لعنة حلقة الفقر

سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 1758 - 2006 / 12 / 8 - 11:32
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

يشير آخر تقرير للتنمية البشرية صادر عن الأمم المتحدة ( 2006 ) إلى أن أغنى 500 شخص في العالم يعادل دخلهم دخل 416 مليون إنسان فقير من سكان ما يسمى بدول الجنوب، وفي مقال كتبه لورد تريزمان وزير الدولة البريطاني ونشرته الشرق الأوسط (11/11 ) يذكر حقائق عن أفريقيا منها أن: ألفي طفل تحت سن الخامسة يموتون كل يوم بسبب الملاريا، وخمسة وعشرون مليون أفريقي مصابون بمرض الإيدز، وحوالي نصف مواطني القارة يعيشون تحت مستوى خط الفقر وأربعون مليون طفل ما زالوا لا يتلقون التعليم. فأي أرقام مرعبة هذه؟ وكيف لضمير البشرية أن يتحمل عبء مثل هذه المحنة الكارثية؟
لا يحتاج المرء إلى ذكاء حاد ليكتشف مدى الظلم الحاصل في تركيبة المجتمعات البشرية وأنظمتها الاقتصادية والاجتماعية. وأذكر أن أحد المعلمين الذين درّسوني في المرحلة الابتدائية في النصف الثاني من الستينيات كانت لديه لازمة يبدو أنه كان يسعى لترسيخها في أذهاننا الغضة وهي أن مظاهر التخلف ثلاثة "الجهل والفقر والمرض" وحين نمعن الآن في فحوى هذه المعادلة ونحاول تفكيك أوصالها نجد أن الفقر هو علة العلل، فالفقر هو السبب في المرض وفي الجهل، ولكن، من جهة ثانية، نجد حلقة فقر مفرغة، مثلما يسميها المنظِّرون الاقتصاديون، تكوّنها العناصر البغيضة الثلاثة الآنفة الذكر في علاقاتها بعضها ببعض، إذ أن الفقر يؤدي إلى مزيد من الجهل والمرض مثلما يفضي الجهل إلى الفقر والمرض مثلما يكون الجهل والمرض سبباً في تكريس الفقر وضعاً اجتماعياً اقتصادياً سيئاً ومفزعاً. وأرى أن ثمة متغيرات أخرى تدخل في تلك المعادلة أو الحلقة ومنها الفوضى والاضطراب والفساد والعنف والإرهاب، وحين نحاول أن نستشف العلاقة بين أي متغيرين أو أكثر مما ذكرنا نصل إلى نتيجة مؤداها أنها كلها ( أي تلك الظواهر والمتغيرات ) متداخلة يقتات بعضها على بعض. فالفساد الذي يجعل حفنة من السيئين، عديمي الضمير، يسرقون أموال المجتمع، في سبيل المثال، سيقلل من فرص ازدهار الاقتصاد ويساعد في انتشار الفقر والجهل والمرض والعنف والاضطراب والإرهاب، وخذ أي متغير آخر تفاجأ بأنه يمكن أن يكون مصدر الخلل وانتعاش كل تلك الظواهر والمتغيرات التي تؤطر وتكمل حالة التخلف..
ما الحل؟ لا شك في أن لا أحد بمقدوره أن يدّعي امتلاك حل سحري، حل عجز عنه سياسيون واقتصاديون عتيدون طوال عقود، غير أن الأمر يحتاج إلى كسر تلك الحلقة بمعالجة متغير أو أكثر في وقت واحد للتأثير في المتغيرات الأخرى حتى تتحطم تلك الحلقة الظالمة كلياً. وعلى الدول ولا سيما الغنية منها وحكومات الدول الفقيرة ومنظمات المجتمع المدني والمثقفون والإعلاميون والجامعات ومؤسسات الأبحاث السياسية والاقتصادية تحمل مسؤولياتها قبل أن تلحق الكارثة بالمصير البشري.
إنها محنة عامة تلقي بظلها الثقيل على الجميع، ونحن في العراق نتلمس طبيعة هذه المحنة وهولها بأعمق مما يتلمسها غيرنا، فكل شخص عراقي يُقتل في دوامة الكراهية والعنف التي تلف حياتنا/ الآن لا بد أن نجد سبباً له في تعقيدات تلك الحلقة التي هناك من يسعى إلى تكريسها حالة نهائية للفتك بمستقبلنا. لا شيء يبرر جريمة القتل إلاّ أن الإدانة والبكاء وتوزيع الاتهامات، وحتى الملاحقة القانونية لا تكفي بل العمل من أجل معالجة الجذور، جذور ( المحنة/ اللعنة ) الاقتصادية منها، وكذلك الثقافية والاجتماعية.

#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات