|
هواجس فكرية وثقافية ـ 151 ـ
آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 7964 - 2024 / 5 / 1 - 14:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أوروبا أوروبا المجنونة في عشقها لنفسها، هي التي أخرجت الولايات المتحدة من عزلتها العالمية، المرة الأولى كانت في نهاية الحرب العالمية الأولى، وعادت إلى عزلتها، وعادت وخرجت من عزلتها بسبب الحرب العالمية الثانية. وفي هذه المرحلة أعلنت هذه الأمريكا عن بقاءها متسيدة العالم والساحة العسكرية والسياسية العالمية بعد إنتاجها القنبلة الذرية وإلقاءها فوق المدنيين في اليابان. وبهذا أفتتحت وجودها المتوحش على الساحة العالمية إلى يومنا هذا. قوة أمريكا هو نتاج ضعفها، خوفها على أمنها، ولكونها غير واثقة من نفسها تلجأ إلى العنف الأشد في حروبها الخارجية كما حصل في فيتنام والعراق، وغيرهما. اعتقد أن الحالة الأفضل للولايات المتحدة أن تعود إلى موقعها الأول الذي انطلقت منه، أن تبقى في الجزء الغربي من عالمنا المعاصر، وتترك العالم القديم لمصيره.
الجهل الجهل ظاهرة من ظواهر الطبيعة، لا يمكنك التنبؤ بسلوك الجاهل أو تصرفاته. ولا ضوابط في تفكره أو ممارساته. الكثير منهم يتماهى مع الله أو الحاكم أو رئيس العشيرة أو القبلية أو الملك إلى درجة الاندغام في ذات الأخرين دون رقابة ذاتية حسية أو معنوية أو حدود يحد من حركته. يقول البعض منهم، أن نبيه موجود في الوجود قبل الوجود، أي أنه طائر يرفرف فوق الكون، يغني ويرقص ويسبح ويعشق ويمارس الموبقات الدنيوية المجسدة. فما دام الجاهل يطير دون ضوابط، فهو قادر على خلق عوالم من خيال وسراب ووهم ويبثها في كل مكان. وهذا حال كتل بشرية هائلة على هذه الأرض، ينشرون وينثرون التلوث والأمراض في الماء والسماء والأرض.
المال الكثير من الناس يظنون أن الكثير المال يجلب السعادة، لكني اعتقد العكس هو الصحيح، المال يتعب صاحبه. المال يأسر صاحبه، يسجنه في نفسه. طبعًا، هذه ليست دعوة إلى الزهد أو العيش دون مال، اقصد هؤلاء الذين يركضون وراء المال لمراكمته وينسون أنفسهم. إذا كان لديك مليون دولار، تتمنى، بل تعمل ليصبحوا مليونين أو ثلاثة أو عشرة، تذهب مع المال، تنسى قيمتك ككائن، وتتماهى مع المال، تصادقه، تنام معه، وتأكل زادك معه، وتتحدث طوال الوقت معه، وتصادق الناس الذين يشبهونك، وحديثك كله يتناول هذا الهم. يصبح المال معبودك. هنا سيصبح المال مسؤولية، هم فوق هم، كيف ستحميهم، كيف سيتكاثرون، وتكبر بالمال لتتحول إلى غول يأكلك من داخلك. سيأكلك الخواء والفراغ وسيهرب الحب منك والراحة النفسية وسيطير النوم من عينيك ويرحل، وستنام النساء مع مالك، وسيتآوهون لتلك الأوراق التي تملكها. القناعة أجمل كنز في الحياة.
ماذا لو ماذا لو أتفق الامريكان والروس على صيغة ما للتفاهم؟ ماذا سيكون عليه حلفاءها الأوربيين، وماذا سيكون حال اوكرانيا؟ في السياسة كل شيء وارد
المثقف والسلطة المثقف على تماس مع السلطة، أنه الوجه الأخر لها، ذيلها، يناجيها في حلمه ويقظته. في اعتقاده أنه بعيد عنها، بيد أن روحه ترفرف حول ظلها، أنه عاشق لها، بينه وبينها حديقة خلفية مواربة، يلتقون كالعاشقين بالسكينة والرفق، يتهامسون مع بعضهما على أمل اللقاء. وهل ينطفئ العشق في الحياة، هكذا هو المثقف مع السلطة. كره المثقف للسلطة في بعض الاحيان نابع من اهمالها له، نوع من الغبن، كغبن الحبيب من سلوك الحبيب، يريد لفت نظره إليه.
الشهوات أغلب الشهوات والرغبات هما جزء أصيل من التكوين النفسي للإنسان، من سيكولوجيته، من طبيعته الأصلية، من تكوينه الحقيقي، قمعهما هو الشاذ. لماذا تم قمع الطبيعة الأصلية في الإنسان، ولماذا؟
فقدنا الثقة فقدنا الثقة بكل شيء، بالمقامات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، بالكتاب والصحفيين والفلاسفة، بالدولة والمجتمع والمؤسسات، بالفكر والمعرفة والثقافة، بأنفسنا والعالم. وبكل القيم القديمة والحالية. نحن، لم نعد نؤمن بأي شيء. الإنسان المعاصر ملول، زهقان، قرفان لا يعرف إلى أين يسير أو يذهب، ولا شيء يلبي صدى رغباته المضطربة المجنونة. ولم يعد لديه مبادئ وتطلعات تغييرية كبيرة. والديمقراطية السياسية فعل استعلائي، عمل تفريغي، تجريد مدروس وممنهج للدولة والمجتمع من السياسة، ووضعه في يد حفنة من البشر لهم مصالحهم مع النخبة المالية والسلطة. لم يعد هناك قناعات تهز الوجدان والضمير. وتلك الأخلاقيات التي بنينا عليها ضمائرنا نراها اليوم تتمزق أمامنا قطعة وراء آخرى. إنه الفراغ. إنه الفراغ الإنساني القاتل. ولا سعادة مع الفراغ. أننا في حيرة بين ما كان وما سيكون، والحياة تفرز جديدها وتقول لنا: كل شيء آيل للخراب.
الموت أضحى الموت في هذا الزمن الظالم رحمة للإنسان المرهف الحس. لم يعد هذا العالم مكانًا أمنًا للعيش، وخاصة المثقف، فهو أول من يحس بوجع الأرض والطبيعة والإنسان. وأول من يحمل الهم والغم والحزن والألم، ويتحسر، ولا يستطيع أن يفعل شيئًا سوى أن يدون دمه على الورق، وينثره في الفضاء علّ الآخرين يعقلون.
المدن الكثير من الأصدقاء يطلبون إنقاذ هذه المدينة السورية أو تلك, بيد أن السؤال يطرح نفسه: ـ من هو الذي سينقذ هذه المدن, ولمن توجهون رسالتكم؟ منذ بداية الثورة والأغلبية تتكلم دون مسؤولية سياسية وأخلاقية سواء في تحمسهم في طلب التدخل الخارجي أو في رفع السلاح. ودخل الكثير من المرتزقة على خط الثورة،و كانوا قبل أيام مع النظام, أكلوا من موائده ونظفوا صحونه وغسلوا ثيابه الداخلية, وتحولوا بين ليلة وضحاها إلى ثوار يحرمون ويحللون, دون أي اعتذار لأنفسهم أو مراجعة ذاتيه, وأصبحوا يرجمون من قدم تضحيات في وقت كان الصمت قد شل أنفاس الجميع. قفوا مع أنفسكم قليلا, وكفى انفعال وكذب على الذات والأخر. الثورة بحاجة إلى تنظيم, إلى فكر مواكب للعصر, إلى إعلام يواكب تطورات الصراع, إلى أصدقاء حقيقيين.
السلطة السلطة كمفهوم، عبر العالم كله تمارس الديماغوجيا المنظمة لتمييع الحقيقة في علاقتهم بالمجتمع على الصعيد العالمي. إنهم شبكة منظمة، يتفقون في السر، ينسقون معا، لتخريب أية ثورة أو حركة مجتمعية. إلى الأن ليس لدينا تصور كيف يمكن للسلط في العالم سيحاربون الإرهاب، هل هو سياسي، عسكري، اقتصادي أم ثقافي؟ ومن هو الإرهابي بالتحديد؟ ولماذا هذا المفهوم مائع، هلامي، غير محدد بابعاد، أو تقييم؟ ولماذا لا تتم محاصرته عبر المفهوم, الفكر, المعرفة؟ نحن في عالم قذر، قائم على الكذب والدجل والاستغباء.
السلطة العربية تتعرى السلطة العربية شيئا فشيئا عن نفسها، وتكشف عن مدى انحطاطها ودونيتها في علاقتها بمواطنيها. ليس مهما تدمير المدن وتخريب العمران، وتمزيق الوطن وتفكيك النسيج المجتمعي، بله، وصلت إلى أقصى مدى في بربريتها، سوريا والعراق أمثلة واضحة. وضع مصلحة السلطة فوق الدولة كلها والوطن كله. في هذه الأيام يحدث شيء لا يصدق أن يتم في أرض الكنانة الحكم بالإعدام على مئات المعتقلين السياسيين، وبالجملة. شيء مخجل ويند له الجبين. كيف سنقف أمام التاريخ، ماذا سنقول له، لأطفالنا مما يحدث من مسخرة ومهازل
المسلمين لماذا يحرق المسلمين بيوت الأقباط في مصر؟ ألم تقولوا أن الإسلام دين سلام، لماذا أنتم صامتون عن انتهاك الحرمات، حرمة الأخرين، أليس البيت مأوى وأمان للإنسان، حرمة، لماذا تعتدون عليهم؟ طبعًا، المسلم طاهر ونظيف، فليس من مصلحته الدفاع عن الكفار.
مخبر في سجن عدرا بدمشق كان لدينا في سجن عدرا بدمشق واحد كبير في السن، أغلب أولاده كانوا ضباطًا كبار في الجيش. في المهجع الذي كنت فيه، وقتها كنت في التاسعة والعشرين من العمر، مهجع الأخوان المسلمين أو أغلبه من جماعة الأخوان، كان يبكي أغلب الأوقات، لأن أولاده تخلوا عنه، نبذوه لفعلته، لأنه تحول إلى مخبر، عوايني، كاتب التقارير بالناس ويرسلها للمخابرات. ولإنه كتب تقارير كثيرة كاذبة سجنوه كان يقول أن تقاريره خص نص بجماعة الترك. جماعة الأخوان المسلمين الذين كانوا في المهجع، سخروا منه، وضحكوا. في الحقيقة أصبح مازة. قال له أحدهم: ألم تكتب تقاريرك بغيرهم، قصدي جماعة المكتب السياسي، رياض الترك؟ يرد عليه: ـ أعوذ بالله ـ ألم تكتب بالأخوان المسلمين مثلا؟ ـ أعوذ بالله، أنا كنت أكتب التقارير بجماعة رياض الترك فقط. الشباب كانوا يتسلون معه وبه، من غباءه، يضحكون من سلوكه المشين وتفاهته.
تجربة السجن إن تجربة السجن في عدرا كانت غنى لي، هذه حقيقة. السجن مدرسة للأحرار إذا أرادوا الاستفادة منه. قرأت كثيرًا في فترة سجن عدرا في المجال السياسي والفكري والتاريخي والنفسي والأدب. استفدت من الوقت بالكامل. مارست الرياضة، استفدت من الحوارات الغنية بيني وبين الأصدقاء، واستفدت من الخلافات الفكرية والسياسية التي كانت قائمة بين التيارات السياسية. عملت مراجعة ذاتية على تكويني النفسي والسلوكي، ومراجعة لموقفي السياسي ولموقعي فيه وموقع بلدنا. تجنبت المشاكل مع الرفاق والأصدقاء، اكتشفت عيوبي النفسية والشخصية من أخطاء وسلوك الاخرين. السجن هو مكان التأمل العميق، وقراءة صامتة للمكان والحياة والمرأة والوجود والذات والأخر، ومحاولة البقاء على التواصل بعد هذا الانقطاع الطويل عن هذا العالم المادي. صحيح أنه صعب لكنه محتمل جدًا. الأكثر صعوبة هو سجن تدمر، هذا الاخير ليس سجنًا، أنه مكان مدمر. في السجن تكتشف المجتمع على حقيقته، ضعفه ولا مبالاته وعدم الاهتمام بكرامته ووجوده، وتكتشف قسوة السلطة العارية تمامًا، قدرتها على إدخال التغيير الممنهج على النفس البشرية. المجتمع الذي يصمت على جلاده، تعرفه تمامًا عندما يبطحك الجلاد على الأرض ويرفع قدميك في الهواء ويجلدك، يغتصبك، يغتصب حريتك وكرامتك. في صمت المجتمع يكتمل الاغتصاب النفسي والجسدي ليس بمعناه الجنسي، لكن كل تعذيب هو اغتصاب بحد ذاته.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هواجس ثقافية وفكرية 150
-
هواجس ثقافية وسياسية ـ 149 ــ
-
هواجس وأمراض ثقافية 148
-
هواجس ثقافية 147
-
هواجس ثقافية 146
-
هواجس ثقافية 145
-
هوجس ثقافية 144
-
هواجس في الثقافة 143
-
هواجس ثقافية 142
-
هواجس ثقافية 141
-
هواجس ثقافية 140
-
هواجس ثقافية 139
-
هواجس ثقافية ــ 138 ــ
-
هواجس ثقافية 137
-
هواجس ثقافية مقتطفات 136
-
هواجس ثقافية مقتطفات 135
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 134
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 133
-
هواجس ثقافية مقتطفات 132
-
هواجس في الثقافة مقتطفات 131
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|