داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 7988 - 2024 / 5 / 25 - 08:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتميزالمجتمع العراقي بتعدد الثقافات والقوميات والأديان والطوائف , والترابط العائلي المتين ، حيث يلعب الأهل والأقارب دوراً مهماً في حياة الفرد , ويعتز العراقيون كثيرا بتاريخهم وتراثهم الغني، الذي يمتد لآلاف السنين, وبتأثير الدين القوى على القيم والسلوكيات . لكن المجتمع العراقي قد عانى من تشوهات كثيرة في قيمه وروحه جراء الحروب والفتن التي شهدها في العقود الأخيرة , حيث بات نشهد ظواهر إجتماعية مستهجنة ومنافية لكل القيم والأخلاق والثوابت الدينية والأعراف المتوارثة عبر الأجيال .
عاش العراقيون ظروف صعبة جدا في عقد التسعينيات من القرن المنصرم , بسبب العزلة الدولية والحصار الظالم الذي فرض عليه دون وجه حق في أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1991 , حيث ذاق العراقيون الأمرين من شظف العيش جراء نقص الغذاء والدواء , وتردي الخدمات الصحية والتعليمية , وهجرة آلاف العراقيين في مشارق الأرض ومغاربها , ناهيك عن تفشي الفساد والرذيلة وتزوير الوثائق والشهادات , بينما كان يعيش رأس النظام الحاكم وعائلته وأخوته ومقربيه في قصورفارهة , لم يشهد لها العراق مثيلا منذ تأسيس دولته الحديثة عام 1921, وتقام أعياد ميلاد الرئيس وبنيه في حفلات صاخبة وبذخ وسط حفلات رقص مبهرة , تنقل وقائعها عبر وسائل الإعلام المختلفة ,دون أية مراعاة لمشاعر الناس الذين يتضورون جوعا , وبات الحاكم يتشبه بالملوك والسلاطين حيث يتوجه إلى هذه الحفلات بعربات مذهبة تجرها خيول مزركشة دون أي إكتراث لمشاعر الناس .
وتقرع أجراس الحرب مرة أخرى في مطلع العام 2003 بعد أخذ ورد بين فرق التفتيش الدولية المكلفة بالبحث عن أسلحة دمار شامل قيل أن العراق لم يعلن عنها حتى ذلك التاريخ , بعد أن وصلت إلى طريق مسدود , حيث لم تعلن تلك الفرق صراحة خلو العراق منها , لتبدأ بعدها صفحة التهديدات الأمريكية بغزو العراق وتدميره وإعادته إلى عصر ما قبل الصناعة , بحجة إمتلاك العراق أسلحة دمار شامل , بناء على معلومات كاذبة زودتها بها بعض أطراف ما يعرف "بالمعارضة العراقية " المرتبطة بوكالة المخابرات ألأمريكية , والتي تتخذ من واشنطن ولندن مقرا لها .
وتتسارع الأحدات لتصبح المطالب الإمريكية, بتنحي رأس النظام وأفراد عائلته عن السلطة ومغادرة العراق, وبخلافه سيتم غزو العراق وإحتلاله وإسقاط النظام برمته . عرضت دولة الإمارات وكذلك جمهورية روسيا الإتحادية خروجا آمنا للرئيس وأفراد عائلته والإستقرار فيهما , وهو ما رفضه الرئيس جملة وتفصيلا, مفضلا خوض غمار الحرب مهما كانت النتائج , وغير مكترث لما سيحل بالعراق من دمار هائل , وكأنه غير مدرك لقدرات كل من العراق والولايات المتحدة الأمريكية . وثمة مسألة مريبة هنا تجدر الإشارة إليها,هي أن البيان الأول الذي صدر عن الرئيس العراقي فور إعلان الرئيس الأمريكي بدء الحرب على العراق , أشار بوضوح إلى "غدر الغادرين " وكأنه يوحي إلى أن هناك ثمة إتفاق أو تفاهم كان قائما بين الطرفين , نقضه الأمريكيون والله أعلم .
كان للغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 واحتلاله الذي تلاه ,تأثيرا كبيرا على المجتمع العراقي، كان صدمة نفسية كبيرة للكثيرين، زادت من حالات القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.كما أدى الغزو إلى إضطراب في مفهوم الهوية الوطنية , نجم عنه تزايدا في الإنقسامات الأثنية والدينية والطائفية , وتفكك النسيج الإجتماعي وزيادة التوترات والفوضى وعدم الإستقرار, وفقدان الشعور بالهوية الوطنية الجامعة الشاملة لجميع العراقيين بمختلف إنتماءاتهم . صفق بعض السذج من العراقيين الذين صدقوا وعود المحتلين الكاذبة بأن عهدا جديدا من الحريات والديمقراطية والرفاهية والعدالة والعيش الكريم سيشهدها العراق . نوجز في أدناه بعض إفرازات هذا الغزو :
1.تدهور البنية التحتية والخدمات مما أثر على الحياة اليومية للعراقيين وزاد من صعوبة الحصول على الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والتعليم والرعاية الصحية .
2.تدهور الاقتصاد وزيادة البطالة والفقر مما كان لها تأثيرات عميقة على الحالة النفسية والاجتماعية للكثير من العراقيين، مما أدى إلى زيادة الاستياء الاجتماعي .
3.تفشي الفساد وانعدام القانون بعد الاحتلال أثر على ثقة الناس في المؤسسات الحكومية وأدى إلى زيادة الشعور بالإحباط وانعدام الأمان , حيث يصنف العراق الآن بين أكثر الدول فسادا في العالم . تتجلى مظاهر الفساد في العراق في عدة أشكال، منها :
شيوع دفع الرشاوى للحصول على خدمات حكومية أو تسهيل الإجراءات.
استغلال المناصب الحكومية لاختلاس الأموال وتوجيهها لمصالح شخصية أو حزبية. تواطؤ بعض المسؤولين مع الشركات والأفراد لتجنب دفع الضرائب.
. توقيع عقود وهمية لمشاريع لا تنفذ فعلياً واختلاس الأموال المخصصة لها
منح عقود حكومية لشركات غير مؤهلة مقابل رشاوى، أو تحديد المناقصات بطريقة تمنح الأفضلية لأشخاص أو شركات معينة .
توظيف أفراد بناءً على العلاقات الشخصية أو العائلية بدلاً من الكفاءة .
دفع رشاوى للحصول على مناصب حكومية أو ترقيات .
التأثير على القضاة والمحامين للحصول على أحكام قضائية غير عادلة من خلال الرشاوى أو الضغوط .
نقص الشفافية في إجراءات المحاكم وعدم محاسبة القضاة والمسؤولين الفاسدين .
سرقة وتهريب النفط الخام وبيعه في السوق السوداء .
توزيع عائدات النفط بشكل غير عادل وغير شفاف، مما يفاقم الفقر ويزيد من الفجوات الاقتصادية .
تدهور جودة الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية بسبب الفساد وسوء الإدارة.
توجيه الأموال المخصصة للخدمات العامة إلى جيوب الفاسدين، مما يؤدي إلى نقص التمويل اللازم لتحسين هذه الخدمات .
اختلاس المساعدات بتحويل المساعدات الدولية والإنسانية الموجهة للنازحين والفقراء لصالح المسؤولين الفاسدين .
توزيع المساعدات بناءً على الولاءات السياسية أو الطائفية بدلاً من الاحتياجات الفعلية .
تواطؤ بعض العناصر الأمنية مع العصابات والمجرمين مقابل رشاوي .
إدراج أسماء وهمية في قوائم القوات الأمنية للحصول على رواتب إضافية .
عدم تنفيذ المشاريع الإنمائية أو تأخيرها بشكل متعمد للحصول على أموال إضافية .
تنفيذ مشاريع بجودة منخفضة بسبب اختلاس الأموال المخصصة وتحويلها لمصالح شخصية .
4.تنامي روح المقاومة لدى بعض العراقيين والرغبة في استعادة السيادة والاستقلال الوطني، مما أثر على توجهاتهم السياسية والاجتماعية , وإندفاع البعض منهم نحو التطرف والإنخراط في صفوف الجماعات الإرهابية التكفيرية الوافدة من خارج العراق , لتشعل حربا طا ئفية ضروس بين العراقيين أنفسهم , بدلا من توجيه حرابها صوب المحتلين , راح ضحيتها آلاف العراقيين في آتونها دون ذنب . كادت تودي هذه الصراعات الطائفية إلى تدمير العراق شعبا ودولة وحضارة .
5.تدمير واسع للبنية التحتية، مما أثر على الحياة اليومية للعراقيين وزاد من صعوبة الحصول على الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والتعليم والرعاية الصحية .
6.أدت الظروف الصعبة إلى هجرة ملايين العراقيين في شتى بقاع الأرض بحثا عن ملاذات آمنة وعيش كريم لهم ولعوائلهم بعد أن ذاقوا شظف العيش في بلادهم ذات الخيرات الكثيرة , ونزح آخرون (ممن لم يسعفهم الحظ للهجرة) إلى محافظات أخرى بعيدة عن دائرة الصراع .
7.تفشي الفساد والمحسوبية في جميع مفاصل الدولة , وتبديد الموارد العامة وتدهور الخدمات الحكومية ,وتورط الأحزاب السياسية في صفقات فساد كبيرة دون حساب ، وانعدام سلطة القانون, أثر على ثقة الناس في المؤسسات الحكومية وأدى إلى زيادة الشعور بالإحباط وانعدام الأمان .
8.تدهور الاقتصاد وزيادة البطالة والفقر كان لها تأثيرات عميقة على الحالة النفسية والاجتماعية للكثير من العراقيين، مما أدى إلى زيادة الاستياء الاجتماعي .
9.عززت الأحزاب السياسية الطائفية والأثنية هيمنتها على المشهد السياسي، الاستقطاب والانقسامات داخل المجتمع , وأدت الصراعات بين هذه الأحزاب الى التوترات الدامية بين فئات المجتمع المختلفة، وتفاقم النزاعات الأهلية , وعدم الاستقرار السياسي، حيث تشهد البلاد أزمات حكومية متكررة وصعوبة تشكيل حكومات مستقرة قادرة على اتخاذ قرارات فعالة وتحقيق تنمية شاملة مستدامة وتوفير فرص عمل لائقة للمواطنين .
10.تغليب المصالح الحزبية والطائفية والأثنية على مصلحة الوطن ,حالت دون تنفيذ مشاريع تنموية شاملة في المجالات المختلفة .
11.تآكل الهوية الوطنية الجامعة الشاملة لجميع العراقيين بمختلف إنتماءاتهم , وتعزيز الهويات الفرعية الطائفية والعرقية , لتعزيز الشعور بالانتماء الطائفي أو العرقي على حساب الانتماء الوطني , مما أسهم بأضعاف الوحدة الوطنية .
12.أدت الانقسامات السياسية والتنافس الحزبي إلى تدهور الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والبنية التحتي .
13.لعبت المرجعيات الدينية دورًا بارزًا وحاسمًا في المجتمع العراقي، حيث أثرت في الكثير من القرارات السياسية لاسيما في الأزمات السياسية , كان أبرزها إقرار الدستور السياسي الذي حدد ملامح الحياة السياسية في العراق ونظامه السياسي في أعقاب غزوه واإحتلاله . حيث يلتزم العديد من القادة السياسيين بنصائح وتوجيهات المرجعيات في أوقات الأزمات السياسية،التي تقوم بدور الوسيط وتقديم النصح والإرشاد لحل النزاعات وتهدئة التوترات, كما تدعوا بعض المرجعيات إلى المشاركة في الانتخابات وتوجيه الناخبين حول المرشحين والسياسات المناسبة .
14.تصاعد دور العشائر وإتساع نفوذها ليس في القرى والأرياف فحسب , بل في عموم مدن العراق بما في ذلك العاصمة بغداد ,وإعتماد أعرافها ونواميسها في حسم الكثير من القضايا والمنازعات ,بدلا من قوانين الدولة ونظمها المدنية .
15.إنحسار دور المثقفين والمفكرين والعلماء والأدباء والمبدعين في المجتمع , حيث لم يعد لهم أي دور يذكر .
تواجه أحزاب السلطة بين الحين والآخر تحديات من الحركات الشبابية والمجتمع المدني التي تطالب بالإصلاح والتغيير في المشهد السياسي ،وتجاوز الانقسامات الطائفية والأثنية والسعي لبناء دولة مدنية ديمقراطية ,على أساس الهوية الوطنية الضامنة لحقوق جميع العراقيين بمختلف إنتماءاتهم ومعتقداتهم, وتشجيع قيم التسامح والتعايش السلمي فيما بينهم, وتعزيز الوعي بالقضايا الوطنية, وبناء جسور التواصل بين الثقافات والأديان المختلفة . لم تنضج هذه الحركات بما يكفي لإدارة الصراع السياسي , حيث أن الكثير منها ما زال يفتقد إلى البرامج السياسية الواضحة التي يمكن أن تفضي إلى إنفراج ملموس في المشهد السياسي العراقي , وتعاني من قلة خبرة قادتها في المعترك السياسي , كما أن البعض منها مخترق من مخابرات دول أجنبية لخلط الأوراق وتوجيهها لتحقيق مصالحها على حساب المصالح العراقية .
تفتقر معظم أحزاب السلطة إلى البنى أوالهياكل الحزبية والتقاليد الحزبية المتعارف عليها في الأحزاب الثورية أو الأحزاب اللبرالية مثل عقد المؤتمرات الحزبية الدورية لرسم السياسات ومراجعة الخطط وإنتخاب القيادات وما إلى ذلك, إذ يغلب عليها طابع الهيمنة العائلية أو نفوذ القائد الديني وقدسيته , ولا تعرف الديمقراطية في نظمها وحياتها الداخلية , وترى في النظام الديمقراطي وسيلة لتسلق سلم السطة لا أكثر ولا أقل .
وخلاصة القول لم يجن العراق من سوء إدارة حكوماته المتعاقبة منذ نظام سقوط نظام حكمه الملكي , سوى المزيد من الحروب والصراعات والفتن وسفك الدماء والفقر والتهجير وفقدان الأمن والآمان , ما أن يخرج من محنة حتى يقع في محنة ألعن منها . نسأل الله في علاه الهداية والبصيرة للعراقيين لتدارك ما آلت إليه أحوال بلدهم الزاخر بالموارد والخير العميم , والكف عن نبش الماضي وإثارة الكراهية والأحقاد التي لا تفيد ايا منهم , وتوجيه قدراتهم لبناء عراق آمن ومستقر بعيش فيه الجميع بأمن وآمان . وعفا الله عما سلف .
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟