|
تكوين، تنوير.. أم إعتام
جمال الهنداوي
الحوار المتمدن-العدد: 7984 - 2024 / 5 / 21 - 00:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إنَّ بعض الظن إثم..أي ليس كله، وهذا الهامش الذي يوفر لنا إمكانية أن يؤخذ كلامنا على محمل الظن الحسن هو ما يجعلنا نحاول أن نلج في خضم كل ذلك التراشق المسرف للاتهامات الذي رافق إعلان "مؤسسة تكوين الفكر العربي" عن انطلاقها بمجلس أمناء يضم عدداً من الشخصيات الفكرية والكتاب، وقد يكون تحرجنا في الخوض في هذا الموضوع هو ضخامة الاتهامات التي تملأ الفضاء الافتراضي والتي تتأرجح في بون شاسع من الاختلاف ما بين الدمغ بالأصولية والرجعية والانغلاق من جهة والرمي بالدعوة الصريحة للإلحاد والكفر البواح من جهة أخرى.. ولكن نفس هذا الظن، ولكن في شقه الآثم هذه المرة ، هو ما يدفعنا للتطير – بعض الشيء- من مصطلح " التنوير" الذي تردد كثيراً لتبرير نشاط هذه المؤسسة، خاصة مع تجاربنا المريرة مع المشاريع التنويرية والحداثوية مفرطة التمويل، والمحمية بمظلة إعلامية وسياسية رسمية من دول تتحسس مسدسها كلما ذكر مصطلح التنوير أمامها.. فالمؤسسة التي أعلن في القاهرة انطلاق أعمال مؤتمرها السنوي الأول " تحت عنوان "خمسون عاماً على رحيل طه حسين: أين نحن من التجديد اليوم؟".تعرف نفسها على أنها تهدف " إلى وضع الثقافة والفكر العربي في أطر جديدة أكثر حيوية وتواصلاً وشموليةً مع المجتمع العربي، ومد جسور التعاون مع الثقافات المختلفة في عالمنا المعاصر بهدف تمهيد السبيل نحو فكر عربي مستنير يقوم على قاعدة فكرية رصينة ومتزنة، وتؤسس جسوراً من التواصل بين الثقافة والفكر الديني، للوصول إلى صيغة جديدة في النظر"..وهو أمر جميل بالتأكيد، ولكن على الرغم من ذلك ومع الوجاهة المفترضة للمعطيات التي يقدمها مجلس أمناء المؤسسة، والذي يضم شخصيات فاعلة على القنوات الفضائية ووسائل التواصل الحديثة مثل إبراهيم عيسى ويوسف زيدان، وإسلام بحيري، وألفت يوسف، ونايلة أبي نادر، وفراس سواح.. إلا اننا لم نعهد أن تكون الحركات التنويرية بهذه الأناقة المترفة من قبل، أو أن يعلن عن انطلاقها باحتفال باذخ في إحدى القاعات الكبرى. كما أنَّ حصر التنويرفي " تمهيد السبيل نحو فكر عربي مستنير" لغرض الوصول " صيغة جديدة في النظر" يتغافل عن كونه ليس مجرد حركة فكرية فلسفية تحسم متبنياتها عن طريق النقاش والحوارات في المنتديات الثقافية، وإنما هو كذلك اتجاه سياسي اجتماعي ينطوي على قيم وأخلاقيات وسلوك وأنماط حياة وأساليب في الحكم. وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول المرجو من حركة تنويرية تمول من كيانات عائلية مغلقة تستمد شرعيتها من مقولات وطبقات متناسلة من المتفقهين فضلاً عن ارتباطات تخادمية مريبة . والسؤال الأهم هو ما أولوية تأسيس " جسور من التواصل بين الثقافة والفكر الديني" في ظل التناقضات السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي تعصف بدول المنطقة ، وخاصة دولة المقر للمركز العتيد، اللهم إلا أن كان الهدف تخليق ثنائية تضادية مستحدثة، - على أنقاض الثنائية الطائفية التي استحدثت أيضاً من نفس الدوائر الراعية - تستهدف انشاء صراع جديد داخل المجتمعات الاسلامية لصرف النظر عن تضاديات العدل والاستبداد، أو الفقر والتنمية، أو التجهيل والتعليم، والأهم .. تضاديات الحرية وحقوق الانسان والتداولية مقابل الاستئثار والانغلاق والجور. ونحن هنا وانْ كنا نتفق مع خطاب المؤسسة في ضرورة "إعادة النظر في الثغرات التي حالت دون تحقيق المشروع النهضوي الذي انطلق منذ قرنين" ولكن اختزال التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها دول المنطقة في حيز المتبنيات العقائدية يحمل في طياته الكثير من الشبهات التي تشير بوضوح إلى وجود أصابع خارجية تحاول تصنيع واقع يستثمر المأزق المفصلي الذي نمر به لتمرير مخططات قد لا تتطابق مع اهداف وتطلعات الجماهير في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كما أن تغييب العقد المشاكل الحقيقية ونفيها من خارطة التدافع الاجتماعي وتلخيص التدافع المجتمعي بالانتماءات المعتقدية والمذهبية قد يكون فيه جانب كبير من الخبث الإعلامي الذي يخدم توجهات القوى التي تتشبث بالشعارات الدينية والطائفية كوسيلة للوصول والتأبد على سدة الحكم واستثمار كلام الخالق لتركيع المخلوق وسلب إرادته وخياراته السياسية الحرة.. نؤمن أنَّ المشروع بقضه وقضيضه ليس أكثر من حملة من حملات العلاقات العامة التي تنثرها الدولة الممولة هنا وهناك، وقد يكون الهدف المعلن في " مد جسور التعاون مع الثقافات المختلفة في عالمنا المعاصر" هو فصل الخطاب في هذا الجهد، ولن يكون من الصعب التكهن بـ" الثقافة " المستهدفة بالتواصل، ولكن الحس السليم يقول إنَّ ما يصح على حقل الإعلانات التجارية لا يستوي مع حسابات البيدر السياسي خصوصاً في هذه الأزمات التي تستهدف اللحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي وفي أكثر المناطق رخاوة منه. أكثر ما نخشاه أن يكون هذا التوجه الجديد – الأقرب إلى الطيش- فقرة متجددة في المحاولات الحثيثة لبعض دول الإقليم في عملية جر شعوب المنطقة إلى أتون التقاطعات الطائفية المهلكة..وبتبسط وتهاون قد لا يتلاءم مع خطورة المنتظر من هكذا تفلتات ، خاصة مع التجربة المأساوية المنقولة فضائيا للنتائج الكارثية على الأرض لأيام الفتنة التي تم استنباتها في شوارع وأرصفة وأسواق العراق، والتي لم تكن إلا بسبب إعلاء القيم الطائفية وتقديمها كقيمة أولية مهيمنة على جميع المشتركات التي كان من الممكن أن تكون وسيلة صالحة لإشاعة روح الالفة والتسامح بين أبناء الشعب الواحد.. والخطر كل الخطر أن تستنسخ هذه السياسات المدمرة في أماكن أخرى من بلداننا ليست بقوة وتماسك ورسوخ النسيج المجتمعي العراقي ، تحت عنوان " التنوير" الإبراهيمي هذه المرة..
#جمال_الهنداوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التكفير كثقافة استئصالية
-
مطر وسماء صافية
-
-سفرة- تونس
-
دراما.. في رمضان
-
(بسطية)..لوغوس هوب
-
المثقف الطائفي
-
مقعد في مهرجان
-
ثقافة الكوارث
-
جائزة للإبداع.. وللمبدعين
-
فلسطين 1- إسرائيل صفر
-
السلطان أردوغان
-
غزة..تذبح على الهواء
-
الامارات.. واللعب بنار- ايفر غرين-
-
اعلام حسب التساهيل
-
ثقافة للنسيان
-
حديث القنصلية
-
راس العتيبي مقابل راس بن سلمان
-
جدار لصورة الشهيد
-
اعتذار البياتي..هل يكفي ؟؟
-
الحرية لباسم خزعل خشان..
المزيد.....
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
-
مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس..
...
-
ابو عبيدة: قررت القسام الافراج غدا عن الاسرى اربيل يهود وبير
...
-
المجلس المركزي لليهود في ألمانيا يوجه رسالة تحذير إلى 103 من
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|