|
نعمة التنوير و نغمة التدوير
محمد الأمين يوسف
كاتب و باحث و ناشط في المجتمع المدني و الشؤون السياسية
(Mohamed Lemine Youssouf)
الحوار المتمدن-العدد: 7985 - 2024 / 5 / 22 - 09:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن التنوير نعمة عظيمة من النِعم الدنيوية التي منّها الله على عباده أجمعين و كان عصر التنوير من أهم العصور التي عرفتها الشعوب الغربية و الأوروبية من يقظة و فطنة إذ ساهم في تطوير و تغيير نمط الحياة لدى كل فرد يؤمن بالفردانية. ظهرت حركة التنوير فكرة سياسية و أيديولوجية في القرن الثامن عشر و قد أحدث أنصار الحركة ثورة قوية ضد كل القيم و التقاليد الاجتماعية و الدينية (المسيحية) و الأفكار السياسية المتطرفة و من ثمة تبلورت الفكرة و تطورت شيئا فشيئا حتى شملت المنطق، حيث كان المنطق من أشهر الشعارات التي رفعت في عصر التنوير باعتباره الوسيلة الوحيدة التي تمكن الإنسان من إدراك الحقائق و الموجودات و التحرر من التبعية العمياء لفهم الدين فهما عميقا. لأن الدين في تلك الفترة شهد الكثير من التحريف و التطرف على يد مجموعة من رجال الدين و القسيسين، كوسيلة لإرهاب الشعب و التحايل عليه خصوصا ما تقوم به الكنيسة من جرائم و أحكام جائرة ضد الشعب و أكلها لأموال الناس بالباطل و استعبادها للبشر باسم الدين و المسيح، الكنيسة كانت عائقا حقيقيا أمام التطور الفكري و الابتكار العلمي و العلماء و المفكرين أجمعين، الذين جلبوا النور للعالم بأكمله بأبحاثهم النيرة و تجاربهم العلمية و لذلك وجب الخروج عن المألوف للبحث عن الحقيقة اعتمادا على الشك و المنطق للوصول إلى الحقيقة و اليقين. إذن ما هو التنوير؟ و ما علاقته بالعلمانية؟ هل هو نعمة أم نغمة؟
التنوير حركة فكرية ظهرت في القرن الثامن عشر و قد ظهر بين حقبتي "الثورة المجيدة" سنة 1688 و الثورة الفرنسية 1789. و من أبرز مفكري عصر التنوير هم: فولتير و مونتسكويه و دنيس ديدرو و جان جاك روسو بالإضافة إلى دافيد هيوم و آدم سميث و المفكر الانجليزي جرمي بنتهام و الفيلسوف الألماني امانويل كانط و الأمريكي توماس جفرسون. و قد ألفوا كتبا و نظريات و تجارب رافضين كل القيم و التقاليد الاجتماعية و الدينية و الأفكار السياسية المبنية على أساس ديني لا دنيوي. و كانوا ينظّرون و يسوقون لعدة أفكار من بينها المنطق معتبرين أن الفكر و المنطق يخلصان الإنسان من الخرافات و يمكناه من اكتشاف الحقائق حول العالم و الدين و السياسة ، اعتبارا أن السياسة تقوم بتحسين ظروف الكائن البشري و أن كل شيء قابل للشك و يخضع للكشف و التحليل العقلاني و ذلك يمكّن الأفراد من تحرير أنفسهم بأنفسهم من القيود و الأغلال الدينية على حسب تعبيرهم. لقد تزامن عصر التنوير مع العلمانية و يتقاطعون في عدة محاور و نقاط من أبرزها فصل الدين عن السلطة و لكن التنويريين أخذوا الفرد أو الفردانية كموضوع للإنسان فهم يناشدون قوة العقل و قدراته على فهم العالم و التحرر من القيود الدينية للوصول إلى أعلى و أرقى مرتبة من الوعي و الإنتاج الفكري و المعرفة العلمية. على الرغم من تجليات و إيجابيات التنوير على المجتمع بشكل عام من تنوير للأفكار و العقول إلا أن إعادة تدويره في المجتمعات الإسلامية يشكل تحد كبير في إطار التطرف و الانحراف عن العقيدة السليمة و الإلحاد و من تدمير لعقول الشباب و تخريب لأفكار المجتمع و تضليله عن السبيل. إن تدوير الأفكار و وضعها في إطار لا يتلاءم مع قيم و عقائد و أخلاق مجتمع مسلم و إسلامي يشكل خطر كبير في صفوف الشباب حيث انتشرت هذه الآفة منذ بضع سنين على شكل حركات و تنظيمات شديدة الانحراف و التطرف تدعو إلى إعادة سياق المجتمع و إدارته إدارة ذاتية بحتة دون الاستعانة بالجانب العقائدي الديني باعتباره يقيد و يكبل الفكر بأغلال تمنع العقل البشري من فهم العالم فهما سليما. و من هنا نرى أن التنويريين قد بالغوا كثيرا في التفكير حتى أصبحوا يشككون في أصل كل موجود و القدرة الإلهية و هذا ما يأخذ عليهم ،فمنهم من يريد تقليب و تدليس المقدسات الدينية الإسلامية تحت ستار فهم الدين بصورة جديدة تتناسب مع متطلبات العصر الحديث و كانوا يحملون شعارات و مفاهيم تضليلية كحرية الفكر و العقيدة و قبول الآخر و السلام ...إلخ بيد أن كل هذه الشعارات شعارات زائفة إنما الهدف منها هو تضليل المسلم عن دينه و التشويش على عقيدته. أليس اعترافات المفكر و الفيلسوف الكبير الألماني أمانويل كانط في عدم قدرة العقل البشري على معرفة كل الكائنات عبرة يعتبر بها حين نادى أن للعقل البشري حدود و أن ثمة أشياء لا يمكنه معرفته معرفة مطلقة كالكون و الإله...؟!
#محمد_الأمين_يوسف (هاشتاغ)
Mohamed_Lemine_Youssouf#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماهو الحكم السياسي الذي يناسب الطبيعة البشرية ؟
المزيد.....
-
هآرتس: إيهود باراك مؤسس الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب
-
الاحتلال يسلم عددا من الاسرى المحررين قرارات بالابعاد عن الم
...
-
هآرتس: الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب أسسها إيهود باراك
-
السويد ترحل رجل دين ايراني دون تقديم توضيحات
-
10 أشخاص من الطائفة العلوية ضحايا مجزرة ارهابية وسط سوريا
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا
...
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|