|
بعد 15عاما: الخاسرون والرابحون من انهيار الاتحاد السوفياتي
فالح الحمراني
الحوار المتمدن-العدد: 1760 - 2006 / 12 / 10 - 09:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
جرى قبل 15 عاما في 8 كانون الاول ( ديسمبر) في مزرعة الصيد التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي "فيسكولي" في بيلاروسيا توقيع رؤساء روسيا وبيلاروسيا واوكرنيا ( السوفياتية حينها) وبعجلة على اتفاقية "بيلوفيجيسكايا بوشا" التي اعلنت انهيار الاتحاد السوفياتي. وحينها لم يستوعب ولم يلاحظ المواطنون السوفيات الذين كانوا يقفون في الطوابير الطويلة يعتريهم القلق من اطلاق الاسعار في 1 كانون الثاني ( ديسمبر) ،الحدث الكبير. ولم تشهد شوارع موسكو غير تظاهرة صغيرة للحزب الديمقراطي الذي تزعمه نيقولاي ترافكين دفاعا عن الاتحاد السوفياتي.وتستعيد روسيا اليوم بمشاعر متباينة ذكرى مرور 15 عاما على انهيار الاتحاد السوفيتي. البعض ينظر بالم وحسرة لغروب الامبراطورية السوفياتية ويشعر بالحنين لها خاصة من ابناء الجيل القديم والشرائح الفقيرة في المجتمع، واخرون يعدونه حدثا تاريخيار كبير وانعطافا حادا نحو ولادة جديدة لروسيا الديمقراطية والحرة .ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انهيار الاتحاد السوفياتي بأنه "اعظم كارثة جيوبوليكية للقرن العشرين." وقال بوتين "إن إنهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991 يشكّل "دراما حقيقية" تركت عشرات الملايين من الروس خارج الاتحاد الروسي" فيما وصفه الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي بانه "اسعد حدث بحياته". الخاسرون والسؤال الرئيسي يدورالان عن من هم الخاسرين ومن هم الرابحيين من انهيار الاتحاد السوفياتي بعد مرور 15 عاما على انهياره. ومن دون شك فان انهيار الاتحاد ترك تداعياته الخطيرةعلى الخارطة السياسية في العالم برمته، ونجم عنه تغير في موازين القوى الدولية، وظهرت دول جديدة وانقرضت اخرى واندلعت حروب وهزات اجتماعية واشتدت النزاعات القومية والاقليمية. ونفح انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية الامر رياح التغيير على امل ان يصبح العالم اكثر سلاما وديمقراطية وان تُحترم حقوق الامم والاشخاص. وفي روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي عقدت الامال ايضا على ان التخلص من النظام الشمولي ومركزية الاقتصاد سوف يطلق حرية الابداع الفردي ، ويوفر الاجواء المناسبة لممارسة الانسان حريته الخلاقة وتجسيد خيارته، ولن يتطاول احد بعد على حرية العقيدة والضمير والافكار. وظهر حينها ان القضية لاحت وكان هناك صفقة تاريخية تقوم على التخلي عن شعار العدالة الاجتماعية الذي جسدته الاشتراكية السوفياتية بصيغة مشوهه جدا، مقابل المتمع بالحرية. والرهانات كانت كبيرة.ان العالم بعد اندثار الاتحاد السوفياتي تغير حقا. ولكن من المستحيل القول انه تغير نحو الاحسن. فالشعوب الفقيرة اصبحت اكثر فقرا وفقدت دول العالم الثالث ( الدول النامية) الاستقرار للابد، وتمخض التحول والانعطاف الحاد عن مظاهر وتحديات باتت تهدد الوجود البشري، وتعمق الصراع بين الحضارات والاديان واشتدت المشاعر القومية لتقترب اكثر نحو الشوفينية وانتشر الارهاب والاغتيال السياسي والتطرف ونزعات الانفصال، وعادت الدول الى اساليب القرون الوسطي لحماية امنها فبنيت الاسوار حول المدن. وتتبارى الدول بصورة خفية او علنية على امتلاك اسلحة الدمار الشامل. وتفشت الانانية في العلاقات الدولية وتهمش دور المنظمات الدولية. وتلوح الخارطة السياسية التي يهمن عليها طرف واحد بانها تنذر بفواجع اجتماعية واقتصادية ونشوب حروب وصراعات. وهذا دون شك كان نتيجة منطقية للخلل الذي اصاب المنظومة الدولية التي كانت تقوم على قوتين عظميين، انقرضت احداهما وعمل الاخر على استثمار الفرصة التاريخية لمصالحه. وبالتدريج عادت في غالبية جمهوريات الاتحاد السابق تقاليد النظام الشمولي وبنيت ديمقراطية شكلية، تتحرك على خلفيتها انظمة دكتاتورية.وشعر دعاة حقوق الانسان والديمقراطي بالاحباط لان البديل الذي كانوا يحلمون بانه سيقوم بعد انهيار النظام الشمولي لم يتحقق.وانحدرت بفعل انهيار الاتحاد السوفياتي شرائح اجتماعية واسعة سواء في افضاء الاتحاد السوفياتي السابق او في داخله الى ما بعد خطوط الفقر، وكان هذا سببا كافيا للهزات الاجتماعية وانتشار الجريمة والفساد الحكومي وانهيار الاخلاقيات، وتلف مصائر بشرية، وترك كل ذلك بصامته الواضحة على الانشطة البشرية بما في الانتاج العلمي والادبي والفني عموما. ولفظت المعامل والمؤسسات الكبرى على قارعة الطريق غالبية العاملين بها بعد ان توقف هديرها. ولم يبتعد الاديب والمفكر الروسي الحائز على جائزة نوبل للادب الكسندر سولجينيتسن عن الحقيقة حينما قال ما معناه ان معارضي النظام الشيوعي توقعوا تداعيات سلبية جراء تصفيته، ولكنهم لم يحسبوا ان الانهيار سيكون بهذا الحجم. الواقع الجديدوخلقن غياب الدولة العظمى التي كان اسمها الاتحاد السوفياتي، واقعا جديدا وتحسن الوضع في مجال الحريات والدفاع عن حقوق الانسان، ومشاركة المواطن في بناء مؤسسات الدولة. حقا ان ان ذلك التطور في احيان كثيرة ياخذ طابعا شكليا محضا، ولكن علي كل حال هناك فسحة وهامش من الحريات التي قد تتسع اكثر في المستقبل او يمكن الافادة منها الان لفضح جرائم السلطة وتطاولها وممارستها الفساد الحكومي. هناك قدر من الشفافية. ان العالم الجديد لن يولد مرة واحدة انه مخاض عسير وولادة طويلة. لقد تمكنت الشريحة الاكثر نشاطا ومبادرة من اغتنام الفرصة السانحة وغياب الدولة من الاثراء على حساب الجمع الغفيرة المغيبة، فظهرت شريحة الاثرياء بشكل فاحش، واصبح بمقدور الفرد في تلك الدول التي عانت شعوبها من شمولية الانظمة ان يبادر ويتحرك من اجل تحسين وضعه المعيشي وتجسيد طاقاته. حقا ان كل هذا مازال صعيفا في بعض الدول.وهنا تكمن الارباح.ويقول البعض ان انهيار الاتحاد السوفياتي كان مسالة حتمية لعدم قدرة نظامه على مواجهة التحديات الاقتصادية، وييذهب اخرون الى ماساة تكمن في وجود قيادة وصولية حينها، على راسها برايهم ميخائيل غورباتشوف وفريقه. ولو توفرت لديهم الارادة السياسية الكافية لقضوا على تمرد الزعماء الثلاثة الذين وقعوا اتفاقية تفكيكه. ولكنهم استسلموا دون اطلاق رصاصة واحدة. الفرصة المفقودةان تحديث الاتحاد السوفياتي على كافة المستويات كانت دون شك مسالة مطلوبة، بيد ان زعامته التي كانت تتالف من الحرس القديم، تخلفت عن الزمن وعاشت في عالم اخر لايمت بصلة للشارع، وخلقت لها اسطورة باهتة عن الاقتصاد المتطور والاقتراب من الشيوعية وتعفن النظام الراسمالي، فمهدت لانهيار البلد. كان من الممكن البقاء على الاتحاد السوفياتي وتحديثه اكثر، ولكن الرياح مضت حيث لاتشتهي السفن. فلاح انهياره صفقة تداخلت فيها عوامل داخلية وخارجية وخرج منها خاسرون ورابحون.
#فالح_الحمراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق: مسرح العبث
-
نهاية دكتاتور.او العالم سيكون افضل من دون الطغاة
-
روسيا بين الغرب والثلاثي : حماس وايران وكوريا الشمالية
-
وثيقة مكة المكرمة وافق خروج العراق من محنته
-
جورجيا والصراع على القوقاز
-
تفكك العراق حالة موضوعية. ولكن
-
الحادي عشر من سبتمبر وانعكاساته على روسيا الاتحادية
-
الحرب في لبنان وافاق التسوية في المنطقة
-
روسيا من انذار خروشوف الى برغماتية بوتين
-
رغم عدالة قضيته. لماذا أشاح الغرب بوجهه عن لبنان؟
-
هولوكوست صنعتموه بأيديكم
-
الكسندر بلوك وقصيدته -الغريبة
-
لمصلحة من اختطاف الدبلوماسيين الروس ببغداد؟
-
روسيا تقترب من المياه الدافئة
-
على انقاض الوطن العراقي
-
روسيا للتخفيف من الرد على اعلان طهران النووي
-
حليقو الرؤوس في روسيا: جيل على انقاض الامبراطورية السوفياتية
-
وجوه من الادب الروسي الحديث جدا.تتيانا تولستايا وشفافية العب
...
-
حوار مع صديق روسي حول العراق 2
-
حوار مع صديق روسي حول العراق
المزيد.....
-
مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف
...
-
مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي
...
-
الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز
...
-
استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
-
كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به
...
-
الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي
...
-
-التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
-
أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
-
سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ
...
-
منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|