مجموعة من الناشطين السوريين
الحوار المتمدن-العدد: 1761 - 2006 / 12 / 11 - 09:08
المحور:
حقوق الانسان
"يولد جميع الناس أحرارا متساويين بالحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا ، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء ".
على هذا نصت المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 10/12/20/1948، هذا الإعلان الذي يعتبر " عالميا" المثل الأعلى الذي ينبغي أن تبلغه كافة الأمم والشعوب ، على اعتباره المعيار الأساسي الذي لا يمكن للناس بدونه أن يعيشوا بعزة وكرامة تميزهم عن سائر الأحياء .
يحتفل العالم المتمدن اليوم الذكرى الثامنة والخمسون لولادة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وذلك تأكيد ضمنياً منه على أن " الإعلان العالمي " أمسى جزءاً من ثقافة قائمة إن لم نقل تراث ثقافي ، أما مجتمعنا فلا يزال يجهل معنى هذه الذكرى وأبعادها ، فما زال" الإعلان العالمي" كسائر منظومة حقوق الإنسان مرتبط بقلة قليلة من الطبقة المثقفة وبإطار نظري فقط ، أي انه لم يضف جديدا على حياتنا الرسمية أو الشعبية ،ولم يأخذ حتى الآن بعده الثقافي ليكرس واقعياً على شكل عادات وتقاليد وقيم وسلوكيات أو حتى أيديولوجيات.
ومن هنا يمكننا القول : إن ما نشاهده من انتهاكات على ارض الواقع داخل الحياة السورية ، ليس إلا نتيجة طبيعية وموضوعية من نتائج غياب الوعي بهذا المفهوم وبعده عن ساحة التفاعل .هذه الانتهاكات المطبقة على المواطن السوري من قبل النظام الحاكم أو الصادرة عن هذا المواطن والناتجة عن الثقافة السائدة.
فلا تزال سوريا تعيش حتى هذه اللحظة تحت نير "حالة الطوارىء والأحكام العرفية" وهذا ما من شأنه إعطاء الحاكم العرفي "الحق" في وضع القيود الهائلة على حرية الأشخاص وانتهاك خصوصيتهم ( الاجتماع، المسكن والإقامة ،المراسلات ،..... الخ) وانتهاك حقوقهم ( التظاهر السلمي ، تشكيل جمعيات، حرية الرأي والتعبير...)وهو ما يؤثر سلباً وبشكل مباشر على مجمل حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ونموها بشكل صحي وطبيعي .
لقد كرست حالة الطوارئ المشئومة هذه، آليات التفرد بالحكم وبيئة خصبة للانتهاكات فمن غياب الديمقراطية والقيم التعددية إلى قمع المعارضة الوطنية والأنشطة الباحثة عن مساحة للتعبير عن الرأي الأخر ،ومن غياب قوانين للأحزاب إلى غياب قوانين الجمعيات , مما سهل لأجهزة الأمن مهمة إطلاق التهم بالانتماء الى أحزاب محظورة , والحزب المحظور بالتعريف السوري الأمني هو:أي حزب خارج إطار الجبهة الوطنية التقدمية " البطلة" ، وهذا أيضا ما "يشرع" لهم مسلسل الاستدعاءات والاعتقالات اليومية وما ينعكس بذلك على حياة الشارع السوري من ثقافة الخوف والإحجام عن الاهتمام بسورية البلد وبشأنها العام . لما يلقاه من إجراءات تعسفية تكم الأفواه والأقلام وتمنع التعبير والتفكير وتهدد كل من يحاول الخروج عن سرب السلطة ، هذه السلطة التي تحتكر العمل السياسي وتنبذ القيم الإنسانية والديمقراطية وتسيطر ونظامها الأمني على مفاصل الحياة برمتها ، مما أدى إلى حالة الشلل التي نراها ونعيشها .
أما الشق المتعلق بالانتهاكات ذات البعد الثقافي فله نصيبه الوافر أيضاً، فعلى الرغم من تأكيد " الإعلان العالمي" لحق الإنسان في الحياة وحرية الرأي والتعبير والدين والحق في العمل والتعليم ، وحرصه على حظر كل صور التمييز بين الجنسين ، فإننا نصحو كل يوم على انتهاكات صارخة، فلا يزال التمييز ضد المرأة وانتهاك حقوقها من بديهيات المجتمع ومسلماته الثقافية، مرةً باسم الشرف ومرةً باسم الدين ومرةً باسم الثقافة السائدة وهذا ما يفضي إلى حالة الاستلاب الذي تعيشه إما للرجل الفرد أو للمجتمع الذكوري ، وهذا الاستلاب يأخذ أشكال عدة فهو إما استلاب اقتصادي : ناتج عن النظرة الدونية للمرأة واعتبارها ناقصة عقل وغير مكتملة المؤهلات والإمكانيات لتمارس العمل بشكل يوازي الرجل، وان حصل ذلك فيكون اختيار المهنة بشكل لا يتعارض مع واجباتها الزوجية والمنزلية على اعتبار المنزل " المكان الطبيعي "لها
أو استلاب جنسي : ناتج عن النظرة السائدة باتجاه المرأة على أنها أداة للجنس فقط مما يجعل تمحور شخصيتها بأبعادها تنحو نحو البعد الجنسي مستسلمة بذلك للواقع الرديء الذي يفرض عليها هذا الاستلاب وهذه المكانة المهمشة.
ليس حال المرأة في مجتمعنا السوري بوحيد من الذين يسيطر عليهم الوضع الثقافي المأزوم والمشوه ، بل أنه يطال كل ما هو غير سائد ولكل ما هو جديد ، فلا مكان في هذه الثقافة إلا للون الواحد والرأي الواحد والخارج عن هذا النص إما كافر أو خائن ، وهذا دليل على خطورة ما تحويه ثقافتنا من مفاهيم تعود إلى مرحلة ما قبل الدولة ، فليس هناك ما يحمي أو يطور القوانين والقيم والحقوق والحريات الواردة في الإعلان الذي بين أيدينا وهذا ما يسهل بدوره إفساح جو ممتلئ بالانتهاكات تطال ما يحويه هذا المجتمع من أفراد وأقليات
إن أبعاد ما ذكر سابقاً تساهم وبامتياز في تعطيل جميع المشاريع النهضوية والمعنية بالديمقراطية وحقوق الإنسان ولعل ذكرى ولادة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن تكون بمثابة وقفة مع الذات لمحاولة تأصيل القيم الإنسانية ونبذ ما يتعارض مع هذه القيم, وان تكون محطة لمعرفة مدى الفاعلية الناتجة من ذوي الاهتمامات الإنسانية على ارض الواقع في سبيل تقييم العمل وبذل الجهود لتأصيل هذه المفاهيم في ثقافتنا .
مجموعة من الناشطين السوريين
#مجموعة_من_الناشطين_السوريين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟