داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 7966 - 2024 / 5 / 3 - 11:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تناولنا بدراستنا الموسومة : أين تقف الدول العربية من ألتكتلات الإقتصادية الدولية ؟ المنشورة في الحوار المتمدن / العدد 7942 بتاريخ التاسع من نيسان سنة 2024, والذي أشرنا فيه ضعف تعاون الدول العربية فيما بينها في المجالات الإقتصادية , في الوقت الذي نشهد تسارعا مضطردا بإنشاء التشكيلات الإقتصادية الإقليمية في أرجاء العالم المختلفة . وإستكمالا لهذه الدراسة نتناول الآن أهمية التعاون الإقتصادي والتنسيق بين البلدان العربية ودول الجوار التركي والإيراني, بما يعود بالمنفعة على جميع هذه البلدان ويعزز أمنها وإستقرارها وإزدهارها , لما تملكه هذه البلدان من موارد بشرية يبلغ تعدداها نحو (587.6) مليون نسمة , وتنوع ثقافي وحضاري مشترك في الكثير من مفرداته,وقدرات إقتصادية هائلة , وتحتل هذه البلدان موقعا ستراتيجيا مميزا في قلب العالم ,يربط قارات آسيا وأوربا وأفريقيا , وتطل على بحار ومحيطات وتتحكم بممرات بحرية لا غنى عنها في مضيق البسفور ومضيق هرمز ومضيق جبل طارق ومضيق باب المندب , تعد بمثابة مفاتيح التجارة البحرية العالمية .
يُقدر عدد سكان إيران بنحو( 83) مليون نسمة في العام 2021, يتركز معظمهم في طهران ومشهد واصفهان وتبريز والمناطق الحضرية الأخرى .تمتلك إيران تنوعًا ثقافيًا كبيرًا، حيث يشكل الفرس الأكثرية العرقية والثقافية، ولكن هناك أيضًا مجموعات عرقية ولغوية أخرى مثل الأذريين والكرد والعرب والبلوش . يعتنق غالبية الإيرانيين الدين الإسلامي , إلاّ أن هناك ديانات أخرة معترف بها رسميا مثل : المسيحية واليهودية والزرادشتية ، ولديهم مقاعد مخصصة في البرلمان الإيراني.وتعد إيران موطن ثاني أكبر جالية يهودية في العالم الإسلامي.
يقدر عدد السكان تركيا نحو ( 84.6 ) مليون نسمة في العام 2021 ، ما يقارب ثلاثة أرباع السكان يعيشون في البلدات والمدن. يشكل الأتراك الأغلبية الساحقة بنسبة تقترب من (70-75%) من السكان. هناك عدة أقليات عرقية مثل الأكراد والعرب والأرمن والأشوريين واللور والتركمان وغيرهم . تتمتع تركيا بتنوع ثقافي غني نابع من تأثيرات إسلامية وأوربية مختلفة متعددة. . يعتنق معظم السكان الإسلام ، هناك أقليات دينية أخرى مثل المسيحية واليهودية والألوية. تضم الأقلية المسيحية الأرثوذكس والأرمن الأرثوذكس والكاثوليك والسريان والكلدان .
يقدر اجمالي عدد سكان البلدان العربية ، حوالي (420) مليون نسمة، وما يقرب ربع هذا العدد يعيشون في جمهورية مصر العربية التي يقدر عدد سكانها بنحو( 107 ) مليون نسمة،. وتعد اللغة العربية اللغة الرسمية المعتمدة في جميع البلدان العربية , إلا أن هناك تنوعًا لغويًا آخر مثل اللغات الأمازيغية في المغرب والجزائر واللغة الكردية في سوريا والعراق واللغة السواحلية في الصومال .الإسلام الدين السائد في البلدان العربية ، وهناك أيضًا أقليات دينية مثل المسيحية واليهودية والبهائية والدروز .
يلاحظ أن هناك ثمة مشتركات واضحة في التركيبة السكانية لكل من تركيا وإيران والبلدان العربية , وتشابه كبير بين ثقافاتها ودياناتها وترابطها وأرثها الحضاري . لكن ذلك لا يعني أن تاريخها خال من الصراعات والحروب الدامية فيما بينها شأنها بذلك شأن الدول الأخرى, حيث تحتل الدولة الأقوى الدول الأضعف , وهذا ما حصل تماما حيث خضعت البلدان العربية لهيمنة الدولة العثمانية عدة قرون , والعكس صحيح تماما حيث خضعت كل من تركيا وإيران لحكم الخلافتين الإسلاميتين العربيتين الأموية والعباسية قرونا طويلة , كما خضع العراق وبلدان عربية أخرى للحكم الفارسي لفترة طويلة قبل الإسلام . عليه , لا نرى أية جدوى بنبش الماضي وإستحضار كا ما هو سيئ فيه , بل إستحضار كل ما خير في التاريخ ومحفز لعلاقات تعاون أفضل بين هذه البلدان لتحقيق أمنها ورخائها ودرء المخاطر عنها .
نتناول الآن القدرات الإقتصادية لهذه البلدان :
القدرات الإقتصادية الأيرانية :
1.الموارد الطبيعية:تمتلك إيران موارد طبيعية هائلة تشمل النفط والغاز الطبيعي، والفحم، والفسفور، والزنك، والنحاس، والرصاص، واليورانيوم، والبوتاسيوم، والزراعة. وتعتبر صناعة النفط والغاز هي المصدر الرئيسي للإيرادات الخارجية للبلاد .
2.البنية التحتية: تمتلك إيران بنية تحتية متطورة في العديد من القطاعات مثل النقل والطرق والسكك الحديدية والطيران والاتصالات والطاقة. ومع ذلك، تواجه التحديات في بعض المجالات مثل البنية التحتية الصناعية والتعليمية .
3.السياسات الاقتصادية: تطبق إيران سياسات اقتصادية تختلف من حين لآخر، وتشمل السياسات الاشتراكية والقطاع العام القوي والاقتصاد المختلط. وتواجه البلاد تحديات اقتصادية مثل العقوبات الدولية والتضخم والبطالة وتدهور قيمة العملة .
4. التكنولوجيا: تعتبر إيران منتجة للتكنولوجيا والبحث العلمي في عدة مجالات مثل الطب، والفضاء، والطاقة النووية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والصناعات الدفاعية .
5.التجارة الخارجية: تمتلك إيران تاريخاً طويلاً في التجارة الخارجية وتعتمد على تصدير النفط والغاز الطبيعي والمنتجات البتروكيماوية بشكل رئيسي. ومع ذلك، تواجه التحديات في الوصول إلى الأسواق العالمية بسبب العقوبات الدولية .
القدرات الإقتصادية التركية :
1.الموارد الطبيعية: تمتلك تركيا موارد طبيعية متنوعة تشمل الفحم والنحاس والحديد والزنك والذهب والفضة. وتمتلك أيضًا موارد طبيعية مهمة مثل الموارد المائية والزراعة والثروة السمكية والطاقة المتجددة .
2.البنية التحتية:تمتلك تركيا بنية تحتية متطورة في العديد من القطاعات بما في ذلك النقل والطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات والاتصالات والطاقة. وقد شهدت تركيا استثمارات كبيرة في تحديث وتطوير البنية التحتية في السنوات الأخيرة .
3.الصناعات:تمتلك تركيا قطاعا صناعيا متنوعا وقويا يشمل الصناعات النسيجية والملابس والسيارات والصلب والإلكترونيات والأجهزة المنزلية والأثاث والصناعات الغذائية والكيميائية والدوائية .
4.السياسات الاقتصادية:تطبق تركيا سياسات اقتصادية تعتمد على الاقتصاد الحر والقطاع الخاص، مع تحفيز الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التجارة الخارجية. وتسعى الحكومة التركية إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار المالي .
5.التجارة الخارجية: تعتبر تركيا من أكبر الدول التجارية في منطقة الشرق الأوسط والبلقان وتلعب دورًا مهمًا في التجارة الدولية. وتصدر تركيا مجموعة متنوعة من المنتجات مثل السلع الصناعية والزراعية والملابس والسيارات .
بالإضافة إلى ذلك، يعزز موقع تركيا الاستراتيجي بين القارات الأوراسية والأوروبية دورها كمركز للتجارة والاستثمار. ومع تنوع قطاعاتها الاقتصادية وقوة بنيتها التحتية، تعتبر تركيا واحدة من الدول الناشئة الأكثر ديناميكية في العالم .
القدرات الاقتصادية العربية :
تتنوع قدرات الدول العربية بحسب مواردها الطبيعية، وتطورها الصناعي، ومستوى التعليم والتكنولوجيا، إلخ. تمتلك بعض الدول العربية قطاعات اقتصادية متقدمة مثل صناعة النفط والغاز، كما في دول الخليج العربي ولبيا والجزائر ، بينما تعتمد دول أخرى بشكل كبير على الزراعة أو السياحة أو الصناعات الخفيفة كما في مصر وتونس والمغرب ولبنان .
على الرغم من التحديات التي تواجهها بعض الدول العربية، مثل تقلبات أسعار النفط والتحولات السياسية، إلا أن هناك جهوداً مستمرة لتعزيز القدرات الاقتصادية، من خلال تطوير البنية التحتية، وتعزيز التعليم والتدريب المهني، وتعزيز بيئة الاستثمار، وتنويع مصادر الدخل .
يعتبر الترابط الجغرافي بين تركيا وإيران والبلدان العربية عاملًا هامًا يسهم في إمكانية التعاون الاقتصادي والسياسي بينها , حيث تقع تركيا وإيران والبلدان العربية في منطقة جغرافية استراتيجية مهمة تجعلها مركزًا للتجارة والتواصل بين القارات الثلاثة: آسيا وأوروبا وأفريقيا. يعزز هذا الترابط الجغرافي ,الفرص للتعاون الاقتصادي والسياسي بين هذه الدول ويسهم في تعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة بشكل عام , ويؤهلها لتأسيس تشكيل إقتصدي فاعل ومؤثر في الإقتصاد العالمي .
يمكن اعتبار مشروع طريق التنمية المزمع إقامته في العراق بداية مشجعة للتعاون بين هذه الدول.يهدف هذا المشروع إلى توفير طرق تجارية وشبكات نقل للبضائع والخدمات يمكن أن يسهم بشكل كبير في تعزيز التكامل الاقتصادي والتعاون بين العراق ودول الجوار، بما في ذلك تركيا وإيران والدول العربية المحيطة , حيث يتوقع أن يسهم طريق التنمية في تعزيز التبادل التجاري وتطوير البنية التحتية النقلية في المنطقة، مما يعزز الاقتصادات المعنية ويخلق فرصاً للنمو والتنمية المستدامة. بالإضافة إلى ذلك، قد يسهم هذا المشروع في تعزيز التفاهم والتعاون السياسي بين الدول المعنية، وبالتالي يمكن أن يخفف من التوترات ويسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة .
يتطلب نجاح هذا المشروع تعاوناً وتنسيقاً فعالاً بين الدول المعنية، بالإضافة إلى تخطيط وتنفيذ فعّال للمشروع من أجل ضمان تحقيق الفوائد المتوقعة وتجنب العقبات المحتملة,ويعتبرمشروع ميناء الفاو الكبير بوابة طريق التنمية , حبث سيعزز المشروع التجارة البحرية بين العراق والدول المجاورة وبقية أنحاء العالم , لموقعه الستراتيجي على الخليج العربي , كما يمكن أن تستفيد من هذا المشروع الدول المجاورة ، مثل دول الخليج العربي وإيران وتركيا وغيرها . لذا يمكننا القول أن التنسيق الاقتصادي والسياسي بين البلدان العربية وتركيا وإيران , عاملاً مهماً في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، إلاّ أن ذلك يتطلب التعاون والتفاهم بين الدول المشاركة ومعالجة القضايا السياسية والاقتصادية المعقدة .
ومشروع كبير كهذا يتوقع أن يواجه ردود فعل متباينة من الدول الأجنبية , إذ من المتوقع أن تشعر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالقلق إزاء تكتل اقتصادي يجمع بين البلدان العربية وتركيا وإيران، حيث قد تخشى أن يعزز ذلك التأثير الإقليمي لهذه الدول على حساب مصالحها.وقد ترحب روسيا والصين بهذا التكتل الذي ترى فيه إضعافا للنفوذ الغربي في منطقة الشرق الأوسط , وربما فتح آفاق تعاون أوسع لها للتعاون مع هذه الدول .و قد تعارض الهند خشية تضرر مصالحها الإقتصادية في دول الخليج العربي. ومن المؤكد أن تعارض إسرائيل بشدة فكرة تكتل إقتصادي يجمع بين البلدان العربية وتركيا ووإيران، وقد تستخدم جميع الوسائل المتاحة لمنع هكذا تشكيل يمكن أن يعزز قوة البلدان العربية وبقية دول المنطقة, بدعوى تهديد أمنها القومي .
وختاما نقول أن التشابك الإقتصادي بين الدول خير ضمان لحفظ أمنها وإستقرارها ومصالحها . لذا يجب أن يكون مثلث التشابك العربي التركي الإيراني , مثلث متساوي الإضلاع , لا أفضلية لضلع فيه على آخر , بل يجب أن تكون جميع الأضلاع متساوية تماما إذا ما أريد له النجاح . وهذا يتطلب قدر عال من الإدراك والموضوعية والحكمة وتقديرالمسؤولية .
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟