|
الحاضرية الوجودية الشاملة ومفهوم الزمن والموت
غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 7971 - 2024 / 5 / 8 - 18:47
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تقوم الحاضرية الوجودية على فكرة أن الوجود يعتبر أساسًا للفرد وأن الفرد يجب أن يأخذ مسئولية كاملة عن حياته وأفعاله. مفهوم الزمن في سياق الحاضرية الوجودية يختلف عن الفهم التقليدي للزمن. وفقًا للحاضرية الوجودية، الزمن ليس مجرد وحدة قياسية خارجية يتم قياسها بالساعات والدقائق والثواني. بدلاً من ذلك، الزمن يعتبر جزءًا أساسيًا من الوجود البشري وتجربته. الحاضر هو اللحظة الفورية والحقيقية التي يعيشها الفرد، وهو الوقت الذي يستطيع فيه الفرد أن يتصرف ويتأثر بالأحداث والخيارات. ومن خلال خياراته وأفعاله، يكون الفرد مسئولًا عن تشكيل حياته وتحقيق الهدف الذي يعتبره ذو معنى. ومع ذلك، الحاضرية الوجودية لا تعني تجاهل الماضي أو التجاهل المستقبل. فالماضي يلعب دورًا في تشكيل الحاضر وتحديد هويتنا وتجاربنا، والمستقبل يمثل الآمال والتطلعات والتحديات التي نواجهها. ومع ذلك، يؤكد الفرد الحاضرية الوجودية على أن الحاضر هو الوقت الذي يمكنه التأثير فيه بشكل مباشر، وبالتالي فإن الاهتمام الأساسي يجب أن يكون بالحاضر وكيفية تفاعلنا معه. في سياق الحاضرية الوجودية، مفهوم الموت يلعب دورًا هامًا ، الموت هو حقيقة لا مفر منها وجزء لا يتجزأ من تجربة الحياة البشرية. يعتبر الموت وجوديًا وحاضرًا، وهو يؤثر على طبيعة ومعنى الحياة. ومن خلال الموت، يتم توجيهنا للتفكير في مفهوم البداية والنهاية. فبما أننا ندرك أن الموت لا مفر منه، فإننا ندرك أن الحياة لها حدود زمنية وأن لدينا وقتًا محدودًا لتحقيق الأشياء وتجربة الحياة بأكملها. يجب علينا التفكير في كيفية استغلال الزمن وتحقيق أهدافنا وتحقيق معنى لحياتنا، بغض النظر عن الوجود النهائي للموت. بشكل عام، الحاضرية الوجودية تدعونا إلى التصالح مع واقع الموت وتقبله كجزء من الحياة. بدلاً من الهروب من الواقعية الموتية، يجب علينا أن نتعامل معها بشكل صريح ونعيش حياتنا بشكل ملتزم ومعنوي، مدركين أن الموت يضفي قيمة وعمقًا على تجاربنا واختياراتنا في الحياة.الا ان الموت يؤثر على الاختيارات التي نقوم بها في الحياة بطرق متعددةمنها: الأولويات والقيم: الموت يذكّرنا بضرورة تحديد الأولويات والقيم في حياتنا. عندما ندرك أن الوقت محدود وأن الموت حقيقة لا مفر منها، قد نعيد تقييم أولوياتنا ونركز على الأمور الحقيقية والمهمة. يمكن أن يدفعنا الوعي بالموت للتركيز على العلاقات القوية، وتحقيق الأحلام، والعمل بجد على تحقيق أهدافنا. المغامرة والتحدي: الموت يعزز رغبتنا في تجربة أشياء جديدة والخروج من منطقة الراحة. قد نشعر بالحاجة إلى استكشاف العالم وتحقيق أحلامنا قبل فوات الأوان. نتحدى أنفسنا ونقوم بأعمال تجسد الشجاعة والمغامرة، لأننا ندرك أن الحياة قصيرة ولا يمكننا التأكد من وجود فرصة أخرى. التقدير والامتنان: الموت يجعلنا نقدر اللحظات الحالية والأشخاص الذين حولنا. يمكن أن يدفعنا الوعي بقدرة الموت على أخذ أي شخص منا في أي وقت للتقدير أكثر للعلاقات القريبة وللحظات الجميلة في الحياة. نركز على التواصل الحقيقي والاهتمام بالآخرين والعيش في اللحظة الحاضرة بفضل الموت. الشجاعة وتحقيق الأهداف: الموت يحثنا على أن نكون شجعانا ونتخذ خطوات جريئة نحو تحقيق أهدافنا. عندما ندرك أن الوقت ليس لدينا إلى الأبد، قد نشعر بالحاجة إلى تجاوز الخوف والتحديات والتحرك نحو ما نريد تحقيقه في الحياة. الموت يلقي الضوء على أهمية الشجاعة والتصميم لتحقيق النجاح والملء الحقيقي للحياة. باختصار، الموت يؤثر على اختياراتنا بأنه يدفعنا للتصالح مع الواقع المحدود للحياة ويحثنا على تحقيق الأهداف والقيم الحقيقية في الوقت المتاح لنا. من منظور الحاضرية الوجودية، يتم التركيز على الحاضر والوعي بالموت كجزء من الحياة. يعتبر الموت حقيقة لا مفر منها، وهو يحث الفرد على العيش بشكل ملتزم وشجاع وتحقيق الأهداف والقيم في الوقت المحدود الذي يتوفر فيه. أما المنظور الميتافيزيقي ، فقد يتم التركيز على الحياة اللاحقة والإيمان بوجود حياة بعد الممات. يعتقد البعض أن السعادة تأتي من الرضا واتباع المبادئ الدينية والتحضير للحياة اللاحقة. يمكن أن يتم رؤية الموت في هذا السياق على أنه بداية جديدة أو مرحلة انتقالية إلى الحياة الأبدية. بشكل عام، يمكن أن يشعر الأفراد بالسعادة والراحة عندما يجدون معنى لحياتهم ويعيشون وفقًا للقيم والمعتقدات الخاصة بهم. بغض النظر عن النظرة التي يتم اعتمادها تجاه الموت، فإن السعادة قد تكون متصلة بالشعور بالرضا والتوازن والتحقق من الأهداف الشخصية والروحية. يمكن أن يكون هناك توازن بين النظرة الوجودية والنظرة الميتافيزيقية والدينية تجاه الموت. الأفراد قد يجدون أنه من المفيد دمج عناصر من هذه النظرات المختلفة لتطوير تفهم أعمق وأكثر اتزانًا للموت وتأثيره على حياتهم. على سبيل المثال، يمكن للشخص أن يتبنى النظرة الوجودية من خلال التركيز على الحاضر وتحقيق الأهداف والقيم في الحياة، في حين يحتفظ بإيمان ديني يؤمن بالحياة اللاحقة والأبدية. يمكن أن يجد الشخص السعادة والمعنى في العيش بشكل ملتزم وشجاع في الحاضر، وفي الوقت نفسه يجد الأمل والراحة في الإيمان بالحياة اللاحقة والرحمة الإلهية. التوازن يعتمد على القدرة على احترام وتقبل وجهات النظر المختلفة واستخلاص الفوائد منها. يمكن أن يساعد التوازن بين النظرات المختلفة على تعزيز التفهم الشامل للموت وتأثيره، وقد يساهم في تطوير منظور شخصي أكثر غنى وتوازنًا تجاه الحياة والموت. يجب أن يتم احترام الاختلافات الفردية وحرية الاختيار فيما يتعلق بالنظرة المتبناة تجاه الموت، حيث يجب أن يتم اختيار النظرة التي تتناسب مع القناعات والقيم الشخصية وتوفر السعادة والراحة النفسية للفرد. بالنسبة لمصير الإنسان بعد الموت، يختلف الاعتقاد والتصور بين الثقافات والديانات المختلفة. بعض الديانات تؤمن بوجود حياة بعد الموت، سواء كانت تفسرها بالخلود الروحي أو العودة إلى الله أو الجنة والنار. وهناك أيضًا الذين يؤمنون بالرحمة الإلهية والمغفرة والتجديد في الحياة اللاحقة. من الصعب للفلسفة الحاضرية الوجودية كما حال بقية الفلسفات والرؤى ومنها الدينية كونها تختلف اختلاف حاد فيما بينها وكل منها تدعي الحقيقة, أن توفر إجابات نهائية بشأن ما يحدث بعد الموت، حيث أنها تركز بشكل أساسي على الوجود والحياة في الحاضر. لذا، قد يكون هناك وجهة نظر وتفسيرات شخصية تعتمد على قناعات فردية أو دينية أو فلسفية. مهما كان المصير النهائي للإنسان بعد الموت، يمكن للفلسفات والديانات أن تقدم آمالًا ومعانٍ للفرد وتساعده على العيش بشكل ملتزم ومعزز للسعادة في الحاضر. ومع ذلك، يوجد بعض الفلاسفة الوجوديين الذين قدموا بعض الأفكار حول الموت وما يمكن أن يحدث بعد الموت. على سبيل المثال، يعتبر جان بول سارتر، أحد أبرز الفلاسفة الوجوديين، أن الموت يؤدي إلى النهاية النهائية للوجود الفردي، وأنه لا يوجد شيء بعد الموت. يرى سارتر الموت كواقع لا مفر منه ويعزز فكرة الحرية والمسؤولية الفردية في الحياة. الاتفاق العلمي بين الحاضرية الوجودية والعلم وتصوراته عن الموت. الحاضرية الوجودية والعلم لديهما مجالان منفصلان من التركيز والمنهجية، ولا يوجد تفاق علمي رسمي بينهما بشأن الموت. الحاضرية الوجودية هي توجه فلسفي يركز على الوجود والحياة البشرية، في حين يعنى العلم بدراسة الظواهر الطبيعية واستكشافها من خلال المنهج العلمي. ومع ذلك، يمكن أن يكون هناك تداخل بين الحاضرية الوجودية والعلم في بعض النقاط. فعلى سبيل المثال، يمكن للعلم أن يساهم في فهم العمليات الفيزيولوجية والبيولوجية المرتبطة بالموت وعملية الموت الخلوي، ويوفر تفسيرات علمية للظواهر المرتبطة بالنهاية الحيوية للأفراد. العلم بحد ذاته لا يقدم توجهًا محددًا بشأن ما يحدث بعد الموت، حيث أن العلم يعتمد على الأدلة الملموسة والقابلة للقياس والتجريب، ولا يمكنه تفسير الأبعاد الروحية أو الدينية للموت. لذا، يمكن للأشخاص أن يستوحوا فهمًا شاملاً للموت من خلال الجمع بين الفلسفة الوجودية والنظرة العلمية والأبعاد الروحية والدينية. يمكن أن يتم توظيف الأبحاث العلمية لفهم العمليات الفيزيولوجية للموت، بينما تعزز الفلسفة الوجودية الفهم الشخصي والاكتشاف الذاتي للموت، ويمكن أن يلعب الأبعاد الروحية والدينية دورًا في توفير آمال وتعزيز الراحة النفسية في مواجهة الموت. يمكن للعلم أن يساهم بطرق غير مباشرة في فهم بعض الجوانب الروحية أو النفسية المرتبطة بالموت. على سبيل المثال، يمكن للعلم النفسي أن يدرس تأثير الموت على الإنسان والعواطف وعملية التأقلم مع الموت، ويمكن أن يقدم بعض الإطارات النظرية لفهم الحزن والحاجة للمعنى والطقوس المرتبطة بالموت. علاوة على ذلك، يمكن للعلم أن يلقي الضوء على بعض العوامل البيولوجية والمادية التي قد تؤثر على الخبرات الروحية أو الدنيوية للأفراد خلال فترة الموت القريبة. على سبيل المثال، بعض الأبحاث تشير إلى أن هناك تغيرات في النشاط الدماغي قد ترتبط بتجارب الحدود الموتية أو الخبرات الروحية. علينا أن نفهم أن الأبعاد الروحية والدينية للموت هي قضايا شخصية وعميقة، وغالبًا ما تتعدى إمكانات العلم الحالي في التفسير الكامل. يعتمد فهم الأبعاد الروحية والدينية للموت بشكل أساسي على الاعتقادات والتجارب الشخصية والإيمان الديني للأفراد.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التاريخ والتحولات في الحاضرية الوجودية الشاملة
-
الحاضرية الوجودية الشاملة و تحقيق السعادة والرضا
-
الحاضرية الوجودية وما بعد البراكماتية
-
تأثير الحاضرية الوجودية الشاملة فلسفيا
-
الحاضرية الوجودية والبحث عن المعنى Presentism Existentialism
-
الأيديولوجيات والديموقراطية
-
العالم من الفاشية الى الفاشنستية
-
المادية والمثالية وقضية الوجود والتطرف
-
الانسان من تطورية العقل الى انسحاب بدائي
-
اللعب المخادع ومظهرية الاداء سمة الجبناء
-
جبهة دولية لتغذية الاعلام المنحاز
-
الاعلام المنحاز وأدلجة الحقيقة
-
فلسفة الوحدة
-
جينالوجيا الطاعة في الشرق الاوسط
-
عقدة الضحية وسذاجة الموقف
-
تقنية زراعة الافكار
-
تبييض الاموال واقتصاديات الدول المتخلفة
-
الحق والاخلاق
-
لوحة (دخول المسيح إلى بروكسل)
-
الحقائق الأسطورية و الوجودية و الموروث البدائي
المزيد.....
-
كوريا الجنوبية.. المحكمة الدستورية تعقد أول جلسة تحضيرية لمح
...
-
لماذا تريد أمة المليار ونصف المليار المزيد من الأطفال؟
-
ما صحة ضرورة التخلي عن السكر؟
-
هل توجد حضارات خارج كوكب الأرض؟
-
OpenAI تبحث إمكانية تطوير روبوت ذكي
-
بوتين: التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية يلبي المصالح الأساس
...
-
دونالد ترامب وعد بوقف جنون التحول الجنسي في أمريكا
-
تركيا تُرتّب البيت السوري على طريقتها
-
إسرائيل.. إصابات وتعليق العمل في مطار بن غوريون بسبب صاروخ م
...
-
الجمعية الوطنية في كوريا الجنوبية تعتزم التصويت على عزل الرئ
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|