أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - نبوءةُ الرجل المثقف!














المزيد.....


نبوءةُ الرجل المثقف!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 7989 - 2024 / 5 / 26 - 11:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



(جاء علينا حينٌ من الدهر كانت فيه كلمةُ "مثقف" تعني "صاحب مقام رفيع”. كان احترامُ الثقافة والمثقفين جزءًا لا يتجزأ من قِيم شعبنا وتقاليده الراسخة، بحيث أن عامة الشعب حين كانت تريد أن ترفع من قيمة المتعلم أو المثقف تميزه بكلمة "أفندي" وتُسمّي العامل الكفءَ المثقف "أُسطى" أي "أستاذ”.
وذاك الحينُ من الدهر ظلَّ مستمرًّا طوال حياة الشعب المصري، حين كان المثقف … من: "رفاعة رافع الطهطاوي" إلى "محمد عبده" إلى آخر كوكبة العقول المضيئة التي ظل مجتمعُنا ينظر إليها، مثلما ينظرُ إلى مصادر الضوء تُنير له وجودَه وحياته، ويرفعها إلى مستوى التبجيل العظيم والقيمة الخالدة.
ولم يكن حظُّ المثقفين من خريجي الجامعة المصرية بأقل؛ فقد كانوا علماءَ في تخصصاتهم، وكانوا كذلك من كبار مثقفي عصرهم. والذين يُدهشون كيف كان الجرَّاحُ العظيم "علي باشا إبراهيم" عضوًا مؤسِّسًا ومسؤولًا عن البرامج في "المجلس الأعلى للإذاعة المصرية" عند إنشائها، ربما لا يعرفون شيئًا عن "علي إبراهيم": "المثقف" المُلمّ، العالِم.
ولا أعتقد أن بلدًا من بلاد العالم جُبِل شعبُه على تقديس الثقافة والمثقفين مثل بلادنا. إن المكانةَ التي رُفع إليها "طه حسين"، "العقاد"، "أحمد حسن الزيات"، "المازني"، "محمود عزمي"، "سلامة موسى"، "توفيق الحكيم"، "نجيب محفوظ"، "حسين فوزي"، "لويس عوض"، "أحمد أمين"، "أحمد زكي"، "هيكل"، "مصطفى مشرَّفة"، "زكي نجيب محمود"، (وأضيفُ إليهم "يوسف إدريس")، تُثبت أننا بالسليقة "شعبٌ يُقدِّس المعرفة والثقافة"، شعب في أساسه متحضر وعميق الصلة بالقيم الحضارية العليا.
بل إن الاحترامَ الذي يحظى به «حكماءُ زمانهم» من الفلاحين الأُمِّيين والعمال وسكان النجوع والحارات، احترامٌ لا يمكن للإنسان أن يُخطئه إذا أُتيح له الاحتكاكُ الكافي بالحياة اليومية في أقل مستوياتنا الاقتصادية والمعيشية.
ماذا إذن حدث فقلب أمورَنا رأسًا على عقب، حتى أصبحت كلمة "أفندي" تُقال للسخرية، وكلمة "مثقف" تُذكر من باب التوبيخ و"التريقة"، وكلمة "ثقافة" يتحسَّسُ لدى ذكرها بعضُ المواطنين أنوفَهم وكأنما هي شيء لا يُطاق؟!
ماذا بالضبط حدث؟…. دفعت "ثورة يوليو" ١٩٥٢ إلى الساحة الوجودية جماهيرَ غفيرةً من الطبقة المتوسطة والصغيرة التي كانت تحيا على هامش الحياة، ووفَّرت لها التعليمَ والماء والنور والمستشفيات وفتحت لها أوسع المجالات للكسب، ولكنها أبدًا لم توفِّر لها ما هو في رأيي أهم من هذا كله؛ وهو "الإشعاع الثقافي" الذي يُحيلها إلى كائنات متحضرة منظمة، ويجعلها كلما ارتقت اقتصاديًّا ترتقي سلوكيًّا وتعامليًّا وإنسانيًّا وفكريًّا. إن انعدام المحصول الثقافي للإنسان يجعل الدابّةَ أحسنَ منه. فالإنسانُ مزوَّدٌ بعقل لابدَّ أن يعمل. وإذا لم يعمل في اتجاه صالح، فسوف يعمل في اتجاه خاطئ وربما إجرامي.
إننا ننحدر ثقافيًّا وسلوكيًّا بدرجة خطيرة. والغوغائية، نتيجةً لانعدام الثقافة، تسودُ إلى درجة تُهدد فيها باكتساح وجودنا كله. ومع وجود هذه الكميات المخيفة من البشر في هذا الحيِّز الضيق؛ فإننا ذاهبون إلى كارثة محقَّقة، لا قدر الله، إذا لم نُولِ رفع المستوى الفكري والثقافي للشعب الأهمية القصوى الجدير بها. الثقافةُ أخطر من أن تكون من كماليات الحياة. الحياةُ نفسها هي الوجود المثقف للكائنات.)
***
لعلّك عزيزي القارئ تشعرُ أنك قد قرأت تلك الكلمات من قبل. وصدقَ حدسُك. فهي قطوفٌ من مقال "أهمية أن نتثقف يا ناس"، الذي كتبه المبدعُ الإصلاحي الكبير الدكتور "يوسف إدريس" باكيًا على تدهور حال "الثقافة" في الشارع المصري قبل أربعين عامًا! كتبه بقلمٍ غاضب من عدم توقير المثقفين واحترامهم، على عكس ما دأب عليه الشعبُ المصري طوال تاريخه! وغدا ذاك المقالُ الصارخُ عنوانًا وتصديرًا لكتاب شهير أصدره "يوسف إدريس" عام ١٩٨٤. وما أشبه اليومَ بالبارحة! تحققت نبوءةُ الرجل "المثقف" وصارت "الثقافةُ" اليومَ مدعاةً لسخرية بشر يخطئون في كتابة أسمائهم! شخصٌ يعجزُ عن كتابة جملة واحدة ناجيةً من أخطاء النحو والصرف والإملاء، لكنه قادرٌ، بكل جسارة، على سبّ وتحقير وتجهيل والسخرية من مثقفٍ كبير، أو مفكّر رفيع المقام، أو أديب مرموق يرافقه الإجلالُ والتوقير إينما ارتحلَ وحلّ في محافل العالم! كيف سمحنا بهذا؟! أرفعُ إصبعَ الاتهام في وجه الإعلام المصري الذي لم يوقّر مفكرينا ومثقفينا، واستبدل بهم مَن يساهمون في تفريغ العقل المصري وتكريس هشاشته. ما أحوج "الجمهورية الجديدة" إلى إعادة بناء بيت العقل المصري، لعلّنا ننجو!

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ٦٠ دقيقة… القتلُ مرتين!
- -المتوحّدون”.. النسخة -الأنقَى- من البشر
- -العالِم- … العالِمُ
- قانون -الأخلاق-... عند الجدِّ الصالح
- طيارة ورق … اتركها لفوضاها
- قلقاسٌ أخضرُ … وثلجٌ ناصعُ البياض
- زيارةٌ واحدة … كل شهر!
- إيزيس الحكيم … إيزيس السعداوي
- زهرة -وسيم السيسي- في حديقتي
- هيا نصنعُ الغد … ونكملُ مسيرةَ البناء
- عيد ميلاد -الاتفاقية الأنيقة-… هل ستذكرون -غزّة-؟
- لماذا تلاحقينه يا صغيرة؟! عشان شبه السيسي
- لماذا ... صوتي للرئيس السيسي؟
- أنا لا أنساكِ فلسطينُ
- زيارة أول الشهر
- قديش كان فيه ناس
- له خفقة في كل قلب... PPHH
- عيد ميلاد البابا الوطني
- صوتي للرئيس السيسي
- وجهُ إسرائيل القبيح …. ينكشفُ أمام العالم


المزيد.....




- عصا السنوار وجد روح الروح وفوانيس غزة .. «الشروق» تستعرض أبر ...
- العالم يحتفل بعيد الميلاد ليلة الـ24 من ديسمبر.. هل تعلم أن ...
- “صار عندنا بيبي جميل” بخطوة بسيطة اضبط الآن تردد قناة طيور ا ...
- عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى
- صار عنا بيبي.. أحدث تردد لقناة طيور الجنة على النايل سات وعر ...
- “ماما جابت بيبي حلو صغير“ تردد قناة طيور الجنة على النايل سا ...
- مسيحيو حلب يحتفلون بعيد الميلاد الأول بعد سقوط نظام الأسد وس ...
- فعالية لحركة يهودية متطرفة للتشجيع على الاستيطان في غزة
- تردد قناة طيور الجنة كيدز 2024 نايل سات وعربسات وخطوات ضبط ا ...
- خبيران: -سوريا الجديدة- تواجه تحديات أمنية وسط محاولات لتوظي ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - نبوءةُ الرجل المثقف!