أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - آرام كربيت - هواجس ثقافية ـ 184 ـ















المزيد.....


هواجس ثقافية ـ 184 ـ


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 7990 - 2024 / 5 / 27 - 20:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أقسى شيء تتعرض له الأسرة الشرقية في السويد أو الغرب أنها تفقد الرمز، الأب.
فمنذ أن قطعت أوروبا رأس الملك لويس السادس عشر أصبحت بلا رأس، واستعانوا عن ذلك بالمؤسسة.
المؤسسة هي أب برأس مقطوع.
يتحول الشرقي من رجل مسيطر، رمز القوة والسطوة إلى شخص عادي ضعيف لا حول له ولا قوة، بل أن ابنه الصغير ابن العامين يستطيع أن يتحكم به.
ويستطيع أن يركعه إذا اقتضى الأمر.
الدولة أو المؤسسة هي السيد. هي التي تحمي المواطن، تصرف على الأطفال تحميهم وتدعمهم وتشجعهم على الاستقلال إذا تعرضوا للأذى من الأبوين، إن يبلغوا عن ذلك مع وعد أن تأخذهم إلى مكان آخر أكثر أمانًا

هناك موقعان للإندماج في هذه الحياة، هما الإبداع أو الموت.
والإبداع شكل من أشكال الموت.
والموت والإبداع، كلاهما شبق في أعلى درجات عشق الحياة

العفة هو الفعل النظري الذي يسبق الفعل العملي حسب التنظير الذي وصل إلينا.
لدى العفيف تحضير مسبق، وصايا، إلزاميات إجبارية عليه أن يقوم بها.
وهي ملازمة للعقل الظاهر في فترة الطفولة إلى أن ترسخت في عقلنا الباطن وأصبحت جزءا من تكويننا.
هذه الدعوة للعفة تلزمنا أن نخضع لها.
علمتنا والدتنا أن نقدم أنفسنا على أننا أبرياء، أبرياء من الممارسات الجانبية للجنس مع الجنس الاخر، مع توجيهات كثيرة، كبرنامج أعمال يجب السير عليها.
لم تأت العفة جزافًا أو وليدة اليوم أو البارحة، مر عليها الرهبان والكهنة ورجال الدين والأنبياء والاتقياء الكذابين، ورجال الدعارة السياسية والسياسيين إلى أن وصل إلينا كما هو اليوم مع تعديلات كثيرة، فخضعنا لها كأنها مسلمات. وفي أعماق أغلبنا أن العفة ضرورية، أن لا نسلم أعضاءننا التناسلية للطرف الأخر حتى لا يرجمنا الله في سماءه السابعة أو الخامسة، أن نسلمها وفق القوانين المعترف بها أمام الجميع.
إن نمارس الجنس برخصة.
العفة كذبة كبيرة الغاية منها هو أسر الإنسان، تقييده بحجة العبادة والخضوع لله ــ الوهم، الكذبة الأكبر في الحياة.
العفة هو التفاف على الرغبة، محاولة تمييع الحقيقة أو طمسها أو اجتثاثها من أرضها، أرض الشمس والضوء.
الذين يقولون بالعفة، هؤلاء أبعد الناس عن الحب والصدق والحرية.
لا تتساوق العفة مع القمع أو الكبت، هذا محال.
الإنسان يندفع نحو ما يريده، أنه أمر خارج إرادته، أنه طاقة تريد الإعلان عن نفسها.
إن قمع الإرادة هو استبداد، هو قتل الصوت الحر في داخل الكائن.
الا تكفي أن الحكومات أنها كبتت الناس، قيدتهم عبر القوانين، وقيدت حرياتهم لمصلحة بقاء الدياثة، حتى يأتي من دياجي ليل التاريخ مجموعة من الحمقى يطالبون بالمزيد من الكبت.
عندما يتوازن الإنسان في حياته، عندما يعيش في ظروف طبيعية لا كبت فيها، بالتأكيد سيعش دون خراب داخلي.
العفة هو الفعل النظري الذي يسبق الفعل العملي حسب التنظير الذي وصل إلينا. لدى العفيف تحضير مسبق، وصايا، هناك إلزاميات إجبارية عليك أن تفعلها، وهي ملازمة لعقلك الظاهر في فترة الطفولة إلى أن ترسخ في عقلك الباطن وأصبحت جزءا من تكوينك. هذه الدعوة تلزمك أن تخضعي لها. علمتك والدتك أن تقدمي نفسك أن تبقي بريئة من الممارسات الجانبية مع الجنس الاخر، مع توجيهات كثيرة، كبرنامج أعمال يجب السير عليها. لم تأت العفة جزافًا أو وليدة اليوم أو البارحة، مر عليها الرهبان والكهنة ورجال الدين والأنبياء والاتقياء الكذابين، ورجال الدعارة السياسية والسياسيين إلى أن وصل إلينا كما هو مع تعديلات كثيرة، فخضعنا لها كأنها مسلمات. وفي أعماق أغلبنا أن العفة ضرورية، أن لا نسلم أعضاءننا التناسلية للطرف الأخر حتى لا يرجمنا الله في سماءه السابعة أو الخامسة، أن نسلمها وفق قوانين معترف بها أمام الجميع، ممارسة الجنس برخصة. العفة كذبة كبيرة الغاية منها هو أسر الإنسان، تقييده بحجة العبادة والخضوع لله ــ الوهم، الكذبة الأكبر في الحياة


لم نكن نتوقع أن تضيع بلادنا منا إلى الأبد، ويموت الحنين في صدورنا كشمس حزينة لا تقوى على الطيران.

أغلب المشهورين في العالم جاءت شهرتهم من دعم الحكومات لهم سواء بشكل خفي أو علني.
هي من رفعتهم فوق الأكتاف، وروجت لهم ولأعمالهم الأدبية أو الفكرية أو السياسية أو الفنية، وسوقت لهم ما يرغبونه.
المعارضة هامشية عبر التاريخ ولا زالت، ولا انصار للمعارضة في ظل المجتمع المأسور بالدولة.
الدولة تخلق مجتمعًا على مقاسها وصورتها وبنيتها وتنتج ما تراه مناسبًا لمصالحها.
الدولة والمجتمع كلاهما أداة قمع واستبداد، المجتمع هو خراء الدولة.
الحريات في ظل الدولة هو شيء نافل


"الهوامش على مر التاريخ لم يدخلوا في مفهوم السلطة، ولم يكونوا جزءًا من بنيتها، بقوا هوامش. الذي يكتب التاريخ هو من يكتب التسلط حيًا أو ميتًا، لكن الهوامش هي التي تستحق أن نبقى على اتصال دائم بها في محاولة أن نضع الاستراتيجيات لها حتى نفهم كيف تكونت بنية السلطة". السلطة انفصلت عن الهوامش، في الحقيقة أن تاريخ الإنسان كله هو تاريخ السلطة، لا مكان للهوامش أو المعارضة فيها في أي مكان أو مكانة. سأعطيك اسم روائي اسمه خالد الحسيني الأفغاني يقيم في الولايات المتحدة، وهو روائي ذو قدرات كتير بسيطة مع هذا تحولت رواياته إلى أفلام وطبعت له ملايين النسخ لأنه مدح الاحتلال الامريكي لوطنه. لو أني طبلت للنهج الذي قامت به امريكا والخليج وتركيا في سوريا لرأيتني اليوم على رؤوس البراكين، مشهورا، عندما وقعت على حفل افتتاح روايتي عن السجن في فرنسا.


آرام كرابيت
الخبز الحافي ـ محمد شكري
في الخبز الحافي، الروائي محمد شكري العاري تمامًا، يعري نفسه ويعري الإنسان. وكما نقول دائمًا الفن والأدب فعل تعرية، كشف الحجاب أو المستور.
إنه الدخول إلى الأماكن الأكثر سرية في عالمنا المعاصر، موضوعي الرغبة والجنس.
يدخل الروائي إلى عالم الرجل الخفي، إلى داخل الجسد المشتهي الملتهب المتطلب الشهواني الذي لا يهدأ ولا يكل. الجسد الذي يريد ويريد، يريد جسد جميع النساء، أعضاءهن، الأماكن الأكثر سرية منهن.
ينطلق من موقع الرجل في علاقته بجسده، وبالمرأة. الرغبة بالنسبة له تعميه وتأخذ بلبه وتغيب تفكيره، ولا يبقى له إلا أن يفرغ هذه الطاقة المشتعلة في داخل الكائن الطبيعي، خاصة في فترة فوران الجسد.
الرواية تحلل بنية النظام الأبوي وتسلط الضوء على تسلط الأب القاسي، قسوته. الضرب المبرح، له ولأمه.
تعالج الرواية وجود الاحتلال الاسباني كشكل بطريركي مكمل للمجتمعات البطريركية المتخلفة في بلداننا، ورافد قوي لاستمراره. أحدهم يمد يده للأخر للقبض على السلطة والمال والنفوذ والثروة.
المرأة، أم الروائي التي تتعرض للضرب في النهار، تتحول إلى كتلة من الرغبة والجنس الملتهب في الليل في قبضة والده. يسمع الروائي صوت الشهوة الصارخ، مواء أمه، صراخها في يد جلادها وسيد لهيبها.
يصور تلك المرأة المستلبة المتواطئة مع الرجل ضد نفسها. بمعنى أن المجتمع الممثل بالمرأة، الكيان المستلب يستمتع بالتعذيب الذاتي، بالإذلال الذي يمارسه النظام البطريركي بحقه.
الذكر والأنثى، كلاهما متواطئان على نفسيهما، وعلى المستقبل.
ثم يتوغل الروائي في عالمه المتعدد، المكون من عدة عوالم في عملية انكشاف على نفسه والمجتمع، بقيمه وعاداته وتقاليده. في التكوين النفسي للإنسان الشرقي، في تناقضات الحياة وتقاطعاتها، والانفلات من الضوابط والقوانين الآلهية والوضعية.
يرصد لنا عالم الماخور، ذلك العالم المطابق للمجتمع، لقاعه ولحقيقة الواقع الذي كرسه الإنسان.
وفي عملية الإزاحة يحاول أن يتبرأ منه، وأن ينفصل عنه كشيء مخجل، بالرغم من أنه جزء من حقيقة واقعية بالكامل.
في الماخور يتحرر الجسد من القيود ويسرح في فضاء الحرية وينال ما يريد، حيث العاهرات الجميلات غير مكترثات بقوانين الأرض ومتحررات منه ومتمردات عليه. إنه الوجه الأخر لوجه الإنسان الواقعي ومكمل لوجوده.
في هذا المكان، الماخور، يقف المرء وجها لوجه مع الحرية ،عالم الجنس، والكيف والمشروب، والتحليق بعيدًا بعيدًا، في الفضاء الواسع، ومحاولة الطيران من ثقل الأرض وقسوة الحياة، والهروب من الاستغلال والضياع والواقع المؤلم.
يسلط الروائي محمد شكري الضوء على الجنس الحاف دون تورية أو إخفاء أو تعمية. يتعامل معه بانكشاف مذهل. يصور هذا النداء الحر، الصارخ الذي لا يتقيد بقيود البشر.
يصور الجسد المتطلب، الكائن الموجود في الكائن، المخفي والمعلن، السري والعائم الذي يفرض حضوره بالرغم عن الجميع.
إنه ذلك الجني الذي يلعب في الذات، ينط ويرقص ولا يرحم.
إنه كائن قائم بذاته لذاته، كائن في ذات الإنسان، يحرضه على الالتحام بالوجود، يحركه يفتته يدفعه للخروج إلى الضوء والهواء، إلى البقاء واستمرار الحياة.
يريد أن يعلن عن نفسه ووجوده، أكثر من وجود الإنسان ذاته.
هذا الكائن ساكن في خفاء أنفسنا، إنه صوت الحرية والصراخ الكوني وتأكيد الحقيقة. يتحول مرات كثيرة إلى دودة تلعب في شرايين صاحبه، تريد الخروج إلى الشمس، وليس من صاحبه إلا أن يقمعه, يقيده، يقتل ممرات النور في داخله.
هذا التناقض بين الإنسان المستلب المأزوم والعبد وبين كيانه المتمثل بالجنس، بالحرية، أحدهما يخالف الأخر، بين الوعي لذاته، والوعي الزائف المراوغ الكاذب، القاتل لممرات النور في داخل داخله.
هذا التناقض بين الإنسان وداخله، بين الخارج المزيف والداخل المرتبط بقوانين الكون والحرية. إنها العلاقة المختلة أو التناقض بين الحرية والعبودية، بين الضوء والعتمة، منذ أن حاول الإنسان الانفصال عن ذاته وعن الطبيعة.
في الماخور، يلتقي الرجال والنساء في السر، في لحظة الهروب من القوانين الوضعية أو الدينية، التي سيجت جسد الإنسان، هو الأكثر نقاء وحرية من الرتابة والزواج والحياة الروتينية. وأكثر نقاء من حالة العبودية التي كبلت المرأة والرجل وحولتهما إلى مجرد أدوات أو أشياء.
في علاقة الحقيقة بالحقيقة، يبين لنا الروائي حالة المرأة في فترة الكمون، الدورة الشهرية محاولته الوصول إلى جسدها. الوصول إلى أي مكان منها، بيد أنها ترفض، يمسك قضيبه، يسألها بحسرة:
ـ كيف أجعله ينام، إنه عنيد؟
يمسك يدها ويضعه على قضيبه، ترفض بشدة بالرغم من أنها تحبه، يقول لها:
ـ لا بد أن أفعل له شيئًا حتى ينام. تصرخ في وجهه بصوت عالي:
ـ أخرج من هنا، وأفعلها بعيدًا عني حتى لا توسخني. ياه. أخاف من شهوة الرجال.
يحب سلافة، بيد أنه يمارس العادة السرية، متذكرًا امرأة أخرى، ويدخل في حوار ذاتي مع نفسه:
ـ أليس جنونًا أن أتخيل جسم آسية واغتصبها وأنا لا أعرف أهي ما زالت حية أم ميتة. ويضيف:
ـ كنت أستنمي على العدم.
ربما هذا العدم شكله عقل الإنسان المنحرف، الذي حرف مسيرة وجوده وبقاءه وكيانه.
في الماخور ذاته هناك مقاسات، مقامات، انقسام اجتماعي وتراتبية عميقة وتمايز قومي.
تتساءل المرأة:
ـ هل صاحبك مسلم؟ يرد عليها بثقة:
ـ طبعًا هو مسلم.
كلاهما كانا في الماخور، محمد شكري وصديقه القادم من تركيا إلى المغرب.
قال كمال التركي بعربية مكسرة:
ـ أنا مسلم. الله ومحمد رسول الله.
سألت خديجة، كمال التركي:
ـ أتعجبك صفية أم نختار غيرها؟ هناك كثيرات أجمل منها إذا شئت.
يرد عليها:
ـ إنها رائعة. الفتيات المغربيات يشبهن كثيرًا الفتيات التركيات.
تستغرب خديجة من سلوك كمال أثناء ممارسة الجنس لكون الغرفة مشتركة لرجلين وسيدتين.
تسأل محمد شكري:
ـ هل تسمع؟ صفية تقول أن صاحبك التركي يلحس لها شيئها/ فرجها/. يرد عليها:
ـ ليفعل معها ما يشاء.
ـ ألم تقل بأنه مسلم؟
ـ وماذا في ذلك؟
ردت صفية من الطرف الأخر:
ـ اللحس باللسان أفضل.
يصور الروائي في مذكراته أو سيرته الذاتية المجتمع كما هو دون تجميل أو مكياج أو تورية. يعريه يدخل القاع، الأماكن القميئة والمشرقة فيه بعيدا عن الزيف والكذب والتشويه، برمزية عالية، علاقة السلطة وفوقيتها بالمجتمع الممزق.
حتى في الماخور أوالمجتمع المغري المستلب لا يقبلون دخول أي نصراني على امرأة مسلمة.
يتذكرون أنها مسلمة في أقسى لحظات وجعها، أن تكون حكرا على فئة اجتماعية دون غيرها.
يقبلون أن تبقى عارية وجائعة وتبيع ذاتها، ولكنهم لا يقبلون أن تنفتح جسديا على غيرهم.
الانتماء هو انتماء ولا يجوز كسر هذه القاعدة الجليلة.
البنية العليا في الماخور هي السلطة، تغيب عن المشهد تتورى وتخفي ذاتها، تترك الضحايا يمزقون بعضهم، والمجتمع في حالة هروب وهروب إلى الأمام.
هذا واضح وذاك ملتبس.
الماخور في البنية الاجتماعية هو الأدنى، إنه عالم المهمشين والفقراء.
وفي داخل المبغى الكبير يسود الجوع والأقياء والحرمان والتفسخ، والأسر والأغلال.

كل خلية في جسدك هي نغمة موسيقية، لهذا عليك أن تنصت لها بدقة.
ففي لحظات الفراغ يمكنك أن تجلس مع هذه الموسيقى أو هذه الإيقاعات التي تنبهق منك، وتخرج من ممراتك لتتوحد بهذا الكون.
عليك أن تنصت لها وتربطها بالموسيقى القادمة من وراء الظلال البعيدة الغامضة.
لا تقض وقتك في تأمل الوجع، والحزن والكآبة، فأنت لست وحيدًا، لديك أنت وموسيقاك وروحك المرفرفة في الكون.
أنت الخارج والداخل، منك، من ذاتك تتواتر الأصوات والنغمات وتحلق معك بعيدًا بعيد.
كن صديق نفسك، حبها حتى تحب الحياة والطبيعة وبقية الموجودات.

في الغابة، عندما أكون وحيدًا، في العزلة عن الواقع الثقيل، عن الذات والآخر، يتحرر عقلي عن عقلي، يسرح في الفضاء الراعش، اسمع الهسهسات، التموجات التي تصدرها الأشجار لبعضها البعض، وأرى الجداول تتمايل مع ظلها في مجراها الآمن، وألمس النسيم الرقيق المرفرف حولي، وبقايا الرقصات التي تجيدها الفراشات الملونة في هذا المكان الطافح بالحياة.
إنه هروب من الشغف الدائم للحلم القادم، من الغربة الداخلية، من الفقد.
لا شيء يملأ القلب بالحياة إلا الحياة، إلا براءة الطبيعة.

في سجن عدرا بدمشق كنّا حوالي مئة وخمسين سجينًا من أغلب التيارات السياسية السورية، بيد أن من عمل في المجلس الوطني أو الائتلاف أو الهيئة العامة للمفاوضات لم يتجاوز ال 2 بالمئة منهم.
واستطيع القول بضمير مرتاح أن نسبة من شارك من السجناء السياسيين في هذه الموائد السياسية المشبوهة لا يتجاوز ال 2 بالمئة من مجمل سجناء سوريا.
أغلب الذي شاركوا في استانبول من المعارضة هم مشبوهين سياسيًا وعقليًا وإنسانيًا وأخلاقيًا وسلوكيًا، وأغلبهم كان مقيمًا في الغرب منذ عشرات السنين.
إنهم مجرد حثالة، مرتزقة على مقاس النظام السياسي الدولي العائم، ولا يختلفون عن نظام عائلة الأسد المشبوهة قيد أنملة.
أحدهم سرق الثورة وقطعها إلى أجزاء وشكل لنفسه علمًا وتفاوض عليها مع الخارج، والآخر سرق سوريا وباعها قطعًا أخرى للخارج.
لنتذكر أن السجون كانت مملوءة بعشرات الآلاف من السجناء.

شيء من الحقيقة والسوريالية.
كنت في البادية عندما سمعت صوت متضرع يهجس باسمي:
ـ عبد الله، عبد الله؟
التفت حولي لاقتفي الأثر. علّني أعرف مصدر هذا الصوت القادم من وراء الأفق. حدقت في الفلاة، في الخلاء المفتوح، أصغيت السمع أكثر. شممت رائحة الفجر المحمل بالفيض والطلق، رائحة بقايا عشب، بقايا زهر، بقايا ربيع مضى. كان صوتًا يتراقص على الظمآ، فيه رائحة حلم لم يكتمل. ظمأ للذاكرة القادمة. وحده الصوت جاء متكئًا على الصمت فوق هذا المدى البعيد. استرقت النظر ملتفتًا أكثر، لأعرف على هذا النداء الغريب.
كان صهيل خيل فاض على أطراف البادية الطافحة بالمدى.
لم تنطق البادية، بقيت مسترخية فوق وجه الأفق، فاتحة نهديها للريح، طافية فوق وسع المدى، تزفر الصفاء والهدوء. فتحت عيني مرة ثانية على وسع لاستبصر أكثر. قلت:
ـ يا صوت، من أنت؟ من أين مكان تتحدث؟ لماذا لا تريني وجهك؟ هل أنت بشارة، نداء الله، بقايا ربيع.
ـ لست هذا أو ذاك. أنا سيلفا، صديقة الأمس. هل تتذكرني يا عبد الله؟
عادت ذاكرتي إلى ذلك الينبوع. ذلك البريق القديم. وشوشت في سري، ثم رحت اهجس. تحول إلى همس، خرج من حنجرتي كما يخرج الماء من النبع النقي، البريء.
ـ سيلفا؟ الطبيبة الجراحة. الفنانة الجميلة التي كانت تمثل على المسرح وتعزف على آلة الدودوك؟
ـ نعم. أنا هو. من الجميل أنك تذكرتني!
ـ بالطبع أتذكرك. أين أنت الأن؟ ما الذي جاء بك إلى هنا؟ إلى البادية الخالية من الناس والشجر؟
ـ الأن، ليس وقت الحديث عن الوقائع والاسئلة الغامضة. تعال، اتجه صوب الخابور القريب من الشدادة. أنا هناك. سنتكلم بعمق أكثر بمجرد أن تصل.
لم أستطع كتم رغبتي:
ـ ماذا تفعلين فوق الأفق، على ضفاف نهر الخابور، في البادية السورية؟
هل تركت تلك المدن الساحرة والبحر الخلاب، والتاريخ، وسحر الجمال؟ لماذا تركت استانبول، طرابزون، المدن الجميلة الدافئة، البحار العظيمة لتأتي إلى منعطف ضيق في مكان مملوء بالخلاء والهواء؟
تأففت سيلفا من إلحاحي. من الأسئلة المكورة والمكررة.
ـ أنا مرمية على الضفة اليمنى من الخابور. مقطوعة الرأس يا عبد الله. دمي الذي تعرفه، مسفوح. لقد فاض فوق الماء والعشب والزهر. تعال وأنظر، كيف يسيل ببطء ويمتد على كل الأطراف، ويتسلل إلى شقوق الأرض والسماء.
وقفت في مكاني منبهرًا من هذا الكلام الثقيل.
ـ ماذا تقولين؟ مقطوعة الرأس؟ هل هذه أحجية، أضغاث أحلام، كابوس ثقيل معلق في الفضاء؟ من فعل ذلك، معقول ما تقوليه؟
ـ وما هو الغير معقول يا عبد الله؟ تعال بسرعة لتتفرج على هذا المهرجان السوريالي الغريب والغامض. أصبحنا فرجة ألم، أضحوكة. نحن جثث، مجرد موتى يا عبد الله. تلك المرأة التي تعرفها صديقة المسرح والموسيقا والله والجمال مجرد مقتولة على الأرض، خامدة الصوت.
ركعت على الأرض. ورفعت رأسي. ووجهته نحو الأفق بزاوية تميل إلى السماء. متعلثمًا لا أقوى على هضم الكلمات. جامدًا في مكاني، محاطًا بالقهر المجهول الذي يرزح فوقي.
صوت آت من ضفاف بعيدة، ضفاف مجهولة مشبعة بالغرابة. بقيت أذني متجهة صوب الصوت البعيد.
كانت الشمس كعادتها تبتسم غير آبهة بي، بما يجول في عقلي وقلبي. تقتحمني الكلمات، وصوت سيلفا، الإنسان، الإنساني:
ـ الإنسانية مهزلة، مسخرة يا عبد الله!
صرخت بملّ صوتي:
ـ سيلفا، ماذا تقولين؟
ـ الإنسانية مجرد مهزلة يا عبد الله. والإنسان أكبر مهزلة صنعها القدر، الكون. والوجود في عدمه.

استطاعت البلدان الديمقراطية أن تخبئ مخالب السلطة, باقتدار, في قفاز من حرير, وأن تقلب مطالب المجتمع السياسية, من التغيير السياسي الرئيسي إلى سياسة مطلبية شكلانية, لا تمس جوهر السلطة ومصالح النخبة المالية والسلطة.
أقصى مطالب الناس, أصبح, الحصول على العمل, وشراء فيلة جميلة وسيارة فارهة.


السلطة هي الاساس, مثل الهيكل تبع البناء, ثم يأتي الأكساء. يمكنك أن تبدل الاكساء كلما تقادم, نتيجة عوامل الطبيعة والزمن, لكن الهيكل لا يمكنك أن تصلحه, أما أن تقلعه من جذوره أو ما يمشي الحال. السلطة تلون اكساءها عند كل منعطف لضرورات تطور الحياة, ولكنها ممكن أن تطل برأسها عندما تحتاج الى ذلك. هتلر جاء عبر انتخابات في العام 1930, يا صديقي, والولايات المتحدة كانت مرشحة لقيام انقلاب عسكري في العام 1929. وعندما تنزنق أية دولة في المستقبل نتيجة ازمة اجتماعية أو سياسية ستخرج السلطة من رقادها وتطيح بكل شيء. أنا لا اسلم بما هو موجود على الاطلاق.
لا يمكن تصور الحياة الحالية, القائمة على التراتبية الشديدة دون وجود سلطة. كمان أنا وصفتها, انها اساس الدولة, متكئها. برأي أن السيطرة على مخالب السلطة تطور كبير, بيد أن السؤال, كيف استطاع الغرب أن ينظم علاقة الدولة بالسلطة, واخضاع الاخيرة لشروط الاولى, هو مكسب كبير وكبير جدًا لإدارة الاقتصاد والسياسة بأقل كلفة على كل الصعد, واعطت لهم قدرة على ترتيب مصالحهم وأولوياتهم. كمان تحويل السلطة إلى مؤسسات ايضا تطور كبير. لم يتطرق فكرنا العربي والاسلامي لقضية الدولة وعلاقتها بالسلطة, وكيف يمكن تقليم هذه الاخيرة لمصلحة الدولة, واصحاب النفوذ.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس سياسية وثقافية 183
- هواجس ثقافية وفكرية 182
- هواجس ثقافية ـ 181 ـ
- هواجس ثقافية 180
- هواجس سياسية ـ 179 ـ
- هواجس متنوعة ـ 178 ـ
- هواجس الثقافة ــ 177 ــ
- هواجس ثقافية ـ 176 ـ
- هواجس ثقافية وأدبية 175
- هواجس ثقافية ـ 174 ـ
- هواجس ثقافية ـ 163 ـ
- هواجس فكرية وثقافية وسياسية 162
- هواجس ثقافية 161
- هواجس ثقافية وأدبية ـ 160 ـ
- هواجس أدبية ودينية 159
- هواجس سياسية 158
- هواجس ثقافية وسياسية 167
- هواجس ثقافية وفكرية وسياسية وأدبية ـ 166 ـ
- هواجس ثقافية وفلسفية 165
- هواجس ثقافية وسياسية 164


المزيد.....




- بادعاء التحريض: لائحة اتهام ضدّ خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكر ...
- انقطاع الكهرباء في مصر: -الكنائس والمساجد والمقاهي- ملاذ لطل ...
- الرجل الأسطورة متحدثا عن أغلى أمنياته: -لو عشت مرة أخرى لكنت ...
- الرجل الأسطورة متحدثا عن أغلى أمنياته: -لو عشت مرة أخرى لكنت ...
- جيش الاحتلال يجند 3 آلاف شخص من يهود الحريديم
- تأثر مارتن لوثر بالإسلام.. تمرد على الكنيسة والثالوث ورفض ال ...
- إسرائيل.. أوامر فورية للجيش بتجنيد 3 آلاف شخص من يهود -الحري ...
- كيف ترى الصهيونية الدينية الضفة الغربية والقدس؟
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع حيوي في إيلات ...
- حرب غزة: قرار إلزام اليهود المتشددين بأداء الخدمة العسكرية ي ...


المزيد.....

- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - آرام كربيت - هواجس ثقافية ـ 184 ـ