أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الشتيوي جوهر - الديسمبر السوداني وآفاقه الثورية نحو التحرر الوطني الديمقراطي و الاشتراكي















المزيد.....


الديسمبر السوداني وآفاقه الثورية نحو التحرر الوطني الديمقراطي و الاشتراكي


الشتيوي جوهر

الحوار المتمدن-العدد: 7996 - 2024 / 6 / 2 - 00:04
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


في رؤية ثورية حول الحرية و السلام و العدالة

"إن شعب السودان شعب معلم يحق له الانحناء ليمتطي ظهر التاريخ نحو سيادة الشعوب على القرار والمستقبل" ( محمد مختار الخطيب ، الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني ) هذه كلمات الخطيب للشعب السوداني من التاريخ و نحو المستقبلعبرت عن مضمون التاريخ النضالي للشعب السوداني و آفاقه لكن في المضامين الفعلية الشعب السوداني هو التاريخ ذاته ، تاريخ النضال الوطني الثوري العربي ، تاريخ النضال ضد الاستبداد ، فجزء هام من تاريخ حركة التحرر الوطني العربية و نضال الشعوب العربية ضد أنظمة العمالة و الاستبداد قد عنون بنضالية الشعب السوداني وعبرت عنه الأحداث النضالية الثورية لأكتوبر المجيد السوداني 1964 و الانتفاضة على الطاغية المستبد جعفر النميري و جعفر الترابي ، و آخرها ركب الموجة النضالية الثورية العربية وانتفاضة ديسمبر 2018 العارمة التي رسمت فيها أبهى اللوحات النضالية التي عرفها هذا العقد ، و مامنطريق سوىاستمرارها رغم الانتكاسة ، فهي مستقبل السودان و قاطرته نحو سيادة الشعوب على القرار و المستقبل
الديسمبر السوداني :
عمق نظام عمر البشير الإخواني من أزمة السودان على عموم الأصعدة و المستويات ، فبعد تقسيمه تنفيذا لمخططات و أهداف القوى الاستعمارية الأوروبية و الأمريكية أساسا ، ساهم ، عبر السياسات الاقتصادية المنتهجة، في ضرب القطاعاتالاقتصادية الأساسية في الزراعة والصناعةو ما رافق ذلك من تفاقم التداين من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي كما تسبّب فياستفحال الأزمة الاقتصادية و تداعياتها الإجتماعية التي عمقت من حالة الفقر و الخصاصة التي يعيشها غالبية الشعب السوداني ، وعلى خلفية استمرار هذه الأزمة استأنف الشعب السوداني نضالاته ضد النظام الاستبدادي الإخواني وكانتموجة الانتفاضات العربية و المنجزات المحققة في ظلها بمثابة البريق المؤجج للحراك الشعبي السوداني وتواصله و صموده إزاء القمع الوحشي المسلط ، و مع استفحال مخلفات الأزمة تشكلتصورة الانتفاضة الشعبية الجماهيرية العارمة في المشهد في شهر نوفمبر 2018 لتعلن انطلاقتها الفعلية في ديسمبر 2018 ، آخذة فيالتجذر بفعل طلائعها الوطنية المناضلة و على رأسهم الحزب الشيوعي محددة هدفها في الحكم المدني الديمقراطي كبديل عن الحكم العسكري الاستبدادي . وفي ذلك المسار وبتأثير واضح من الحزب الشيوعي السوداني تشكلت "قوى الحرية و التغيير " كأوسع جبهة تضم القوى اليسارية و التقدمية و المدنية لإسقاط النظام و أعلنت إثر ذلك عن "ميثاق التغيير " . و رغم حملات القمع الوحشية و الاعتقالات التي طالت قيادة الانتفاضة الشعبية و خصوصا أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي تواصل لهيب الانتفاضة متأججا كاسبا أشواطا نضالية على حساب النظام المنهار ليتحقق الانتصار الشعبي في 11 أفريل 2019 في إسقاط راس النظام .
الوضع ما بعد سقوط العمر البشير و تطوراته :
من أجل تحقيق الأهداف الثورية المطروحة و العبور نحو الطموح الثوري المنشود، كانلا بدّ من استكمال المسيرة النضالية الثوريةنحو الإطاحة الشاملة بالنظام ، فهذه القاعدة الثورية ، كان المفروض إنجازها في الديسمبر السوداني لكن عوض ذلك و في ظل الفراغ الواقع في السلطة، كان الطريق مفتوحا للجنة الأمنية التي شكلها البشير لكي تستلم مقاليد الحكم ، و إثر ذلك ذهب جزء هام من قوى الحرية و التغيير للتفاوض مع اللجنة الأمنية و عقدت مساومات و تنازلاتعلى رغم من انكشاف حقيقة هذا المسار و المساعي الالتفافية ضمنه على المنجز الشعبي والمتمثّلة في التعطيلات و الممطالة في تشكيل الحكومة الانتقالية من قبل المجلس العسكري إلا أن حتى الحركة الثورية المتواصلة التي كانت في جوهرها طارحة مواصلة المسيرة النضالية الثورية طوقت بمأزق هذه المساومة الرذيلة ففي سياق تعطل المفاوضات في تشكيل الحكومة المدنية دعا تجمع المهنيين إلى إضراب عام في شهر ماي ورغم أنه لقي التجاوب التام من الجماهير وكان له أثرهالنضالي ، قام تجمع المهنيين بعد يومين بإلغائهمما فتح الباب لقائد قواة الدعم السريع الجنزال محمد حمدان دقلو للقيام بهجوم رجعي قمعي على التحركات و الاعتصام في 3 جوان ماأسفر عن مقتل 100 شخص إضافة إلى مئات الجرحى و المعتقلين. لكن ذلك الرد الرجعي الإرهابي لم يركع جماهير الانتفاضة بل أذكى شعلتها النضالية وحفّزهاللدعوة إلى الإضراب الجماهيري العام في 9 جوان لكن تجمع المهنيين لم يرحب بتلك الدعوة لاعتباره أن المجلس العسكري ابدى حسن النية للمفاوضات حول تشكيل الحكومة المدنية وهو ما تمّ في 4 جويلية بعد التفاوض و المناقشات بين الشق العسكري و المدني ،وللذكر رغم تنديد الحزب الشيوعي السوداني،المشكّل الأساسي لقوى الحرية و التغيير، بذلك و رفضه التفاوض مع بقايا النظام و مشاركتهم في المرحلة الانتقالية ، واصلت المكونات السياسية الخائنة لدماء الشهداء ذلك المسار الذي ختم بالاتفاق السياسي و الوثيقة الدستورية اللذين مثلا الالتفاف الفعلي على المنجز النضالي الشعبي حيث مكنا اللجنة الأمنية من هياكل حكم المرحلة الإنتقالية و لم تكن الفترات اللاحقة لذلك إلا الإثبات الفعلي على هيمنة بقايا نظام عمر البشير على السلطة فاستمر التصدي العنيف و الوحشي لعموم التحركات الداعية لمواصلة المسيرة الثورية كما غاب التحقيق في قضايا المجرمين و رموز النظام الإخواني و المجزرة المرتكبة إزاء اعتصام 30 ماي ،أمااقتصاديا فقد استمرت الحكومة في خدمة إجراءات الدين العام و في اتباع نفس السياسات الاقتصادية السابقة ، فبهذه الصورة هيمن العسكر على سلطة المرحلة الانتقالية في ظل إفراغ المجلس التشريعي و الحكم الشعبي المحلي من دورهما و تواطئ مكونات الحرية و التغيير المساومة مع ذلك.
ما لحق ذلك لم تكن سمته سوى واقع الصراع بين الشق المدني و العسكري الذي أخذيتعمق مع التطورات الواقعة و مجريات الأحداث ،ففي ظل الأزمة المستمرة و المتفاقمة أخذ كل طرف يلقي الإتهامات على الآخر محملا إياه وزر الأزمة و تبعاتها فبينما يعتبر الشق المدني أن جل و عموم التعطيلات في سياق إنجاز مهام المرحلة الانتقالية هي من اللجنة الأمنية ، ترى هذه الأخيرة بدورها أن المدنيين لهم دور في تأجيج الاحتجاجات و التحركات المطالبة بإنجاز مهام المرحلة الإتقالية فعطلوا بذلك الأمر ، ثم انتقل الصراع إلى مستوى المطالبةبتسليم السلطة بشكل تام للشق المدني أو العسكري. و قد استمرت الأزمة السياسية في تطوراتها إلى حدود محاولة الإنقلاب المحبطة التي قام بها عدد من العسكريين على تيار عبد الفتاح برهان و انشقاق تيار عن قوى الحرية و التغيير يقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مطالبا بتسليم السلطة إلى العسكر ما جعلالأزمة تتحول من صراع بين طرفين إلى ما بين اربعة أطراف. وهكذا حمل هذا الانشقاق بين الطرفين في طياته وفي مضامينه إعلان نهاية هذه السلطة الانتقالية بين العسكر و المدنيينوفتح الطريق نحو كلّ الاحتمالات و البدائل إزاء هذه الأزمة المتفاقمة .
ففي ظل تعمق الأزمة السياسية و الشلل الذي أصاب السلطة الانتقالية و فلول شبح الانقلاب من جديد لم يكن الطريق مؤديا سوى نحو إعادة بؤس الأحداث السوداء في تاريخ السودان " الانقلاب على المنجز النضالي الشعبي " و ذلك ما وقع في 25 أكتوبرإذ في صبيحة ذلك اليوم قامت عناصر من العسكر تحت قيادة عبد الفتاح برهان باعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك من منزله و عدد من الشخصيات السياسية المدنية ، إضافة إلى اعتقال مدير شبكة التليفزيون الحكومية و تعليق الرحلات الجوية و قطع شبكة الأنترنات و لحق ذلك خطاب ألقاه عبد الفتاح برهان أعلن فيه عن حالة الطوارئ في البلاد وحل الحكومة الانتقالية و فرض حكم عسكري إلى حين إجراء انتخابات في 2023 ، ومباشرة إثر وقوع الانقلاب أصدر الحزب الشيوعي السوداني بيانا مدققا يندد فيه بانقلاب عبد الفتاح برهان موجّها نداء للجماهير الشعبية يدعوها لاحتلال الشوارع بنفس الروح النضالية لحراك 21 أوكتوبر ، كما دعا إلىإعلان الإضراب العام و العضيان المدني ، و أصدر كذلك تجمع المهنيين بيانا دعا فيه الجماهير الشعبية للنزول إلى الشارع والوقوف صفا واحدا ضد الانقلاب ، واستجابتالجماهير الساخطة على الانقلاب و حكم العسكر إلى نداء القوى الثورية المناضلة وخرجتنساء ورجالا وشيبا وشبابا بالآلافمن عموم بقاع السودان وخاصة من العاصمة الخرطوم رافعين شعارات منددة بالانقلاب و داعية إلى سقوط حكم العسكر، و في خضم ذلك و مع تزايد عدد المتظاهرين الذي أصبح يغمر جل السودان متمركزا بكثافة حول الخرطوم تحول الرد الثوري على الانقلاب إلى رد مليوني متوجها بجزء هام منه نحو مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم أين وقعت كما في أماكن أخرى مواجهات حادة مع القوات المسلحة و المليشيات أسفرت عن مئات الجرحى و سقوط ما يقارب عشرة شهداء ، وهكذا بيّنت الجماهير الشعبية السودانية ، في خضمّ تلك الصدامات المحتدمة ومن خلال الشعارات المرفوعة " الثوار والشعب الأحرار سيواصلون المشوار " " الثوار لا يخافون من الرصاص " " يسقط حكم العسكر " ، صمودها النضالي و وقوفها الثابت و الشامخ ضد الانقلاب و أن الشعب وفيّ لإمكانياته النضالية الثورية كما في السابق و لن يركعه أو يثنيه عن تحقيق أهدافه و مواصلة نضالاته انقلاب و لا حكم عسكري استبدادي ، فديسمبر 2018 مازال متواصلا ، هذه كانت كلمة الشعب في رده الثوري على الإنقلاب .
لم يثن القمع الرهيب ،غداة الانقلاب، الجماهير الشعبية السودانية عن مواصلة نضالاتها ، لم يرهبهم الرصاص و سقوط الشهداء من الدفاع عن منجزهم النضالي ، فيو م 25 أكتوبر لم يكن مجرد رد على الانقلاب بل كان نقطة انطلاق نحو استئنافالانتفاضة التي أثبتت بكل وضوح مساعي الالتفاف عليهاوهو ما أكّده الانقلاب ، و هذا الأمر هو الذي عبر عنه الحراك الجماهيري 30 أوكتوبر الذي رفع فيه سقف المطالب و تم الانتقال فيه من رفض الانقلاب و التنديد به إلى مستوى المطالبة بالحكم المدني الديمقراطي ، فالأعداد الغفيرة التي عمّت السودان بالملايين ملبية دعوات لجان المقاومة و تجمع المهنيين ولجان التسيير و نداءات الحزب الشيوعي السوداني و القوى السياسية المناضلة الداعية إلى السير نحو الانتفاضة الشعبية ، كانت فعلا تعبّر في سياق ذلك عن الاستئناف الفعلي للمعركة النضالية ضد القوى الرجعية من أجل " الحرية و السلام و العدالة " وخير برهان على ذلك هو المواصلة في هذا الطريق النضالي الذي عبر عنه اليوم النضالي العارم ل 13 نوفمبر حيث تمّتالتعبئة والتصعيد تفاعلا مع دعوات و نداءات الحزب الشيوعي ونداءات تجمع المهنيين لمواصلة الحرا ك الجماهيري ولعبت فيه لجان المقاومة دورا محوريا هاما ، إذ رغم محاولات سلطة الانقلاب،عبر إغلاق الطرق تجاه العاصمة ونشر قوات الشرطة بكثافة بالشوارع الرئيسية مدججة بالأسلحة و القنابل المسيلة للدموع لمنع تجمع المتظاهرين و قمعهم، فذلك لم يمنع من اندلاع التحرك إذسارت الجماهير متجمعة بأعداد غفيرة في الخرطوم و أمدرمان و شرق النيل و الخرطوم البحري و في عدد من مدن الأقاليم في كل من وادي حلفا ، بورتسودان ، نيالا ، الفاشر دنقلا ، مشكّلة بذلك مشهدا مليونيا جماهيريا سودانيا لم يفلح معه استعمالالقنابلاالمسيلة للدموع في تفريق التجمعات و المسيرات ولا منع الجماهير من إعادة تشكيل تجمعاتها فارتقى المشهدإلى القمع الوحشي الرهيب من قبل قناصة فوق السطوح و مسلحين بزي مدني و قوات الشرطة استعملوا بشكل رهيب الرصاص الحي عبر سلاح الكلاشنكوف والأسلحة البيضاء وهو ما أسفر عن سقوط 5 شهداء وحدوث 8 إصابات خطيرة في مدينة الخرطوم و مئات الإصابات في عموم مدن و أقاليم السودان . كان قمعا وحشيا رهيبا لمليونية 13 نوفمبر لكن الشعب السوداني في نضاليته قدم درسا في الصمود والبسالة و الاستعداد النضالي للتماسك و مواصلة المعركة النضالية الثوريةإلى آخر رمق من أجل " الحرية و السلام و العدالة ". تلك كانت إجابة الشعبفي مشهد الصمود النضالي ليوم 17 نوفمير الذي يعتبر يوم مجزرة أخرى يقترفها الحكم العسكري في حق الشعب السوداني ، فعلى إثر خروج الجماهير في أغلب مدن السودان و أقاليمها وخاصة الخرطوم على خطى الاستئناف الثوري مطالبة بإسقاط الانقلاب وبناء الحكم المدني الديمقراطي واجهت قوات القمع (ميليشيا وشرطة) لعبد الفتاح برهان الجماهير المنتفضة بالرصاص الحي و الأسلحة البيضاء ، حيث وصل الأمر إلى منع الإسعافات و مداهمة المستشفيات و اقتحام المنازل و ضربها بالغاز المسيل للدموع و قد أسفر ذلك إجمالا عن سقوط 15 شهيدا إضافة إلىمئات الجرحى و المصابين ، فهي مجزرة وحشية أخرى يقترفها المجلس العسكري مع مجزرة فض الإعتصام و الإبادة الجماعية ، لكن رغم ذلك و رعم القمع الوحشي الرهيب فالشعب السوداني هو المنتصر، منتصر في صموده و مواصلته النضالية و في تمسكه بالحرية و السلام والعدالة .
• مسارات و آفاق الديسمبر السوداني :
إن الديسمبر السوداني ليس بحدث عابر فقد مثّل ذروة الانتفاضات العربية و أسماها ، وكان الأرقى في الحراك الشعبي والاستمراية النضالية الثورية ، فهو الذي استهدف السلطة السياسية و خيضت ضمنه معارك فاصلة و محتدمة ، بين قوى الرجعية في حفاظها على موقعها و سيادتها و الثورة في استمراريتها نحو تحققها عدة طرق و مسارات يكون إنقلاب 25 أوكتوبر مرحلة معبرة عنها
لقد مثل انقلاب 25 أكتوبر من قبل اللجنة الأمنية خاتمة لسلسلة الالتفاف على المنجز النضالي الشعبي من أجل القضاء على المد الثوري و إعادة عقارب الساعة إلى الوراء و قد انطلق ذلك منذ 11 أفريل 2019 بالتضحية بعمر البشير ككبش فداءتلاهاستمالة الانتهازيين بالحرية والتغيير و الوثيقة الدستورية المعدلة و مجزرة فض الإعتصام . توج هذا المسار الالتفافي في خضم الصراعات بانقلاب برهان بهدف الهيمنة التامة للعسكر على السلطة السياسية و السير نحو الحكم العسكري الاستبدادي في السودان الذي خيضت ضده عدة نضالات على مرّ السنوات ، لكن الأحداث التي وقعت بعد الانقلاب وأبرزها الحراك الشعبي العارم الذي اتخذ نسقا تصاعديا و لم يركع للقمع و لا للمجازر و بات يأخذ الشكل المنظم من الدور الفاعل للجان المقاومة و التسيير في التنظيم و التأطير و التوجيه السياسي و النضالي من قبل الحزب الشيوعي السوداني و تجمع المهنيين و التصعيد في سقف المطالب نحو المناداة بالحكم المدني الديمقراطري ، يضاف إلى ذلك رفض بقية الأحزاب السياسية بمن فيها التي كانت حليفة للعسكر،والموقف الإقليمي والدولي المعارض ولو بشكل غير مباشر للانقلاب وانفراد العسكر التام بالمرحلة الانتقالية . بينت أن سعي العسكر المباشر نحو الهيمنة على السلطة غير مقبول وأن الأمر إن استمر على هذا الحالة فإن قوى الاعتراض والمنادية بالتغيير ستسقط انقلابهم وسلطتهم ، لذلك لم يكن الطريق مؤدّيا في هذه الحالة إلا إلى التسوية السياسية بالتدخل والفعل الخارجي الذي تكاثف اهتمامه بالشأن السوداني في الآونة الأخيرة وذلك ما عبر عنه اتفاق 21 نوفمبر 2021 الذي كان بالرعاية الأمريكية التامة وتضمن هذا الاتفاق الإفراج عن رئيس الوزراء د. حمدوك و الوزراء المعتقلين ، إنهاء الشراكة السابقة بين قوى الحرية والتغيير واللجنة الأمنية و تحويلها مقتصرة على مجلس السيادة الذي يقوده العسكر و رئيس الوزاء و حكومته ، الإبقاء على الوثيقة الدستورية بصورتها المعدلة السابقة واعتبارها المرجع الأساسي في الفترة الانتقالية و ارتبط بها اعتبار مجلس شركاء السلام الحاضنة السياسية للفترة الانتقالية و يضاف إلى ذلك اعتبار مجلس السيادة الذي تهيمن عليه اللجنة الأمنية هو المشرف الأساسي على تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية دون تدخل أي طرف آخر في ذلك ، و كذلك الاستمرار في نفسالتعهدات السابقة و الاتفاقيات المبرمة والسياسة الاقتصادية المنتهجة و العلاقات والاتفاقيات مع القوى الاستعمارية الأوروبية و الأمريكية ، فقد مثل إتفاق 21 نوفمبر تسوية سياسية على مقاييس اللجنة الأمنية و مخرجا للحد من الحراك الشعبي الساخط على الانقلاب العسكري و كجدار لمنع تجذر الحراك الداعي لتحقيق الحكم المدني الديمقراطي ، كما مثل معبرا و طريقا للجنة الأمنية في طريقها ومسارها نحو إعادة هيكلة الحكم العسكري الاستبدادي بستار المرحلة الانتقالية و الوثيقة الدستورية ، كما أزاح الاتفاق كذلك عددا من قوى الشق المدني التي كانت داعية لإنهاء الشراكة و الاتفاق مع العسكر و المنددة بتعطيلاتهم للمرحلة الانتقالية في السابق مقابل توطيد العلاقة و تعزيزها مع القوى الموالية و المنفذة لسياستهم التي يمثلها د. حمدوك ، فاتفاق 21 نوفمبر الذي كان بتدبير و إعداد أمريكي مع موافقة وتزكية القوى الإقليمية، مثل آلية لشرعنة الانقلاب و مخرجا للعسكر من المأزق الذي وقعوا فيه في ظل تكاثف المعارضين للانقلاب من كافة المواقع و الاتجاهات و معبرا سياسيا نحو الحكم العسكري الاستبدادي . لكن هل سيكون هذا الاتفاق الذي يردف بخطوات الالتفاف جدارا ضد الجماهير الشعبية المستأنفة لنضالاتها و الطارحة للمواصلة النضالية الثورية نحو الانتفاضة و تحقيق الحكم المدني الديمقراطي ، أم هل سيسقط باعتبارأنه تعزيز و تثبيت للانقلاب ، أم هل سيكون منطلق تسويات سياسية أخرى تتحقق في ظلها بعض المطالب الجزئية و تبرم فيها تعديلات حول الوثيقة الدستورية المنخورة ؟، لكن يبقى المطروح دائما هو ضرورة استمرارية الانتفاضة و صمودها إزاء عموم محاولات الالتفاف و مسارات إعادة تثبيت حكم العسكر .
في الرؤية الثورية حول الحرية و السلام و العدالة
حددت القوى الطليعية المناضلة وعلى رأسها الحزب الشيوعي السوداني مضمون الثورة في التغيير الديمقراطي الشامل بكونه إرساء النظام المدني الديمقراطي بديلا عن النظام العسكري الاستبدادي و ذلك استخلاصا من مسار نضالي امتدّ لعقود خاضه الشعب السوداني ضد الأنظمة العسكرية الاستبدادية بمختلف تلويناتها وأشكالها و يرتبط ذلك ببرنامج الحزب الشيوعي السوداني في إرساء الحكم المدني الديمقراطي والقطع مع سلطة العسكر ومع عموم الارتباطات الإقليمية و الدولية و الاتفاقيات المبرمة ومع هيمنة صندوق النقد الدولي و البنك الدولي على السودان إضافة إلى مسألة إعادة هيكلة الجيش وإلغاء دوره السياسي مع إلغاء المليشيات ، هذا أهم ما جاء في برنامج الحزب الشيوعي السوداني لثورة الحرية والسلام و العدالة و ذلك ما طرحه في اتفاق التغيير ل 2019 أي أن الحزب الشيوعي السوداني يسعى نحو التغيير الديمقراطي الشامل الجذري و الإطاحة السياسية التامّة بحكم العسكر و تأسيس نظام مدني ديمقراطي فعلي يحقق طموحات و أهداف الشعب السوداني الذي ناضل من أجلها على مر عقود ، لكن ارتباطا بذلك وبالنظر إلى محتوى حكم العسكر في السودان نجد أن العسكر واللجنة الأمنية الحاكمة حاليا يمتلكون ما يفوق 80 بالمائة من المؤسسات الاقتصادية أي أنهم يهيمنون بشكل كامل على الاقتصاد السوداني ، يضاف إلى ذلك أن له ارتباطات إقليمية و دولية وثيقة ، فالجيش السوداني مرتبط بالجيش الأمريكي و يعمل تحت إمرته ووفق مهامه ، كما أنه على قاعدة الاتفاقات المبرمة مع السعودية شريك هام لها في حربها على اليمن ويتواصل إلى اليوم إرسال الجنود إلى اليمن ، وكذلك فعموم القواعد العسكرية و على رأسها الأمريكية متواجدة برعاية الجيش السوداني و قادته في السلطة السياسية
و من خلال هذا فإن العسكر الحاكم في السودان يمثل اقتصاديا و سياسيا محورالهيمنة الاستعمارية على السودان في العمق ومن عموم الجوانب دون استثناء أي أنه يمثل قاعدة و محتوى النظام اللاوطني في جذوره ، وبذلك فالطريق نحو الإطاحة الثورية الشاملة بالحكم العسكري في السودان و مساعي التغيير الديمقراطي تفتح الطريق نحو التغيير الوطني الثوري و الاشتراكي في مضامينه ، ولو فرضنا اليوم ، في سياق ذلك ، أن المسار الثوري في السودان استمر و تطور في خضمّ المخاض النضالي والصراعات وتمكّن من التنظم الكافي الذي يؤهله للإطاحة بالنظام العسكري الاستبدادي وافتكاك الحزب الشيوعي السوداني رفقة القوى المناضلة السائرة في ركب الحكم المدني السلطة، فإن السلطة الثورية ستكون في مواجهة مباشرة ليس مع العسكر فقط بل مع الرأسمالية والقوى الاستعمارية. و من أجل تحقيق الأهداف الثورية المطروحة يقتضي الأمر في ذلك مواصلة المعركة ثوريا و التصعيد في سقف الأهداف من أجل الحفاظ على المنجز دون انحرافاتأو تراجع أو سقوط و في ذلك تطرح مسائل القطع الجذري التام مع الهيمنة الاستعمارية والتغيير الوطني الثوري و يرتبط به الإعداد لبناء الاشتراكية عبر تأميم المؤسسات الاقتصادية التي يهمين عليها العسكر والتي كما ذكرنا تمثل ما يقارب مجمل الاقتصاد السوداني . و من خلال هذا فإن الديسمبر السوداني في مضامينه ومحتواه و مكتسباته النوعية النضالية يسير في هذا المسار و الطريق دون غيره ، فلا تحقيق للتغيير الديمقراطي الشامل دون التحرر الوطني و القضاء على الهيمنة الاستعمارية و لا إنهاء للاستعمار و تحقيق مهام التحرر الوطني و طموحات الجماهير الشعبية في العدالة الاجتماعية والعيش الكريم دون اجتثاث الرأسمالية من جذورها عبر بناء الاشتراكية
إن المهام الديمقراطية و التحرر الوطني والاشتراكية ليست مراحل منفصلة لكل منها ثورتها و مهامها وإنما هي في مهمة ثورية واحدة و في ارتباط جدلي و في ثورةواحدة هي الثورة الوطنية الديمقراطية ذات الأفق الاشتراكي و هي عملية ثورية واحدة حيث لا إنجاز فعليّا للتغيير الديمقراطي الشامل دون تحرر وطني ولا تحرر وطني فعلي دون بناء الاشتراكية ، وقد يغدو الديسمبر السوداني في مضامينه و آفاقه الثورية الأكثر تعبيرا اليوم عن هذه المقاربة لقضية التحرر الوطني العربية للقرن الواحد و العشرين وإلى ذلك لا يمكن كذلكاستثناء بقية الانتفاضات العربية التي رفعت نفس المطالب و الأهداف في الظاهر والتي تنطبق عليها كذلك هذه المقاربة و لربما لم يكن المشهد فيها بالوضوح التام لا لشيء إلا لكون الديسمبر السوداني كان أكثرارتقاء منها وقد توضح ضمنه الطريق والهدف الثوري
إن الديسمبر السوداني قد مثل الباكورة الناضجة لمسار يتجاوز نصف قرن من نضال الشعب السوداني ضد الحكم العسكري الاستبدادي ، كما أنه مثل كذلك الثمرة الثورية للانتفاضات العربية المستهدفة لأنظمة العمالة والاستبداد من خلال الآفاق الثورية التي يفتحها ومرتقبات مساره وتطوراته وفي هذه اللحظة التي يواجه فيها محاولة التفاف أخرى وصراع مع القوى الرجعية ، فإن المهمة الثورية تقتضي الصمود الثوري إزاء مخطط الالتفاف على المسار الثوري الذي تمثل أخيرا في انقلاب عبد الفتاح برهان واتفاق 21 نوفمبر الذي يكرسه والسير قدما نحو تجذير الحراك الشعبي وتطويرهوتحصينه عبر تعزيز دور لجان المقاومة والتسيير في تنظيم الحراك و تأطيره بإحاطة سياسية ودور ثوري من الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين من أجل الارتقاء بالحراك الشعبي و المليونيات الجماهيرية نحو انتفاضة سياسية ثورية تكتسب كل الإمكانيات والمؤهلات للإطاحة الثورية بحكم العسكر في مضامينه والسير قدما في ذلك نحو التحرر الوطني الديمقراطي والاشتراكية ومن المؤكد أن الصمود الثوري السوداني سيتخطى ذلك الطريق الثوري ولن يقف في حدود التغيير الديمقراطي ، فمضامين الديسمبر السوداني هي ذروة المواجهة النضالية الثورية العربية و طريقها نحو التحرر الوطني الديمقراطي والاشتراكية ، أي مهد التحرر الوطني والاشتراكية في المقاربة الثورية العربية والتي في خصوصيات ضمن الديسمبر السوداني نحو التحرر الوطني والاشتراكية.
جوهر الشتيوي



#الشتيوي_جوهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 25جويلية بين المنجز و المطروح والمتطلبات النضالية الوطنية لل ...
- إفلاس الجمهورية
- حول حدث 25 جويلية
- المشهد السياسي بين ثلاثية منظومة 23 أوكتوبر – قيس سعيد – الإ ...
- نحو المواصلة النضالية الثورية ضد - منظومة 23 أوكتوبر الإخوان ...
- الهيمنة الإستعمارية الامريكية على تونس و خلفيات التدخل الأمر ...
- من الذاكرة الديسمبرية المواجهة الثورية
- المعركة الوطنيّة الفلسطينيّة الكبرى
- المقدّمات النظرية الماركسية اللينينية ودورها في الثورة البرو ...


المزيد.....




- نا ب? ?اگواستني حزب و ??کخراو?کاني کوردستاني ئ?ران ل? ئ?ردوگ ...
- الاحتجاجات ضد الكهرباء تتصاعد والشيوعي يحذر من قمع التظاهرات ...
- ماذا لو انتصر اليسار في فرنسا ؟؟
- مباشر: وقفة احتجاجية أمام البرلمان للتنديد بالإبادة الجماعية ...
- عائلات المختطفين مجهولي المصير وضحايا الاختفاء القسري تحتج ب ...
- لبناء التحالفات شروط ومبادئ
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 561
- الفصائل الفلسطينية تحيي ذكرى مرور 40 يوم على استشهاد الرئيس ...
- غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي ...
- بعد قانون مثير للجدل.. شاهد لحظة اقتحام متظاهرين غاضبين للبر ...


المزيد.....

- ليون تروتسكى فى المسألة اليهودية والوطن القومى / سعيد العليمى
- كيف درس لينين هيغل / حميد علي زاده
- كراسات شيوغية:(الدولة الحديثة) من العصور الإقطاعية إلى يومنا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية:(البنوك ) مركز الرأسمالية في الأزمة.. دائرة لي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رؤية يسارية للأقتصاد المخطط . / حازم كويي
- تحديث: كراسات شيوعية(الصين منذ ماو) مواجهة الضغوط الإمبريالي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (الفوضى الاقتصادية العالمية توسع الحروب لإنعاش ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - الشتيوي جوهر - الديسمبر السوداني وآفاقه الثورية نحو التحرر الوطني الديمقراطي و الاشتراكي