أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تأريخ الخرافة ح 15















المزيد.....

تأريخ الخرافة ح 15


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7975 - 2024 / 5 / 12 - 03:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من يقرأ مثلا أطروحة ديدرو القائلة بأن الإيمان بالله مرتبط بالتسليم بحكم الفرد أو الحكم المطلق وكلاهما ينهضان ويسقطان معا، لا شك سيتبادر إلى ذهنه المفهوم المادي الذي ساد أوربا نتيجة التمرد العلماني على الكنيسة، فهو يربط التطبيق العملي التاريخي للفكر الديني على نظام المجتمع وأنظمته النسقية، بأعتبار أن الدين دوما يركز على مبدأ وحدة الخالق ووحدة الفكرة ووحدة الألتزام به، وبالتالي أن هذا المفهوم الواحدي سينتقل أليا وإنعكاسيا على الواقع السياسي للمجتمع، فيبرز الزعيم أو القائد الفرد الذي يمثل الرب الفرد من خلال الصلاحية المطلقة لممثل الله في الهرمية السياسية الأحتماعية المستمدة من الصلاحية المطلقة التي قدمها الدين للرب.
تقريبا هذا الكلام حقيقي ولا جدال فيه لكن عند البحث في التاريخ البشري ما قبل ظهور الديانات المطلقة الصلاحية والحكم الفردي، أرى أن الدين هو من تأثر بشكل ملموس بصورة العلاقة الهرمية النظامية الأجتماعية ومن واقع المجتمع وليس العكس، فمنذ بدايات تكوين المجتمعات الصغيرة البشرية الأولى تحت يافطة الأب الواحد والمتميز بالقوة والتدبير، صارت هذه الصفات الأحدية المطلقة والحكم المطلق من حصة وأختصاص الأب الأكبر، وكلما كبر المجتمع وتشعبت الروابط فيه السببية والنسبية تبلورت هذه الصفات فيه حتى برز الإنشقاق المجتمعي وتعدد المجتمعات الكبيرة، لكن بقت هذه الظاهرة ملازمة للمجتمع الإنساني في كل مراحل تطوره لأنها نزعة بدائية فطرية فيه، منها أنتقلت لكل المعارف الأخرى ومنها الدين بأعتبارها جزء من ممارية الوجود من قبل المجموعة بقوانينها هي.
هذه الفكرة المأخوذة عن الدين وبالرغم من أنها ذات طابع عقلي وقد تم التوصل لها بمنطق معرفي سليم، لكنها من وجهة نظري لا تعدو أن تكون خرافة معرفية، عندي يقين راسخ أن الأفكار حتى تتخلص من أطرها الخارجية وتتعرى لحقيقتها لا بد من عودتها إلى الجذور، جذور العقل الأول الذ أبتدع التفكير بصورته المبسطة الأولى، ولولا هذا الأبداع لبقي الإنسان بعيدا جدا حتى عن الخرافة التي نستعيبها الآن، العقل الأول هو أعظم عقل عرفه الإنسان وكل ما في العقل البشري الأن من أفق وتعقيد وتشكيل وتعدد وحتى خارقية يعود له ولكيفية تفعيل الإنسان الأول له.
ان معظم الأفكار المعرفية والتي يتصورها البعض أنها من نمط الخرافات التي انتجت في بداية الحياة الانسانية وتجسدت في الذاكرات الجمعية، وتناقلتها الاجيال عبر العصور سواء كتابيا او شفاهيا او تصويريا هي من شكلت المنتج المعرفي الذي خرجت من الصور المعرفية الحقيقية المؤسسة للعلم، لا شك أنها ليست ككل بل ما أمكن الإنسان الأول من تجاوزها بالتجربة العملية، أشك أيضا أن الجزء المتعلق بتكون الدين والظاهرة الإيماني في بدايته كان خارجيا عنه وعن العقل والتجربة المترادفان على تفسير الوجود، هذا التأسيس قد لا انفي أن يكون لحقه نضج وتطور وإثراء بفعل عوامل خارجية طالما أن ليس لي دليل نافي أو جازم بعدم وقوعه، ويبقى المتراكم من تلك الأفكار الأولية يتغير ويتشكل ويتبدل ويتحور وفقا لحاجات وهواجس وأنشغالات البشر في كل عصر وزمان.
يضاف اليها ما أُنتج من تطويع لنصوص دينية بعضها من أساليب التفكير السياسي والأجتماعي السلطوي ليعمل على انضاج اليات تشكيل الخرافات وادامتها لتتناسل عبر الزمان ومن ثقافة الماضي ويبقى مترسخا في الذاكرة الجمعية وفي الهوية الاجتماعية والنفسية للإنسان المأزوم حين لا يجد ما يمكن سد الفراغ العلمي والمعرفي الذي يحاصره، فعمدت الى تخريف المعرفة المتاحة ومجموعة من الاحداث المشوبة بالعاطفة والتي لها جاذبيه في العقل الطفولي أو المتطفل، المروية في الكتب والمدونات المتخاصمة فيما بينها، والعمل على تزييف هذا الحدث والفكرة الأساسية بعيدا عن السياق التاريخي الموضوعي والحدوثي، وتقديس وتنجيس الكثير من المفردات اسطوريا وخرافيا يقترب ويبتعد عن الحقيقية وفقا للهدف من الخرفنة المصنوعة بهذا الأسلوب، بتأويلات جديدة وربما أيضا بعيدة عن الخرافة القديمة وبأشكال مبتكرة من الاحكام والتصورات اللا منطقية عليها بحيث اصبحت حقيقية في ذهن المجتمع.
فقد كانت خرافة خلق حواء من ضلع آدم بما لها من رمزية ذكورية تعود في جذورها لفكرة أن الأب الأول الزعيم والقائد القوي هو الأصل في الوجود، وأن كل ما في الوجود من تكوينات المجتمع وتعدد الروابط فيه، كان هو جزء منه ومتفرع من بنيته الأساسية لا من مكون خارجي أخر، لذا لا نستغرب عندما تتسيد فكرة "المرأة الناقصة عقلا ودينا في المجتمع"، مع أن الدين لا يفرق لا في الخطاب ولا في التكليف ولا في الحساب بين الرجل والمرأة وعدهما من نفس واحدة.
لو عدنا فعليا للكثير من الخرافات التي بقيت عالقة في التكوين المعرفي والفكري للإنسان، سنجد أثارها في البصمة الأولى التي رسمها الإنسان في نهضة العقل الأولى، حتى في قضية الموت والبعث التي شغلت العقل البشري يكل إنشغالاته بدا من الدين وأنتهاء بالمعرفة تعود في الأصل إلى فكرة التعاقب والتوالي الرتيبة وجوديا، والتي لاحظها الإنسان الأول عندما ظن أن غياب الشمس في وقت وعودتها في وقت أخر، ثم غياب القمر وعودته مرة أخرى، قد لاحظ أيضا أن البيئة الطقسية والمناخية هي أيضا تسير في نفس الأتجاه التعاقبي المتوالي غياب وعودة حتمية، فأمن أن كل شيء في ما حوله المحسوس والمدرك يخضع لهذا القانون، فالموت عند الإنسان الأول ليس فناء نهائيا بل هو أنتقال وقتي يعقبه عود وتجدد، لذا كانت من عادات الدفن عنده وضع مقتنيات الشخص وما يخصه من متعلقات معه في القبر حتى يكون مهيأ لأستعمالها حين يعود.
الخرافة إذن جزء أصيل من معرفتنا الراهنة حتى لو حاولنا أن نعيد فحص الأفكار ونقدها ومحاولة إخضاع كل ما وصلنا أو أنتج من قبلنا لقواعد العلم، أظن أننا كلما أوغلنا في البحث العلمي تتهاوى الكثير من المعارف التي تبدو اليوم منطقية وسليمة، وحتى لا أكون متجنيا على المعرفة ومناصرا للخرافة أقول من يفسر لنا إيماننا الأكيد بأننا كبشرية ولدت جميعا من صلب آدم وحواء تحديدا، مع أن الرجوع لأسطورة الخلق السومرية والتي يقال عنها أنها قريبة من الخرافة ببنائها، تنص على أن آدم هو واحد من سبعة أزواج وجدوا على الأرض في بداية التكوين، وإن الأختلاف في الأشكال والألوان والأجناس والبشرة وفصائل الدم يعود لهذا التعدد، فلو كان الخلق كما يفهم جزافا من النص الديني من أن آدم الذكر والأنثى وبموجب فوانين الوراثة وخرائط الجينات لا يمكن أن يخرج منهما نموذجا مختلف عن الأب الأصلي، لا سيما وأن الفهم الديني ولا أقول النص الديني يذكر أن حواء أو آدم الأنثى هو أصلا جزء من آدم الذكر بكل ما يحمل من صفات وخصائص جزئية تعود للأصل.
إذا ليس كل ما هو معقول اليوم حتما ليس بخرافة، وليس كل ما يوصف بخرافة ليس له أساس من الصحة طالما أنه لا يستوفي الشروط الخمسة التي ذكرناها سابقا، ولو عدنا للقرآن مثلا كنص ديني يقول عن الإنسان "وأنبتناه إنباتا"، أي خضع في خلقه وتكوينه لنفس قواعد الإنبات الطبيعية في عالم المزروعات والنبات، بذره وتراب وما، والبذرة فيها الخارطة الجينية الحاملة للسمات الأساسية والقادرة بالقوة على التلاقح مع نفس الصنف النوعي، أما في عملية تهجين أو عملية تكاثر بما تحمل من صفات مشتركة، فالأسطورة السومرية مقابل الفهم الديني هي الأكثر علمية والأقرب للمنطق الوجودي المادي.
أستطيع القول من خلال هذه الأمثلة التي قدمناها عن خرافة الموت والعودة وخرافة السلطة والأحدية وأخيرا خرافة كون آدم أبو البشر، تثبت أن كثيرا مما يعتقد بها على أنها خرافة، هي حلول عقلية لإشكاليات غلبت عن العقل البشري فعجو عن تبريرها وتفسيرها فأخذ يبحث في مخزونه المعرفي عن أشباه لها وربطها معا وعاد بعقائد أعطاها صبغية الغيب وأستقر في التعامل معها على أنها نهاية البحث والتعريف عن ما كان يشغله من أسئلة وما كان يحركه من قلق وخوف على المصير النهائي لوجوده.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأريخ الخرافة ح 14
- تأريخ الخرافة ح 13
- تأريخ الخرافة ح 12
- تأريخ الخرافة ح 11
- تأريخ الخرافة ح 9
- تأريخ الخرافة ح 10
- تأريخ الخرافة ح 8
- تأريخ الخرافة ح 7
- تأريخ الخرافة ح 6
- تأريخ الخرافة ح 5
- تأريخ الخرافة ح 4
- تأريخ الخرافة ح 3
- تأريخ الخرافة ح 2
- تأريخ الخرافة
- أثر الجغرافية البيئية والبيئة الجغرافية في صياغة الشخصية الف ...
- هل الشخصية العراقية علمانية الجذور والتكوين؟.
- العلماني جذور نفسية وتأريخية في الشخصيى الفردية والعامة
- التناقض بين العلمانية ومفهوم الطاعة للمقدس... الحرية معيار
- إعادة تأهيل الروابط المشتركة للشعب العراقي، مسئولية النخب أم ...
- في دور المال في تشكيل مفهوم السلطة في بعض أوجه الشخصية العرا ...


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - تأريخ الخرافة ح 15