَر الحَياة، وأكثَرها بيعَاً (الغِوَايَة).
• (الضَّمير)، ميزان متجَر المواقف.
• (التَّجارب) متجَر للرُّشد، إن لم يكُن الحُمق حَاكِماً.
• إمتَحِن (المَتاجِر) بالمنَافسة والمضَاربة والكَسَاد، تكتَشِف المَهَارة والشَّرف، كذلِك (المَواقِف).
• في (السِّياسَة)، أكثر المَتاجِر رَواجاً، مَتاجِر الوعود والأقنعة والشّعارات!!
• (سِياسَة) دون خَسارة، (متجَر) بلا ميزَان.
• (الأيديولوجيات) متجَر الثُّوار، ومَتجَر السَّاسَة (السَّلطة).
• إن أردتَ أن تجعل (الجَمهور) زَبُوناً، إجعل من (السُّلطَة) متجَراً.
فالمتجر الذي جسده العادلي كسلوك في الاجتماع الثقافي اجده: كم يقترب في احساسه ، عندما تبتاع مداد أشياءه المحتفظ بها لاستخدامها حسب الحاجة ، ولاسيما مدادات متجرنا الذي يختزن عالم من معنويات سلوكية شاسعة ،تشخص فيها (علل) حياتنا اليومية و (معلولاتها) ولاسيما في التعاطي مع زوايا التصرفات البشرية المختلفة. فمداد متجرنا الانساني والمتعاطين معه، من باعة ومشترين ووسطاء ومجهزين ، ترسم لنا صورة واضحة على يوميات شاسعة عنوانها نزاهة الحياة، إن كانت اسواقنا بيضاء ناصعة . او تأخذنا بعيدا الى التعاطي الداكن الشديد التلون بين اطراف حياتية مجهولة ، إن كانت اسواقها سوداء موازية مثلومة في تحريك لعبة الضمير الانساني . و لا تختلف هنا فكرة المتجر ومخزونات مداده عن مناخات متاجر السياسة وبراغماتياتها والوعظ والنصح المطول الخادع في تسويغ حسابات الباطل لمداد متاجر الحياة ومخزوناتها. وهكذا تتمدد اصول متاجر حياتنا و تتقلص كمجهز لموجودات الخير او مداد الشر في عالم يبقى عنوانه :المال والسياسة وصناعة الإيديولوجيات وقواعد الصدق والكذب ، لتستيقظ معاملاتهم المتشابكة عند كل لحظة و لا يمكن لها ان تمر مالم تتعمد بالبيع والشراء في مداد متاجرنا . وهكذا ، لاتخلو ثقافة الفكر المشرقي من بوابات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية . فالمفكر عقيل الخزعلي يلامس كرة اخرى في مفكرة ثقافته مفارقة الفشل والهزيمة مستشهدا بالقول:
﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ قائلاً في مفردتي الفشل والهزيمة : *الفشل*= محاولاتٌ مستمرةٌ في طريقِ الانجازِ، وجهودٌ حثيثةٌ لتوليدِ الخبراتِ. *الهزيمة*= محاولةٌ يتيمةٌ تُعلِنُ الإستسلام، وجُهدٌ فقيرٌ يُنتِجُ الإحباط.
*الفشل* عثرةٌ محمودةٌ للفَطِن، و *الهزيمةُ* نَكسةٌ مذمومةٌ للبليد.
اذا أعطيتَ *الفشلَ* حَقَّهُ فقد إستَزَدتَ وغَنِمتْ (بالمراجعة والتقييم والتأمل والتصحيح)، وإذا أدركتَ مُوجِباتِ *الهزيمة* فقد وعيتَ وتَوَقَيتَ.
*الفاشلون* بدايةُ النهايةِ للنجاح، و *المنهزمون* درسُ التاريخ للإتعاظ.
*الفشلُ* قَنطرةٌ الواعي، و *الهزيمةُ* نِهايةُ الضئيل.
وبهذا اجد في ثقافة المفكر الخزعلي مفاتيح مختصرة مهمة في تناول مفردتي (الفشل والهزيمة ) وهي توصلنا الى ابواب الذاكرة لنفتح بها بعض خزائن حاضر حياتنا ومستقبلها بالقول : بين (الهزيمة )والاستفادة من دروسها (وهي حالة الانكسار الحاد في تقدم الحياة ) وبين (الفشل ) الذي يبقى احتمالاً ضمن احتمالات البحث عن سبل النجاح ، ثمة نقطة افتراق ..!!!. فمالم نتحرى فرص النجاح عبر محطات الفشل سنصل الى عالم الهزيمة والتضاؤل والخذلان حتى نهاية الشوط في خطى حياتنا . واخيرا ، ينتهي المفكر حسين العادلي في سلاسل ثقافته الفكرية المشرقية بمفردة هائلة اطلق عليها ((الوَسِيلَة)). فالوسيلة عند العادلي هي مسار حياتي تلخصه ثقافة الفكر بالقول:
• بالوَسائِل (تُعرَف) النَّوايا، ولا يُطلَب الحَقّ من حيث يُركَب البَاطِل.
• (المَواقِف) عَاريَة، ورِدَاء (السُّلوك) الوَسِيلَة.
• (التَّملّق)، وَسِيلَة النَّكِرة، ومَطِيَّة الطَّامِع، وواسِطَة الدَّنِيء.
• وَسِيلَة (العَقل) الحُجَّة، وَسِيلَة (النَّفس) الرَّغبة، ووَسِيلَة (الجَّسَد) اللَّذَّة.
• لا يُعدَم (المُجِدّ) الوَسِيلَة، ووَسِيلَة (المُقَصِّر) التَحجّج.
• الإستِقامَة (تَطابَق) الوَسِيلَة والغَايَة، فإن تخَالفَا فهو النِّفاق.
• إمتَحِن (شَرَف) الوَسِيلَة في المَال والسلطة، وعند الحَاجَة.
• تجِد دومَاً (الغَايَة تُبَرِّر الوَسِيلَة) عِند ثلاثَة: الأيديولوجي، والسِّياسي، والرَّخيص. وبهذا يستدل من ثقافة الفكر المشرقي ، ان العادلي قد اختزل في مفارقته آنفاً وجه من اوجه الحتميات التاريخية وبمنطق عقلي عالي القوة والملكة، ليبرهن لنا انه عندما تاخذ (الوسائل ) قفزات تطورها ، لابد من ان تفرض معها نمط اخر متبدل من العلاقات…وان اخطرها هي تلك التي تقود الى منعطفات حادة في التطور وهو الاقرب الى الثورات . ومع تبدل الوسائل لابد من ان تتغير العلاقات الانسانية بالوعي الاجتماعي الى حالة اخرى .اذ يبقى التبدل في (الوسائل ) هو كشاف للأيديولوجيات وراكبي موجات المصالح وظهور القوى المسحوقة والقوى الساحقة ولاسيما لمن يمتلك الوسائل وباساليب جديدة لتقضي منعطفاتها في القفزات الاجتماعية او مايسمى بالثورات على الوسائل البائدة التي لاتنتمي للعصر التطوري الجديد في تحول الوسائل نفسها او تبدلها . ختاما ، فان بانوراما الصراع الاجتماعي والانساني والاقتصادي سواء بين الحق والباطل او بين الغنى والفقر وغيرهما من الثنائيات ، ستبقى ترتكن على وسائل مادية، اذرعها ممتدة دون سكون على الدوام وتعد المحرك الحقيقي للعلاقات البشرية وانماط تغيرها سواء اكانت سلباً ام ايجاباً على مر العصور . (( انتهى)).
#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البطل السياسي في الديمقراطيات الناشئة: رجل الدولة ام رجل الس
...
-
الثنائية في الفلسفة المشرقية الحديثة (حوار في القصة والرافد
...
-
عالم يتشكل من جديد … عالم مابعد غزة
-
الثقافة العضوية وانعطاف الوعي : الجامعات الغربية انموذجا ّ
-
جدي والغزاة: واقعة في ليلة الاحتلال البريطاني 1917
-
الشخصية العراقية في رحاب الجدل الاكاديمي.
-
صعود الدولة الامة وهبوطها : العراق بعد 9 نيسان 2003
-
المثقفون في حاضنة العنف الإديولوجي الشرقي.
-
ثقافة المناخ الثالث
-
شذرات في الفكر العراقي..حوار في الطبيعة الانسانية.
-
الدولة والهويات الزبائنية : النفوذ الاجتماعي ومصفوفة المصالح
...
-
حرب غزة : عالم رقمي ما بعد الامبريالية.
-
حوار في الفكر الانساني المشرقي:الرعاع بين القلق والتلف.
-
تقديم لكتاب المفكر السياسي ابراهيم العبادي : الدولة الغائبة
-
ملامح المدرسة التفكيكية المشرقية -عند العادلي.
-
ادارة التعقيد والدولة القوية
-
متلازمة الاغتراب الديمقراطي والعقد الاجتماعي الموازي.
-
عقلية الضحية :بين الماضوية والقطيعة.
-
عقلية الضحية: أم دراما الامبريالية ؟
-
حوار فكري في ثقافة المشاركة السياسية
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|