|
إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الجزء الرابع)
أحمد رباص
كاتب
(Ahmed Rabass)
الحوار المتمدن-العدد: 7993 - 2024 / 5 / 30 - 02:57
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- ضد فكرة أن كل المعاني من صلاحية اللوغوس إن التأصيل الليفيناسي للفينومينولوجيا يشكل بالفعل نقطة تحول لغوية وأخلاقية أدت إلى التفكير في نظام المعنى. فبقدر ما قد يبدو الأمر متناقضا، سمح الأفهوم المفاهيمي يالأساس للدلالة في الفينومينولوجيا لليفيناس أولاً بقلب أولوية الموقف النظري على أعتبار انه يفتح آفاقا جديدة. إن أفعالنا لا تقوم على تمثلات ذاتية ( تمثلي للعالم)؛ يشهد تشكل المعنى على المشاركة النشطة التي تحرر من العزلة التأملية؛ التجارب المنبثقة من عالم الحس (حالات انفعال، أفعال إرادية، إلخ..) دون أن تكون مفهومة بالكامل، ومع ذلك يكون لها معنى بالنسبة إلينا. يظهر هذا التأويل مساهمة هوسرل الحقيقية في التفكير ما بعد الحداثي، لأن ليفيناس، عبر جميع كتاباته، بقصد أو بغير قصد، فرض رؤية تفضل المنظور المقاصدي للمعنى. ومع ذلك، على المدى الطويل، يبدو هذا المنظور غير كاف بالنسبة إليه، مما زاد من استخفافه بفلسفة معينة ترى أنه بما أن عقلنا هو المشكل لمعنى الظواهر، فهو أساس وشرط كل هذه العلاقات التي نقيمها مع الكون. لذلك، نتساءل: هل يجب علينا أن نستمر في التفكير، على غرار الفينومينولوجيا، بأن العالم ليس له معنى إلا بقدر ما هو معروف؟ وهل المعنى كله يبدأ حقاً من معرفة اللوغوس؟ إذن، بمجرد ما يتم تأكيد "السير النظري أخيرا للخطاب الفلسفي" لهوسرل بشكل قاطع من خلال المعيار التأملي للمعنى، يأسف ليفيناس على العمى الذي لا يسمح لنا بالتفكير في المعنى، وخاصة معنى حياتنا، إلا انطلاقا من التفكير. من هذا الخلاف نشأ الانقسام بين المقاربتين الفلسفيتين اللتين تم تناولهما هنا: هكذا يتم اكتساب توجه جديد، ومعه تمشي هرمينوطيقي يصل إلى أعماق لا يمكن الوصول إليها بواسطة القصدية. بالفعل، رفض ليفيناس أولًا ما يسمى بالمثالية المطلقة للمعنى، وركز بالتالي، في جداله مع الفينومينولوجيا ولكن أيضا مع التقليد التأملي بشكل عام، على مبدإ التيممة pré-traçante (المصطلح من نحتنا)، كما لو أن الدور المهيمن للجواهر القبلية، الموجه للفهم كله، يشكل تسلسلاً غائيا ينعش المعنى مسبقًا، وذلك لإفقار أفهوم المعنى ولإخفاء واقعية العالم بواسطة مثاليته. وهل كل معنى يندرج بالضرورة ومسبقا ضمن جوهر عقلاني مثلما يندرج معنى جملة “لون الدم الأحمر على إصبعي” ضمن جوهر اللون الأحمر بشكل عام؟ إن قبول هذه القواعد يعني اعتبار أي شيء جديد بمثابة نتاج مشتق لما هو موجود بالفعل (أو يمكن أن يكون) وأي معنى مقصود يعتبر بيانا نهائيا إلى حد ما. لكن، في الحقيقة، هذه الهيمنة النظرية المثبتة مسبقا في الفينومينولوجيا لم تزعج ليفيناس لنفس الأسباب كما في السابق. ليس فقط سوء فهم لملموسية أخرى، ملموسية عالم لم يطبع معناه على الجوهر وحيث يتم اختبار الممارسة أولا قبل فهمها، هو ما يطالب به في كتاباته المبكرة. إن ما أزعج ليفيناس في كتابات نضوجه هو بالأحرى اختزال الحياة إلى مجرد جهة المعرفة، الإنسان إلى العامل الحكيم الذي يحملها، وفوق كل شيء، جهل الأساس الأصلي لمعنى الحياة الذي لا يمكن لأي فكر أن يكشفه. هل من المعقول أن تتلخص الحياة في تطبيق شكلية ذات معنى؟ الرفض كامل: "الدلالة التي تحرك العاطفي، الاكسيولوجي، الحركي، الحسي، الجوع، العطش، الرغبة، الإعجاب، لا تأتي من التيممة التي يمكن العثور عليها فيها، ولا من تنوع أو جهة التيممة. البعض-للبعض الذي تشكله الدلالة ليس معرفة بالوجود، ولا أي وصول آخر إلى الجوهر". رغم أن النموذج الفينومينولوجي ليس غريبا على طريقتنا في الوجود، نظرا لأن "كل شيء ينتهي إلى أن يصبح معروفا، فإننا لا نعتقد"، كما يصر ليفيناس، "أن المعرفة هي المعنى ونهاية كل شيء". إن عدم الأخذ في الاعتبار لبعد آخر يفلت من تأثير التعالي العقائدي يؤدي، وفقا لليفيناس، إلى اختزال الإنسان إلى مجرد جهة منطقية بدون ماض وبدون تاريخ. يُنظر إلى إنسان الفينومينولوجيا على أنه الشخص الذي يحمل الأفعال، باعتباره المحرك الحر الذي يسمح للأشياء بالظهور من خلاله (تأخذ هذا الشكل أو ذاك)، ويفقد كرامته كذات إنسانية. يجادل ليفيناس هنا من منطلق مطلب إنساني. بالنسبة له، نتيجة هذا التصور الهوسرلي للمعنى بشكل عام، ولمعنى حياتنا بشكل خاص، تصبح أكثر عمومية، وتقدم بالتالي شخصا مختزلا إلى ذاتية متعالية يسبقها دائما جواهر يجب استعادتها. إن ذاتية، على النقيض من الروح (geist) الهيغلية، الروح المطلقة التي تحدث عنها كتاب "فينومينولوجيا الروح" لهيجل، لا تخاطر بلاشخصية وعي قادر على معرفة نفسه من خلال المعرفة المطلقة، أي أنه قادر على الكشف عن نفسه فقط من خلال الكونية وليس في خصوصياته. إن خطورة مقاربة فلسفية مثل تلك التي اتبعتها فينومينولوجيا هوسرل تكمن في مكان آخر. إنها لا تأتي من فقدان الهوية الذاتية، لأنه بفضل القصدية، يتمكن الوعي من دمج الكوني والفردي دون التضحية ببُعده الشخصي. وفقا لليفيناس، يبدو أن الخطر، وراء المثالية الوفيرة للتتبع القبلي الفلسفي، موجود في معرفة الذات. لا القدرة على معرفة (الذات، الكون، الآخرين)، والتي كانت تُعتبر لعقود من الزمن علامة على العقل الذي يميزنا عن الحيوانات، ولا قدرتنا على استخلاص هذا الشكل الودي النقي من ذواتنا الذي هو الكوجيتو، تضع في متناولنا ما يجعلنا بشرا. بقواعد منهجه، بالتعالي الموضوعي الذي يسود الوعي الفينومينولوجي والبحث المستمر عن "الحضور الكامل للتيمة الموضوعية"، أي المعرفة، لا نلغي ربما فرادة الذات، ولكنها مع ذلك تفقدها لاحقا. إن العواقب الاجتماعية والتاريخية لهذه النظرية الفينومينولوجية كبيرة. يتساءل ليفيناس: ألا ينتهي الأمر بالإنسان، الذي تحدده ذاتية لا تحفز سوى الصيغ العامة للتفكير، إلى فقدان إنسانيته؟ ألا ينتهي الأمر إلى حجب البعد الحقيقي للمعنى، وخاصة معنى الحياة؟ (يتبع) المرجع: https://www.cairn.info/revue-internationale-de-philosophie-2006-1-page-35.htm
#أحمد_رباص (هاشتاغ)
Ahmed_Rabass#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استبد بي الفرح وكأني في حلم جميل
-
إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الج
...
-
الدار البيصاء: تفاصيل ومعلومات عن انهيار عمارة حي بوركون
-
لقاء لتكريم روح إدمون عمران المالح، نصير التنوع
-
الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان يوجه رسالة إلى الجهات ا
...
-
إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الج
...
-
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تنظم ندوة صحافية حول تطورات و
...
-
إمانويل ليفيناس وإدموند هوسرل: تجاوز الفكرانية الفلسفية (الج
...
-
جون ستيوارت ميل: رائد المساواة بين الرجل والمرأة
-
جون ستيوارت ميل: رائد المساواة بين الرجل والمرأة (2/2)
-
جون ستيوارت ميل: رائد المساواة بين المرأة والرجل (2/1)
-
جاك دريدا وعبد الكبير الخطيبي ارتبطا بعلاقة صداقة من نوع خاص
-
يوم دراسي حول راهنية فكر ليون برنشفيك الفلسفي (2/2)
-
يوم دراسي حول راهنية فكر ليون برنشفيك الفلسفي
-
غزة: كيف السبيل إلى خروج إسرائيل منها؟
-
النقابة الوطنية للإعلام والصحافة/ كدش تدعو كافة الصحافيين لل
...
-
الحرب على غزة: كيف السبيل إلى الخروج منها؟
-
سوق السبت: كلمة عادل البوعمري في إحياء الجمعية الوطنية للمعط
...
-
يوم دراسي حول راهنية فكر ليون برنشفيك الفلسفي (2/1)
-
المرصد المغربي لمناهضة التطبيع يوضح كيف انفجر الوسام في وجه
...
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|