|
دين ابن أبي كبشة (1)
إلياس شتواني
باحث وشاعر
الحوار المتمدن-العدد: 7979 - 2024 / 5 / 16 - 22:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من البديهيات المتفق عليها أن الدين الكبشي هو عبارة عن نسخة ثالثة معدّلة (نوعا ما) من العقيدة الابراهيمية المبنية أساسا على شخصية النبي ابراهيم الأسطورية التي كان مولدها، على حسب العهد القديم، بمدينة أور السومرية. غرضنا في هذا المبحث ليس دراسة شخصية هذا النبي الغامضة والمفتقدة لكلّ المعايير التاريخية والأركيولوجية، ولا حتّى دراسة النصوص الابراهيمية التي سبقت الدين الكبشي، ولكن، بشكل مركّز، محاولة فهم موضوعية لفرضية الدين الكبشي، والتي يمكن صياغتها مبسوطة على النحو التالي: يوجد اله سرمدي (أزلي) نوراني (اسمه الله) في السماء السابعة يجلس على عرش موجود على الماء. كان هذا الكائن، الذي ليس كمثله شيء، موجودا قبل كل موجود؛ فقرّر خلق العرش، القلم، الملائكة، الجنة والنار، الكون بكواكبه ومجرّاته، ثم كتب، قبل خمسين ألف سنة من خلقه للانسان، في اللوح المحفوظ تفاصيل حياة هذا الأخير؛ أشقي هو أم سعيد؛ أمهدي هو أم كفور؛ وباقي جوانب حياته الدنيوية. خلق هذا الاله الانسان، ذلك الكائن الضعيف، الظلوم، والجهول كما يصفه القرآن، من صلصال كالفخار، ونفخ فيه من روحه الالهية وأسكنه الأرض حتّى يوم محدّد، هو يوم القيامة؛ يوم يقوم فيه كلّ الموتى (كلّهم من بدء الخليقة!) من أجداثهم ينسلون الى يوم الحساب؛ يوم الثواب والعقاب. ارتأى هذا الاله الحكيم ارسال الأنبياء والرسل البشر لنشر أفكاره وتأكيد وحدانيته على أنه الرب المعبود الحق. كان محمد، كما تخبرنا السردية الاسلامية، آخر الرسل وخاتم الأنبياء المرسلين الى البشرية جمعاء.
ما يميّز الدين الكبشي هو كونه دينا يدّعي صفتي الكمال والشمولية، حيث علّم أتباعه، كما يقول سلمان الفارسي في الحديث الصحيح، حتّى الخراءة. الدين الكبشي، من بين عناصر عديدة، دين عقيدة وفقه وتفسير. فالمفترض من المؤمن بالاله القرآني (المؤمن بكلّ صفات الله وأسمائه وقدره، والذي لا يخوض فيهم) الايمان، اقترانا، برسوله العربي محمد (ابن أبي كبشة)، والايمان باجماع علماء الأمة واختلافات مذاهبها، والايمان أيضا بتفاسير كلام الله الأزلي (المحكم منه والمتشابه والمنسوخ) التي تختلف بشكل صارخ من صحابي، ومن تابعي الى آخر.
تبدأ قصة ابن أبي كبشة في مدينة صحراويّة بدويّة تسمى مكّة. شهدت هذه المدينة الوثنية (مع أقليّات يهودية ومسيحية وأحناف موحدون) والمنعزلة عن باقي الأقطار المتحضرة ميلاد محمد، وعرفت أيضا، كما تؤكد كتب السيّر والتاريخ الاسلامية، ميلاد عقيدته التبشيرية. كان محمد قبل ادّعائه النبوة، بشهادة القرآن والأحاديث، انسانا ضالا، أميّا، بسيطا، وفقيرا. يعتبر زواجه بخديجة بنت خويلد أعظم انجاز له في مرحلة شبابه التي، للأسف، لا نعلم عنها الا الشيء النزر. كان محمد في الخامسة والعشرين من عمره عندما تزوج بخديجة (أو زُوج!)، وكانت هي، على القول الأرجح، أرملة في الأربعين من عمرها. انتشلت خديجة، المرأة الثرية وسيدة قبيلتها، محمدا من حياة رعاية الغنم، الحاجة، والفاقة المدقعة، وجعلت منه انسانا مسؤولا عن أموالها وأمينا على تجارتها. هذا، على الأرجح، راجع لما كان يعرف عن ابن أبي كبشة من حسن الخلق، الأمانة، البساطة، والسذاجة.
حقيقة الأمر تدعونا الى افتراض مفاده أن ابن أبي كبشة كان يعاني من مرض الصرع. وهذا ما نقرأه بوضوح في السيرة الحلبية، حيث يخبرنا برهان الدين الحلبي أن محمدا كان يصيبه في مكّة قبل البعثة حالة من الاغماء بعد حصول الرعدة، حيث يتربد وجهه ويغط في النوم كغطيط البكر. كان محمد يتوارى من العرب ويلجأ، متزودا بزاد خديجة، الى غار حراء حيث الوحدة والسكون. زادت حدّة مرضه مع مرور الوقت ومع انطوائيته وبعده عن الناس. في يوم من الأيام، وبينما هو جالس في الغراء وحيدا، طريدا، يتوارى من القوم والناس، يكابد الصرع والأجراس، رأى ابن أبي كبشة ملاكا طائرا. لقد كان هذا الملاك مرسلا من عند الله. دار حوار سريالي غريب بين الطرفين، حيث يطلب جبريل، الملاك (العبراني) المكلّف بالوحي، من محمد أن يقرأ. لا نعلم بالضبط ماذا أراد جبريل من محمد أن يقرأ في الغار، خاصة وأن محمدا كان أميّا لا يدري ما القراءة ولا الكتابة.
عاد محمد الى خديجة مهرعا وفي حالة قصوى من الرعب والرجفة. أخذته زوجته الى ابن عمّ لها يسمى ورقة ابن نوفل. كان ورقة هذا رجلا متنصرا في الجاهلية، وكان أيضا، كما يخبرنا البخاري في صحيحه، يكتب الانجيل بالعبراني وبالعربي ما شاء الله أن يكتب. سرد محمد على أسماعه ما حدث له في غار حراء، وكيف أخذه الملاك ثم غطّه ثلاث مرات حتى بلغ منه الجهد. استنتج ورقة (وليس محمد!) أن بوادر هذه الأحداث تشير حتما الى الناموس الذي أنزل على موسى؛ أي أن ورقة أخبره أنه نبيّ مرسل من عند الله. ثم لم ينشب ورقه أن توفي وفتر الوحي فترة من الزمن حتى حزن محمد حزنا شديدا غدا منه مراراً كي يتردّى من رؤس شواهق الجبال محاولا أن ينتحر.
كانت هذه قصة بداية الوحي الاسلامية باختصار شديد.
#إلياس_شتواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما يتوقّف الوجود..
-
قصيدة الربيع..
-
المُغتمّ السعيد..
-
أوهام أم أحلام؟
-
سيجارة الشيماء..
-
العصفور..
-
في ذاكرتي..
-
الحب أفضل من الاله..
-
فلتسرع..
-
هل كان عبد الله بن عباس وأبو هريرة تلاميذا لكعب الأحبار؟
-
ابن أبي كبشة (3)
-
أسئلة..
-
أُعبد فورتونا..
-
سأكتب..
-
أغوار نفسي
-
حوار لطيف بين الشاعر والواقعي الداعر..
-
عندما
-
عارنا..
-
الحياة عاهرة لعينة..
-
ابن أبي كبشة (2)
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل وفدا قياديا لحركة حماس
-
تردد قناة طيور الجنة Toyor Aljanah الجديد على القمر الصناعي
...
-
وزير الخارجية يبعث برسالة شكر إلى قائد الثورة الإسلامية
-
منظمات يهودية تنتقد استخدام ترامب للمهاجرين والمتحولين جنسيا
...
-
سلي أطفالك.. طريقة تثبيت تردد قناة طيور الجنة الجديد على الق
...
-
الأمير رحيم آغا خان: ماذا نعرف عن الطائفة الإسماعيلية وقائده
...
-
الإعلان عن موعد دفن آغا خان الطائفة الإسماعيلية في مصر
-
ترامب: -علينا العودة إلى الله والدين.. وسنلاحق العنف والتخري
...
-
شاهد بالصور.. احتفال بذكرى انتصار الثورة الإسلامية في الإمار
...
-
عراقجي يتباحث هاتفيا مع نظيره بالفاتيكان حول اخر التطورات ال
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|