مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 1759 - 2006 / 12 / 9 - 10:51
المحور:
ثقافة الحوار والاختلاف - ملف 9-12- 2006 بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن
خمس شمعات نضيئها للفرح .. وباقة ورد أممية .. للحوار المتمدّن
كان الإعلام , والصحافة , وما تزال , بكل وسائلها , هي الشعلة التي تضئ الطريق للوصول إلى الحرية .. والوعي .. ومعرفة الحقيقة ..
الكلمة الحرّة قوّة .. وطاقة محرّكة , وجاذبة , ومحرّرة , من الصمت والخوف والجهل .. والإستبداد .
الكلمة .. طاقة نور دافعة , للنشاط والعمل , للفعل , والقول , للتأثير والتبديل والتغيّير بشكل إيجابي , وديمقراطي , نحو عالم يحترم فيه عقل الإنسان , وإرادته , وكرامته .. وحقوقه .
في هذا المضمار , نستطيع القول بكل ثقة وتأكيد , بأن ( الحوار المتمدّن ) أصبح قامة أدبية فكرية حضارية , ثقافية سياسية وتربوية عالية ومرموقة . وقد ساهم بما له من كتّاب , وقرّاء , وحضور , أن يلعب دورا مميّزا وفاعلا في رفع مستوى الوعي والتفكير , وفي طرح الكثير من المواضيع المهمّة والتي كانت لأمد قريب ممنوع التطرّق إليها , مناقشتها , أو معالجتها , لأنها من المحظورات , والمقدّسات .
فهنيئا لأسرة ( الحوار المتمدّن ) على هذه المبادرة , وهذا النجاح . ولو كنا نملك الميداليّات .. لكنّا قدّمنا وأهدينا " الميدالية الذهبية " لمرور خمس سنوات على إنطلاقه , لأنه يختصر 0 5 عاما من تاريخنا . ..
ولكن عندما يكتب الكتّاب والقرّاء اّراءهم , عن , وفي الحوار المتمدّن - المنبر الحرّ – فهذا يعني أنهم يقدّمون ما هو أكبر وأغلى من الميداليّات , ألا وهو شعرهم نثرهم ومقالاتهم , حبّهم إنتاجهم , ومشاركتهم فيه ماديّا ومعنويّا – التي هي عصارة جهدهم وفكرهم .. وعطائهم .
ولما كانت الكلمة هي إحدى الوسائل الفعّالة والمهمّة الأساسية السلمية للتغيّير نحو مجتمع بشري أفضل وأكثر حريّة وأمنا وإنسانية - يلزمها فترات طويلة حتى تتخلّى عن أوثانها وقيودها التي ورثتها من عقود وعصور ظلامية خلت –
فالحوار المتمدّن أصبح منبرا جامعا ومخزونا للفكر التقدّمي , ومحرّرا للعقل من العقد والتشنّج والجمود العقائدي , في الوطن العربي .. والشتات .
وهو أداة فعّالة , قد ساهم وما زال يساهم في تغيير مجتمعاتنا . ولا شك أنه أثرّ الكثير على الأجيال الجديدة والقرّاء , ولكن هذه العصور الظلامية والإستبدادية التي عاشها شعبنا وما زال يعيشها حتى اللحظة .. والعالم قد تغيّر أمامه !؟؟ هنا المفارقة وهنا التساؤلات الكثيرة لماذا لماذا نحن ما زلنا مقعدين في مؤخّرة الشعوب .. ؟؟
العالم تغيّر .. وتغيّرت سمات تاريخه ونقلات تقدّمه ورؤاه , تغيّرت ظروف النضال فيه من أجل تغيير الأنظمة السياسية الرافضة للتطوّر واحترام الكائن البشري , وتعدّدت أساليب النضال لبلوغ هذا الهدف .
ثورة الكلمة ابتدأت .. لم تهدأ , أو تتوقّف سوف تستمرّ لإزاحة وتكنيس اّخر عروش الطغيان والظلم والديكتاتوريات التي أقصت الإنسان عن عملية المشاركة في بناء مؤسّسات الوطن القانونية والسياسية والديمقراطية لتبني مجتمعات المواطنة الحقيقية لتسير في ركب الحضارة والتطوّر وروح العصر .
إنني أقترح , وبهذه المناسبة السعيدة ومن هذا المنبر بالذات لأنه برلماننا الديمقراطي الشعبي – كما أسميته في مقال سابق – بمشروع فكري ثقافي سياسي بإقامة ( تجمّع , تيّار , أو رابطة .. أو أو ... ) أو أي إسم ترتئيه أسرة وكتّاب الحوار , تحت عنوان : تجمّع الكلمة الحرّة – وعلى من ينضوي تحته أن يكون مؤمنا كليّا بالكلمة والكلمة فقط , أي النضال والتغيير بالكلمة والحوار . لا للشتائم ولغّة الشوارع , لا للصراخ وقوّة السلاح , ولغة الأوامر والتسلّط والفوقية فوقية ( المال والسلاح والنفوذ ) ...
المال والسلطة والسلاح ووو... عندما يأتي دون تعب وجهد وشرعية وثقافة ديمقراطية وفكر علماني وطني , وخاصّة عندما يعطى لحزب أو ميليشيا معيّنة من دولة أجنبية , ويوجّه حرابه إما لإرهاب الشعب في الداخل , أو لتحقيق نفوذه في الخارج . وتصفية ثارات أكل الدهر عليها وشرب , كيف يشعل الأحقاد ويخرّب السلم الأهلي , وتسود أجواء التخوين والمذهبية والطائفية وزرع الكراهية والشرخ البغيض الذي يهدّم العلاقات الأخوية في المجتمع الواحد , وتعطيل دورة الحياة واختفاء الفرح والأعياد ودور العلم والعبادة وإشاعة الفوضى والفتن الطائفية والعرقية , وبالتالي تخريب الحياة الإقتصادية والإجتماعية برمّتها !؟؟
كيف لا يتولّد الإحباط والملل والقرف والتشاؤم لدى المواطن العادي ؟ كيف لا يهاجر وينزح وينزف هذا المواطن الأعزل هربا من هذه الدوّامة المتلاحقة من مناظر الإقتتال والتطاحن ورخص الإنسان واستغلاله وجرّه بعيدا عن مصالح الوطن والمجتمع الواحد .. أي حال وصلنا إليه ؟ هذه الضحايا البريئة , التي ليس بمقدورها أن توقف هذه الصراعات التي لا تخدم في المحصّلة النهائية سوى الأعداء , وخراب الأوطان وإضعافها من ثم احتلالها للإمبراطوريات القديمة أو الجديدة الناشئة وبذلك نكون قد " خرجنا من تحت الدلف لتحت المزراب " ؟
كأن هذه الشعوب لم تتعلّم قيد أنملة من العلم ومنجزاته وتجارب ونضالات الشعوب ودروس التاريخ !؟
المهم أن الشعوب الحرّة ممنوع عليها أن تحكم نفسها بنفسها . مفروض عليها إما الديكتاتوريّات ؟ إما الإستعمار والإحتلال ؟ إماّ المذهبيات الطائفية السلفية الرجعية !؟
علينا أن نختار وبأعلى صوتنا .. نحن مع الحريّة والعلمانية والديمقراطية , نحن ننتمي إلى مملكة الكلمة .. والحريّة . نحن ضد هذه الأنظمة الفاشية الثلاث . نحن في القرن 21 , نحن الأحرار , ومن أسرة الحوار المتمدّن وشعاراته ...
الكلمة أوّلا وأخيرا .. سلاحنا في التغيّير والوحدة الحقيقية بين المثقفين وأبناء الشعب الواحد , من المبدعين والسياسيّين والنقابيّين وكل من يؤمن بالكلمة والحوار هما الوسيلتان الوحيدتان في تغيير واقعنا لبناء مجتمع الحرية ..المساواة والعدالة .. وحقوق الإنسان ..
الكلمة التي تبني ولا تهدّم , تحرّر ولا تستعبد , تطوّر ولا تجمّد . بعيدة عن المذهبية والتعصّب والعنصرية .. والطائفية . تنشد الفكر النظيف وجمال الأخلاق , بعيدة عن الإرهاب و الفكر الشمولي , القمعي التسلّطي الشوفيني لنعيد للإنسان إنسانيته وكرامته , لنؤكّد ونبرهن للعالم بأننا تعلمّنا وتثقفّنا لكي نحسّن أداءنا وأسلوبنا ونطوّر خطابنا في النضال والعمل , والتجارب علمتنا أيضا بالإرتقاء بمخاطبة الاّخر واحترام قناعاته ورأيه في التعبيرعن كل القضايا والأمور .. حتى ولو كان خطابا إستفزازيّا ..
أي بمعنى السيطرة على إنفعالاتنا الجسدية والنفسية عندما أسمع أو أشاهد رأي مختلف عنا وكما يقال : " الإناء ينضح بما فيه " ....
شجّعوا بعضكم بعضا كل يوم , ما دامت لكم كلمة " .. أيها الإخوة لا تكونوا أولادا وأطفالا في أذهانكم , بل أولادا في الشرّ " ...
وختاما نقول : أبرز منجزات الحوار المتمدّن .. المنبر الحرّ
أوّلا - لعب دورا رائدا في إبراز حقوق المرأة ودورها الأساسي في بناء المجتمع والدولة . وأثبتت الموضوعات كلّها بأن لا تحرير بدون مساهمة المرأة في جميع النضالات الفكرية والسياسية والتنموية ..
ثانيا – موضوع الدين , ونقد الأساطير سلب أو إيجاب - ايضا كان بارعا عميقا جريئا وطليعيّا , لتحرير العقل البشري من أسر المعتقدات الثابتة ورفع من مستوى الوعي الإنساني .
ثالثا – موضوع السلطة والإستبداد - وطرح مفاهيم العلمانية والديمقراطية والعدالة , وقضايا الشعوب وسلامها وأمنها وحريّتها وحكم الشعب بالشعب –
كانت هذه القضايا الرئيسية المهمة من صلب أهداف الحوار المتمدّن , وقد برع بها وأشبعها تحليلا ووصفا وحلولا , ومواضيع ملحّة ومعاشة أخرى كثيرة يشكرون عليها . وهناك وجوه وأقلام شابة جديدة واعدة وجيدة ترفد الحوار أملنا أن يكبر ويكبر أكثر فأكثر عاما بعد عام ليبقى منارة للحرية وبرلمانا ديمقراطيا للشعوب . . وقد فسح المجال بكل حرية للمختلف بأن يعطي رأيه بكل احترام , وهذا ما يدلّ عليه جذب المزيد من القرّاء إليه باضطراد نظرا للموضوعية والشفافية الذي يمتاز به معظم الكتّاب ..
من خلال متابعتي للكثير من المواضيع المطروحة في الحوار المتمدّن والإيميلات التي تصلني , لمست أن هناك تعطّش كبير لدى الأجيال الصاعدة بشكل خاص للتعرّف والتعلّم من المنبر الحر أولا على تجارب الماضي القريب , وتطوّر الفكر الحديث في الحوار واحترام الاّخر , خصوصا أن هذه الأجيال تدجّنت وعاشت تحت كابوس الأنظمة الشمولية في بلادنا عقودا طويلة تحت أنظمة إلغاء العقل والحوار وغسيل الأدمغة , مع الترهيب والترغيب أو السجن والإبعاد , لذلك وجدت هذه الأجيال في المنبر الحر متنفّسا جديدا منحها أوكسجين المعرفة والحياة , وخصوصا الفكر اليساري والعلماني المحجوب عنها في تلك الأنظمة القمعية الشمولية , والأنظمة الرجعية الفاسدة التي صادرت قراءاتهم وتعلّمهم ونضالهم وتلاقيهم في أجواء حرّة طبيعية .. للمناقشة والحوار والتطوّر والإختيار الحرّ .. وفي نفس الوقت شجّعت وغذّيت الأفكار التطرّف الديني السلفي والإرهابي القذر وحركاتهم المتنامية وخاصّة إسهام وتحريض بعض وسائل الإعلام والفضائيات المعروفة مع الأسف , التي تكرّس إنقسام المجتمعات الواحدة الوطنية المتعايشة منذ قرون في محبّة ووئام .. ؟
التعدديّة هي غنى .. وحوار دائم في كل مجال , وليس في الثقافة والسياسة فقط , لأنها الإنفتاح والتلوّن والتوحّد الوطني . ونضال دائم لبلوغ الأفضل دوما ..
هنيئا .. لأسرة الحوار المتمدّن بحمل هذا المشعل الحرّ الديمقراطي العلماني بكل أمانة ووفاء .. وثبات , وجهد مميّز .. وعطاء فني حضاري .. راقي ..
لنضئ خمس شموع للفرح على عتبات العام الجديد .. وباقة ورد أمميّة .. تضمّ كل عطر الأرض وجمالها .. لحوارنا المتمدّن .. ليبقى منبر الأحرار عاليا ..عاليا ..
مريم نجمه – جريس الهامس ------لاهاي ----8 – 12 – 2006
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟