أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في تفنيد مركزية سورية ناشئة















المزيد.....

في تفنيد مركزية سورية ناشئة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 7979 - 2024 / 5 / 16 - 22:16
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


تظهر في بضع السنوات الأخيرة نزعة نفسية سياسية منفعلة بين العديد من السوريين الرافضين للنظام، تُحكِّم ما يبدو أنه الموقف من القضية السورية في كل شأن آخر، فتمارس ضربا من "الولاء والبراء" على هذا الأساس، وتعادي من لا يوافق انفعالها وتوالي من تجده أقرب في لحظة معينة. قد يبدو وجيهاً أن يعتبر المرء قضية وطنه هي المعيار في الحكم على أي قوى أخرى، لولا أن التنويعة الأعلى صوتاً من هذه المركزية السورية تعرض بثبات تقليصاً مفرطاً للقضية السورية ذاتها إلى ثأر ضد داعمي النظام، إيران وأدواتها بصورة خاصة، على نحو يضحي بالأبعاد الفكرية والقيمية والسياسية المفترضة للقضية، ما يتصل بالديمقراطية والمساواة والحريات العامة والشخصية والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن استقلال البلد ووحدته كإطار لوطنية قائمة على المواطنة والحقوق المتساوية. وفي هذا ما يرد المركزية السورية إلى ما دون الفكر والسياسة، إلى الغضب والثأر والكره والعدائية، وإلى الهوى والانفعال الخام. ويغلب لهذا الانفعال أن يجد ركائزه في أطر اجتماعية دون وطنية مثل العشيرة والطائفة والمحلة، وليس بحال في وطنية جامعة. وهكذا فليست القضية السورية هي وحدها ما تُهدر عبر التخلي عن أبعادها القيمية العامة، بل إن الفكرة السورية ذاتها تضيع لحساب ما هي روابط أضيق، يمتنع أن تكون أطراً للترقي الفكري والسياسي والأخلاقي. سورية تحضر في إطار هذا الضرب من المركزية السورية كدعامة بلا ذاكرة وبلا تاريخ وبلا بنية لمشاعر عدائية، موجهة ضد أعداء جرى اختيارهم انتقائياً وفق ما يتوافق مع العشيرة والطائفة والمحلة. وهذا مع الاقتصار فوق ذلك على الشريحة القصيرة من الزمن، الراهن أو الأخير منه، بضع السنوات الماضية، ما يهدر المقوم التاريخي للكيان السوري نشوءاً وتطوراً وذاكرة وروابطَ، ومستقبلاً محتملاً.
وبهذا التكوين يحدث أن تزج هذه المركزية السورية الفقيرة ضد مركزية القضية الفلسطينية، فتفاقم من عوزها القيمي والثقافي. ليست المركزية الفلسطينية شيئاً عظيماً، لكنها نشأت في سياق تاريخي مختلف، وتزودت بأبعاد قيمية وثقافية تحررية، وتشابكت مع قضايا تحرر عالمية كثيرة، مجهولة من قبل المركزيين السوريين الناشئين، أو منبوذة منهم بطيش. نقد المركزية الفلسطينية ضروري، ومثلها كل نزعة مركزية في واقع الأمر، وبخاصة ما قد يرتبط بالمركزية من جعل القضية المعنية معياراً كلياً للصواب، مما هو "ضيق العين" وطارد للغير. إلا أن هناك نقد للمركزية من مواقع تحررية تدفع باتجاه انفتاح أكبر ومساواة أكبر وحرية أكبر، وتدافع فيما يخص فلسطين عن محتواها كقضية تحرر وعدالة ومساواة وتنحاز لكفاح الفلسطينيين المستحيل من موقع الأخوة والشراكة، وهناك هوج أجوف وسفيه، لا يرضيه أقل من موافقة هواه في كل شأن. ليس هناك خطأ في إدانة مساندين للكفاح الفلسطيني في الغرب ممن يدعمون الحكم الأسدي وحماته في سورية (يرفعون علم حزب الله مثلاً)، لكن هذا شيء ونبذ القضية الفلسطينية ذاتها من أجلهم شيء آخر، قصير النظر وانعزالي. إن كان لنا أن نتقدم في بناء قضية سورية بعد أن خسرنا الثورة، فهذا يوجب مقاطعة جذرية لهذا الضرب الغث من المركزية السورية.
ليست المركزية السوريين مركزية السوريين الفعليين في تصور سورية، بل هي اختزال لا يختلف في شيء عن اختزال البلد إلى "سورية الأسد". ولم تنشأ المركزية السورية عن الثورة السورية كجهد لاستعادة ملكية البلد، بل عن فشل التحول نحو سورية جديدة، سورية مواطنين، وبالتحديد عن حماية الحكم الأسدي القديم من السقوط على يد إيران وأذرعها الميليشياوية الطائفية، ثم روسيا، ثم عن ضروب المعاناة الهائلة التي عرضت لما لا يحصى من السوريين خلال أكثر من ثلاثة عشر عاما إلى اليوم، وما يبدو من ضمان إفلات كبار القتلة من العقاب. انفعالنا مشروع ومفهوم، فما وقع لنا مهول وغير عادل، ويبدو اليوم مفتوحاً على المزيد من المعاناة فقط؛ ما ليس مشروعاً ولا مفهوماً أن يجري تحكيم هذا الانفعال السلبي الكاره في تقييم كل شيء في العالم، وألا نحاول الخروج من دائرة الانفعالات والمشاعر المحمومة إلى آفاق من المعاني والأفكار والقيم التي تستحقها معاناتنا الرهيبة. هذا فشل للفكر والثقافة أخطر على سورية والقضية السورية من الهزيمة السياسية ذاتها. ويبدو أن نزعة مركزية تعقب كارثة عامة تجنح لأن تكون انعزالية وعدائية، خلافاً لنزعة مركزية تأتي في طور صعود، فتختزن من مسارها الصاعد روح تفاؤل وثقة وإقبال على العالم. هناك فرق مثلاً بين المركزية الأوربية والمركزية الإسلامية هو الفرق بين التقدم والتعثر، بين الثقة بالنفس وبين الانكفاء والدفاعية، بين الرسوخ في الراهن وبين الماضوية.
لكن المركزيات بكل أنواعها، من المركزية الأوربية والأميركية، إلى المركزية العربية والإسلامية، إلى المركزية الفلسطينية واللبنانية والمصرية، إلى مركزيتنا السورية الرثة، جديرة بالنقد والتفكيك، لنرجسيتها وتكوينها التمييزي التراتبي وتضييقها للعالم. ليس هناك ما هو تحرري في المركزيات جميعاً، لا المنتصرة منها ولا المهزومة، لا تلك التي تخص الضحايا ولا تلك التي تخص الفاتحين القادرين. ولذلك لا يصلح الاستناد إلى المركزية العربية مثلاً لنقد المركزية السورية، لأنهما شريكتان في الانغلاق والإقصاء معاً، هذا فوق أن المركزية العربية لم تجد يوما ما تقوله في شأن اختزال سورية إلى قاعدة للحكم الأسدي، أي في مركزية عائلية أوقفت سورية طوال أكثر من نصف قرن على قدم واحدة. القومية العربية، وهي التعبير الإيديولوجي عن المركزية العربية، افتقرت ثقافياً بمثل هذا السكوت، وتهافتت قيمياً وفشلت سياسياً.
ومثلما ليس لنقد المركزية السورية أن يجامل مركزية فلسطينية، بخاصة ذات التوجه الممانع، فإنه ليس في نقد المركزية السورية ما يتعارض مع الانحياز لتصور وطنية سورية ديمقراطية واستيعابية هي ما يفترض المرء أن بناء القضية السورية يتطلع إلى تحقيقه، وما يتوافق مع شد سوريين مختلفي الجذور إلى متحد سوري جامع. بل إن هناك ضرباً واحداً من مركزية سورية (أو مصرية أو فلسطينية أو لبنانية...) معافاة، هي المتوجهة نحو بناء هذا المركز الجامع، القوام السوري (أو المصري أو الفلسطينية أو اللبناني...) الذي لا يزال أقبل للحياة من بدائله المتداولة. هذا يوجب نقلة في التفكير من مركزية سورية منفعلة، ملتصقة باللحظة الراهنة، العنيفة والمتعفنة في آن، إلى نقاش ضروري حول كيان سورية ومعناه. فجملة الأفكار والمبادرات والروابط التي يمكن أن يطورها سوريون في إطار تفاعلهم مع الشرط الكارثي الراهن لوطنهم، والعمل على تجاوز عادل له، هي ما يمكن أن تكون الشكل الفاعل من مركزية سورية "دستورية"، إذا جاز التعبير، تجمع بين استقلال ووحدة سوريين منفتحين على تعدهما الداخلي وبين الارتباط بمحيط وصراعات لا مجال للنأي عنها.
ليس هذا هو الأفق الذي ينفتح عليه الضرب العصبي الرائج في بضع السنوات الأخيرة، بل هو الأفق الذي يتيح نقد هذا الضرب، والدفاع في الوقت نفسه عن وطنية سورية استيعابية داخلياً وغير منقطعة عن قضايا التحرر والعدالة في مجالنا وفي العالم. سورية لا معنى لها غير أن تكون قضية من هذه القضايا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرق الأوسط، حيث لا مساواة ولا حرية ولا أمن
- في الكوارث ونمط التغير الكوارثي
- حوار مع -المفكرة القانونية- حول سورية وغزة وألمانيا والعالم
- في أربعين هبة حاج عارف: أن لا ننسى
- عن آرون بوشنل والضمائر والمبادئ
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
- -عرب ويهود- و-سقوط الجولان-: عن كتابين من ماض يمضي ولا يمضي
- ماذا بشأننا؟ لماذا ليس بيننا عادلون عاقلون؟
- غزة وعالم الامتيازات والحل الفاشي
- الطائفية والديني السياسي
- ما يقع هو المستحيل، ماذا حدث للممكن؟
- في شأن مفهوم الجينوسايد ومشكلاته
- اشتراكية: تمرين في الخيال السياسي
- تاريخ: مفاصل زمنية وسجلّات ثقافية وسياسية
- في وداع رياض الترك
- سورية وفلسطين وما وراء نموذج الإبادة السياسية
- عودة إلى السجن
- ما يحدث في غزة يحدث في العالم
- عشر سنوات… القصة من جديد
- حقوق الإنسان، الحق في الحقوق، وسورية


المزيد.....




- -جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال ...
- مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش ...
- ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف ...
- ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
- حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر ...
- البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
- -أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك ...
- ملكة و-زير رجال-!


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في تفنيد مركزية سورية ناشئة