أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - محمد أوبالاك - الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة لفيروس كوفيد-19 (دراسة مقارنة).















المزيد.....



الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة لفيروس كوفيد-19 (دراسة مقارنة).


محمد أوبالاك

الحوار المتمدن-العدد: 7973 - 2024 / 5 / 10 - 15:24
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    


الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية
المضادة لفيروس كوفيد-19 (دراسة مقارنة) .
محمد أوبالاك، محام وباحث في العلوم القانونية.
مقدمة:
جدد الحكم رقم 420 الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط، بتاريخ: 09/02/2024، في الملف القضاء الشامل، رقم 778/7112/2022، بخصوص تحميل ميزانية الدولة في شخص رئيس الحكومة ووزارة الصحة، أداء التعويض الناتج عن الآثار الجانبية لتلقي مواطنة لجرعات من لقاحات كوفيد-19، وأنه بغض النظر عن صحة التعليل المبرر لصدور الحكم بناء على مبأ تحميل المسؤولية عن الخطأ الثابت أو المفترض والتعويض عنه، فإنه وبغض النظر عن إمكانية تأييد الحكم أو إلغائه استئنافيا، فإن ما جاء بالحكم يبقى اجتهادا رصينا قابلا للنقاش القانوني والوقعي.
لقد استهلك الحديث عن لقاحات كوفيد-19 التي انتهت من تجريب اللقاح الثالث وقاربت على تجريب اللقاح الرابع، الكثير من الجدل والتشكيك في فعالية هذه اللقاحات، وقد أضحى الحديث الشغل الشاغل للرأي العام الدولي، نظرا لما سببه انتشار هذا الفيروس من نتائج كارثية، على الرغم من التدابير التي اتخذتها كافة دول العالم، من أجل مجابهته والحد من انتشاره والسعي إلى انحصاره، لكنه و بعد مرور ما يتجاوز السنتين عن ظهور أول المصابين به بدولة الصين ، لا زالت تداعياته في تطور (تحور) مستمر، وهو ما جعل أغلب دول العالم بين حيص وبيص في مسألة سن قانون إجبارية التلقيح أو الاكتفاء بجعله اختياريا مع فرض جواز التلقيح الذي يثبت تلقي المواطنين للجرعات التجريبية .
وقد ذكرت مجلة الخليج الرقمية، بأنه تم اقتراح 48 لقاحاً مضاداً لـ«كورونا» في مرحلة التجارب السريرية على البشر، تنتجها العديد شركات الأدوية، لكن 11 منها فقط دخلت المرحلة الثالثة والأخيرة قبل الحصول على موافقة السلطات، وفق منظمة الصحة العالمية، منها "فايزر بيونتيك" و"موديرنا" و"سبوتنيك في" الروسي، والمجموعة الإنجليزية- السويدية "أسترازينيكا" وجامعة "أوكسفورد"، و"جونسون أند جونسون"، وغيرها، ومن المفترض أن تحدث هذه اللقاحات ثورة تسهم في حصر المرض، في حال تمكنت الحكومات من إقناع المجتمعات بقبولها والاقتناع بها .
وأردفت المجلة معلقة، بأن الحكومة البريطانية، قد قطعت الطريق أمام أي دعاوى قضائية يمكن أن تُرفع من متضرري اللقاحات المقبلة، ولم تكن هذه الخطوة وليدة اللحظة، إذ سبقتها دراسات مكثفة، ليس في بريطانيا فحسب، بل في معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، تفيد بأن شريحة كبيرة من الناس لا يثقون باللقاحات المكتشفة، مشككين في مدى فاعليتها، إضافة إلى خوفهم من آثارها الجانبية في حال تلقوا جرعاتها، وهذا ما يعني أن شركات الأدوية ستتبدد جهودها وأموالها في معارك قضائية، إلى جانب تعميق فجوة الثقة المزعزعة أصلاً في مهد ولادتها.
لكن تقرير لـ"بلومبيرغ"، ذكر أن توفير حصانة قانونية لمصنعي اللقاحات والعلاجات الطارئة، يعتبر مفيداً في الحيلولة دون دخول الشركات في معارك قضائية، وقال التقرير إن حكومات العالم تبذل قصارى جهدها من أجل تمويل الأبحاث للتوصل إلى لقاح فعال وآمن ضد "كوفيد- 19" وتوزيعه على نطاق واسع بالقدر الكافي للمساعدة على وقف تفشي الوباء، موضحاً أن الحكومات العالمية قدمت حزماً تحفيزية للشركات، بغية تكثيف التجارب والقيام بطلب الجرعات بصورة مسبقة، والعمل على تقليل الحواجز التنظيمية أمام السوق، فضلاً عن منح الشركات المصنعة حصانة من الدعاوى القضائية المتعلقة بالإصابات في المستقبل، التي عادة ما تكون عالية التكلفة بسبب الضرورة الملحة للحصول على اللقاح.
وأضاف التقرير عينه، أنه مع كل هذا وذاك وحتى في ظل تفشي جائحة "مميتة" مثل وباء "كورونا"، تبدو ثقة البشر في اللقاح ضعيفة، مشيراً إلى أن استطلاعاً أجرته مؤسسة "إيبسوس" لاستطلاعات الرأي خلال شهري يوليوز وغشت الماضيين لصالح "المنتدى الاقتصادي العالمي"، أشار إلى رغبة ثلاثة من بين كل أربعة بالغين في الحصول على لقاح "كوفيد- 19" في حال توفره، ما يبين أن 37 في المئة فقط لديهم رغبة قوية في ذلك، وأن ثمة نسبة كبيرة من الناس قد تلجأ إلى قضاء ينصف مناعتها في حال تعرضت لانتكاسة صحية جراء التطعيم.
الأمر الذي دفع حكومة المملكة المتحدة إلى توسيع نطاق حصانتها القانونية الممنوحة للشركات المنتجة للقاح؛ إذ امتدت لتغطي في ظل حمايتها العاملين الصحيين البريطانيين الذين سيقدمون اللقاح، والشركات المحلية التي ستسهم في صناعته أيضاً.
وفي مؤتمر صحفي، قال رئيس فرع "فايزر" في المملكة المتحدة بن أوزبورن: «نحن لا نكشف فعلياً عن أي تفاصيل حول أي من جوانب تلك الاتفاقية مع الحكومة البريطانية، وتحديداً حول بنود المسؤولية»، ما يضع الكثير من الغموض، ويعمق حالة الثقة الضعيفة أصلاً.
وعلى عكس بريطانيا، تصر المفوضية الأوروبية على أنها لن تتنازل عن السلامة، أو تغير قواعد المسؤولية؛ حيث رأت أنه من الممكن أن تبت الحكومات في دعاوى قانونية معينة، سيرا على مقتضيات اتفاقية أوفييدو لسنة 1999.
كما واجهت الولايات المتحدة انعدام الثقة ذاتها، وفي خطوة هدفت إلى تعزيز ثقة الأمريكيين بسلامة اللقاحات المكتشفة المضادة لـ"كورونا"، بعدما أظهرت إحصاءات عدة نفور الشارع الأمريكي من اللقاحات إجمالاً، تطوع 3 من الرؤساء السابقين للولايات المتحدة الأمريكية، هم باراك أوباما وجورج دبليو بوش وبيل كلينتون لتلقي اللقاحات ضد كورونا، أمام عدسات الكاميرات، وذلك بمجرد موافقة مؤسسة الغذاء والدواء الأمريكية عليها.
وفي المغرب تم تبني مجموعة من اللقاحات المجانية، والتي من المفروض أنها مضادة لتفشي فيروس كوفيد-19، تنوعت بين ساينوفارم وجانسن وأسترازينيكا أوكسفورد وفايز بيونتيك وسبوتنيك 7...، وقد تلقاها مجموعة من المواطنين على ثلاث مراحل بنسبة 66 بالمائة من المواطنين .
بيد أن المغرب سجل تحفظه من إجبار المواطنين على تلقي اللقاحات، لكن بالمقابل فرض الإدلاء بجواز التلقيح كشرط لولوج بعض المرافق العمومية، مما يجعل التناقض قائما بين اختيارية التلقيح وإجبارية الإدلاء بجواز التلقيح، وهوما يشكل ثغرة قانونية يجدر الوقوف عندها طويلا لسبر أغوارها وإرجاع الأمور إلى نصابها .
ومن باب تقريب الصورة أكثر سوف نعمد إلى طرح الموضوع ومناقشته، من خلال تقسيمه إلى مبحثين، نخصص المبحث الأول منه، لشرح المفاهيم وسرد الوقائع التاريخية لسن إجراءات التلقيح، في حين سوف نجعل من المبحث الثاني مجالا لإبراز السند القانوني لفرض التلقيح ومحاولة لإبراز السبل القانونية للمسؤولية (المدنية والزجرية) الناتجة عن أضراره المفترضة.
المبحث الأول: التلقيح مفهومه وأنواعه وسنده التاريخي:
أنه وقبل الخوص في الطبيعة القانوني/الاتفافي، للقاحات المضادة لكوفيد-19، فإنه حري بنا استهلال الموضوع بمفهوم التلقيح وأنوا وسنده التاريخي، الذي منح لهذه العملية الطبية التجريبية كل هذه الهالة من التوجس والترقب، وذلك من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول: المفهوم الاصطلاحي والطبي للتقليح (التطعيم) وأنواعه:
حسب الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية، نجد أن تعريف التلقيح أو التطعيم، يتمحور حول الإجابة عن الأسئلة :
اللقاحات والتمنيع: ما هو التطعيم؟
التطعيم طريقة بسيطة ومأمونة وفعالة لحماية الأشخاص من الأمراض الضارة قبل التعرض لها، ويستخدم التطعيم وسائل الدفاع الطبيعية لجسم الانسان لبناء القدرة على مقاومة أمراض محددة، فضلا عن أنه يقوّي الجهاز المناعي .
وتدرب اللقاحات الجهاز المناعي على تكوين أضداد، تمامًا كما يحدث عندما يتعرض لمرض ما، ولكن، نظرا لأن اللقاحات تحتوي فقط على أشكال ميتة أو ضعيفة من الجراثيم مثل الفيروسات أو البكتيريا، فإنها لا تسبب المرض ولا تعرضّ الملقح لمخاطر مضاعفاته.
وتُعطى غالبية اللقاحات عن طريق الحقن، في حين يُعطى البعض الآخر منها عن طريق الفم أو برشّها في الأنف.
كيف يعمل التلقيح؟
اللقاحات تحد من مخاطر الإصابة بالمرض من خلال ارتكازها على وسائل الدفاع الطبيعية لجسمك لبناء القدرة على حمايته، فعندما تتلقى اللقاح، تكون هناك استجابة من جهازك المناعي، إذ إنه:
• يتعرف على الجرثومة الغازية، مثل الفيروس أو البكتيريا.
• ينتج الأضداد، والأضداد هي عبارة عن بروتينات ينتجها الجهاز المناعي بشكل طبيعي لمكافحة المرض.
• يتذكر المرض وكيفية محاربته، إذا تعرضتَ للجرثومة في المستقبل، فسيكون بوسع الجهاز المناعي تدميرها بسرعة قبل أن تشعر بالاعتلال.
وبناء على ذلك، فإن اللقاح هو وسيلة آمنة وذكية لتوليد استجابة مناعية في الجسم، دون أن يسبب المرض.
وتتمتع الأجهزة المناعية للبشر، بالقدرة على التذكّر، فبمجرد أن نتعرض لجرعة أو عدة جرعات من اللقاح، وعادة ما يظل الانسان الملقح محميا من المرض لسنوات أو عقود أو حتى مدى الحياة، وهو ما يجعل اللقاحات فعالة للغاية، إذ إنها تهدف أولا إلى الوقاية من المرض قبل اللجوء إلى العلاج بعد الإصابة به.
حسب موقع ويكيبيديا نجد أن المفهوم المقترح للتلقيح أو التطعيم، هو :
بناء على النقاشات الدائرة بين المواطنين العاديين الذين لا يجدون فرقا بين التطعيمات واللقاحات، ويعتبرونهما مصطلحين يؤديان إلى نفس المعنى، إلا أنهما في الحقيقة نجد أن هناك اختلاف طفيف بين التطعيم واللقاح، كما هو الشأن بالنسبة للقاح المتسخدم للجدري والتطعيم الذي يتلاقاه الرضع والأطفال تفاديا للإصابة بأمراض مستقبلية، كما أن اللقاح يستخدم مركبات فيروس غير مؤذ، إلا أنه وبالرغم من ذلك، فالاستعمال الشائع للقاح يمكن أن يطلق عليه كذلك مصطلح التطعيم.
بيد أن جهود التلقيح ضد فيروس كوفيد-19، ووجهت بخلافات وآراء متضاربة في الأوساط العلمية والأخلاقية والسياسية، وكذا المهتمين بالسلامة الطبية، وعلماء الشؤون الدينية (يهودية ومسيحية واسلامية)، في حين أنه في حالات نادرة ما تؤدي اللقاحات إلى أضرار وخيمة بحياة البشر، خاصة وأنه في حالة وجود أضرار جراء هذه اللقاحات يمكن أن يتلقى الأشخاص تعويضًا عبر برنامج "كوفاكس" أو برنامج التعويضات الدولي لأضرار اللقاحات .
غير أن التلقيح جلب النجاح المبكر من خلال الحملات الواسعة لتجريبها، حيث قامت بتقليل عدد الإصابات بشكل كبير للعديد من الأفراد في مناطق جغرافية هائلة.
ومنه فإن التلقيح هو استخدام مواد بيولوجية لتحفيز مناعة الشخص، لتكوين مناعة معينة تجاه ممرِض ما، كالفيروس مثلا.
وتعد اللقاحات هي أكثر الطرق فعالية لمنع الأمراض المعدية، حيث تمنع أو تقلل نسبة انتشار هذه الأمراض، إذ أن تلقيح نسبة كبيرة من الناس بشكل كافٍ، يؤدي لما يسمى بمناعة القطيع، زيادة على أنه يتم دراسة فعالية اللقاحات المستعملة بشكل واسع، للتحقق من نتائجها.
وقد جاء بالموقع الرقمي لوزارة الصحة المغربية "صفحة صحتي"، تعريف آخر للقاح، والذي نورده بناء على تقنية (سؤال – جواب) وذلك في ما يلي :
ما هو تعريف اللقاح ؟
اللقاح هو على شكل بكتيريا أو فيروس تعرض لعدة عوامل فيزيائية أو كيميائية سريعة الانفعال من أجل إضعاف قدرتها على إنتاج المرض. وهو يؤخذ إما عن طريق الفم والحقن العضلي.
كما يعمل اللقاح على تحفيز مناعة الجسم وتشجيعها على إنتاج مضادات الأجسام، وبالتالي الوقاية من الأمراض.
ما هو تعريف التلقيح ؟
التلقيح هو إجراء وقائي يقوم على حقن جسم غريب (الذي هو اللقاح) في جسم الإنسان من أجل حمايته ودرء بعض الأمراض المعدية.
لماذا ينصح بالتلقيح ؟
يعتبر التلقيح إجراء أساسيا، لأنه وسيلة وقائية تحمي الجسم من التعرض لمجموعة من الأمراض الخطيرة والمميتة، والتي يعتبر علاجها صعبا أو مكلفا، لهذا فإن التلقيح يضمن :
• الوقاية أو الحماية الفردية: أي الوقاية من المرض الملقح من أجله.
• الوقاية أو الحماية الجماعية: وذلك عبر مكافحة انتقال الأمراض للوسط الذي يعيش فيه الشخص المريض ( العائلة، المدرسة، الأصدقاء...) بالإضافة إلى مكافحة انتشار خطر الوباء.
إن تلقيح أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع يضمن لنا الحد من انتقال البكتيريا.

المطلب الثاني: السند التاريخي لظهور التلقيحات و إلزامية اللقاحات:
الفرع الأول: السند التاريخي لظهور التلقيحات:
حسب الموقع الرقمي لجمعية أطباء فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية، بخصوص الإطار الزمني (التاريخي) للقاحات (التطعيمات)، نجد المختصين يشيرون إلى كون الإطار الزمنى يمثل تطور التطعيم وأثر اللقاح على الصحة البشرية .
كون قصة التطعيم لم تبدأ بأول لقاح، والذي ابتكره الطبيب الإنجليزي "إدوارد جانر"، بل بدأت هذه القصة مع تاريخ الأمراض المعدية الطويل، وبالخصوص مع استعمال فيروس الجذري لتوفير مناعة من ذلك المرض.
كما أنه توجد أدلة كثيرة، تشير إلى أن الصينيين هم من أول الشعوب الذين استخدموا اللقاح ضد الجذري، قبل 1000 عام من العهد الحالي، كما أن التطعيم كان أيضاً ممارساً في أفريقيا وتركيا.
إلا أن مجهودات الطبيب الانجليزي "إدوارد جانر"، نتج عنها الاستعمال الناجح خلال سنة 1796 لمادة الجذري البقري لتحفيز مناعة الجذري الذي يصيب البشر، مما أدى بسرعة الى انتشار التطعيم ضد الجذري بمعظم انحاء العالم، إذ أن طريقة التلقيح مرت بتغييرات طبية وتكنولوجية كبيرة خلال 200 سنة التالية لاكتشافه، وأدت في النهاية الى محاربة الجذري.
كما أنه كان التطعيم ضد داء الكلب الذي اخترعه الطبيب الفرنسي "لويس باستور"، خلال سنة 1885، وهو من اللقاحات التي أثرت على الأمراض البشرية المعدية، وهو الاختراع الذي أسس لظهور علم "البكتريولوجيا"، الذي أحدث ثورة كبيرة في مجال اختراع وتجريب مضادات السم، واللقاح ضد الدفتيريا، والكزاز، والجمرة الخبيثة (أنثراكس)، والكوليرا، والطاعون، والتيفوييد، والسل، وغيرها من اللقاحات التي تم تطويرها خلال فترة الثلاثينيات من القرن العشرين.
وكان منتصف القرن العشرين زمنا نشطاً للبحث والتنمية في مجال التطعيم، حيث أدت طرُق تنمية الفيروسات في المختبرات العلمية، الى اكتشافات وتطويرات سريعة، بما في ذلك تطوير لقاح شلل الاطفال مثلا، لتظهر لقاحات ناجعة لإيقاف خطر الإصابة بأمراض جرثومية معدية وقاتلة كالحصبة والنكاف، والروبيلا.
في حين جاء بالموقع الرقمي لصحيفة RTONLINE من خلال تقريرها المعنون ب: "الأوبئة المروعة في الماضي قبل كورونا وتاريخ اللقاحات"، أن جائحة كورونا (كوفيد-19)، أعادت إلى الأذهان أوبئة الماضي المروعة التي أودت بحياة الملايين، حين كان البشر لا يعرفون وسائل للدفاع ضد قتلة غير مرئيين، ولم يكن متاحا وجود فرص للبقاء على قيد الحياة جراء الإصابة بفيروسات وجراثيم قاتلة .
وأن القليلون من يتذكرون مرض الجدري، الذي قضى وشوه مئات الملايين من الناس حول العالم، إلا أنه في نهاية المطاف قضى لقاح الجدري على المرض، بشكل نهائي.
كما أنه تم القضاء على العديد من الأمراض المعدية المميتة الأخرى، من خلال التطعيم وهو ما أنقذ حيوات لا حصر لها.
أما مر شلل الأطفال فقد قتل مئات الآلاف من البراعم الصغيرة، وأصاب ملايين آخرين بالشلل في جميع أنحاء العالم، حتى سمي المرض بـ "رعب الآباء"، بفضل التعامل المشترك لعلماء من قوتين عظميين، الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة.
كما أودت الحصبة هي الأخرى بحياة ما يقدر بـ 2.6 مليون شخص، كان معظهم من الأطفال، إذ ظهر في عام 1963، أول تطعيم ضد الحصبة الذي أنقذ لقاحه عشرات الملايين من البشر من الموت.
وأنه وبالرغم من نجاحة التلقيح ضد الحصبة، فإنه المرض عرف عودة قوية، إذ تزايد في السنوات الأخيرة معدل الإصابة بالحصبة في العالم، وهو ما يعزى إلى الربط بين تفشي المرض حسب آراء "مضادة للتطعيم"، حيث يعتقد البعض بوجود صلة بين مرض التوحد ولقاح الحصبة.
وقد أهدى الطبيب الفرنسي "لويس باستور" للعالم خلال القرن التاسع عشر، لقاحا ضد داء الكلب.
أما بشأن الملاريا فهي تقتل كل دقيقتين طفلا في العالم، وقد ظل العلماء يكافحون منذ عقود لابتكار لقاح ضدها، لكنهم لم يحققوا النجاح المتوقع بعد، فالملاريا حسب رأي الأطباء وعلماء البكتريولوجي، هو مرض عنيد، قد يتطلب مبالغ طائلة لمحاربته قد تصل إلى مبلغ 6 ملــــيارات دولار سنوي .
الفرع الثاني: إلزامية اللقاح:
بيد أن أنواع التلقيحات من حيث إلزاميتها، نوعان :
التلقيح الإجباري: وهو ما يُصطلح عليه أيضا بالتطعيم الإجباري، هو نشاط أو عمل طب تقرر
فرضه على المواطنين كالتزام قانوني، بهدف تحقيق الوقاية من الأمراض الوبائية المعدية.
التلقيح الاختياري: وهو تلقيح يعطى من باب وقاية الشخص لنفسه أو حتى لعائلته من بعض الأمراض المعدية وان كانت ليست بالخطيرة، التي تجعل المريض يلجأ إلى أخذ بعض اللقاحات مثل لقاح الأنفلونزا، وهو عندما يتجه إلى ذلك يكون بكامل إرادته وحريته غير محمول على ذلك بأي إجبار أو التزام قانوني، وهذا كله بداعي تحصين الجسم واكسابه مناعة ضد عدوى معينة وبالتالي حماية حياته والحفاظ عليها، فالمحرك الأساسي لأخذ التلقيح الاختياري هو تحقيق مصلحة شخصية فردية لا تحقيق مصلحة جماعية عامة.
المبحث الثاني: السند القانوني لفرض التلقيح والسبل القانونية لتحميل المسؤولية
(المدنية والزجرية) الناتجة عن أضراره المفترضة.
سوف نعالج من خلال هذا المبحث، السند القانوني للتلقيحات الإجبارية والاختيارية التي تجرب على المواطنين، سواء من خلال قراءتنا لمقتضيات القانون المغربي خاصة القانون الأسمى (الدستور)، أو ما سوف نستند عليه من خلال قراءتنا لدستور إنشاء منظمة الصحة العالمية وإقرارها ببرنامج التعويض عن الضرر الناجم عن لقاحات كوفيد-19، من باب أن تشخيص الفيروس وكذا التلقيحات الثلاثة، كانت من اقتراح هذه المنظمة العالمية، من باب أن الدستور المنشئ للمنظمة يسمو على القانون الوطني المغربي، سواء مقتضيات القانون الإطار رقم 34.09 ‏المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات أوالقانون رقم 28.13 المتعلق بحماية الأشخاص المشاركين في الأبحاث البيوطبية، كنصوص خاصة، ثم سوف نستقيه من خلال قراءتنا لمقتضيات الشريعة العامة (قانون الالتزامات والعقود)، وكذا القانون الزجري (القانون الجنائي)، والقانون المؤطر لعمل المرافق العمومية (القانون الإداري بما تشمله من شرطة إدارية وضبط إداري)، وكذا القانون الحامي للحقوق والحريات الفردية للمواطنين (الحريات العامة وميثاق حقوق الانسان)، وقانون حماية البيانات الشخصية، كنصوص عامة مؤطرة، مدعمين ذلك بما سوف نستشفه من مقتضيات القوانين المقارنة لكل من القانون الجزائري والأردني والفرنسي والبلجيكي والبريطاني والكندي وكذا اتفاقية أوفييدو لسنة 1999، وهو ما سوف تتقاسمه المطالب الثلاثة التالية:
،
المطلب الأول: السند القانوني لفرض التلقيح:
نجد أن السند القانوني لفرض التلقيحات التجريبية (البيوطبية) ومن ثم تحميل المسؤولية عن الأضرار - المفترضة - الناتجة عنها، تتقاسمها مجموعة من النصوص العامة والخاصة، التي رغم تشتتها بين عدة اتفاقيات دولية ومدونات وقوانين، فإنها تجتمع حول قاسم مشترك واحد، وهو منح اللقاحات السند القانوني الذي يجعلنا نحاول اقتراح حلول واقعية لتحمل المسؤولية الناتجة عن الأضرار - المفترضة - لها، وهي اللقاحات التجربيية التي بلغت إلى حد الساعة ثلاثة تطعيمات.
وبما أن الاتفاقيات الدولية تسمو على القانون الوطني بصريح ديباجة دستور2011، وكذا مجموعة من النصوص المؤطرة لسمو المعاهدات من حيث التنزيل والملاءمة في عدة مواضع من الدستور ، كما أن النص الخاص يرجح عن النص العام، فإننا سوف نجعل القانون الوطني المنظم للقاحات، في المرتبة الثانية، بعد تعرضنا لمقتضيات بنود الاتفاقية (الدستور المنشئ لمنظمة الصحة العالمية) من حيث إلزامية بنوده ككيان دولي عهد إليه بحماية الصحة العالمية وإصدار التقارير الخبراتية والاستشارية، ليلي ذلك ما سوف نستنبطه من القانون المقارن لكل من فرنسا والجزائر والأردن، وكذا اتفاقية أوفييدو لسنة 1999.
الفرع الأول: سند فرض منظمة الصحة العالمية، للتلقيحات المضادة لكوفيد-19:
إن سند فرض/اقتراح منظمة الصحة العالمية لعملية تجريب اللقاحات الثلاثة المضادة لكوفيد-19 على دول العالم عموما، وعلى المغرب خصوصا، يجد مناطه من خلال الشخصية القانونية الممنوحة لمنظمة الصحة العالمية إذ أن انضمام المغرب لدستور إنشاء هذه المنظمة بتاريخ: 14/05/1956 ، ثم طلب المغرب بجعله من أعضاء دول شرق البحر الأبيض المتوسط خلال سنة 1986، منح لدستور إنشاء المنظمة قوة السمو على القانون الوطني المغربي.
والجدير بالذكر أن التوقيع على بنود دستور (بمثابة قانون اتفاقي) إنشاء منظمة الصحة العالمية، بتاريخ 22 يوليو 1946 بمدينة نيويورك، ثم دخول بنود الدستور حيز التنفيذ، بتاريخ 7 أبريل 1948، جعل ميثاقا عالميا ملزما، من باب أنه يتضمن 82 مادة، تستهل بديباجة تتوزع على 19 مادة، تتوافق ومقتضيات الفصل التاسع المتعلق بالتعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي من ميثاق الأمم المتحدة، خاصة المادتين 55 و 57 منه .
بيد أنه ولأغراض منهجية تهم الموضوع المقترح في شقه المتعلق بمنظمة الصحة العالمية من حيث توفرها على الشخصية القانونية التي تمنحها سلطة تنفيذ المهام، وبالتالي تحمل مسؤوليتها تجاه الدول التي تنفذ لفائدتها هذه المهام، وهو ما قد يعد مبررا لإمكانية مقاضاتها، تبعا لأي استشارة أو تقرير أو خبرة طبية خاطئة قد تصدر عنها، وهي لا تتضمن بيانات وحقائق حقيقية وناجعة، بشأن أي مرض أو وباء، كوباء كوفيد-19 الذي أصدرت بشأنه تعليمات ونصائح تخص نشر معلومات حول لقاحات تجريبية مضادة للفيروس.
لذا، فإننا وقبل التطرق إلى مقتضيات دستور إنشاء منظمة الصحة العالمية، نشير إلى أن المقتضيات المتعلقة بإنشاء الوكالات المتخصصة عامة، وبمنظمة الصحة العالمية كوكالة دولية متخصصة في السهر على رعاية الصحة العامة لمواطني دول العالم، بصفة خاصة، من خلال استعراض مقتضيات اتفاقية الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها الوكالات الدولية المتخصصة، كما أقرتها جمعية الصحة العالمية الأولى في 17 يوليـو 1948 (السـجلات الرسـمية لمنظمـة الصحة العالمية رقم 13، الصفحتان 97 و332)، بناء على أقسام هذه الاتفاقيات، التي تشير إلى أن منظمة الصحة العالمية تتمتع مثلها مثل جميع المنظمات والوكالات المتخصصة بـ:
القسم 3:
تتمتـــع الوكـــالات المتخصصـــة بالشخصـــية القانونيـــة، ولهـــا الأهليـــة فـــي:
(أ) التعاقد،
(ب) اقتناء الممتلكات الثابتة والمنقولة والتصرف فيها،
(ج) التقاضي.
القسم 8 :
تراعــي كــل وكالــة متخصصــة أثنــاء ممارســتها لحقوقهــا بمقتضــى القســم 7 سالف الذكر أية ملاحظات توجهها إليها حكومة أيـة دولـة طـرف فـي هـذه الاتفاقيـة، وذلك بالقدر الذي ترى أن فـي وسـعها الاسـتجابة بـه لهـذه الملاحظـات دون إضـرار بمصالحها الخاصة.
القسم 16
لا تمـنح الامتيـازات والحصـانات لممثلـي الأعضـاء لمنفعـتهم الشخصـية، بـل لتأمين استقلالهم في ممارستهم لوظائفهم فيما يتعلق بالوكـالات المتخصصـة. ومـن ثـم فلـيس مـن حـق العضـو فقـط، بـل ومـن واجبـه أن يرفـع الحصـانة عـن ممثليـه فـي أيـة حالــة يــرى فيهــا العضــو أن الحصــانة ســتعوق ســير العدالــة وأن رفعهــا لــن يضــر بالغرض الذي منحت من أجله.
القسم 19
إن موظفي الوكالات المتخصصة:
• يتمتعون بالحصانة القضائية في جميع ما يصدر عنهم بصفتهم الرسـمية مـن أعمال أو أقوال أو بيانات مكتوبة.


القسم 21
بالإضــافة إلــى الامتيــازات والحصــانات المبينــة بالقســمين 19 و20، يتمتــع المــدير العــام لكــل وكالــة متخصصــة وكــذلك أي موظــف ينــوب عنــه أثنــاء غيابــه بـــنفس الامتيـــازات والحصـــانات والإعفـــاءات والتســـهيلات التـــي تعطـــى للمبعـــوثين الدبلوماســيين، طبقــا للقــانون الــدولي، وذلــك فيمــا يخــتص بشخصــه وزوجــه وأولاده القصر.
القسم 22:
تمـنح الامتيـازات والحصـانات للمـوظفين لصـالح الوكـالات المتخصصـة فقـط، ولــيس للمنفعــة الشخصــية للأفــراد أنفســهم. ولكــل وكالــة متخصصــة الحــق فــي رفــع الحصــانة عــن أي موظــف كمــا أن عليهــا أن ترفعهــا فــي أيــة حالــة تــرى فيهــا أن الحصــانة ســوف تعــوق ســير العدالــة وأن مــن الممكــن رفعهــا دون إخــلال بمصــالح الوكالة المتخصصة.
القسم 23:
تتعاون كل وكالة متخصصـة فـي كـل وقـت مـع السـلطات المختصـة بالـدول الأعضاء في سبيل تسهيل حسن سير العدالة وضمان مراعـاة لـوائح الشـرطة ومنـع حــدوث أي اســتغلال ســيئ للامتيــازات والحصــانات والتســهيلات المــذكورة فــي هــذه المادة.
المادة السابعة – سوء استغلال الامتيازات
القسم 24:
إذا رأت أية دولة طرف في هذه الاتفاقية أنه قـد حـدث سـوء اسـتغلال لامتيـاز أو حصـانة ممنوحـة بموجـب هـذه الاتفاقيـة، تجـرى مشـاورات بـين تلـك الدولـة والوكالـة المتخصصـة المعنيـة للتحقـق مـن وقـوع مثـل هـذا الاسـتغلال السـيئ ومحاولـة تجنـب تكراره إذا ثبت وقوعه، وإذا لم تؤد هذه المشاورات إلـى نتيجـة مرضـية للدولـة وللوكالـة المتخصصة المعنية، فيرفع الأمر إلى محكمة العـدل الدوليـة لتحديـد مـا إذا كـان هنـاك سـوء اسـتغلال لامتيـاز أو حصـانة وذلك طبقا للقسم 32، وإذا تبـين لمحكمـة العـدل سـوء الاســـتغلال، فمـــن حـــق الدولـــة الطـــرف فـــي هـــذه الاتفاقيـــة والتي تأثرت من جراء سوء الاستغلال المذكور، فـي علاقاتهـا مـع هـذه الوكالـة، أن توقـف مـنح الامتيـاز أو الحصـانة التـي أسـيء اسـتعمالها، وذلـك بعـد إخطـار الوكالـة بذلك.
المادة التاسعة – تسوية الخلافات
القسم 31:
على كل وكالة متخصصة أن تعتمد طرقا مناسبة لتسوية الأمور الآتية:
(أ) الخلافات الناشئة عن العقود أو أية خلافات أخـرى تخضـع لأحكـام القـانون الخاص، وتكون الوكالة المتخصصة طرفا فيها؛
(ب) الخلافـات التـي يكـون طرفـا فيهـا أي موظـف بوكالـة متخصصـة يتمتـع بسـبب منصــبه الرســمي، بالحصــانة إذا لــم تكــن الحصــانة قــد رفعــت طبقــا لأحكــام القسم 22.
القسم 32:
تحــال كــل الخلافــات الناشــئة عــن تفســير الاتفاقيــة الحاليــة أو تطبيقهــا إلــى محكمة العدل الدولية، إلا إذا اتفق الأطراف في حالة معينة علـى الالتجـاء إلـى وسـيلة أخرى لتسـوية الخـلاف، وإذا نشـأ خـلاف بـين إحـدى الوكـالات المتخصصـة مـن جهـة وبين دولة عضو من جهة أخرى، يطلب رأي استشاري بشـأن أيـة نقطـة قانونيـة تكـون قــد أثيــرت طبقا للمادة 96 مــن ميثــاق الأمــم المتحــدة والمــادة 65 مــن النظــام الأساسـي لمحكمــة العـدل، وللأحكــام المناسـبة الـواردة فــي الاتفاقـات المعقـودة بــين الأمم المتحدة والوكالة المتخصصة المعنيـة، وتقبـل الأطـراف رأي المحكمـة بوصـفه نهائيا.
القسم 33:
تطبــق المــواد الموحــدة علــى كــل وكالــة متخصصــة مــع مراعــاة أيــة تعــديلات ناتجـــة عـــن الـــنص النهـــائي (أو المـــنقح) للملحـــق المتعلـــق بتلـــك الوكالـــة كمـــا هـــو منصوص عليه في القسمين 36 و38.
القسم 34:
يجب أن تفسر أحكام الاتفاقية فيما يتعلـق بكـل وكالـة متخصصـة علـى ضـوء الاختصاصات المنوطة بتلك الوكالة بمقتضى وثيقتها الدستورية.
القسم 39:
أحكـام هـذه الاتفاقيـة لا تحـد أو تمـس بـأي حـال الامتيـازات والحصـانات التـي أعطتها أو قد تعطيها أية دولة لأية وكالـة متخصصـة بسـبب وجـود مقرهـا أو مكاتبهـا الإقليميـة فـي أرض تلـك الدولـة. ولا يصـح تفسـير هـذه الاتفاقيـة علـى أنهـا تمنـع أيـة دولة طرف بها من أن تعقد مع أيـة وكالـة متخصصـة اتفاقـات إضـافية مـن شـأنها أن تعــدل أحكــام هــذه الاتفاقيــة أو أن توســع أو تحــد مــن نطــاق الامتيــازات والحصــانات الممنوحة بمقتضاها.
الملحق السابع - منظمة الصحة العالمية.
تنطبـــق المـــواد الموحـــدة علـــى منظمـــة الصـــحة العالميـــة (المســـماة فيمـــا يلـــي "المنظمة").
بيد أنه وبعد استعراض مقتضيات اتفاقية الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها الوكالات الدولية المتخصصة، سوف نعود إلى مناقشة مضمنات دستور إنشاء منظمة الصحة العالمية، من باب حديثنا عن الشخصية القانونية لمنظمة الصحة العالمية، غير أنه ولأسباب منهجية، سوف نكتفي بقراءة مقتضيات كل من المواد 2 و19 و21 و 22 و28 و 66 و68 و 75 من دستور منظمة الصحة العالمية، وذلك على النحو التالي:
تنص المادة 2 من دستور المنظمة (الفقرات ذات الحروف فاء وقاف وراء وشين وتاء) من الفصل الثاني، المتعلقة بوظائف /مهام، منظمة الصحة العالمية على:
تمارس المنظمة لتحقيق هدفها الوظائف التالية:
……..
……..
(ف) تقديم المعلومات والمشورة والمساعدة في حقل الصحة؛
…….
(ق) وضع تسميات دوليـة للأمـراض ولأسـباب الوفـاة، ولممارسـات الصـحة العامـة، ومراجعة هذه التسميات كلما دعت الضرورة؛
…….
(ر) توحيد طرق التشخيص بالقدر اللازم؛
(ش) وضــع معــايير دوليــة للمنتجــات الغذائيــة والحياتيــة والصــيدلية ومــا شــابهها، وتقريرها ونشرها؛
(ت) و بصفة عامة، اتخاذ كل ما يلزم لبلوغ هدف المنظمة.
و من باب إقرار الشخصية القانونية لمنظمة الصحة العالمية، نجد أن المادة 19 من الفصل الخامس من دستور المنظمة، المتعلق بجمعية الصحة العالمية، تشير إلى أنه:
لجمعيــة الصــحة ســلطة إقــرار الاتفاقيــات أو الاتفاقــات المتعلقــة بأيــة مســألة تـدخل فـي اختصـاص المنظمـة، ويتطلــب إقـرار هـذه الاتفاقيـات أو الاتفاقـات، موافقــة جمعيـة الصـحة بثلثـي الأصـوات، وتصـبح نافـذة بالنسـبة لكـل دولـة عضـو، متـى قبلتهـا طبقا لقواعدها الدستورية.
ومن أجل سبر أغوار المهام الموكولة إلى منظمة الصحة العالمية، نجد المقتضيات التي تنص عليها المادة 21 من الفصل الخامس نفسه، من دستور المنظمة، المتعلق بجمعية الصحة العالمية، تشير إلى أنه:
لجمعية الصحة سلطة إقرار الأنظمة المتعلقة بما يلي:
(أ) الاشتراطات الصحية وإجـراءات الحجـر الصـحي وغيرهـا مـن الإجـراءات، التـي يراد بها منع انتشار الأمراض على الصعيد الدولي؛
(ب) التسميات المتعلقة بالأمراض وأسباب الوفاة وممارسات الصحة العامة؛
(ج) المعايير المتعلقة بطرق التشخيص لتطبيقها على الصعيد الدولي؛
(د) المعــايير المتعلقــة بســلامة ونقــاء وفعاليــة المنتجــات الحياتيــة والصــيدلية ومــا يماثلها من منتجات متداولة في التجارة الدولية؛
(ه) الإعـلان عـن المنتجـات الحياتيـة والصـيدلية ومـا يماثلهـا مـن منتجـات متداولـة في التجارة الدولية وبيان أوصافها.
و لتنفيذ الأنظمة والتدابير المتعلقة بالصحة العالمية داخل أقاليم الدول الأعضاء، نجد أن المادة 22 من الفصل الخامس عينه، من دستور المنظمة، المتعلق بجمعية الصحة العالمية، قد نصت على أن:
الأنظمـة التـي يـتم إقرارهـا طبقـا للمـادة 21، تعتبـر نافـذة بالنسـبة لجميـع الـدول الأعضاء بعد تلقـي إشـعار بتصـديق جمعيـة الصـحة عليهـا، وتسـتثنى مـن ذلـك الـدول الأعضاء التي قد تبلغ المـدير العـام برفضـها إياهـا أو بتحفظاتهـا عليهـا، فــي خــلال المدة المحددة في الإشعار.
لنجد أن المادة 28 (البند ذي الحرف طاء) من الفصل الخامس نفسه، تشير ومن باب الوظائف التي يناط بها للمجلس التنفيذي للمنظمة، إلى أن:


وظائف المجلس هي:
(ط) القيـام، فـي نطـاق وظـائف المنظمـة ومواردهـا الماليـة، باتخـاذ تـدابير الطـوارئ لمواجهــة الأحــداث التــي تقتضــي إجــراء فوريــا، وللمجلــس بصــفة خاصــة أن يخـول المدير العام لأوبئـة، المـدير العـام اتخـاذ الخطـوات اللازمـة لمكافحـة الأوبئة، والمشاركة في تنظيم الغـوث الصـحي لضـحايا الكـوارث، وإجراء الدراسـات والأبحـاث التـي يوجه نظر المجلس إلى صفتها العاجلة أي مـن الـدول الأعضـاء أو المـدير العام.
وبانتقالنا إلى مقتضيات الفصل الخامس عشر المتعلق بالأهلية القانونية والامتيازات والحصانات، خاصة المادة 66 من دستور المنظمة، التي تشير في الشق المتعلق بترجمة الشخصية القانونية لمنظمة الصحة العالمية على أرض الواقع، إلى أنه:
تتمتع المنظمة في أراضي كل دولـة عضـو بالأهليـة القانونيـة اللازمـة لتحقيـق هدفها وممارسة وظائفها، وهو ما سوف تؤكده مقتضيات المادة 67 من نفس الفصل، والتي أشارت إلى أنه:
(أ) تتمتــــع المنظمــــة فــــي أراضــــي كــــل دولــــة عضــــو بالامتيــــازات والحصانات اللازمة لتحقيق هدفها وممارسة وظائفها.
(ب) يتمتع كذلك ممثلو الدول الأعضاء، والأشـخاص المعينـون للعمـل فـــي المجلـــس، وموظفـــو المنظمـــة التقنيـــون والإداريـــون، بالامتيـــازات والحصـــانات الضرورية لحرية ممارسة وظائفهم المتعلقة بالمنظمة وهو ما يتوافق ومقتضيات المادة 68 من نفس الفصل، التي أشارت على أنه:
تحــــــدد هــــــذه الأهليــــــة القانونيــــــة والامتيــــــازات والحصــــــانات فــــــي اتفــــــاق مسـتقل تعـده المنظمـة، بالتشـاور مـع الأمـين العـام للأمـم المتحـدة، ويعقـد بـين الـدول الأعضاء.
لنصل في الختام إلى مقتضيات الفصل الثامن عشر المتعلق بتفسير أو وسائل تطبيق بنود دستور إنشاء المنظمة، حيث نجد أن مقتضيات المادة 75 منه، المتعلقة بالتدابير الإجرائية التي على الدولة المتضررة القيام بها، في سبيل مساءلة المنظمة عن الأضرار التي قد تنتج عن سوء تنفيذ المهام بشكل سوي، إذ أشارت هذه المادة إلى أنه: "أي مســـألة أو نـــزاع بشـــأن تفســـير هـــذا الدســـتور، أو تطبيقـــه لا تـــتم تســـويته بالمفاوضة أو بوساطة جمعية الصحة، يحال إلى محكمة العـدل الدوليـة، طبقـا لنظام المحكمة الأساسي، ما لم تتفق الأطراف المعنية على طريقة أخرى للتسوي".
مع الإشارة ومن باب الاستثناء من المقتضيات العامة من المادة 75 أعلاه، نجد أن المقتضيات الخاصة المنصوص عليها في الاتفاقية المبرمة بين منظمة الصحة العالمية ومركز الجنوب، والتي تتضمن تفسيرا واضحا للعبارة الأخيرة من المادة 75 أعــــلاه: "ما لم تتفق الأطراف المعنية على طريقة أخرى للتسوية“، وهي العبارة التي تشير إليها المادة 1: إن منظمة الصحة العالمية (المسماة فيما يلي "المنظمـة")، مـن جهـة؛ ومركـز الجنوب، من الجهة الأخرى؛ ويسميان على حدة ومعا، فيما يلي بالترتيب، "الطرف" و"الطرفان".
مــع مراعــاة أن هــدف منظمــة الصــحة العالميــة هــو أن تبلــغ جميــع الشــعوب، أرفــع مســتوى صــحي ممكــن، وأن تحقيــق هــذا الهــدف يقتضــي أن تعمــل المنظمــة بوصفها سلطة التوجيه والتنسيق فيما يتعلق بالشؤون الصحية الدولية؛
وكـذلك مــع مراعـاة أن مركـز الجنــوب منظمــة حكوميـة دوليـة للبلـدان الناميـة أنشــئت كثمــرة مــن ثمــار عمــل وخبــرة لجنــة الجنــوب، بمــا فــي ذلــك تقريرهــا المعنــون "التحــدي الــذي يواجهــه الجنــوب"، وذلــك بهــدف تعزيــز المشــورة الخاصــة بالسياســات وتعزيز التعاون فيما بين البلدان النامية في جهودها المبذولة مـن أجـل تحقيـق التنميـة الاقتصادية المستدامة؛
والتي تحددها بجلاء مقتضيات المادة 8 من الاتفاقية، عندما أشارت إلى أنه:
تسوية النزاعات
يسوى أي نـزاع أو خـلاف أو مطالبـة ممـا قـد يترتـب علـى تفسـير هـذا الاتفـاق أو تطبيقــه وديــا عن طريق التفاوض بين الطرفين، وإذا أخفقت مساعي التفاوض الودي، يحال أي نزاع من هذا القبيل، بناء على طلب أي من الطرفين إلى التحكيم، وفقا لقواعد التحكيم السارية للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي .
والجدير بالذكر، وتفعيلا للمهام والامتيازات التي تتمتع بها منظمة الصحة العالمية في مجال الصحة العالمية، نجد أن المنظمة وبتنسيق مع منظمة اليونيسيف، أصدرت شهر يونيو 2021 كتيبا لإرشاد دول العالم أسمته: "ارشادات بشأن وضع خطة وطنية للنشر والتطعيم بلقاحات كوفيد-19: ارشادات مبدئية" ، مضمن به 13 هدفا و4 ملاحق، قابلة للتحيين واقتراح حلول جديدة بناء على المستجدات التي قد تطرأ على الوضع الصحي العالمي، وكذا تبعا لأي متحور جديد قد يعرفه فيروس كوفيد-19.
وأنه استنادا إلى كتيب الإرشادات المشار إليه أعلاه، النابع من سلطات منظمة الصحة العالمية عملا بالشخصية القانونية التي تتمتع بها المنظمة من خلال دستور إنشائها، وما به من بنود ملزمة للدول الأعضاء بها، وهو ما أشار إليه الكتيب من خلال العبارات الأربعة التالية:

العبارة الأولى: رسائل أساسية:
يتمثل الغرض من هذه الوثيقة في إرشاد الحكومات الوطنية إعداد وتحديث خططها الوطنية للنشر والتطعيم بلقاحات كوفيد-19 تستند هذه الإرشادات إلى الوثائق الحالية والمبادئ الأساسية لإطار القيم لفريق الخبراء الاستشاري الاستراتيجي المعني بالتمنيع، التابع للمنظمة بشأن تخصيص اللقاحات وتحديد أولويات التطعيم ضد مرض كوفيد-19 ،وخارطة الطريق الخاصة بتحديد الأولويات، وآلية التخصيص العادل والمنصف للقاحات كوفيد-19، من خلال مرفق إتاحة اللقاحات (كوفاكس)، وسوف يتواصل بناء هذه الإرشادات من خلال التوصيات الخاصة باللقاحات، نظرا لعدم اليقين السائد حاليا، فيما يختص بتطوير اللقاحات، فإن هذه الإرشادات تستند إلى افتراضات أساسية، والتي تعد أفضل ما هو متاح في الوقت الحاضر، إذ أن هناك احتمال كبير أن تحتاج هذه الافتراضات إلى التحديث، مع مرور الوقت، بسبب الوضع المتطور، وبالتالي لا يتعين اعتبار اللقاحات التجريبية لقاحات نهائية، حيث ينبغي توقع حدوث تغييرات في المستقبل، مما سوف يجعل هذه الوثيقة الإرشادية متاحة على موقع منظمة الصحة العالمية على شبكة الأنترنت، وأيضا على موقع شبكة تكنت-21 (21TechNet)، كوثيقة نموذجية، وسيجرى تحديثها حالما تتوفر معلومات جديدة في هذا الشأن.
العبارة الثانية: الجهات المستهدفة:
هذه الوثيقة الإرشادية موجهة إلى السلطات الوطنية المسؤولة عن إدارة نشر، وتنفيذ، ومراقبة لقاحات كوفيد-19 ،وكذلك إلى الشركاء الذين يقدمون الدعم المطلوب في هذا الإطار.
وأنه وكما هو الحال في غالبية البلدان، حيث يقع إنشاء آلية للنشر والتطعيم بهذه اللقاحات على عاتق وزارة الصحة، فإن الغرض من هذه الوثيقة الإرشادية هو تقديم الدعم لها في إعداد آليات التنسيق عبر جميع القطاعات الحكومية، وأصحاب المصلحة المتعددين.
العبارة الثالثة: أهداف هذه الوثيقة الإرشادية:
تقدم هذه الوثيقة الإرشادية الخاصة بالخطة الوطنية للنشر والتطعيم باللقاحات، إطار عمل لدعم البلدان فيما يلي: وضع وتحديث خططها الوطنية للنشر والتطعيم باللقاحات، من أجل إدخال اللقاحات المضادة لكوفيد-19؛ تصميم استراتيجيات لنشر، وتنفيذ، ومراقبة لقاح (لقاحات) كوفيد-19 في الدولة؛ ضمان توافق الخطة والتمويل ذي الصلة، بشكل جيد، مع الخطط الوطنية الأخرى الخاصة بالتعافي والدعم والاستجابة لجائحة كوفيد-19 ،وتكامل تنفيذ هذه الخطط، بشكل تام، مع آليات الحكامة/الحوكمة الوطنية.

العبارة الرابعة: عوائق هذا الدليل الإرشادي:
وفي وقت صياغة هذه الوثيقة، ال يزال الكثير غير معروف عن الخصائص الكاملة للقاحات كوفيد-19 التي ستتلقى ترخيص، وبالتالي، ما هي منتجات اللقاح التي سيتم توفيرها للبلدان، وفي أي إطار زمني.
ذلك يعيق توفير إرشادات واضحة في بعض الأقسام، على سبيل المثال، بيانات محددة عن الاستجابة المناعية في مختلف الفئات العمرية، النساء الحوامل والشخاص الذين يعانون من ظروف صحية لا تزال غير معروفة، وهذا يجعل من الصعب التحديد الدقيق للفئات المستهدفة، وبالتالي، استراتيجيات التطعيم الدقيقة للوصول إليهم. على الرغم من أن هذه الإرشادات قد حددت الهدف المحتمل السكان استنادا إلى وثائق التوجيه الخاصة بفريق الخبراء الاستشاري الاستراتيجي المعني بالتمنيع، التابع للمنظمة وإطار خارطة الطريق لتحديد الأولويات لدعم البلدان، فإن استراتيجية التطعيم النهائي سوف تحتاج إلى تحديد من قبل خصائص منتجات اللقاحات عندما تصبح متاحة(7،10)، إن الأدوات التي يمكن أن تدعم التكيف مع سياق وخصائص اللقاحات على حد سواء، سيتم الحاجة إليها لمساعدة البلدان في إعداد وتوسيع نطاق المقدرة. على الرغم من عدم وجود معلومات مفصلة، تم إعطاء سمات منتجات اللقاح كوفيد-19، والمؤشرات العامة لدعم البلدان في التفكير في الاحتياجات المحتملة لسلسلة فائقة البــرودة (UCC ،( وإدارة الموارد البشرية وتدريب الموظفين.
يمكن للبلدان التخطيط بالفعل للعديد من الأنشطة التحضيرية التي ستكون مطلوبة لإدخال لقاح كوفيد- 19أو بدئها، بغض النظر عن ورود منتج اللقاح في نهاية المطاف، وأنه بمجرد أن يقترب اللقاح، أو اللقاحات، من الموافقة عليه، وتم فهم المزيد عن خصائصه، سيتم تحديث هذه الوثيقة التوجيهية.
بيد أنه ومن باب التفعيل الواقعي لسياسة المنظمة في تنسيقها مع منظمات ووكالات دولية متخصصة تتقاطع معها في المهام والأهداف، نجد تنسيقها مع مجموعة البنك الدولي بخصوص تمويل جانب من توفير اللقاح، وهو التنسيق العملي الذي جمع كل من منظمة الصحة العالمية و"كوفاكـــــــــس" و البنك الدولي .
غير أنه ولتقريب وجهة نظر منظمة الصحة العالمية بخصوص سياستها إزاء لقاحات كوفيد-19، سوف نقوم بعرض لقاء صحفي انعقد خلال سنة 2020، مع أحد الأطر الطبية الذي يعد ممثلا عن منظمة الصحة العالمية، حيث أعطى معلومات مستفيضة بخصوص إقرار اللقاحات المضادة لكوفيد-19، من خلال ما تم عرضه عن طريق صفحة "أخبار منظمة الأمم المتحدة" حول فعالية وأمان اللقاحات وطبيعة الفيروس المتغير، بناء على مقال معنون بـ: "لا يوجد "كوفيد-20"، وقد تمحورت الأسئلة على اللقاح وتبعاته" .
وقد طرح المقال المنشور عبر الصفحة الرقمية لمنظمة الأمم المتحدة، عدة أسئلة على الدكتور أمجد الخولي، استشاري الأوبئة في منظمة الصحة العالمية، والذي أجاب عنها في حوار مطول تم نشره على جزئين، وقد كان من بين الأسئلة التي طرحت بالجزء الأول من الحوار:
أي اللقاحات أكثر أمانا، وهل أخذها يكون إجباريا؟ وكم مدة فعالية اللقاح، ما المتغيّر الجديد في فيروس كورونا وماذا تعني سرعة انتشاره؟
هذه بعض الأسئلة التي تلقيناها من القراء والمتابعين، على مدار الأسبوع، استجابة لدعوتنا للمشاركة في فقرة: اسألوا منظمة الصحة العالمية، في مساعينا للبحث عن المعلومة الصحيحة والموثوقة المتعلقة بجائحة كوفيد-19.

أخبار الأمم المتحدة: أهلا بك د.أمجد. نبدأ بسؤال من المتابعين عن أي اللقاحات أكثر أمانا خصوصا مع تعددها وتعدد التكنولوجيا المستخدمة لكل لقاح؟
د. أمجد الخولي: في البداية أشكركم على هذه المبادرة للإجابة عن أسئلة الناس وخاصة أن ثمّة معلومات مغلوطة يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه فرصة لتوضيح بعض الحقائق، ودائما منظمة الصحة العالمية تتحدث عن حقائق مبنية على المعلومات والأدلة.
فيما يتعلق باللقاحات، كما أشار السائل، فهناك الكثير من اللقاحات يتم الحديث عنها، ولا بدّ من الإشارة إلى أن اللقاح كي يتم اعتماده، يجب أن يمرّ بثلاث مراحل أساسية، وهي المراحل الإكلينيكية أو السريرية، وقياس فعاليته ومأمونيته. حتى الآن، عدد قليل جدا أنهى المرحلة الثالثة، رسميا هناك ثلاثة لقاحات أنهت المرحلة الثالثة تماما، وهناك لقاح رابع يُقال إنه في الطور الأخير من إنهاء المرحلة الثالثة.
ما يهمّ الآن هو دراسة مأمونية وفاعلية هذا اللقاح من قبل منظمة الصحة العالمية، فمن الصعب جدا القول أيّهما أفضل، لأن المأمونية والفاعلية تختلف من لقاح إلى آخر، ولكن من المهم أن ندرك أن المأمونية تُعتبر مرتفعة جدا في كل اللقاحات التي أنهت المرحلة الثالثة، والاختلاف يكون في الفاعلية، وبالطبع اختيار الدولة للقاح الذي ستستخدمه سيكون مبنيا على فاعلية هذا اللقاح بالإضافة إلى توافر البنية الأساسية اللوجستية ودرجة التبريد وسبل نقل اللقاح، إذ هناك أربعة لقاحات، أحدها أرسل كافة البيانات للاعتماد وتم اعتماده من قبل أكثر من جهة علمية، وبدأ استخدامه بشكل علمي وفعلي في عدد من دول العالم، وأن باقي اللقاحات لا تزال تجري بعض التجارب، وفي انتظار إرسال كافة التفاصيل للإعلان عن فعاليتها ومأمونيتها.
أخبار الأمم المتحدة: أحد القراء يتساءل هل سيكون أخذ اللقاح إجباريا ؟
د. أمجد الخولي: من الصعب جدا إجبار أحد على أخذ اللقاح. ولكن بالطبع لكل دولة التشريعات والقوانين الخاصة بها، ولكننا لا نحبّذ فكرة الإجبار، ولكن قد تقوم بعض الدول بفرض شرط لممارسي بعض المهن خاصة المهن الطبية، أن يقوم الفرد بالحصول على هذا اللقاح. قد تقوم بعض الدول بعد ذلك في اشتراط السفر إليها بأخذ اللقاح.
هناك فرق بين الفرضية والإجبارية التي سوف تلزمها الدول على مواطنيها وبين بعض الاشتراطات وخاصة المتعلقة ببعض المهن والسفر والمشاركة في بعض الفعاليات، هذا قد يكون أمرا وارد التطبيق ومقبولا علميا لتقليل فرص انتشار المرض.
أخبار الأمم المتحدة: ماذا تقول لمن يعبّر عن خوفه من الأعراض الجانبية لتلقي اللقاح؟
د. أمجد الخولي: في الحقيقة هذا تخوّف مفهوم ومقبول، ولكن لا بد من القول إن هذا التخوّف ظهر مع كل لقاح. ولقاح كوفيد-19 ليس هو اللقاح الأول في تاريخ البشرية، هناك كمّ كبير، عشرات اللقاحات ظهرت وأثبتت فعاليتها بالرغم من خوف الناس في البداية. التخوّف الذي نواجهه اليوم تم إظهاره من قبل في اللقاح الخاص بشلل الأطفال والدفتيريا والحصبة وغيرها. هذا تخوّف إنساني مقبول، ولكن لا يمكن اعتماد لقاح من قبل منظمة الصحة العالمية أو الجهات العلمية المعتبرة بدون التأكد بشكل كامل من مأمونيته. إذا تم اعتماده من قبل هذه الهيئات، فأؤكد للسائل الاطمئنان تماما، فلا يمكن التهاون في مسألة مأمونية اللقاح أو فعاليته، نحن نواجه طفرة بشرية وعلمية كبرى استطاعت أن تنجز هذا اللقاح في فترة زمنية بسيطة، ولكن لن يكون على حساب فعالية ومأمونية اللقاح.
أخبار الأمم المتحدة: بعض الأسئلة وردت عن الفيروس المتغير الجديد، هل اللقاح فعّال لمكافحته؟
د. أمجد الخولي: الإجابة القصيرة "نعم".
لا يوجد حتى الآن أي دليل علمي أن الطفرة الجديدة أثّرت على فاعلية اللقاح أو فرصة استجابة الفيروس للقاح، وبالتالي الإجابة، نعم حتى الآن لا يوجد ما ينفي هذه الحقيقة.
أخبار الأمم المتحدة: يُقال إن الفيروس المتغيّر ينتقل بسرعة - أسرع من سابقه، ماذا يعني ذلك؟
د. أمجد الخولي: أشكركم على هذا السؤال.
خلال الأيام القليلة الماضية تم الإعلان عن هذا التطور الجديد في المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا، وأنه يؤثر على سرعة انتشار الفيروس، وإنه من المهم أن نعرف أن الفيروس هو عبارة عن حامض نووي أو تركيبة جينية تحمل الصفات الوراثية للفيروس ومغلفة بغلاف بروتيني، هذا الغلاف يحتوي على عدد من النتوءات أو البروزات البروتينية، وما يحدث هو تغيير في شكل هذه النتوءات، يجعلها تدخل الخلايا البشرية بشكل أكثر سهولة، وبالتالي إذا التقط شخص ما الفيروس، والفيروس لم يكن قادرا على اختراق الخلايا، فهو لن يمرض، ولن تظهر عليه أعراض ولن يكون إيجابيا حتى بالمسحة، وسيموت الفيروس إذا لم يخترق الخلايا البشرية.
ما حدث من هذا التغيّر، جعل الفيروس أكثر سهولة لاختراق هذه الخلايا، وبالتالي لو كنا نتحدث بالسابق على سبيل المثال عن 10% من الأشخاص الذين يتعرّضون للفيروس ويستطيع الفيروس دخول خلاياهم، فهذه النسبة ارتفعت بنسبة 70%، أي بدلا من 10% أصبحت نسبة الأشخاص الذين يمكن أن يُصابوا 17%، هذا رقم كبير بشكل مؤثر ويحتاج المزيد من الإجراءات، ولكن هذه التغييرات تؤثر فقط على دخول الفيروس للخلية حتى الآن، ولكن لم تؤثر بعد على حدّة وقوة المرض، لا تزال نفس المضاعفات ومعدلات الوفيات كما هي، ولكنه ينتشر بشكل أسرع ويصيب الأشخاص بشكل أعلى.
أخبار الأمم المتحدة: ثمّة من يسأل هل هناك فعلا سلالة جديدة باسم كوفيد-20 COVID-20؟
د. أمجد الخولي: لا يوجد ما يُسمّى بكوفيد-20. كوفيد-19 سُمي كذلك نسبة لعام 2019 عندما ظهر فيروس جديد، لم يظهر فيروس جديد في عام 2020، كل ما ظهر هو سلالة أو نمط جديد من نفس الفيروس ونفس العائلة، وله نفس الخصائص الجينية، يستطيع الجسم التعرّف عليه من خلال الأجسام المضادة لو سبقت الإصابة أو حصل الشخص على اللقاح. هو نفس الفيروس ولكن حصل عليه بعض التعديلات من الشكل الخارجي أتاحت له فرصة انتشار أكبر ولكن لا يزال نفس الفيروس، لا يوجد ما يُسمّى بكوفيد-20.
أخبار الأمم المتحدة: ما مدة مفعول اللقاح في جسم الإنسان؟
د. أمجد الخولي: في الحقيقة هذا سؤال لم تتم الإجابة عنه حتى الآن، لا تزال المدة القصوى لفاعلية اللقاح تحت الاختبار، من المهم جدا أن نعلم أن الاختبارات الإكلينيكية لا تزال في طورها الأول منذ عدّة شهور، وبالتالي من الصعب جدا الحكم على المدة التي سوف يعطيها اللقاح من مناعة، ولكن ما نستطيع أن نقوله الآن إنها في حدود ستة أشهر على الأقل، غالبا ستكون أطول من ذلك، لكن حتى الآن لم تستمر الأبحاث مدة أطول، وبالتالي من الصعب التكهن بالفترة النهائية التي ستستمر فيها هذه المناعة، ونتوقع أن تتعدى العام، ولكن ما نقوله يقوم على الأدلة حتى الآن، وهي ستة أشهر.
أخبار الأمم المتحدة: يتساءل بعض المتابعين عما إذا كان الحصول على التطعيم الموسمي للإنفلونزا قد يضرّ أخذ لقاح الكورونا بعدها؟
د. أمجد الخولي: لا يوجد تضارب بين الاثنين، نحن ننصح بأخذ لقاح الإنفلونزا للفئات الأكثر عرضة لخطر ومضاعفات الإصابة، أي الأطر الطبية وكبار السن والحوامل والأشخاص ذوي الأمراض المزمنة، وننصح بأخذ لقاح كوفيد-19، ولكن توجد أولويات تم تفصيلها لأن الإنتاج العالمي لا يكفي احتياجات الأفراد على مستوى العالم، لذا فإن الأولوية تكون لكبار السن والأطر الطبية، إذ لا يوجد أي مانع أو تداخل لأخذ اللقاحين ولكن من المهم معرفة أن لقاح كوفيد-19 لا يعطي حماية من الإنفلونزا، ولقاح الإنفلونزا لا يعطي حماية من كوفيد-19.
أخبار الأمم المتحدة: لقاح الإنفلونزا يؤخذ في فصل الخريف.
هل لقاح كورونا يجب أن يؤخذ أيضا في وقت معيّن حتى تكون فعاليته أفضل؟
د. أمجد الخولي: لا، الإنفلونزا لها وضع خاص، لأنها موسمية.
كل عام توجد مجموعة من الفيروسات تكون أكثر انتشارا، الإنفلونزا ليست فيروسا وحيدا، هي مثل عائلة كبيرة فيها مئات الأفراد ويتم اختيار اللقاح الخاص بالإنفلونزا كل عام بناء على الأنواع الأكثر انتشارا ليحتويه هذا اللقاح، وبالتالي يُنصح أخذه بالتحديد في فصل الخريف قبل بدء فصل الشتاء وهو موسم انتشار الإنفلونزا.
ما نراه في كوفيد-19 أنه انتشر في فصل الصيف ولم يتأثر بدرجات الحرارة، وبالتالي يُنصح بأخذ اللقاح وقتما يتوفر وعندما يكون الشخص مؤهلا ويقع ضمن الفئات التي لها أولوية لأخذ اللقاح.
أخبار الأمم المتحدة: هل يجب أن يتأكد المرء من خلوّ الشخص من مرض كورونا عندما يتلقى اللقاح؟
د. أمجد الخولي: لا، من المفترض أن يكون الشخص الذي تمت إصابته من قبل لديه مناعة، ولكن أخذ اللقاح لن يضرّه.
من الصعب جدا اختبار كل شخص قبل أخذ اللقاح، ربما لا يوجد أي ضرر بل على العكس قد تكون النتيجة فعّالة أكثر.
أخبار الأمم المتحدة: هناك من يسأل إذا أخذتُ اللقاح، فمتى يبدأ مفعوله؟ ولماذا يجب أن أستمر بارتداء الكمامة واتباع إجراءات السلامة حتى بعد أخذ اللقاح؟
د. أمجد الخولي: هذا من الأسئلة المهمّة، ومن المتوقع أن يبدأ مفعول اللقاح بعد أسبوعين من الحصول عليه، فالجسم يحتاج لفترة زمنية تتراوح بين أسبوع وأسبوعين، كما أنها تختلف المدة بحسب جسم الإنسان وقوة جهاز المناعة في إنتاج الأجسام المضادة.
هذا سبب المطالبة بالالتزام بالإجراءات الاحترازية واستخدام الكمامة والتباعد البدني، كما أن الأمر الآخر، هو أن اللقاح لن يكون حلا سحريا ولن يكون بديلا فوريا عن الإجراءات الاحترازية لأنه كما نعلم جميعا لا يوجد لقاح أو علاج بفعالية 100%، دائما ثمّة أشخاص، ربما لأسباب صحية أو وراثية أو أسباب غير معلومة، لن يكونوا قادرين على إنتاج أجسام مضادة.
وبالتالي لا نعلم جيدا إذا كنت أنا من هذه المجموعة أم لا.
طالما أنه يوجد أشخاص لم يُطعّموا بعد ونسبة المطعمين ومن لديهم المناعة قليلة، فرصة انتقال المرض لا تزال عالية، فإننا ننصح دائما بالاستمرار في هذه الإجراءات إلى أن نصل إلى درجة تمنيع مجتمعية عالية جدا وسوف يكون الجميع في أمان، يمكن ساعتها التقليل من الإجراءات الاحترازية.

أخبار الأمم المتحدة: كم ثمن اللقاح وهل سيُتاح للجميع؟
د. أمجد الخولي: يوجد لقاح تنتجه شركات يكون له سعر محدد، فحتى الآن من يقوم بشراء اللقاح هي الدول وليس الأفراد، وهنا ننظر على مستوى الدول، حتى الآن لم يتم تداوله في الأسواق ليشتريه المواطن العادي، يتم استخدامه بشكل مجتمعي، تقوم الدول بإعطاء اللقاح لمواطنيها بناء على أولوية وخطة.
لا أعتقد أنه سيكون عنصرا تجاريا على الأقل في المرحلة الأولى، لأن معظم الإنتاج سيكون إنتاجا إنسانيا، وبخصوص التخوّف من عدم حصول الدول الأكثر احتياجا أو الأقل دخلا على حصتها كاملة من اللقاح، هذا شغل المنظمة الشاغل والمؤسسات الدولية المسؤولة عن توفير اللقاحات منذ شهر أبريل، بعد عدّة أشهر من بروز الجائحة، وتم إنشاء "كوفاكس" وهي منصة خاصة لضمان وصول اللقاح بشكل عادل لجميع السكان، وتهدف هذه المنصة إلى توفير اللقاح لملياري شخص في كافة دول العالم، خلال عام 2021، وتم توفير جزء كبير منه وسيتم البدء بتوزيعه بمجرد اعتمادها من منظمة الصحة العالمية‘ فالجميع في خطر طالما أن أي شخص في خطر.
أخبار الأمم المتحدة: ما النطاق الزمني لتوفير اللقاح لأكبر عدد من سكان الأرض؟
د. أمجد الخولي: نستهدف في المرحلة الأولى 20% من السكان.
منظمة الصحة العالمية بالإضافة إلى تحالف غافي للقاحات وغيرها من المؤسسات الدولية تستهدف بشكل أساسي دعم الدول الأقل دخلا التي لن تستطيع الشراء المباشر.
خلال النصف الأول من 2021 نستهدف حوالي 20% من السكان لتغطية كافة الكوادر الطبية المتعاملة مع المرضى وهم خط الدفاع الأول، بالإضافة إلى كبار السن.
أخبار الأمم المتحدة: هل فعلا إجراءات تخزين اللقاح وتبريده قد تعيق سرعة وتنظيم توزيع اللقاح؟
د. أمجد الخولي: هذا أحد التحديات الكبرى، فبعض اللقاحات تتطلب درجات حرارة شديدة الانخفاض، ولكن المبشّر أن بعض اللقاحات الأخرى لا تتطلب مثل هذه الإجراءات الشديدة، وبالتالي توزيع اللقاحات على الدول سيعتمد على البنية الأساسية لكل الدولة والطبيعة اللوجستية وتوافر اللوجستيات الرئيسية لكل دولة، هي تحديات لكنها لن تمثل عائقا بشكل كبير، خلال الفترة السابقة كانت هناك عشرات اللقاحات قيد التجربة وهذا سيعطي بعض الخيارات للدول لاختيار اللقاح المناسب لكل دولة .
وبناء على توصيات منظمة الصحة العالمية باعتماد التلقيحات التجريبية المضادة لكوفيد-19، نجد أن المغرب من خلال وزارة الصحة ، واستنادا للطارئ الصحي الناتج عن تفشي كوفيد-19 بكل متحوراته ، وافق على تبني لقاحات كوفيد-19، من خلال إقراره باستعمال كل من ولقاح سبوتنيك وسينوفارم في 28 يناير 2021، وهو ما جعله يطلق حملة لقاح كوفيد-19، بعد أسبوع من استلام أول شحنة من لقاح آسترازينيكا وسينوفارم، كما أنه اعتمد ابتداء من يوم الخميس 21 أكتوبر 2021 جواز التلقيح كوثيقة ضرورية لولوج المقرات الحكومية والعمومية .
الفرع الثاني: تنظيم النصوص الخاصة للقانون المغربي للتلقيحات المضادة لكوفيد-19.
من باب استعراض مقتضيات القانون الأسمى للملكة المغربية، قصد إقرانها بالمقتضيات المبررة إلى تجريب اللقاحات المضادة لكوفيد-19، نجد أن الفصل 31 من دستور 2011 ينص من خلال البندين الأول والثاني منه، على أنه:
تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:
- العلاج و العناية الصحية؛
• الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛
وهو ما يفسر سن المشرع المغربي لمجموعة من المقتضيات القانونية، التي نجد منها القانون الإطار رقم 34.09 و القانون 28.13، وهو ما سوف نقب صورة مقتضياته من خلال قرائتنا لكل قانون على حدا:
أولا: القانون الإطار رقم 34.09 ‏المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات :
جاء في القانون الإطار رقم 34.09 ‏المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات، خاصة مقتضيات المادة 2 منه، إلى أنه:
تتألف المنظومة الصحية من مجموع المؤسسات والموارد والأعمال المنظمة لتحقيق الأهداف الأساسية للصحة على أساس المبادئ التالية:
‏التضامن وإشراك الساكنة في مسؤولية الوقاية والمحافظة على الصحة والمعافاة من المرض؛
‏ المساواة في الولوج إلى العلاج والخدمات الصحية؛
الإنصاف في التوزيع المجالي للموارد الصحية؛
‏ التكامل بين القطاعات؛
‏ اعتماد مقاربة النوع في الخدمات الصحية.
تقع مسؤولية إعمال هذه المبادئ أساسا على عاتق الدولة.
لتليها مقتضيات المادة 4 من نفس القانون، التي تشير إلى أنه:
تنهج الدولة سياسة مشتركة متكاملة ومندمجة بين القطاعات في مجال الوقاية الصحية، بتنسيق مع المنظمات المهنية إن اقتضى الأمر ذلك.
ترمي الوقاية الصحية على الخصوص إلى:
‏ - رصد ومكافحة الأخطار المهددة للصحة والعوامل التي من شأنها الإضرار بها؛
- مكافحة انتشار الأمراض المتنقلة عبر الحدود وذلك طبقا للوائح الصحية الدولية؛
- القيام بأعمال احترازية لحفظ الصحة ومكافحة الأمراض؛
‏ - تنمية الأعمال المتعلقة بالإعلام والتربية والتواصل في مجال الصحة؛
- تنمية أعمال وآليات اليقظة والأمن الصحي.
ثم مقتضيات المادة 7 التي تشير إلى أنه:
تتخذ الدولة التدابير الضرورية لتفعيل التزاماتها في مجال الصحة على الصعيد الدولي، ولا سيما لتحديد الاستراتيجيات المتعلقة بما يلي:
‏إعلام الساكنة بالمخاطر المرتبطة بالصحة، و السلوكات والتدابير الاحتياطية التي يتعين نهجها للوقاية منها؛
‏ الحماية الصحية والولوج إلى الخدمات الصحية الملائمة المتوفرة؛
احترام الشخص وسلامة جسده وحفظ كرامته وخصوصيته؛
احترام حق المريض في المعلومة المتعلقة بمرضه؛
‏ الأعمال التي يتعين القيام بها، بمساهمة المنظمات المهنية والجمعيات الناشطة في المجال الصحي، لمكافحة كل أشكال التمييز أو الوصم التي يمكن أن يتعرض لها شخص بسبب مرضه أو إعاقته أو خصائصه الجينية.
ثانيا: القانون رقم 28.13 المتعلق بحماية الأشخاص المشاركين في الأبحاث البيوطبية :
في حين يشير القانون رقم 28.13 المتعلق بحماية الأشخاص المشاركين في الأبحاث البيوطبية، خاصة المادة 1 التي تشير:
يهدف هذا القانون إلى تطوير الظروف الملائمة لإجراء الأبحاث البيوطبية وضمان شفافية هذه الأبحاث و حماية الأشخاص المشاركين فيها.
يراد في مدلول هذا القانون بما يلي :
¬ الأبحاث البيوطبية: كل بحث أو تجربة يتم تنظيمها و إجراؤها على الكائن البشري بغرض جمع المعلومات، تطوير المعارف الإحيائية أو الطبية أو من أجل الاستجابة لمتطلبات الصحة العمومية.
يمكن أن تكون الأبحاث البيوطبية تدخلية أو غير تدخلية:
1- تكون الأبحاث البيوطبية التدخلية:
- إما أبحاثا تتضمن تدخلا طبيا لا يندرج في التكفل الطبي الاعتيادي بالأشخاص؛
- و إما أبحاثا تتضمن أخطارا أو إكراهات بسيطة و لا تتعلق بالأدوية؛
- و إما تجارب سريرية تتعلق بأدوية تجريبية أو أبحاثا سريرية تتعلق بمستلزمات طبية.

2- تكون الأبحاث غير التدخلية أو أبحاث الملاحظة:
- إما أبحاثا ترمي إلى تقييم العلاجات المألوفة عندما تنجز جميع الأعمال الطبية و تستخدم المنتجات بصورة اعتيادية، مع اللجوء إلى مساطر تشخيص أو ملاحظة إضافية أو دون اللجوء إليها؛
- وإما دراسات تهدف إلى جمع معلومات أو معطيات صحية شخصية دون تدخل مباشر على الشخص و دون منحه أي دواء، بغرض تحليلها خاصة بالاستناد إلى طرق علم الأوبئة.
- البحث البيوطبي المتعدد المراكز: البحث الذي يجرى طبقا لنفس البروتوكول في مواقع مختلفة و من قبل عدة باحثين، و يمكن أن توجد مواقع البحث في جهات مختلفة من التراب الوطني أو فوق التراب الوطني و في بلدان أخرى.
¬- المتعهد: الشخص الذاتي أو المعنوي الذي يأخذ المبادرة بإجراء بحث بيوطبي و يتحمل مسؤولية تنفيذه و الإشراف عليه و تمويله و يضمن احترام الالتزمات المترتبة على ذلك طبقا لأحكام هذا القانون.
- المتعهد المؤسساتي: كل شخص معنوي خاضع للقانون العام أو الخاص، لا يسعى إلى تحقيق الربح، يأخذ مبادرة إجراء بحث بيوطبي و يتحمل مسؤولية تنفيذه والإشراف عليه و تمويله و يضمن احترام الالتزامات المترتبة على ذلك طبقا لأحكام هذا القانون.
- الباحث: الطبيب أو طبيب الأسنان، حسب الحالة، الذي يشرف على الإنجاز الفعلي للبحث البيوطبي و يراقبه و يشارك في تحليل نتائجه و نشرها.
- ¬المتدخل: الشخص الذاتي الذي يساهم مع الباحث في إنجاز البحث البيوطبي.
- ¬المشارك: كل شخص يجرى عليه بحث بيوطبي.
- ¬المنتجات البيولوجية: كل عضو أو نسيج أو جزء منهما أخذ من جسم بشري، على شكل عينة، بغرض إجراء بحث بيوطبي.
حيث جاء في مقتضيات المادة 2 منه:
- تجرى الأبحاث البيوطبية على الأشخاص ومنتجاتهم البيولوجية وفق الشروط والكيفيات المنصوص عليها في أحكام هذا القانون و النصوص التنظيمية المتخذة لتطبيقه.
- دون الإخلال بالنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي ومع مراعاة أحكام المادة 26 أدناه، لا تسري أحكام هذا القانون على الأبحاث غير التدخلية أو أبحاث الملاحظة.
- لا يجوز إجراء أبحاث بيوطبية على منتجات بيولوجية مجهولة المصدر.
وقد جاء بمقتضيات المادة 3 كذلك:
- يجب أن يخضع إنجاز كل بحث بيوطبي للمبادئ الآتية:
- احترام حياة الشخص و صحته و سلامته البدنية و النفسية و كذا كرامته و خصوصيته؛
- التطوع؛
- الموافقة المتنورة و الصريحة للشخص المشارك في البحث المذكور واستقلالية قراره؛
- الطبيعة غير التجارية للجسم البشري؛
- احترام قواعد حسن إنجاز الأعمال السريرية لضمان جودة البحث البيوطبي.
- لا يمكن لأي أجنبي أن يشارك في بحث بيوطبي ما لم يكن في وضعية قانونية إزاء النصوص التشريعية المتعلقة بدخول و إقامة الأجانب بالمملكة المغربية و بالهجرة غير المشروعية.
في حين تتحدث المادة 24 عن صفة ومكان إنجاز الأبحاث البيوطبية، والتي تشير إلى أنه:
- لا يمكن إنجاز الأبحاث البيوطبية إلا في المؤسسات الصحية التابعة للدولة، سواء كانت مدنية أو عسكرية، أو في المؤسسات الصحية الخاصة أو في مواقع البحث التابعة للمراكز الاستشفائية و الجامعية و على أساس اتفاقية تحدد كيفيات تسيير تلك المواقع.
- غير أنه، لا يمكن إجراء الأبحاث البيوطبية التي تتعلق بأدوية منتجة صناعيا لعلاج خلوي أو جيني، أو خلوي مستخلص من جينات حيوانية أو تتعلق بمشتقات ثابتة للدم، - إلا في المؤسسات الصحية التابعة للدولة أو في مواقع البحث التابعة للمراكز الاستشفائية و الجامعية المشار إليها في الفقرة السابقة.

- و لا يمكن إجراء الأبحاث البيوطبية إلا في مواقع تتوفر على الوسائل البشرية و المادية و التقنية الملائمة للبحث و التي تتناسب مع شروط سلامة المشاركين.

- يجب أن يكون كل موقع لإجراء بحث بيوطبي على الأشخاص معتمدا من قبل الإدارة وفق الكيفيات المحددة بنص تنظيمي.
في حين تشير المادة 25 إلى وجوب إعداد البروتوكول وتحديد أهدافه:
- لأجل إنجاز أي بحث بيوطبي، يجب إعداد بروتوكول يحدد بوضوح كل مرحلة من مراحل البحث و يصف على الخصوص هدف أو أهداف البحث و تصميمه و منهجيته و تجلياته الإحصائية و كذا تنظيمه.
- يشمل مصطلح "بروتوكول" البروتوكول و تعديلاته المتعاقبة.

في حيت تشير المادة 27 إلى اقتران الترخيص ببعض الشروط
لا يمكن الترخيص بإجراء أي بحث بيوطبي على أي شخص إلا إذا:
- كان البحث حاصلا على موافقة اللجنة الجهوية المختصة؛
- كان يرتكز عن المعارف العلمية التي لها علاقة بموضوع التجربة، بما في ذلك المعطيات قبل السريرية؛
- كان الخطر المتوقع أن يتعرض له الأشخاص الذين يشاركون فيه أقل بكثير من المنفعة
المتوقعة لهم أو من الفائدة المتوخاة من هذا البحث؛
- كان يهدف إلى توسيع المعرفة العلمية بالنسبة للكائن البشري و الوسائل الكفيلة بتحسين وضعيته.
و لا يمكن إجراء البحث إلا تحت إدارة و مراقبة باحث يتوفر على الخبرة اللازمة لقيادته كما تحدد بنص تنظيمي، وفي ظروف مادية و تقنية تتناسب مع موضوعه و تتلاءم مع شروط الدقة العلمية و سلامة الأشخاص المشاركين فيه.
ج- قانون رقم 09.08 يتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي ، خاصة المادة 1:
المعلوميات في خدمة المواطن، وتتطور في إطار التعاون الدولي. ويجب ألا تمس بالهوية والحقوق والحريات الجماعية أو الفردية للإنسان. وينبغي ألا تكون أداة لإفشاء أسرار الحياة الخاصة للمواطنين.

يراد بما يلي لأجل تطبيق هذا القانون :
1. ...........
2. .........
3. "معطيات حساسة" : معطيات ذات طابع شخصي تبين الأصل العرقي أو الإثني أو الآراء السياسية أو القناعات الدينية أو الفلسفية أو الانتماء النقابي للشخص المعني أو تكون متعلقة بصحته بما في ذلك المعطيات الجينية ؛
4. "ملف معطيات ذات طابع شخصي" ("ملف") : كل مجموعة مهيكلة من المعطيات ذات الطابع الشخصي يمكن الولوج إليها وفق معايير معينة سواء كانت هذه المجموعة ممركزة أو غير ممركزة أو موزعة بطريقة وظيفية أو جغرافية، مثل المحفوظات وبنوك المعطيات وملفات الإحصاء ؛
"المسؤول عن المعالجة" : الشخص الذاتي أو المعنوي أو السلطة العامة أو المصلحة أو أي هيئة تقوم، سواء بمفردها أو باشتراك مع آخرين، بتحديد الغايات من معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي ووسائلها. إذا كانت الغايات من المعالجة ووسائلها محددة.
المادة 4
لا يمكن القيام بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي إلا إذا كان الشخص المعني قد عبر بما لا يترك مجالا للشك عن رضاه عن العملية أو مجموع العمليات المزمع إنجازها.
لا يمكن إطلاع الأغيار على المعطيات ذات الطابع الشخصي الخاضعة للمعالجة إلا من أجل إنجاز الغايات المرتبطة مباشرة بوظائف المفوت والمفوت إليه ومع مراعاة الرضى المسبق للشخص المعني.
غير أن الرضى لا يكون مطلوبا إذا كانت المعالجة ضرورية :
‌أ) لاحترام التزام قانوني يخضع له الشخص المعني أو المسؤول عن المعالجة ؛
‌ب) لتنفيذ عقد يكون الشخص المعني طرفا فيه أو لتنفيذ إجراءات سابقة للعقد تتخذ بطلب من الشخص المذكور؛
‌ج) ‌للحفاظ على المصالح الحيوية للشخص المعني إذا كان من الناحية البدنية أو القانونية غير قادر على التعبير عن رضاه ؛
‌د) ‌لتنفيذ مهمة تدخل ضمن الصالح العام أو ضمن ممارسة السلطة العمومية التي يتولاها المسؤول عن المعالجة أو أحد الأغيار الذي يتم إطلاعه على المعطيات ؛
‌ه) ‌لإنجاز مصلحة مشروعة يتوخاها المسؤول عن المعالجة أو المرسل إليه مع مراعاة عدم تجاهل مصلحة الشخص المعني أو حقوقه وحرياته الأساسية.
المادة 6
حدود الحق في الإخبار:
لا يطبق الحق في الإخبار المنصوص عليه في المادة 5 أعلاه :
‌أ) ‌على المعطيات ذات الطابع الشخصي التي يكون جمعها ومعالجتها ضروريين للدفاع الوطني والأمن الداخلي أو الخارجي للدولة أو للوقاية من الجريمة أو زجرها ؛
‌ب) ‌إذا اتضح أن إخبار الشخص المعني متعذر ولاسيما في حالة معالجة المعطيات لأغراض إحصائية أو تاريخية أو علمية. في هذه الحالة، يلزم المسؤول عن المعالجة بإشعار اللجنة الوطنية باستحالة إخبار الشخص المعني وبأن يقدم إليها السبب الداعي لهذه الاستحالة ؛
‌ج) ‌إذا كانت النصوص التشريعية تنص صراحة على تسجيل المعطيات ذات الطابع الشخصي أو إيصالها ؛ على معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي المنجزة حصرا لأغراض
الفرع الثاني: الإذن المسبق
المادة 21
1. تخضع معالجة المعطيات الحساسة إلى إذن يمنح بموجب القانون الذي يحدد شروطها. في غياب ذلك، تتكلف اللجنة الوطنية بالإذن لهذه المعالجة ؛
2. يمنح هذا الإذن بناء على الرضى الصريح للشخص المعني أو حينما تكون معالجة المعطيات ضرورية لضمان ممارسة المهام القانونية أو النظامية للمسؤول عن المعالجة ؛
3. بالإضافة إلى المقتضيات القانونية والرضى الصريح للشخص المعني أو الالتزام القانوني أو النظامي للمسؤول، يمكن منح الإذن المسبق للجنة الوطنية في الحالات التالية :
‌أ) ‌ضرورة المعالجة لحماية المصالح الحيوية للشخص المعني أو لشخص آخر، وكذلك في حال وجود الشخص المعني في حالة عجز بدني أو قانوني عن الإدلاء بموافقته ؛
‌ب) تطرق المعالجة لمعطيات صرح بها الشخص المعني علنا حيث يمكن استنتاج موافقته على معالجة المعطيات بشكل قانوني من تصريحاته ؛
‌ج) ‌ضرورة المعالجة للاعتراف بحق أو ممارسته أو الدفاع عنه أمام العدالة بحيث تمارس المعالجة حصرا لهذه الغاية.
المادة 22
استثناء لأحكام المادة 21 أعلاه، تخضع معالجة المعطيات المتعلقة بالصحة لتصريح اللجنة الوطنية وذلك عندما يكون الغرض الوحيد منها :
 ممارسة الطب الوقائي، والقيام بفحوصات طبية، وإجراء علاجات أو تسيير مصالح الصحة، وأن يتم إجراء معالجة المعطيات من قبل طبيب ممارس خاضع للسر المهني أو من قبل أي شخص آخر ملزم قانونا بكتمان السر ؛
 اختيار الأشخاص القابلين للاستفادة من حق أو خدمات أو عقد بما أنهم غير مقصيين من عملية الاختيار هذه بموجب أي مقتضى قانوني أو تنظيمي.
المادة 24
 يتخذ المسؤولون عن معالجة المعطيات الحساسة أو ذات الصلة بالصحة الإجراءات الملائمة بغرض :
 أ) الحيلولة دون ولوج أي شخص غير مأذون له إلى المنشآت المستعملة لمعالجة هذه المعطيات (مراقبة دخول المنشآت) ؛
 ‌ب) الحيلولة دون قراءة أو نسخ أو تعديل أو سحب دعامات المعطيات من قبل أشخاص غير مأذون لهم (مراقبة دعامات المعطيات) ؛
 ‌ج) الحيلولة دون الإدخال غير المأذون به وكذا التعرف على معطيات ذات طابع شخصي تم إدراجها أو تغييرها أو الحذف غير المأذون به لهذه المعطيات (مراقبة الإدراج) ؛
 د) منع استعمال أنظمة المعالجة الآلية للمعطيات بواسطة معدات إرسال معطيات من قبل أشخاص غير مرخص لهم (مراقبة الاستعمال) ؛
 ‌هـ) ضمان ولوج الأشخاص المرخص لهم فقط إلى المعطيات المعنية بالإذن (مراقبة الولوج) ؛
 ‌و) ضمان التحقق من الهيئات التي يمكن أن تنقل المعطيات ذات الطابع الشخصي إليها عبر معدات إرسال معطيات ( مراقبة الإرسال) ؛
 ‌ز) ضمان إمكانية المراجعة البعدية لطبيعة المعطيات ذات الطابع الشخصي التي تم إدخالها وتوقيت إدخالها ولصالح من تم ذلك، وذلك في أجل يلائم طبيعة المعالجة ويحدد في النصوص التنظيمية المطبقة على كل قطاع على حدة (مراقبة الإدخال) ؛
 ك) منع قراءة أو استنساخ أو تغيير أو حذف معطيات ذات طابع شخصي أثناء إرسال المعطيات أو دعامات المعطيات، بدون إذن ( مراقبة النقل) ؛
 2. يمكن للجنة الوطنية أن تعفي من بعض إجراءات الأمن تبعا لطبيعة الهيئة المسؤولة عن المعالجة ولنوع المعدات المستعملة لإجرائها، شريطة ضمان احترام حقوق وحريات وضمانات الأشخاص المعنيين.


المطلب الثاني: المسؤولية المدنية للأضرار الناتجة عن التلقيح .
سوف نتطرق للمسؤولية عن الاضرار - المفترضة - التي قد تنتج عن التلقيحات المضادة لكوفيد-19، من خلال ما سوف نستنتجه من خلال استشهادنا بمجوعة من مقتضيات النصوص العامة لكل من القانون الإداري وقانون الالتزامات والعقود والقانون الجنائي، وكذا ميثاق حقوق الانسان وقانون الحريات العامة، أو ما قد نستقيه من المشروع المالي الاستباقي بخصوص التغطية الصحية في ظرفية تفشي كوفيد-19 بالمغرب ، وذلك على ضوء ما نشر بموقع منظمة الصحة العالمية، المنظمة التي تعد الجهة الرئيسية التي عممت تجريب لقاحات كوفيد-19، كما أنها الجهة التي نسقت مع مجموعة البنك الدولي ومنظمة "كوفاكس"، بخصوص نشر وتمويل التطعيمات المقترحة وتحمل المسؤولية عن الأضرار المفترضة لهذه اللقاحات، وما سوف يتم استقاؤه من إمكانات المطالبة بالتعويض، سواء من خلال اللجوء إلى الحلول الودية (المفاوضات) أو الحلول البديلة (التحكيم الدولي) أو اللجوء إلى القضاء الوطني أو القضاء الدولي عند الاقتضاء.
وأنه ومن باب سمو المعاهدات الدولية، وإلزامية مقتضيات دستور إنشاء منظمة الصحة العالمية للدول الأعضاء بها على العموم، والمغرب على الخصوص، سوف يكون السبق لهذه المنظمة، وهو ما سوف نستقيه من خلال بلاغها الصحفي المعنون بـ"برنامج التعويض عن الضرر الناجم عن لقاحات كوفيد-19 بغض النظر عن الطرف المسؤول عنه، هو الأول من نوعه في العالم":
• يتيح البرنامج الجديد تعويض الأفراد المستحقين في 92 بلداً من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل دون الحاجة إلى اللجوء إلى المحاكم القانونية
• تُعد هذه الآلية العالمية الأولى والوحيدة للتعويض عن الإصابات الناجمة عن اللقاح
• يُموَّل البرنامج من ضريبة صغيرة على كل جرعة بدعم من آلية الالتزام المسبق للسوق لمرفق كوفاكس التابع للتحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع
وقّعت منظمة الصحة العالمية اتفاقاً مع شركة تشَب المحدودة (NYSE: CB) من خلال شركة إيزس التابعة لشركة تشَب، نيابةً عن مرفق كوفاكس في 17 فبراير 2021 لإدارة برنامج التعويض عن الضرر بغض النظر عن الطرف المسؤول عنه في البلدان والاقتصادات المنخفضة والمتوسطة الدخل البالغ عددها 92 بلداً واقتصاداً، المؤهلة لتلقي الدعم عن طريق آلية الالتزام المسبق للسوق لمرفق كوفاكس التابع للتحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع.
والبرنامج بوصفه الآلية الأولى والوحيدة التي تعمل على نطاق دولي للتعويض عن الإصابات الناجمة عن اللقاحات، سيزود الأفراد المستحقين في البلدان والاقتصادات المؤهلة لدعم الالتزام المسبق للسوق بعملية سريعة وعادلة وقوية وشفافة للحصول على تعويض عن الأحداث الضائرة التي تُعد نادرة ولكن خطيرة والتي تتعلق باللقاحات التي يوزعها مرفق كوفاكس حتى 30 يونيو 2022.
ويهدف برنامج مرفق كوفاكس إلى الحد بدرجة كبيرة من الحاجة إلى اللجوء إلى المحاكم القانونية الذي قد يُشكّل عملية طويلة ومكلّفة، بتقديم مبلغ إجمالي تعويضاً عن الضرر بغض النظر عن الطرف المسؤول عنه في إطار تسوية كاملة ونهائية لأي مطالبات.
وقد وقع الاختيار على شركة إيزس لتتولى إدارة البرنامج على نحو مستقل، وفقاً لقواعد وإجراءات الشراء التي تتّبعها المنظمة، دون فرض رسوم على مقدمي الطلبات.
وستحصل جميع اللقاحات التي تُشترى أو توزّع من خلال مرفق كوفاكس على موافقة الجهات التنظيمية أو على تصريح للاستعمال في الطوارئ لتأكيد سلامتها وكفاءتها.
ومع ذلك فقد تتسبب اللقاحات التي صدرت الموافقة على استعمالها استعمالاً عاماً في حالات نادرة في تفاعلات ضائرة خطيرة، مثلها في ذلك مثل جميع الأدوية.
ويقول الدكتور "تيدروس أدحانوم غيبريسوس"، المدير العام للمنظمة "إن الطابع غير المسبوق لجائحة كوفيد-19، قد واكبته أكبر عملية على الإطلاق لبدء استعمال لقاحات جديدة، وكان ذلك في إطار مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19 وركيزتها الخاصة باللقاحات المتمثلة في مرفق كوفاكس، وتساعد آلية التعويض عن الضرر بغض النظر عن الطرف المسؤول عنه على ضمان أن الأفراد في البلدان والاقتصادات المؤهلة للحصول على دعم آلية الالتزام المسبق للسوق يمكنهم الاستفادة من أحدث العلوم التي ساقت إلينا لقاحات كوفيد-19 في زمن قياسي".
ويقول الدكتور "سِث بيركلي"، الرئيس التنفيذي الأول للتحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع "نحن سعداء بالتعاون مع شركة تشَب التي لديها القدرات اللازمة لدعم مرفق كوفاكس من خلال شبكتها العالمية وقدرتها على التعامل مع المطالبات. ويوفر اتفاق المنظمة مع شركة تشَب المزيد من الحماية والثقة في قوة اللقاحات المنقذة للأرواح."
ويُعد صندوق التعويض عن الضرر بغض النظر عن الطرف المسؤول عنه، دفعة هائلة صوب هدف مرفق كوفاكس، حيث إن الإتاحة المنصفة للقاحات على الصعيد العالمي بتوفير آلية قوية وشفافة ومستقلة لتسوية الأحداث الضائرة الخطيرة، تساعد الأشخاص الذين قد يتعرضون لمثل هذه الآثار في البلدان، وتساعد المصنعين على طرح اللقاحات في البلدان على نحو أسرع، ويعود بفائدة مهمة على الحكومات المنخفضة الدخل التي تشتري اللقاحات من خلال آلية الالتزام المسبق للسوق لمرفق كوفاكس التابع
وقد تم تشغيل برنامج مرفق كوفاكس للتعويض عن الضرر بغض النظر عن الطرف المسؤول عنه، خلال مارس 2021، عن طريق البوابة الإلكترونية للمرفق (www.covaxclaims.com) التي ستشمل موارد مثل بروتوكول البرنامج والأسئلة المتكررة والمعلومات عن كيفية تقديم الطلبات .
ويجوز للأفراد المستحقين تقديم طلب الحصول على التعويض بموجب البرنامج، بعد تشغيل البوابة، حتى لو كانوا قد حصلوا على اللقاح الموزّع من قِبل مرفق كوفاكس قبل 31 مارس 2021.
ويموَّل البرنامج في البداية بالأموال التي تقدمها الجهات المانحة إلى آلية الالتزام المسبق للسوق لمرفق كوفاكس التابع للتحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع، والتي تُحسب كضريبة على جميع جرعات لقاحات كوفيد-19 التي توزّع من خلال مرفق كوفاكس على الاقتصادات المؤهلة لدعم هذه الآلية حتى 30 حزيران/ يونيو 2022.
وتعمل المنظمة مع شركة تشَب على ضمان تغطية البرنامج بالتأمين، وتُعد شركة تشّب شركة التأمين الرئيسية.
ويقول إيفان ج. غرينبرغ، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة تشَب: "تفخر شركة تشَب وتتشرف بالعمل مع منظمة الصحة العالمية وشركائها في برنامج كوفاكس ذي الأهمية البالغة، فقد كان لجائحة كوفيد-19 أثر مدمر على الناس وعلى الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، ويعد تطوير اللقاحات الفعّالة ونشرها خطوة حاسمة نحو إنهاء هذه الأزمة. ومع ذلك، فإن استراتيجية التطعيم لن تكون فعّالة إلا بقدر فعّاليتها من حيث عدد الأشخاص الذين تصل إليهم، وهذا هو سبب الأهمية البالغة لمرفق كوفاكس، وينبغي ألا تكون إتاحة الحماية التي يوفرها اللقاح محدودة أو مقيّدة، وينبغي أن تتاح إمكانية الحصول على هذه اللقاحات المنقذة للأرواح أمام جميع البلدان على قدم المساواة، بصرف النظر عن مستوى الدخل".
وسيشكّل نشر لقاحات كوفيد-19 خلال عام 2021 أسرع وأكبر عملية يشهدها التاريخ لنشر لقاحات جديدة على الصعيد العالمي، ويهدف مرفق كوفاكس، إلى تقديم ما لا يقل عن ملياري جرعة من اللقاحات المأمونة والفعّالة والمضمونة الجودة بحلول نهاية عام 2021 إلى جميع البلدان المشاركة، بما في ذلك تقديم ما لا يقل عن 1,3 مليار جرعة إلى 92 بلداً واقتصاداً مؤهلاً للحصول على دعم آلية الالتزام المسبق للسوق، في الوقت ذاته الذي تحصل فيه الدول الثرية على اللقاحات.
نبذة عن مرفق كوفاكس:
يشكل مرفق كوفاكس الخاضع لإدارة التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع جزءاً رئيسياً من ركيزة كوفاكس لمبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19 (مبادرة تسريع الإتاحة)، التي تُعد إطاراً رائداً للتعاون العالمي بهدف التعجيل بتطوير اختبارات كوفيد-19 وعلاجاته ولقاحاته، وإنتاجها وإتاحتها إتاحة منصفة. ويخضع مرفق كوفاكس للقيادة المشتركة للتحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع والائتلاف المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة ومنظمة الصحة العالمية، ويعمل بالشراكة مع مصنّعي اللقاحات في البلدان المتقدمة والبلدان النامية.
نبذة عن التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع:
يمثل التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع شراكة بين القطاعين العام والخاص تساعد على تطعيم نصف أطفال العالم ضد بعض من أشدّ الأمراض فتكاً في العالم. وساعد التحالف منذ تأسيسه في عام 2000 على تمنيع جيل بأكمله – أكثر من 822 مليون طفل – وعلى تلافي أكثر من 14 مليون وفاة، ما ساعد على خفض معدل وفيات الأطفال إلى النصف في 73 بلداً نامياً. كما يؤدّي التحالف دوراً رئيسيّاً في تحسين الأمن الصحي العالمي بدعم النظم الصحيّة، فضلاً عن تمويل المخزونات الاحتياطية العالميّة من لقاحات الإيبولا والكوليرا والالتهاب السحائي والحُمّى الصفراء. وبعد عِقدَين من التقدّم، يركّز التحالف الآن على حماية الجيل القادم والوصول إلى الأطفال غير المطعّمين الذين تُركوا خلف الركب، باستخدام آليات مبتكرة للتمويل وأحدث التكنولوجيات - من الطائرات المسَيَّرة إلى الاستدلال البيولوجي - في إنقاذ ملايين أخرى من الأرواح، ومنع الفاشيات من الانتشار، ومساعدة البلدان في مسارها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي. اعرف المزيد عن التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتمنيع وتواصل معنا على فيسبوك وتويتر.
ويجمع التحالف بين حكومات البلدان النامية، والحكومات المانحة، ومنظمة الصحة العالمية، واليونيسيف، والبنك الدولي، ودوائر صناعة اللقاحات، والوكالات التقنية، والمجتمع المدني، ومؤسسة بيل وميليندا غيتس، وسائر الجهات الشريكة من القطاع الخاص. ويمكن الاطِّلاع على القائمة الكاملة للحكومات المانحة والمنظمات الرائدة الأخرى التي تموِّل عمل التحالف هنا.
نبذة عن شركة تشَب:
تعد شركة تشَب أكبر شركة تأمين على الممتلكات والإصابات في العالم تُطرح أسهمها للتداول العام. وتجري شركة تشَب عملياتها في 54 بلداً وإقليماً، وتوفر التأمين على الممتلكات التجارية والشخصية والخسائر، والتأمين الصحي للحوادث الشخصية والتأمين الصحي التكميلي، وإعادة التأمين على الحياة لمجموعة متنوعة من العملاء. وبوصفنا شركة للاكتتاب العام، نقوم بتقدير المخاطر وافتراضها وإدارتها بإعمال البصيرة وتوخي الانضباط. ونعمل على معالجة المطالبات وسدادها على نحو عادل وسريع، وتتميز الشركة أيضاً بالطيف الواسع من المنتجات والخدمات التي تقدمها، وقدرتها الكبيرة على التوزيع، وقوتها المالية الاستثنائية، وعملياتها المحلية التي تُجرى في العالم بأكمله. وقد أُدرجت الشركة الأم "تشَب المحدودة" في بورصة نيويورك (NYSE: CB) وتشكل أحد عناصر مؤشر "ستاندرد آند بورز 500". وتدير شركة تشَب مكاتب تنفيذية في زيورخ ونيويورك ولندن وباريس وأماكن أخرى، ويعمل بها نحو 31,000 شخص في جميع أنحاء العالم. ويمكن الاطلاع على المزيد من المعلومات على الرابط التالي: https://www.chubb.com.
نبذة عن شركة إيزس التابعة لشركة تشَب:
تقدم شركة إيزس خدمات إدارة المطالبات والمخاطر إلى طائفة واسعة من العملاء التجاريين. ويتماشى نهجنا الابتكاري الذي يُعد الأفضل في فئته، إزاء تصميم البرامج وتكاملها وتحقيق النتائج، مع احتياجات عملائنا وتوقعاتهم الفريدة الخاصة بإدارة المخاطر. وبفضل خبرة إيزس وخدماتها المستمرة على مدى أكثر من 66 عاماً في كل من الولايات المتحدة والعالم، تقدم واحدة من أكبر مجموعات حلول إدارة المخاطر المطروحة في صناعة التأمين قبل وقوع الضرر وبعده.
المطلب الثالث: المسؤولية الزجرية للأضرار الناتجة عن التلقيح.

اتفاقية أوفيدو لسنة 1999.
ما هو تاريخ التلقيح بالمغرب؟
- ما هو السند القانوني لتلقي التلقيحات؟
- ما هي مكونات أمصال التلقيحات ؟
- ماهي الآثار الجانبية للتلقيحات ؟
- ماهي التجارب الدوائية وآثارها وشروطها ؟
- ما مدى حق الإنسان في التصرف بجسده ؟
- ما مدى التزام مراكز الأبحاث الدوائية بالشروط والقيود المفروضة؟
- ما هي صور المسوؤلية الجزائية عن إجراء التجارب الدوائية؟
النظام العام الصحي أو الأمن الصحي، كأحد عناصر النظام العام وأحد مكونات الأمن الإنساني الشامل، فهو ذلك النظام الذي تسعى السلطة العمومية إلى حفظه عن طريق وضع سياسة متعلقة بالصحة العمومية، وسن إجراءات وقوانين تهدف إلى منع انتشار الأمراض المعدية والأوبئة عامة
فالحق في الصحة أو حق الرعاية الصحية يعد من أبرز الحقوق الأساسية المكرسة دستورا وقانونا، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي. ويتجسد هذا الحق في جملة من الخدمات، على رأسها: إقامة هياكل صحية، توفير الأدوية ومختلف المنتجات الطبية والصحية، تقديم مساعدات طبية وتمريضية، وحماية الصحة العمومية سواء بشكل قبلي وقائي أو بعدي علاجي. فإذا كانت الصحة العمومية إحدى أبرز خدمات الرعاية الصحية إضافة إلى كونها عنصرا من عناصر الثلاثية التقليدية للنظام العام بمفهومه الإداري (أمن- صحة- سكينة عمومية)، وكذا تقديمها لخدمات باعتبارها حقا كرسه القانون، فإنها تدفع أحيانا إلى عملية الضبط الإداري والحد من ممارسة بعض الحقوق والحريات قصد حفظ النظام العام كما يحدث خلال إعلان حالة الطوارئ الصحية، التي تعيش تحت ظلها جل دول العالم اليوم.
يرتبط إعلان حالة الطوارئ بوجود خطر يهدد أمن الدولة واستقرارها، حيث يمكن للحكومة تحت ظل هذا الإعلان أن توقف بعض الأنشطة أو أن تحد من بعض الحقوق والحريات التي من شأنها المساهمة في تفاقم الخطر ومنه زعزعة الأمن والسلم العامين. أما حالة الطوارئ الصحية، كما أعلنت عليها المملكة المغربية وكما نظمها مرسوم بقانون الصادر 23مارس2020، فتعلن كلما كانت حياة الأشخاص وسلامتهم مهددة من جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية واقتضت الضرورة اتخاذ تدابير استعجالية لحمايتهم من هذه الأمراض.
تتدخل السلط التشريعية والتنفيذية والقضائية في حماية الأمن الصحي العام خلال فترة الطوارئ الصحية، كل في مجال اختصاصها. فإذا كانت السلطتين التشريعية والتنفيذية تساهمان من خلال تشريع قوانين واتخاذ تدابير وقائية من شأنها الحد من انتشار الوباء، فكيف يساهم القضاء المغربي خلال هذه الوضعية الاستثنائي؟
تنبني الترسانة القانونية للأمن الصحي على أسس عامة وطنية وأخرى دولية. على المستوى الدولي، يجد الأمن الصحي أساسه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالصحة المصادق عليها من طرف الدولة المغربية، ولاسيما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ودستور المنظمة العالمية للصحة التي تكرس الحق في الصحة. أما على المستوى الوطني، فقد كرس دستور 2011 الفصلين 20 و31 كأساس ينبني عليه الأمن الصحي، حيث ينص الفصل 20 المذكور على أن ” الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق”، كما ينص الفصل 31 على أنه ” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: العلاج والعناية الصحية…”.
أفرزت هذه المبادئ العامة المؤطرة للأمن الصحي مجموعة من القوانين الخاصة المنظمة لمختلف المجالات ذات العلاقة بالصحة العمومية.
الفقرة الأولى: القوانين الوطنية المؤطرة للصحة العمومية
أولا: القانون إطار رقم 09.34 المتعلق بالمنظومة الصحية وعرض العلاجات.
يؤطر هذا القانون مجموعة من القواعد المنظمة لمجال الصحة العمومية، إذ:
يهدف إلى تحديد المبادئ الأساسية لعمل الدولة في مجال الصحة وإلى تنظيم المنظومة الصحية، وذلك اعتبارا بأن الحق في الحفاظ على الصحة مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع. (المادة الأولى من القانون).
يحدد مسؤولية الدولة في الحفاظ على الصحة العمومية ويعتبر التضامن وإشراك الدولة للساكنة في مسؤولية الوقاية والمحافظة على الصحة والمعافاة من المرض مبداً من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها المنظومة الصحية الوطنية الواردة في المادة 2 من القانون الإطار، وقد ورد في المادة 4 من نفس القانون أن الوقاية الصحية ترمي على الخصوص إلى:
رصد ومكافحة الأخطار المهددة للصحة والعوامل التي من شأنها الأضرار بها؛
مكافحة انتشار الأمراض المتنقلة عبر الحدود وذلك طبقا للوائح الصحية الدولية؛
القيام بأعمال احترازية لحفظ الصحة ومكافحة الأمراض؛
تنمية الأعمال المتعلقة بالإعلام والتربية والتواصل في مجال الصحة؛
تنمية أعمال وآليات اليقظة والأمن الصحي.
يضمن حقوق وواجبات المواطن، حيث نصت المادة 7 من القانون الإطار على مجموعة من الحقوق من بينها وجوب اتخاذ الدولة للتدابير الضرورية لتفعيل التزاماتها في مجال الصحة، ولا سيما لتحديد الاستراتيجيات المتعلقة ب:
إعلام الساكنة بالمخاطر المرتبطة بالصحة، والسلوكات والتدابير الاحتياطية التي يتعين نهجها للوقاية منها؛
الحماية الصحية والولوج إلى الخدمات الصحية الملائمة المتوفرة؛
احترام الشخص وسلامة جسده وحفظ كرامته وخصوصيته؛
احترام حق المريض في المعلومة المتعلقة بمرضه؛
…إلخ
كما أوجبت المادة 8 من نفس القانون على كل شخص مراعاة قواعد الحماية العامة للصحة التي سيتم سنها وفقا للمادة 7 أعلاه.
ثانيا: القوانين المتعلقة بحماية الصحة العمومية.
حدد المشرع مجموعة من القوانين المتعلقة بحماية الصحة العمومية، نذكر منها ما يلي:
القانون رقم 28.00 المتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها، القانون رقم 25.08 القاضي بإحداث المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، القانون رقم 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء، القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، والقانون رقم 10.95 المتعلق بالماء .
فالتشريع المغربي المتعلق بالماء يكتسي شكل مجموعة من النصوص القانونية المبعثرة التي تم تحيينها في مراحل وتواريخ مختلفة، إلا أن القانون 95.10 أتلى جمع كل تلك التشريعات وتعديلها وتتميمها ليصبح لدينا قانون الماء. لقد كان من بين أهداف هذا القانون حماية صحة الإنسان وذلك بواسطة تقنين استغلال وتوزيع وبيع المياه المخصصة للاستعمال الغذائي وتقنين الأنشطة التي من شأنها أن تلوث الموارد المائية.
علاوة على القوانين المذكورة سابقا، نجد الآتي: القانون رقم 30.05 المتعلق بنقل البضائع الخطرة عبر الطرق، القانون رقم 49.99 المتعلق بالوقاية الصحية لتربية الطيور الداجنة وبمراقبة إنتاج وتسويق منتوجاتها، القانون رقم 77.15 المتعلق بالأكياس من مادة البلاستيك-منع الصنع والاستيراد والتصدير والتسويق والاستعمال، القانون رقم 15.91 المتعلق بمنع التدخين والإشهار والدعاية للتبغ في بعض الأماكن، ظهير شريف رقم 1.59.380 في الزجر عن الجرائم لماسة بصحة الأمة، ثم مرسوم ملكي رقم 554.65 بتاريخ 17 ربيع الأول 1387 (26 يونيه 1967) بمثابة قانون يتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض. يعتبر هذا الأخير بمثابة النص القانوني الذي كانت تتوفر عليه المملكة المغربية فيما يخص تنظيم إجراءات إعلان الحجر الصحي، حيث يتضمن عقوبات زجرية في حق مخالفي أحكامه، والمتمثلة في غرامة أقصاها 2400 درهم وعقوبة حبسية من ستة أيام إلى شهرين. بيد أن هذا القانون تنحصر مقتضياته في إلزام أصحاب المهن الطبية، بالتصريح بالأمراض المعدية، للسلطة الإدارية المحلية والسلطة الطبية الإقليمية وفق إجراءات التصريح، التي يحددها قرار لوزير الصحة العمومية. كما أوجب على السلطة الطبية للعمالة، العمل على تطهير الأماكن المسكونة والأثاث المستعملة من طرف كل شخص مصاب ببعض الأمراض المعدية أو الوبائية، والموضوعة قائمتها بقرار لوزير الصحة العمومية.
إن هذا المرسوم إذن، يخاطب مهنيي الصحة فقط، ولا يوجد فيه ما ينص على أية عقوبة زجرية في حق المواطنين المخالفين لإجراءات الحجر الصحي.
ثالثا: التشريع المتعلق بالمنتجات الصحية.
يتضمن هذا التشريع مجموعة من القوانين.
أولا، القانون رقم 17.04 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، والذي:
عرف الدواء والمواد التي تعتبر بمثابة أدوية وأنواع الأدوية والمنتجات الصيدلية، ونظم طريقة عرضها في السوق. كما تطرق إلى مزاولة الصيدلة، شروطها وأماكنها.
نص على مجموعة من المقتضيات الزجرية الرادعة لمخالفة مقتضياته، وتتنوع العقوبات بين الغرامة من 1000 إلى مليون (1000.000) درهم؛ الحبس ابتداء من 3 أشهر وقد يصل إلى عشر سنوات في بعض الحالات (العود)؛ المنع من مزاولة الصيدلة لمدة محددة (لا تزيد عن سنتين) أو بشكل نهائي في بعض الحالات؛
حدد العقوبات التأديبية الإدارية التي قد تصل إلى حد الإغلاق النهائي للصيدلة.
ثانيا، ظهير شريف بتاريخ 12 ربيع الثاني عام 1341 ( 02/01/1923 ) في جعل ضابط لاستجلاب المواد السامة والإتجار بها وإمساكها واستعمالها، والذي:
أورد ثلاثة جداول للمواد التي تعتبر سامة، والمعدة للتجارة أو الصناعة أو الفلاحة، وكذا المواد السامة المعدة للطب البشري أو البيطري، ومن ذلك على سبيل المثال المواد المعدة لقتل الحشرات (كالملح الزرنيخي الممزوج بالرصاص)؛ والمواد الحاوية لزرنيخ الرصاص أو الزئبق لغسل الحبوب وتحنيط الجثث وإتلاف الذباب…إلخ. ونظرا لخطورة تلك المواد على الصحة العمومية، فقد أخضعها القانون لمراقبة صارمة ونظم طريقة تخزينها وبيعها وأوجب الحصول على ترخيص الإدارة البلدية أو الحكومية، وذلك كله تحت طائلة الخضوع للعقوبات الزجرية الواردة فيه.
صحيح أن الظهير الشريف قام بالإحاطة بأهم المواد السامة التي قد تشكل خطرا آنذاك، إلا أن تطور أشكال وأنواع المواد السامة يستوجب اليوم مراجعة هذا القانون وإعادة صياغته وفق متطلبات العصر، وتكييف لغته لما يلائمها.
أخيرا، القانون رقم 16.98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها وزرعها، خاصة المواد 13، 14 و15 منه.
الفقرة الثانية: دور القضاء في الحفاظ على النظام العام الصحي
تعتبر دولة القانون، كنوع من أنواع الدولة، الدولة التي تتصرف بموجب القانون فقط كونه سمة من سماتها الجوهرية، ويكون فيها القضاء الضامن الوحيد لتطبيق القانون ومراقبة مدى احترامه، فحماية الصحة العامة كعنصر من عناصر النظام العام يدخل في صميم عمل القاضي بصفته حامي حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، طبقا لمقتضيات الفصل 117 من الدستور المغربي.
في هذا السياق، تصدر عن القضاء المغربي آلاف الأحكام سنويا في الميدان الزجري تطبيقا لمخالفة مقتضيات القوانين المشار إليها في الفقرة السابقة، والتي لن يسعف الوقت في التطرق إليها جميعها.
تطبيق القوانين المذكورة لا يخلو من إشكالات عملية على مستوى إكراهات تنفيذ مقتضيات منطوق الأحكام الصادرة بشأن تطبيق المقتضيات القانونية، وتكوين الأجهزة المكلفة بضبط الجرائم.
وعلى مستوى القضاء الإداري نجد أن الحكم الجريئ رقم 420، الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط، بتاريخ: 09/02/2024، يعد الحكم الوحيد – لحد الساعة – الذي أقر بمسؤولية الدولة عن الأضرار الناتجة عن تلقي الموطنات والمواطنين للقاحات التجريبية وتداعياته المباشرة وغير المباشرة على الصحة.
إلا أنه لم يصدر لحد الآن أي قرار عن المحاكم المغربية، قضى بإلغاء قرار إداري صادر عن جهة إدارية ويمس بالصحة العامة، وهذا لا يعني عدم وجوده هذه الأحاكام على الصعيد الدولي، إذ أنه على سبيل المثال لا الحصر، نتطرق إلى نماذج أحكام في نفس الموضوع، سعى من خلالها مجلس الدولة الفرنسي إلى حماية النظام العام الصحي، وذلك بإصداره أحكاما ألغت بعض القرارات الإدارية التي كان من شأنها أن تضر بالصحة العامة للمواطنين.
إن من بين الأحكام العديدة الّتي صدرت من مجلس الدولة الفرنسي فيما يتعلّق بحماية الصحة العامة ما قضى به في الحكم بمشروعية القرار الذي أصدره العمدة وحظر بموجبه ممارسة الاستحمام ، وكذا منع مرور المراكب في إحدى البحيرات، وذلك بسبب تلوث مياهها ، وهو ما كان يشكل خطر على صحة المستحمين ، مما يبرر الحظر، محافظة على الصحة العامة.
كما قضى أيضا في حكم له صادر في 04 فبراير 1981، بمناسبة حدوث تلوث في المياه ” بما أنه يجب على رئيس البلدية المكلّف، بناء على أحكام المادتين: 96 و97 من قانون الإدارة البلدية بشرطة الصحة العامة وتنفيذ قرارات السلطة العليا المتعلّقة بالضبط الريفي، لضمان احترام وتطبيق التنظيم المانع لرمي المياه الوسخة غير المطهرة في المجاري المخصصة لمياه الأمطار على المستوى البلدي.
المحور الثاني: جهود القضاء في الحفاظ على الأمن الصحي في ظل حالة الطوارئ الصحية.
الفقرة الأولى: قراءة في النصوص القانونية بخصوص حالة الطوارئ الصحية.
يعرف المغرب على غرار معظم دول العالم انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد 19)، وفي ظل غياب حلول علاجية طبية من أدوية ولقاح ضد هذا الفيروس، أضحت التدابير الوقائية الوسيلة الأنجع، وهو ما حدا بمعظم الدول إلى سن تدابير تحد من حركة التنقل والتجمع وفرض الالتزام الحجر الصحي.
في هذا السياق، ولمواجهة خطورة انتشار هذا الفيروس والحد منه، عملت الحكومة المغربية على إعلان وفرض حالة الطوارئ الصحية وذلك بموجب المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 رجب 1441 الموافق ل 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها. حدد هذا المرسوم بقانون مبررات اللجوء إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية والإجراءات المتبعة من أجل الإعلان عنها وتمديدها، كما أنه حدد صلاحيات الشرطة الإدارية التي تم تأهيل السلطات العمومية لاتخاذها في سبيل مواجهة تفشي الوباء، فضلا عن تجريمه للمخالفات المتعلقة بحالة الطوارئ وتحديد العقوبات المخصصة لها، وأخيرا تضمن مقتضى بوقف سريان الآجال المنصوص عليها في المقتضيات التشريعية والتنظيمية خلال فترة الطوارئ الصحية، على أساس استئناف احتسابها من اليوم الموالي لرفع حالة الطوارئ الصحية، مع مراعاة أجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابعين في حالة اعتقال ومدد الوضع تحت الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي.
تلت هذا المرسوم بقانون جملة من الآراء والنقاشات القانونية القائلة بالقيمة الدستورية لهذا المرسوم وبمدى شرعيته وصلاحية الحكومة في إصدار هكذا قوانين. تجاوبا مع هذه النقاشات، يجب الإشارة إلى أن الأصل في السلطة التشريعية أنها يمارسها البرلمان في نطاق الفصلين 70 و71 من الدستور، إلا أن الفصل 81 منه جعل الحكومة تتقاسم معه ممارسة تلك السلطة التشريعية، من خلال إصدار مراسيم في مجال القانون سواء بمقتضى الفقرة الثالثة من الفصل 70 أو بموجب الفصل 81. من خلال هذا، فإن المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام حالة الطوارئ وإجراءات الإعلان عنها، قد صدر عن السلطة التنفيذية في إطار الاختصاصات المخولة لها بموجب الفصل المذكور، وفي أحد المجالات الرئيسية الممنوحة للبرلمان، والمتمثلة في تقييد أهم الحقوق والحريات الأساسية للمواطن، وبتحديد جرائم وعقوبات جارية عليها.
علاوة على ذلك، يطرح المرسوم بقانون إشكالية ماهيته وطبيعته، أهو قرار إداري قابل للطعن أمام المحكمة الإدارية؟ أم هو قانون يتم الطعن في دستوريته أمام المحكمة الدستورية؟
في هذا الصدد، اعتبرت المحكمة الدستورية في قرار لها بأن المرسوم بقانون يكتسي صبغته الإدارية إلى أن تتم المصادقة عليه من طرف البرلمان، مما يستشف منه أنه يقبل الطعن بالإلغاء أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض. والحال أن مرسوم بقانون المنظم لحالة الطوارئ بعد المصادقة عليه من طرف البرلمان قد أصبح اليوم قانونا قائم الذات مما تبخر معه النقاش حول طبيعته وشرعيته.
بيد أنه، وحتى إن صدر القانون وتم تنفيذه، فإن تطبيقه من طرف القضاء هو الذي يزرع فيه روحه الحمائية الردعية، مما يستوجب علينا التطرق إلى دور القضاء وجهوده في حماية الأمن العام الصحي.
الفقرة الثانية: دور القضاء وجهوده في حماية الأمن العام الصحي بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية.
لا شك أن دور القضاء وجهوده في حماية الأمن العام الصحي واضح من خلال تجاوبه مع حالة الطوارئ الصحية من جهة، وطريقة تنزيله لمقتضيات قانون الطوارئ الصحية من جهة أخرى.
أولا: كيفية تطبيق القضاء لمقتضيات قانون إعلان حالة الطوارئ الصحية.
بموجب مقتضيات المرسوم بقانون، ييخول للحكومة، أن تتخذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها الضرورة الاستثنائية، والتي قد تكون مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في الظروف العادية، عن طريق مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات. بناء عليه، تم اتخاذ مجموعة من التدابير في هذا الصدد أهمها تقييد تحركات المواطنين والمواطنات إلا في حالة وجود رخصة استثنائية للتنقل من أجل غاية ملحة بعد موافقة العون المراقب وتضمينه لنوع هذه الغاية.
بهدف ضمان تفعيل مقتضيات المرسوم الزجرية وحمايةً للنظام العام والصحة العمومية، تفاعلت رئاسة النيابة العامة، باعتبارها جزءا من السلطة القضائية، من خلال إصدار رئيسها لمجموعة من الدوريات والبلاغات التي تدعو النيابات العامة إلى التعامل الصارم مع خرق قانون حالة الطوارئ، وكذا إلى متابعة كل من يروج أخبار زائفة ذات علاقة بموضوع فيروس كورونا من شأنها إثارة الفزع بين الناس أو المساس بالنظام العام. كما أكدت رئاسة النيابة العامة في أحد بلاغاتها، بأنها لن تتوانى في تطبيق القانون بالصرامة اللازمة في حق المخالفين الذين يعرضون الأمن الصحي للمواطنين للخطر ويستهينون بحياة المواطنين وسلامتهم.
تجدر الإشارة إلى أن قبل إعلان حالة الطوارئ الصحية وصدور المرسوم بقانون، ونظرا للفراغ التشريعي في هذا المجال، لجأت النيابات العامة إلى متابعة خارقي الحجر الصحي بمقتضيات الفصل 609 من القانون الجنائي التي تنص في بندها 11 على معاقبة كل “من خالف مرسوما أو قرارا صدر من السلطة الإدارية بصورة قانونية، إذا كان هذا المرسوم أو القرار لم ينص على عقوبات خاصة لمن يخالف أحكامه”. بهذا، يعتبر قرار الحجر الصحي قرارا صادرا عن السلطة الإدارية، وكل خرق له يدخل في فعل مخالفة مرسوم أو قرار صدر من السلطة الإدارية بصورة قانونية، وذلك ما لم يصاحبه عنف أو إيذاء. إلا أن تطبيق هذا المقتضى، الذي يعتبر مجرد مخالفة معاقب عليها بالغرامة فقط، والتي لا تفي بالغرض الردعي، أصبح غير ممكن بعد صدور المرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ والذي نص على عقوبات خاصة لمن يخالف مقتضياته.
كذلك هو الشأن بالنسبة لحالات العصيان المنصوص عليها في الفصول من 300 إلى 308 من ق ج، فقد نص الفصل 300 من القانون الجنائي على أن ” كل هجوم أو مقاومة، بواسطة العنف أو الإيذاء ضد موظفي أو ممثلي السلطة العامة القائمين بتنفيذ الأوامر أو القرارات الصادرة من تلك السلطة أو القائمين بتنفيذ القوانين أو النظم أو أحكام القضاء أو قراراته أو الأوامر القضائية يعتبر عصيانا”. كما يعاقب الفصل 304 على التحريض على العصيان.
كما نص الفصل 308 من نفس القانون على أن ” كل من قاوم تنفيذ أشغال أمرت بها السلطة العامة أو صرحت بها يعاقب بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائتي درهم ولا تتجاوز ربع مبلغ التعويضات…”. إلا أن القرار المتعلق بالحجر الصحي، يصعب تكييفه على أنه بمثابة أشغال أمرت بها السلطة العامة، وهو ما لا يمكن تطبيقه في الحالات الكثيرة التي لا ينجم عن خرق حالة الطوارئ الصحية استعمال عنف أو هجوم ضد الأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون.
تجدر الإشارة إلى أن مقتضيات العصيان تتقاطع مع الأفعال المنصوص عليها في المادة 4 من المرسوم بقانون، وهو ما يجعل تلك الأفعال قابلة للتكييف بجريمة العصيان إذا صاحبتها مقاومة أو عنف لممثلي السلطة العامة، وتكون المتابعة وفق المادة 4 من المرسوم ومقتضيات القانون الجنائي والتي تنص على العقوبة الأشد.
في هذا الصدد، صدرت العديد من الأحكام القضائية عن مختلف محاكم المملكة منذ إقرار الحجر الصحي وإعلان حالة الطوارئ، من بينها الحكمين الآتين:
أولا، حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بامنتانوت بتاريخ 23/03/2020 في ملف متعلق بخرق الحجر الصحي، حيث جرت وقائعه قبل دخول المرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ حيز التنفيذ، حول خرق شخصين لقرار الحجر الصحي وتعريضهما رجال السلطة العمومية للسب. بناء عليه، تمت متابعة المتهمين من أجل إهانة موظفين عموميين والعصيان ومخالفة قرار صادر السلطة الإدارية. إلا أن المحكمة برأت المتهمين من جنحة العصيان بعلة عدم قيام أي دليل على عصيانهما لقرار الحجر الصحي وأدانتهما من أجل إهانة موظفين عموميين ومخالفة قرار صادر عن السلطة العمومية.
علاوة على ذلك، صدر حكم آخر عن المحكمة الابتدائية بوجدة بتاريخ 30/03/2020 في ملف متعلق بخرق حالة الطوارئ، تمت خلاله مؤاخذة المتهمين من أجل خرق حالة الطوارئ الصحية وفق المادة 4 من المرسوم، وكذا من أجل إهانة موظفين عموميين والعصيان، وقضت في حقهما بأربعة أشهر حبسا نافذا وغرامة نافذة قدرها 3000 درهم، أي بعقوبة أشد من تلك المنصوص عليها في المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية.
ثانيا: بعض مظاهر تفاعل القضاء مع حالة الطوارئ الصحية.
لقد تجاوب العمل القضائي مع خطر انتشار فيروس كورونا وحالة الطوارئ الصحية المعلن عليها بصدده بشكل يضع الأمن الصحي للمجتمع ضمن أولوية الأولويات، واعتبر السلامة الصحية للمواطنين أولى من كل مطالبة ولو بحق مستحق (تنفيذ حكم قضائي بالإفراغ). في هذا الصدد، صدرت عدة أوامر استعجالية وأحكام في الموضوع تعلل قراراتها بمصلحة السلامة الصحية للوطن والمواطن، ومن هذه الأحكام نجد ما يلي:
أصدر رئيس المحكمة الابتدائية بالخميسات أمرا استعجاليا بتاريخ 16 مارس 2020، قضى من خلاله بمنح مدعية أجل شهر كمهلة استرحامية قبل إفراغها من المنزل تنفيذا لحكم قضائي سابق، معتمدا في حيثياته على “الوضعية الاستثنائية التي تمر منها البلاد والمتمثلة في انتشار وباء كورونا المستجد وما يمكن أن ينتج عنه من مساس بالوضعية الصحية للمواطنين”، فضلا عن “قرار الدولة المتمثل في التزام المواطنين بمساكنهم وعدم الاختلاط”، وخلص إلى أن “إفراغ المنفذ عليها هي وأبناؤها الصغار في الوقت الراهن من شأنه الإضرار والمساس بالصحة العامة، مما يكون معه الطلب وجيها ومؤسسا ويتعين الاستجابة إليه بمنح أجل مناسب للطرفين”.
في حكم آخر، أصدر رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط أمرا استعجاليا، قضى برفض منح إذن بسفر أطفال محضونين إلى الخارج لقضاء العطلة المدرسية، وذلك توقيا لمخاطر إصابتهم بفيروس كورونا. تعود فصول القضية إلى تقدم أمهم إلى رئيس المحكمة الابتدائية بمقال تعرض فيه بأنها طليقة المدعى عليه، وقد رزقت منه بثلاثة أبناء ما زالوا قاصرين، وأنها اعتادت السفر بهم كل عام خلال العطلة المدرسية إلى فرنسا، إلا أنها تفاجأت بامتناع طليقها خلال العام الجاري من الإذن لها بالسفر رفقة أبنائهما إلى الخارج. عللت المحكمة رفضها بأنه “لئن كان يحق للحاضنة اللجوء إلى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات للإذن لها بالسفر العرضي بمحضونها خارج التراب الوطني عند امتناع نائبه الشرعي، إلا أن مناط ذلك هو مراعاة المصلحة الفضلى للمحضون التي أوكل للقضاء مسؤولية حمايتها والحرص على ضمانها”. أضاف القرار أن “لمؤسسة القضاء الاستعجالي التدخل بحكم وظيفتها لاتخاذ أي إجراء يروم حماية الحقوق الأساسية للطفل المكفولة له بموجب الدستور والقوانين والمواثيق الدولية، في حال وجود ضرر محدق قد يؤثر سلبا على حياة المحضون الآنية والمستقبلية”، وأن “الوضع الراهن للعالم الذي يشهد تفشي فيروس “كورونا كوفيد-19″ بالعديد من دول المعمورة (ومن بينها فرنسا)، وباعتبار الحق في الحياة والحق في الصحة من الحقوق الأساسية لكل طفل، وخشية ما قد ينجم عن الإذن بالسماح للمحضون بالسفر في الظروف الحالية مما قد يهدد صحته وحياته وينعكس سلبا على وضعيته وعلى حقه الأصيل في التمتع بكافة حقوقه بشكل عادي وسليم”.
في أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط، بمناسبة طلب يروم من خلاله الطالب السماح له بدخول التراب الوطني بعدما ظل عالقا بالمطار بعد إقرار حالة الطوارئ، قضت المحكمة بحقه في الولوج إلى التراب الوطني بعد التأكد من عدم إصابته بالفيروس المستجد وذلك طيلة فترة الحضر الجوي، مع تحديد مكان إقامته بالدار البيضاء، وتسجيل تعهد السيد القنصل العام للقنصلية العامة الليبية بالدار البيضاء بالسهر على إجراءات سفره مباشرة بعد رفع الحظر الجوي مع شموله القرار بالنفاذ المعجل.
في قرار آخر صادر عن مؤسسة الرئيس بالمحكمة الابتدائية بطانطان بصفته قاضيا للمستعجلات، رفض الأمر القضائي طلب المدعي بإفراغ المدعى عليه، ومما جاء في تعليل الأمر الصادر عن السيد رئيس المحكمة: ” وحيث إن طرد الطرف المدعى عليه من السكن الوظيفي يبقى غير مؤسس واقعا وقانونا خاصة بالنظر إلى التدابير الاحترازية التي اتخذتها المملكة للحد من انتشار وباء كرونا المستجد حماية للصحة العامة، وهي تدابير أخذت بالفعل شكلها وصيغتها القانونية بصدور مرسوم بقانون…. بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني، وعليه فإن هذه التدابير لا يمكن تعطيل آثارها القانونية أو الخروج على مقتضياتها إلا في الحالات التي يقررها تدبير الحظر نفسه أو قرارات لاحقة متخذة من نفس السلطة وذلك في إطار قاعدة توازي الشكليات. وعليه فإن الاستجابة للطلب في هذه الظرفية يبقى غير ذي أساس ويتعين رفضه”.
على غرار القضاء الاستعجالي، يسير قضاء الموضوع في منحى إرساء قواعد تجسد الدور الحمائي المنوط بالقضاء خلال هذه الفترة التي تعرف انتشار الوباء. هكذا اعتبر حكم قضائي صادر عن المحكمة الابتدائية بالقنيطرة، أن ظرف الطوارئ الذي تمر منه البلاد خلال هذه المرحلة يرقى إلى درجة “كارثة” بحسب الوصف الوارد بمقتضيات المادة 510 من القانون الجنائي المغربي، واعتبرت السرقة التي تمت خلال هذه الفترة جناية، ومما جاء في تعليل الحكم أنه: “… ومن جهة ثانية قد ارتكبت (السرقة) أثناء حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها من طرف حكومة المملكة بمقتضى المرسوم عدد… وهو ما يعد في نظر المحكمة كارثة بمفهوم الفصل 510 أعلاه، وذلك بالنظر لما أحدثه انتشار هذا الفيروس في نفوس المواطنين من هلع واضطراب يعجز معهما عليهم حماية ممتلكاتهم، خصوصا أمام إلزامهم قانونا، وفق المادة الثانية من ذات المرسوم التطبيقي بمنع مغادرة محال سكناهم إلا في حالة الضرورة القصوى وبشروط ضيقة ومحصورة تحت طائلة العقاب الجنائي…”، ومنه فإن تعليل القرار من حيث اعتبار الجرم جناية وليس جنحة، استنادا إلى الفصل 510 من القانون الجنائي، لاعتبار ظرف التشديد الذي رافق الجريمة كان فيه حس عالي بالمسؤولية الملقاة على عاتق القضاء و بالظرفية الصحية التي تمر منها البلاد، وحماية لأمن المواطنين، اجتهدت المحكمة للتقرير بكون السرقة خلال فترة الطوارئ الصحية تعتبر ظرفا للتشديد ومن ثمة اعتبارها جناية.
2. كوفيد-19 وأمننة الصحة
خلال العقدين الأخيرين أصبحت الأمننة واحدة من أبرز وأهم الباراديغمات المفسِّرة للصحة العالمية، وقد استخدم هذا النهج التحليلي في بداية الأمر خلال سبعينات القرن الماضي بعد ظهور تهديدات باللجوء لهجمات بيولوجية من قِبَل جماعات متطرفة كان أبرزها الهجوم بغاز السارين على مترو الأنفاق في طوكيو 1995، والذي أسفر عن مقتل 13 شخصًا وإصابة المئات. وخلال هذه السنة كذلك، وبالموازاة مع تفجير أوكلاهوما سيتي في الولايات المتحدة الأميركية، ظهرت دعوات لتوسيع التدابير الكفيلة بمواجهة خطر التهديدات الإرهابية بما في ذلك استخدام نظام الصحة العامة. وهي دعوات تكمن أصولها في محاولة تطوير أجندة أمنية جديدة في أعقاب الحرب الباردة؛ ركزت على المخاطر الأمنية الجديدة ومن أبرزها الأمراض المعدية الناشئة والمنبعثة (Emerging and Re-emerging Infectious Diseases)، والتي من منطلق قدرتها على الانتشار الواسع والتفشي وعبور الحدود، أصبحت تهدد رفاهية السكان كما القدرات الاقتصادية والعسكرية للدول. على سبيل المثال، وفي عام 2000، حَّدد مجلس الأمن القومي الأميركي مجموعة من المخاطر الناجمة عن انتشار الأمراض المعدية بما فيها زيادة الانقسام الاجتماعي والاستقطاب السياسي، والتراجع الاقتصادي، وهي عوامل قد تؤدي لعدم الاستقرار.
إلا أن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، في الولايات المتحدة الأميركية، ورسائل "الجمرة الخبيثة" عبر البريد، دفعت لتبني سياسات وتدابير أمنية على عدة مستويات، فقد تبنَّت مجموعة الثماني، سنة 2006، ما سُمِّي بـ"مبادرة الأمن الصحي العالمي" التي هدفت إلى توحيد الجهود من أجل مواجهة خطر التهديدات البيولوجية وتفشي الأمراض والأوبئة، وفي ربيع 2002 أصدرت أمانة منظمة الصحة العالمية تقريرًا حول "الاستخدام المتعمد للعوامل البيولوجية"، الذي أكد على ضرورة تعزيز أنظمة الإنذار بأمراض الصحة العامة.
مع تفشي الفيروسات والأمراض المعدية والأوبئة في مناطق واسعة من العالم خلال السنوات الأخيرة، وإصابتها للملايين من البشر، خاصة مرض نقص المناعة المكتسبة، تلاه عودة ظهور الأمراض الناجمة عن الميكروبات، مثل: الملاريا والسل والتهاب السحايا والحصبة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وحمى الضنك و كروتزفيلد- جاكوب في أوروبا، وفيروس نيباه في ماليزيا، وفيروس غرب النيل في الأميركيتين، والسارس في كندا، اتجه علم الأوبئة ومعه الدراسات الأمنية في الغرب للتركيز على السياقات التي يصبح فيها الوباء تهديًدا لصحة المواطنين وللاستقرار الاقتصادي بعدما تأكد له أنه ليس محصنًا ضد هذا الخطر، وهو ما شجَّع على تطوير استجابات من منظور الأمن القومي. وتعتبر الولايات المتحدة الأميركية من الدول السبَّاقة في مجال مراقبة الأمراض والاستجابة لها؛ حيث تمتلك وزارة الدفاع مختبرات خارجية لأبحاث الأمراض المعدية في أكثر من 20 دولة، كما أحدثت نظامًا متنقلًا للمراقبة والاستجابة العالمية للأوبئة المعدية. وضمن نفس السياق، طوَّرت أستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي أنظمة تخطيط لمراقبة ومواجهة الأمراض المعدية والأوبئة سواء تلك التي تبرز بشكل طبيعي أو نتيجة هجمات بيولوجية، وكلها مؤطَّرة بالأبعاد الأمنية.
أما على مستوى منظمة الصحة العالمية، فإن تعريف الأمراض المعدية بوصفها قضية تهم الأمن القومي تحدد من خلال جعل التنظيم الحالي للأمراض المعدية متلائمًا مع مقتضيات التعاون الدولي وشبكة النظام الصحي العالمي للمراقبة. ففي مايو/أيار من العام 1995، صادقت المنظمة على إصلاح اللوائح الصحية الدولية من قبل 191 دولة عضوًا، والتي جسدت ولاية منظمة الصحة العالمية لإدارة عمليات الاستجابة لتفشي الأمراض المعدية الثلاث التي تقع ضمن اختصاص هذه اللوائح: الكوليرا، والحمى الصفراء، والطاعون، والتي يتعيَّن على الدول إخطار المنظمة في حالة ظهورها حتى تباشر عملية إخبار الدول المجاورة وتنسيق إجراءات الحجر الصحي وإغلاق المجالات الجوية والبرية والبحرية إن اقتضى الحال.
لقد أكدت جائحة كوفيد-19 ديناميات أمننة الصحة العالمية على ثلاثة مستويات: الخطاب، ونماذج التحليل الأكاديمية، والإجراءات.
على مستوى الخطاب الرسمي وغير الرسمي اعتُبر الفيروس تهديدًا لحياة البشر، وللأداء العادي والمنتظم للمجتمعات، خاصة أن معدل الإماتة أعلى من معدل الإنفلونزا من الصنف "أ"، ومدة حضانته تصل إلى 14 يومًا، وينتقل بسهولة عبر الرذاذ واللمس والاحتكاك، وهذه الخاصيات سمحت بإضفاء صفة الأمننة على انتقال الأشخاص والاتصال الاجتماعي وكل العوامل والسلوكيات التي يمكن أن تؤدي لانتقال العدوى وارتفاع الإصابات بما يؤدي لانهيار النظام الصحي، تمظهرت عملية الأمننة هاته بالدرجة الأولى في الخطاب المستخدم لتوصيف الفيروس، فقد صنَّفته منظمة الصحة العالمية جائحة، وتنوعت التوصيفات التي وظَّفها زعماء ورؤساء حكومات العالم. ففي الخطاب الرسمي الذي وجَّهه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في 16 مارس/آذار 2020، لمواطنيه، وصف وضعية البلاد بـ"حالة الحرب" ضد الفيروس، معتبرًا إياه "العدو الخفي"، ومُشبِّهًا المستشفيات بـ"خطوط المواجهة في المعركة الحاسمة". وقام ماكرون بترجمة الفكرة المجردة للحرب الصحية إلى تهديد ملموس للمواطنين وللنظام الصحي، وأطلق عملية عسكرية سمَّاها "الصمود" هدفها تقديم الدعم والمساندة للساكنة والخدمات العمومية في مواجهة كوفيد-19، لاسيما قطاعات الصحة واللوجستيك والحماية، وأحال رئيس الوزراء الإيطالي، جيسيبي كونتي، على الحرب العالمية الثانية عندما استعار في خطاب له، في 9 مارس/آذار 2020، توصيف وينستون تشرشل "أحلك الأوقات". كما استخدم المفوض الإيطالي العام مصطلح "اقتصاد الحرب" في وصفه للأزمة الاقتصادية الناجمة عن الجائحة في إيطاليا. وفي نفس السياق، استخدمت ملكة بريطانيا، في خطاب للشعب البريطاني، في 5 أبريل/نيسان 2020، كلمات أغنية اشتُهرت إبَّان الحرب العالمية الثانية "سوف نلتقي مجددًا".
لم يختلف الأمر كثيرًا في الولايات المتحدة الأميركية التي تبنَّى رئيسها، دونالد ترامب، خطابًا عسكريًّا مماثلًا للخطاب الفرنسي، على الرغم من التردد الأولي في الاعتراف بخطورة الموقف خشية ارتدادات تمس اقتصاد البلاد. لكن مع اقتراب التهديد من أوروبا لم تعد الإدارة الأميركية قادرة على تجاهل الأمر أو عدم التفاعل معه. استدعى ترامب قانون الإنتاج الدفاعي الذي يعود لحقبة الحرب الباردة، والذي يتيح للرئيس توجيه الإنتاج الصناعي في حالة الطوارئ، وتمَّ اللجوء إليه لحشد الموارد الكافية لمواجهة الجائحة وللزيادة في عدد الاختبارات وتوسيع نطاقها، ولدفع شركة جنرال موتورز لإنتاج المزيد من أجهزة التنفس الاصطناعي.
في الصين، طغت غريزة النظام السياسي الأمنية في بداية الأمر على الاعتبارات الصحية لما تجاهلت كل التحذيرات بخصوص خطورة الفيروس، إلا أنها في مرحلة لاحقة تفردت باستجابتها القوية والجذرية لتفشي الجائحة بفعل الثقافة الاجتماعية والبنيات الأمنية والسياسية الموجودة مسبقًا، خاصة على مستوى تقنيات المراقبة وأنظمة التتبع الإلكتروني، التي مكَّنت من ضبط خريطة انتشار الفيروس. كما ساعدت البيروقراطية الصارمة في الصين في تنفيذ تدابير الإغلاق، وتعبئة القوى العاملة لبناء وتعزيز البنية التحتية الصحية، وتمكن الحزب الشيوعي من تشكيل تمثُّلات الأزمة باعتبارها "معركة مشتركة وعلى كل فرد مسؤولية المشاركة في القتال".
وفيما يتعلق بالنماذج الأكاديمية التفسيرية، فعلاوة على الإطار النظري العام المتمثل في نظرية الأمننة التي وظَّف الباحث أبرز أفكارها في هذه الدراسة، فقد برزت محاولات لتحليل الحالة الأمنية إبان تفشي جائحة كوفيد-19 من خلال توظيف نموذجين نظريين: الأول: هو نظرية العدالة الإجرائية (Theory of Procedural Justice) التي طوَّرها توم تايلر (Tom Tyler)، وترتكز هذه النظرية على تقديم تحليل اجتماعي نفسي للإجابة عن سؤال: لماذا يطيع الناس القانون؟ وذلك من منظور علم الجريمة ومهام الشرطة. وتفترض هذه النظرية أن القبول الجماعي بالتوجيه والتدبير الأمنيين ناجم عن امتثال ذاتي يرجع إلى الخوف من قدرة السلطة على فرض العقوبة على وضعية الانتهاك، وامتثال معياري من منطلق الاقتناع بإجراءات السلطة وبعدالة إجراءات التطبيق. أما الثاني فهو نموذج الهوية الاجتماعية (The Social Identity Model) وافتراضاته حول ديناميات الصراع بين الجماعات في المواقف التي تمارس فيها الشرطة القوة. وفقًا لهذا المقترب، عندما يُنْظَر للإكراه الذي تمارسه قوة الأمن على أنه غير شرعي، فإن ذلك يمكن أن يخلق ردَّ فعل نفسيًّا قد يدفع فئات من الناس للشعور بالتبرير بما يكفي لمواجهة سلوك السلطة والأمن.
لقد أدى توظيف مفهوم الأمن في بعده "الضيق" إبان جائحة كوفيد-19، أي ذاك الذي يعبِّر فقط عن سلطة الدولة، إلى تجاهل اعتبارات الصحة العامة في البعد الأمني، وإغفال مرجعية المنفعة العامة في إقرار إجراءات الحجر الصحي والطوارئ وشرعيتها. وما هو مطلوب في هذا السياق هو الاستناد إلى "عقد اجتماعي" يجري فيه الاعتراف بالمخاوف والهواجس الأمنية والدفاع عن شرعيتها ضمن استجابة الصحة العامة.
على مستوى الإجراءات، دفعت جائحة كوفيد-19 بشكل مباشر الدول إلى تبني سياسات تقوم على توسيع نطاق مهمات القوى الأمنية والجيش، والتي انخرطت في تطبيق إجراءات الحجر الصحي، وتقييد تنقل الناس وتطبيق حالة الطوارئ إما عبر تفويضها بصلاحيات إضافية استنادًا للإعلانات والقرارات الحكومية أو الرئاسية التي تؤهلها لتقييد عمليات الاتصال والتواصل والحركة والتداول، أو من خلال تفعيل اختصاصات ومهام هذه الأجهزة في استعمال القوة العمومية، أو في سياق وظائفها الإنسانية والصحية، مثل: دور الجيش في إقامة المستشفيات الميدانية، وتوفير الكوادر الطبية العسكرية، وتطوير علاجات في المختبرات العسكرية، وتوفير التموين الغذائي والدوائي، وكذا دور الأجهزة الأمنية في تفعيل إجراءات الإغلاق والإشراف على حملات التضامن الاجتماعي، وتفعيل مساطر متابعة مخالفي حالة الطوارئ، والتصدي لكل ما من شأنه إثارة الخوف أو الفوضى أو الإشاعة.
لقد تعرضت نظرية أمننة الصحة لانتقادات شديدة بسبب تركيزها على الأبعاد الأمنية الصرفة أكثر من النظر في البيئة الاقتصادية والاجتماعية التي تتفشى فيها هذه الأمراض. تقليديًّا، كانت الأوبئة تشكِّل موضوع تحليل أمني عندما كان لها تأثير على القوة النسبية للدولة، خاصة خلال فترات الحروب والنزاعات، إلا أن تيارًا من المدافعين عن مفهوم "الأمن الإنساني" دافعوا عن مقاربة موضوعية للأمن، بمعنى أن أي مرض يشكِّل تهديدًا أمنيًّا ما دامت له قدرة على التأثير المباشر في حياة الأفراد وجودتها وعلى نمط الرفاه الاجتماعي، بغضِّ النظر عن الاختلاف بين المجتمعات المتأثرة بالمرض.
ما يدعم هذا الطرح أن العامل الرئيسي المحدد لعملية الأمننة يخضع للتقييمات والتصورات الأمنية للدول الغربية، والتي تملك ميكانيزمات وأدوات توجيه صيرورة الأمننة في حال تفشي وباء أو مرض معدي. ففي سبتمبر/أيلول 2014، وافق مجلس الأمن على إنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستجابة الطارئة لفيروس إيبولا؛ حيث اعتبرت تفشي هذا الوباء تهديدًا للسلم والأمن الدوليين. أما منظمة الصحة العالمية فقد فقدت مكانتها حينذاك باعتبارها السلطة الرائدة ومنسقة العمل الدولي في المجال الصحي، وسُحبت اختصاصاتها وفق المنطق الأمني/السياسي للدول الممثلة في مجلس الأمن، وهذه الخطوة فتحت النقاش حول التدابير الاستثنائية والإجراءات الفنية والإدارية المصاحبة والتي قد تفلت من المراقبة الديمقراطية والقانونية.
3. أمننة الصحة من خلال حالة الطوارئ الصحية
تقتضي سُنَّة الله ألا تستمر الحياة على وتيرة أو منوال أو نهج واحد، بل إن من سماتها الطبيعية والفطرية التقلب والتنوع والتغير ما بين الشدة والرخاء؛ بين الخوف والأمن؛ بين الحرب والسلم، وغيرها من التقابلات، لذلك، تعاملت المجتمعات والنظم السياسية والقانونية والدستورية الحاكمة مع الحالات الاستثنائية بما يلزم من التقنين والتأطير والتشريع بغية التمكُّن من تقديم إجابات وبدائل وحلول سريعة، وخاصة غير مألوفة في الظروف العادية، تتناسب والأوضاع والظروف المستجدة، وتمنحها إمكانية التحرر من بعض الالتزامات والقيود الدستورية والقانونية. وتعتبر حالة الطوارئ الصحية وما ينتج عنها من حجر صحي من الحالات التي تلجأ الدول لفرضها في مواجهة تهديد ناتج عن تفشي فيروس أو مرض مُعْدٍ أو هجوم بيولوجي يشكِّل خطرًا على الصحة العامة، ويتطلب استجابة سريعة ومنسقة.
في 30 يناير 2020، أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية بعد انتشار فيروس كورونا في عدد من الدول، وهو نفس القرار الذي اتخذته بلدان عدة عرف فيها الفيروس تفشيًا واسعًا وخطيرًا.
في المغرب، وجدت الدولة نفسها أمام حالة فراغ دستوري وتشريعي بشأن حالة الطوارئ الصحية؛ ذلك أن الدستور لا يتحدث إلا عن حالتين: الاستثناء، والتي يمكن أن يعلنها الملك بظهير "إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية"، وحالة الحصار التي يمكن إعلانها لمدة ثلاثين يومًا بمقتضى ظهير يوقِّعه بالعطف رئيس الحكومة.
وأمام هذا الوضع الاستثنائي، لجأت الحكومة المغربية، في 24 مارس 2020، إلى التسريع بإصدار مرسوم يعلن حالة الطوارئ الصحية، وقبله صدر مرسوم - في 23 من نفس الشهر- يتعلق بسنِّ أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها. حدَّد هذا المرسوم مبررات اللجوء إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية، والإجراءات المتبعة من أجل ذلك وتمديدها، كما حدَّد صلاحيات الشرطة الإدارية التي جرى تأهيل السلطات العمومية لاتخاذها في سبيل مواجهة تفشي الجائحة، فضلًا عن تجريمه للمخالفات المتعلقة بحالة الطوارئ وتحديد العقوبات المخصصة لها، كما تضمن المرسوم مقتضى بوقف سريان الآجال المنصوص عليها في المقتضيات التشريعية والتنظيمية خلال فترة الطوارئ الصحية على أساس استئناف احتسابها من اليوم الموالي لرفع حالة الطوارئ.
أثارت الطريقة التي أُصدرت بها هذه المراسيم وصودق عليها نقاشات قانونية ودستورية، خاصة أن المشرِّع المغربي وجد نفسه بين مطرقة جائحة كوفيد-19 وسندان البحث عن مخرج قانوني يمكِّن السلطات والأجهزة التنفيذية على وجه الخصوص من غطاء قانوني يمنحها صلاحيات تدبير الأزمة، وهو ما رسخ خاصية أمننة حالة الطوارئ الصحية من خلال عدد من المؤشرات.
1. يتمثَّل أول هذه المؤشرات في اعتبار حالة الطوارئ نفسها نوعًا من الأمننة ما دامت تنص على تدابير وإجراءات تكسر القواعد السياسية والمجتمعية المتعارف عليها، وتضع قيودًا على الحقوق غير القابلة للانتهاك، وتركز طاقة وموارد المجتمع في مهمة محددة وهي مواجهة كوفيد-19.
بشكل عام، يعتبر اللجوء لحالة الطوارئ في كل الأنظمة السياسية المعاصرة مدخلًا لإحداث تغييرات على النظام القانوني "العادي"، وعلى التوزيع "الطبيعي" للسلط. تصف ماري لور بازيليان كانش (Marie-Laure Basilien-Gainche) حالة الطوارئ بـ"التقنيات القانونية" التي تلجأ إليها الدولة زمن الحرب أو في سياق أزمات كبرى، تستخدم من خلالها أساليب الإكراه للحفاظ على النظام العام، وتتسم بتركيز السلطات وتقييد الحقوق، علاوة على ذلك، أضحى مفهوم الطوارئ أطروحة فكرية تعبِّر بشكل واضح عن تحولات الأنظمة الليبرالية، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول و"الحرب العالمية على الإرهاب"؛ ذلك أن التعذيب والاختطاف والاغتيال والاعتقال خارج إطار القانون وغيرها من الممارسات حدثت برعاية من الأنظمة الرسمية وتحت غطاء الطوارئ. وقد تشكَّلت قناعة لدى هذه الأنظمة بكون حالة الطوارئ يمكن أن تمثِّل "الإطار البديل" الوحيد الذي قد يُبرِّر ممارسات العنف المتطرفة التي تمارسها الدولة.
في هذا السياق، يلتقي مفهوما الأمننة والطوارئ عند أفكار المفكر الألماني، كارل شميت (Carl Schmit)، الذي يعتبر أن كل ما هو "سياسي" لا يمكن استخلاصه من المضمون الموضوعي المحدد لقضية ما، وإنما يتحدد بالطريقة التي يشعر بها الفواعل تجاه القضية، فكل شأن ديني أو اقتصادي أو أخلاقي يتحوَّل إلى خانة "السياسي" إذا ما أحدث تمييزًا وتقسيمًا واضحًا للناس بين صديق وعدو. ويقترب هذا التعريف للسياسي من تعريف الأمن باعتباره قضية بقاء ووجود يهدده أعداء متصوَّرون، والأمننة هي توسيع لفكرة الأخطار الوجودية وسحبها على مجالات الحياة المختلفة على نحو يجعلها قائمة على منطق الحالة القصوى أو الطوارئ، ومن هنا تصبح السياسة هي ممارسة لإجراءات الطوارئ.
2. المؤشر الثاني للأمننة يتمثل في التأطير المفاهيمي لحالة الطوارئ الصحية؛ حيث يلاحَظ أن المفاهيم الواردة في مختلف البلاغات الصادرة عن الجهات والمؤسسات الرسمية وكذلك الخطاب الرسمي العام، تبتعد عن التوصيفات ذات الحمولة الأمنية أو العسكرية القوية؛ حيث لم يسجل أن جرى الحديث عن فيروس كورونا في الحالة المغربية باعتباره "عدوًّا"، وأن مواجهته ترقى إلى درجة "الحرب" كما هي الحال بالنسبة لعدد من الدول. طغت "النبرة الوقائية والاحترازية" على اللغة الرسمية المستعملة في التعامل مع جائحة كوفيد-19، لأنها كانت موجهة للداخل، حيث اعتُبِر الحجر الصحي وحالة الطوارئ الصحية "وضعية استثنائية"، وجائحة كورونا "أزمة صحية" تستلزم التحلي بأقصى درجات "اليقظة والتتبع والتقيد الصارم" بالتدابير الوقائية والاحترازية.
3. فرضت جائحة كوفيد-19 على المغرب، كما على باقي دول العالم، تطوير القدرة على الاستجابة الفورية والسريعة والفعالة بدءًا من البحث عن التأطير القانوني والتشريعي والدستوري لمختلف الإجراءات والتدابير المتخذة. وقد حدثت هذه العملية في المغرب بسرعة؛ حيث جرت المصادقة على مشروع قانون حالة الطوارئ الصحية في مجلس الحكومة بتاريخ 22 مارس/آذار 2020، وقُدِّم في اليوم الموالي إلى البرلمان وبالتحديد أمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلسي البرلمان، وحصل في نفس اليوم على مصادقة اللجنتين ونُشِر في الجريدة الرسمية، في 24 مارس/آذار، ليدخل حيز التطبيق. وإذا كان مفهومًا ومقبولًا تسريع وتيرة الفعل التشريعي بالنظر للتحولات المتسارعة لانتشار جائحة كوفيد-19، فإن هذه العملية شابتها اختلالات يبرز من خلالها بوضوح طغيان وهيمنة هاجس أمننة الإجراءات والتدابير الصحية؛ حيث إن إعلان حالة الطوارئ الصحية تم في 19 مارس/آذار 2020 من قِبَل وزارة الداخلية دون أي سند دستوري أو تشريعي، وبدأ تطبيقه في 20 مارس/آذار، أي قبل أن يأخذ مرسوم القانون بإعلان حالة الطوارئ مساره التشريعي الطبيعي ويُنشر في الجريدة الرسمية! كما أن البرلمان لم يقم بدوره الرقابي، وصادق على المشروع دون تعديل أو مناقشة. ولم يقتصر ضعف البرلمان على أدائه في إقرار حالة الطوارئ الصحية، بل تخلى عن أدوار كثيرة أدَّت إلى استئثار السلطة التنفيذية بالتدبير وغياب السلط الأخرى.
وقد يكون مفهومًا بالنسبة لدولة مثل المغرب، ذات بنية تحتية صحية متواضعة وتعاني من اختلالات هيكلية عميقة في هذا المجال، أن تولي أهمية خاصة في إطار تدبير أزمة كورونا للإجراءات الاحترازية والوقائية القائمة على ضبط حركة الناس من خلال تفويض هذه "المهمة" وبصلاحيات موسعة لأحد أقوى أجهزتها، وهو وزارة الداخلية، إلا أن هذا التوسع في حدِّ ذاته كانت له ارتدادات متعلقة بحقوق الإنسان ووضعية الحريات الفردية والعامة. فقد صنَّفت الأمم المتحدة المغرب من الدول التي استغلت حالة الطوارئ الصحية لارتكاب خروقات في مجال حقوق الإنسان، وهو ما تثبته الأرقام الكبيرة للموقوفين والمعتقلين والمتابعين بسبب خرق حالة الطوارئ؛ حيث أفاد بلاغ لرئاسة النيابة العامة، بتاريخ 22 ماي 2020، أن عدد الموقوفين بلغ - بدءًا من دخول مرسوم قانون حالة الطوارئ حيز التنفيذ- ما مجموعه 91623، من بينهم 4362 جرى اعتقالهم احتياطيًّا.
وفي نفس السياق، سجلت جمعيات حقوقية (مرصد الشمال لحقوق الإنسان، وجمعية الدفاع عن حقوق الإنسان) وجود انتهاكات وخروقات لبعض الحقوق الإنسانية الأساسية بسبب سلوكات بعض رجال السلطة ورجال الأمن، والتي نقلتها فيديوهات موثقة بالصوت والصورة تظهر تعرض مواطنين للسب والشتم والصفع والركل، وتصوير ونشر الحياة الخاصة للأفراد وانتهاك حرمتها، وهو ما يتنافى مع مبدأ التناسب الذي يفرض ضرورة الملاءمة بين التدابير والإجراءات المتخذة من قبل السلطة الإدارية، والظروف التي دفعت بالإدارة لاتخاذ قرار الضبط والزجر، مع ضرورة احترام الحقوق والحريات الفردية كمبدأ لا يمكن المساس به حتى في سياق الجائحة مما يعني كذلك تحصين المؤسسات العمومية من الشطط في استعمال السلطة.
4. أمننة كوفيد-19 من خلال أعمال الشرطة الإدارية
تتعدد تعريفات الشرطة الإدارية من مدرسة قانونية لأخرى، ولكنها تلتقي جميعها في كونها تسعى إلى حماية النظام العام، وهي بذلك تمثِّل الوسيلة القانونية التي تتيح للإدارة التدخل للحفاظ على النظام العام بكافة مدلولاته الثلاث، وهي: الأمن العام، والسَّكينة، والصحة العامة (المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية المغربية، 2009). وتعتبر تدابير الشرطة الإدارية بمنزلة نظام وقائي تتولى فيه الإدارة حماية المجتمع من كل ما من شأنه أن يُخِلَّ بأمنه وسلامته وصحة أفراده وسكينتهم.
في المغرب، يوجد مستويان أو نوعان من الشرطة الإدارية، وطنية ومحلية، يشمل اختصاص الأولى نطاق الدولة ككل، حيث يمارسها رئيس الحكومة والوزراء، غير أن الدستور المغربي لا يسند للوزراء سلطة تنظيمية عامة على غرار ما يتوفر عليه رئيس الحكومة، وبالتالي لا يمكنهم أن يمارسوا مهام الشرطة الإدارية العامة، إلا أن نصوصًا تشريعية وتنظيمية تسند إليهم صلاحية ممارسة مهام الشرطة الإدارية الخاصة كل في مجال اختصاصه. وهكذا -وفيما له علاقة بموضوع البحث-يمارس وزير الداخلية استنادًا للمرسوم المتعلق بتنظيم اختصاصات وزير الداخلية، الصادر في 15 ديسمبر/كانون الأول 1997، مهام الشرطة الإدارية في مجال المحافظة على الأمن العام، ويمارس وزير الصحة مهام الشرطة الإدارية في مجال المحافظة على الصحة العمومية. أما المستوى الثاني المحلي، فقد فصَّل القانون التنظيمي رقم 14-113 المتعلق بالجماعات مهام الشرطة الإدارية لرئيس الجماعة في ميادين الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية، كما يضطلع رجال السلطة المحلية، وهم الوالي وعامل العمالة والأقاليم، ورئيس الدائرة الحضرية ورئيس الدائرة القروية والقائد ورئيس الملحقة الإدارية، باختصاصات من صميم عمل الشرطة الإدارية وتتعلق بالمحافظة على النظام والأمن العمومي.
إن هذه الاختصاصات تحتضنها منظومة مجالية مثيرة للاهتمام؛ ذلك أن التنظيم الإداري للمملكة المغربية مقسم إلى وحدات مجالية ذات تراتبية قانونية وسياسية وإدارية دقيقة، وهو ما يسمح ويسهِّل تنفيذ استراتيجيات الدولة بطريقة واسعة وسلسة، بالإضافة إلى السماح بتغذية راجعة مرتدة نحو مراكز صنع القرار، منح هذا التنظيم الإداري المجالي للسلطات العمومية خلال جائحة كوفيد-19 مجالًا واسعًا لتوظيف حالة الطوارئ الصحية لإضفاء صفة التهديد الوجودي المباشر على الجائحة، وأمننة مختلف الإجراءات والتدابير المتخذة.
لقد شكَّل إعلان حالة الطوارئ في المغرب كما في باقي بلدان العالم؛ تقييدًا للحقوق والحريات الأساسية، ولاسيما حركة التنقل والحركة والتجمع. كما لعبت أجهزة الشرطة الإدارية، ونخص بالذكر السلطة المحلية ضمن تشكيلاتها التنفيذية "الدنيا" أي رؤساء الدوائر والقياد وأعوانهم والقوات المساعدة، أدوارًا رئيسية في تنزيل أحكام حالة الطوارئ والسهر على الالتزام بالحجر الصحي. وبموجب المادة الثالثة من مرسوم 2.20.293 بإعلان حالة الطوارئ الصحية، مُنحت وزارة الداخلية اختصاصات وصلاحيات واسعة؛ حيث "يتخذ ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، بموجب الصلاحيات المخولة لهم طبقًا للنصوص التشريعية والتنظيمية، جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في ظل حالة الطوارئ المعلنة، سواء كانت هذه التدابير ذات طابع توقعي أو وقائي أو حمائي، أو كانت ترمي إلى فرض أمر بحجر صحي اختياري أو إجباري، أو فرض قيود مؤقتة على إقامة الأشخاص بمساكنهم، أو الحد من تنقلاتهم، أو منع تجمعهم".
واللافت للانتباه أن تحركات السلطة المحلية انتقلت إلى مستوى وصيغ من التدخل لم تكن معهودة لدى المواطنين، حيث يحدث لأول مرة الاستعانة بالتقنيات السمعية البصرية لتصوير هذه التدخلات، ومخاطبة المواطنين عبر مكبرات الصوت، ونقلت الكاميرات لأول مرة التدخلات الميدانية ومتابعة مخالفي الحجر الصحي في الأزقة الضيقة كما في الشوارع والميادين الكبرى، وكذلك إجراءات الاعتقال ومراقبة تصاريح التنقل الاستثنائية في مشاهد لا تخلو من أبعاد استعراضية. سعت كذلك هذه الأجهزة التي كانت تقود التدبير الأمني الميداني للحجر الصحي بالتنسيق مع عناصر الأمن الوطني في المدن والحواضر والدرك الملكي في القرى والمداشر، لاستثارة مشاعر التضامن الجماعية بالإقدام على عزف النشيد الوطني في الشارع العام بواسطة مكبرات الصوت، وتقديم التحية العسكرية للساكنة.
بدا واضحًا أن الحضور التنفيذي والميداني لرجال السلطة كان يتجاوز في الواقع الصلاحيات المخولة لهم بموجب قانون حالة الطوارئ الصحية، لقد كان يقترب ويتلاءم والأدوار التاريخية والضمنية التي أنيطت بوزارة الداخلية التي كانت توصف إلى عهد قريب بـ"أم الوزارات" بسبب شمول تدخلها في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية، وحضورها الطاغي في بنية النظام المغربي. لقد شملت مهام السلطة المحلية خلال فترة الحجر الصحي مراقبة الحياة العامة؛ إذ باتت تراقب الأسعار وتنظم الأسواق وتحرص على تزويدها بالسلع والمواد الغذائية الأساسية، وتشرف على توزيع مختلف أشكال الدعم الاجتماعي المالي والعيني الموجه للفئات المعوزة والمتضررة من الجائحة.
إن ما يثبت تعامل وزارة الداخلية المغربية مع جائحة كوفيد-19 باستدعاء "تراث أم الوزارات" مفهومًا وتطبيقًا أن ممارسة الاختصاصات القانونية لرجال السلطة سواء تلك المؤطرة بموجب الأنظمة الأساسية، أو تلك المخولة لهم بموجب حالة الطوارئ الصحية، جرت في إطار نوع من "الأحادية والهيمنة" في التدبير، خاصة في إطار العلاقة مع الشرطة الإدارية الجماعية المتمثلة في المجالس المنتخبة. فمن بين أهم القرارات وأكثرها إثارة للجدل تأجيل انعقاد دورة مايو/أيار العادية لمجالس الجماعات بموجب منشور لوزير الداخلية صدر بتاريخ 22 أبريل/نيسان 2020، كما أرجأ منشور آخر انعقاد الدورة العادية لمجالس العمالات والأقاليم ومجالس المقاطعات بدعوى احترام التدابير التنفيذية التي تستلزم حفظ "النظام العام"، علاوة على ذلك، حدَّد وزير الداخلية مجالات صرف أموال الجماعات الترابية بدقة، وخلافًا للحصر القانوني الجاري به العمل في القوانين التنظيمية فيما يخص "النفقات الإجبارية" جاءت دورية وزير الداخلية حول التدبير الأمثل لنفقات الجماعات الترابية برسم سنة 2020 بلائحة جديدة للنفقات الإجبارية منها ما يتناسب مع ضرورة الاستعجال التي تقتضيها محاربة الجائحة منها مثلًا النفقات الضرورية كالأجور، ومنها نفقات ضرورية، ولكنها أكثر استعجالًا تهم لائحة يجري إعدادها بتشاور مع العمال وترسل إلى المحاسبين العموميين التابعين للخزينة العامة، وهو ما يعني تجميدًا لكل الاختصاصات الأخرى التي لا تدخل في سياق المجالات المحصورة بالدورية، وهو ما يرفع هذه الأخيرة من مجرد توجيه إلى تشريع غير مباشر، ووضع قواعد اشتغال جديدة غير تلك المنصوص عليها في القانون التنظيمي، هذا التعطيل للمجالس المنتخبة جعل أدوارها خلال الجائحة هامشية ولا تتم إلا في إطار مساعدة السلطات، إذا سُمِح لها بالمساعدة بطبيعة الحال.
5. أمننة الصحة من خلال مشاركة الجيش
يعتبر الجيش بصفة عامة أداة الدولة الرئيسية التقليدية التي تواجه بها التهديدات الخارجية، وتدافع بها عن حدودها وحوزتها. لكن، ومع بداية السبعينات، واجه هذا المنظور الكلاسيكي تحديات عدة؛ فرضتها خطورة التهديدات الناشئة، خاصة بعد الحرب الباردة مثل تجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية والهجمات الإلكترونية والإرهاب وغسيل الأموال وتدهور الأوضاع البيئية، بالإضافة إلى انتشار الأوبئة والأمراض المعدية. هذه التحولات شهدت معها أدوار الجيوش توسعًا ملحوظًا ضمن اتجاه عالمي يرمي إلى أمننة القضايا المدنية. وتتحقق هذه الوضعية عندما تصبح الهياكل والمؤسسات والأجهزة المدنية غير قادرة وحدها على مواجهة التحديات أو التهديدات، فيتدخل الجيش ضمن ما يُسمَّى بمبدأ "اقتسام المسؤولية" باعتبار خبرته وإمكاناته وتدريبه للمساعدة في تدبير أزمات أو كوارث.
في المغرب، لطالما حضر الجيش بكثافة في الحياة المدنية؛ حيث تنخرط القوات المسلحة الملكية في الشأن العام الداخلي من خلال توسيع نطاق دور العسكريين، أو من خلال استخدامهم من جانب السلطات المدنية كأداة لتحقيق غايات معينة، فنجد الجيش مثلًا حاضرًا في مواجهة الكوارث الطبيعية، ومنخرطًا في إقامة المستشفيات العسكرية الميدانية في المناطق الجبلية والنائية، وإيصال المساعدات الإنسانية لسكانها خلال فترات البرد، كما يسهم الجيش المغربي في برنامج "حذر" إلى جانب الأمن الوطني والقوات المساعدة من خلال تسيير دوريات مشتركة في إطار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب.
مع تفشي فيروس كوفيد-19، وفور إعلان حالة الطوارئ الصحية، في 19 مارس/آذار 2020، قام الجيش المغربي بوضع مخطط عمل استباقي يأخذ بعين الاعتبار الوضع على المستوى الوطني واحتياجات مختلف الهيئات (الصحة، الأمن الداخلي)، وأُلحقت فرق طبية لتعمل إلى جانب الفرق المدنية الصحية شملت إقامة ثلاثة مستشفيات ميدانية وخمسة مواقع للعزل، وفضلًا عن هذا الانخراط في تدبير الإشكالات الصحية، نُشرت مدرعات الجيش في كبريات المدن المغربية بالتنسيق مع قوات الأمن، ناهيك عن التعاون في مجالات البحث العلمي بين مركز علم الفيروسات التابع للمستشفى العسكري في الرباط، ومؤسسات مدنية، مثل: معهد باستور، والمختبر الوطني للإنفلونزا والفيروسات التنفسية بالمعهد الوطني للصحة.
لقد ارتبط النزول الميداني للجيش في الشوارع في أذهان المغاربة بالتدخلات القمعية العنيفة التي تمت بها مواجهة الاحتجاجات والانتفاضات التي عرفها المغرب خلال سنوات 1965 و1981 و1984 و1990؛ حيث استعمل الجيش الرصاص الحي، ورابطت المدرعات في مراكز المدن بهدف تخويف المتظاهرين وردع الاحتجاجات، بالإضافة إلى تاريخ الجيش في تورط بعض قياداته في محاولتين انقلابيتين فاشلتين على الملك الحسن الثاني، سنتي 1971 و1972. غير أن المؤسسة الملكية تمكَّنت خلال العقدين الأخيرين من إزاحة هذه التمثُّلات من أذهان المواطنين بما أناطته للجيش من مهام مدنية ذات طابع إنساني، وبالإصلاحات الهيكلية التي طالت هذه المؤسسة بتحييد النفوذ السياسي للعسكريين وإلغاء منصب وزير الدفاع وتولي الملك القيادة العليا للقوات المسلحة، هذه الفلسفة الجديدة لأدوار الجيش وتقاطع مهامه مع القضايا المدنية تكرست خلال جائحة كورونا، حيث ارتبط دوره من ناحية بطمأنة المواطنين بخصوص قدرة الدولة على توظيف كل إمكاناتها المتاحة بهدف الحفاظ على الصحة العامة وحمايتهم من الأخطار والتهديدات، وهي خطوة يُقصد بها إحداث نوع من التداخل بين الدفاع والأمة بالمعنى الذي يفيد أن العمل العسكري لا يندرج حصرًا في منظور الحرب أو حماية النظام السياسي من المعارضة، بل أيضًا في منظور حفظ قيم الأمة وصونها، ومن ناحية إيصال رسالة مفادها إمكانية اللجوء للقوة والصرامة اللازمتين بما فيها العسكرية لفرض الالتزام بالحجر الصحي وضبط المخالفين.
6. الأمننة من خلال التشريع (مشروع القانون 22.20)
في أبريل/نيسان 2020، وفي عز أزمة كورونا، سرَّب مدونون مغاربة مسودة من مشروع قانون أعدته وزارة العدل وصادقت عليه الحكومة، في 19 مارس/آذار 2020، وهو القانون 22.20 المتعلق بـ"استعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة". ويتكون مشروع هذا القانون من 25 مادة، لكن المواد التي أثارت ضجة واسعة هي تلك التي تخص تجريم الدعوة إلى مقاطعة المنتوجات، ونشر وترويج الأخبار الزائفة، فمثلًا نصَّت المادة (14) على عقوبة السجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و/أو غرامة مادية بحق من يدعو إلى مقاطعة منتوجات أو بضائع أو خدمات. ونصَّت المادة 16 على عقوبة السجن من ثلاثة أشهر إلى سنتين و/أو غرامة مادية بحق كل من قام عمدًا بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن خبرًا زائفًا. ويعيد مشروع القانون هذا إلى الأذهان حملة المقاطعة الشعبية التي انطلقت من مواقع التواصل الاجتماعي سنة 2018، واستهدفت ثلاث علامات تجارية مشهورة وكان لها صدى واستجابة واسعان، وذلك من منطلق ارتفاع أسعار هذه المنتجات، والتي لا تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية الصعبة لشرائح واسعة من المجتمع، والأرباح الخيالية التي تحققها في ظل غياب تنافسية حقيقية.
لقد أثار مشروع القانون 22.20 موجة واسعة من الاستنكار والتنديد من طرف المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية وبعض أحزاب المعارضة (الاستقلال، التقدم والاشتراكية، فيدرالية اليسار الديمقراطي...) وحتى بعض المكونات داخل الأغلبية الحكومية؛ حيث إن المصادقة عليه في المجلس الحكومي جرت بالإشارة إلى ملاحظة مضمونها "الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه التي سيتم دراستها من قِبَل اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المشكَّلة لهذا الغرض"، وهو ما يؤكد بحسب البعض أن الخلاف بشأنه لم يكن تقنيًّا فقط، ولكنه خلاف عميق يستدعي منطقيًّا إعادة عرضه على المجلس الحكومي، لأن موضوعه حساس جدًّا ويهم الحقوق والحريات، أضف إلى ذلك أن حزب العدالة والتنمية الحاكم دعا إلى تأجيل عرض هذا المشروع على البرلمان، وأكد "الموقف المبدئي للحزب الذي يقضي بأن أي تشريع في هذا المجال يجب أن يراعي ضمان ممارسة الحقوق والحريات الأساسية".
يطرح توقيت ومضمون وصيغة مشروع القانون المذكور تساؤلات حول أهدافه الحقيقية؛ ذلك أن قانونًا يرمي إلى "تقنين" و"ضبط" فضاءات التواصل الاجتماعي يفترض أن يخضع لمسار من التشاور، وأن يُعرَض لنقاش عمومي مفتوح تشارك فيه القطاعات المعنية، مثل: المجلس الوطني للصحافة، والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، وهي شروط شكلية ومنهجية وديمقراطية لم تتحقق في نص قانوني يحمل تشريعات وتقنينات تحتمل تأويلات وتطبيقات وتقييدات تنطوي على خطورة معتبرة على حرية الرأي والتعبير، خاصة في ظل نظام سياسي لا يزال يقدم رِجْلًا ويؤخر أخرى في ترسيخ معالم ممارسة ديمقراطية وسياسية وقانونية وحقوقية حقيقية.
وتوجد أهم التفسيرات وراء الإقدام على طرح مشروع القانون 22.20 في تمثُّل بعض دوائر صنع القرار في المغرب لجائحة كورونا وحالة الطوارئ الصحية إن كانت ظرفًا استثنائيًّا ووضعية أزمة تفترض تركيز الجهود والموارد في تدبير الجائحة ومواجهتها، أو "فرصة" لتمرير قوانين أو فرض إجراءات مستغلة في ذلك حالة الانشغال العام بالجائحة، وهو ما يعبِّر عن نزعة أمننة حاضرة بقوة في تصورات صنَّاع القرار في المغرب تجاه مختلف التعبيرات الاجتماعية والسياسية التي قد تبتعد عن التوجهات الرسمية، أو تنفلت من رغبة الضبط والتحكُّم والتوجيه.
خاتمة:
في انتظار معرفة مآل الحكم رقم 420 الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ: 09/02/2024، وكذا معرفة تداعايات اللقاحات التجريبية التي تلقلها المواطنون في العالم أجمع، والمواطنون بالمغرب، يبقى المقال المتواضع الذي نقترحه، كنوع من الإسهام الأكاديمي في تسليط الضوء حول لقاحات تجريبية لم تستوف أمد التجريب ولم تحترم المعايير الدولية في طريقة عرضها في السوق الدولي للاستهلاك الآدمي، كما لم تبين طرق تحمل المسؤولية المادية والاعتبارية الناتجة عن التداعيات والآثار الجانبية (المباشرة وغير المباشرة) عن استعمال هذه اللقاحات التجريبية.



#محمد_أوبالاك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهنة المحاماة في العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي.
- حقوق الإنسان الآلي؟ ما هي استقلالية صنع القرار للآلة؟ ما هي ...
- في سبيل تأسيس الجمعيات الرقمية بالمغرب.
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ...
- الديمقراطية الرقمية والديمقراطية التشاركية الرقمية.
- ما هي السيادة الرقمية؟
- تقرير المفوضية الأوربية لحقوق الانسان حول حقوق الإنسان والتك ...
- واقع التعليم الجامعي والبحث العلمي بالمغرب، موضوع قديم بصياغ ...
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ...
- البلوك تشين (سلسلة الكتلة) والقانون: نظرة عامة موجزة على الا ...
- فرض الضريبة على أرقام معاملات الشركات العاملة في النشاط الرق ...
- -العملات/الأصول المشفرة، ومشروع القوانين واللوائح: جوانب من ...
- السيادة الرقمية أوروبا تختنق بالمعايير.
- تحدي التكنولوجية الرقمية للقانون الدستوري.
- المتقاضي الرقمي.
- التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19-
- الوكالات الدولية المتخصصة والحق في التقاضي (صندوق النقد الدو ...
- البعد الدولي في مجال مجابهة المغرب لجريمتي تبييض الأموال وال ...


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة ... / محمد أوبالاك
- جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية / اريك توسان
- الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس ... / الفنجري أحمد محمد محمد
- التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19- / محمد أوبالاك


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - محمد أوبالاك - الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة لفيروس كوفيد-19 (دراسة مقارنة).