|
-حزب الله- يكمل ما عجز عنه النظام السوري
سعيد علم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 1757 - 2006 / 12 / 7 - 10:46
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أنظروا يا جماهير لبنان والأمة العربية واحكموا على الفرق الشاسع بين انتفاضة الاستقلال الحضارية ربيع 2005 والتي كانت ثورةٌ شعبيةٌ عربيةٌ مليونيةٌ سلميةٌ عفويةٌ اذهلت العالم بِرُقِيِّها وجمالِها ورونقِها، وكانت تعبر عن تفجر ينابيع وحدة وطنية صافية، وانعتاق وتحرر من كابوس الاحتلال السوري المهيمن، وقطع خطوطه الحمراء بجرأةٍ، تلك التي كان قد ثبتها في وجه اللبنانيين كثوابت، وبين مهزلة ما نراه اليوم من مشاهد مقرفة لما تقوم به ما تسمي نفسها معارضة: من هرج ومرج ونفخ نارجيلة وما نسمعه منها من خطابات تحريضية ومن جمهورها من شتائم بذيئة سوقية مخجلة بحق كبار القوم. أستطيع أن أعتبر ومن دون مبالغة بأن الفرق بين انتفاضة الاستقلال وما يحدث اليوم في وسط بيروت وشوارعها من همجية واستفزاز وتعديات هو كالفرق بين وجهي القمر. كما هو معروف القمر له وجهين: وجه بدر منير أبيض يسطع علينا بوضوح فنغرمُ به ونكتبُ له أجمل القصائد وأعذبَ الأشعار، ووجه آخر مظلم لا نراه مليء بالمربعات الأمنية والأنفاق السرية والمخابرات الشريرة والمؤامرات الخبيثة، وربما أيضا الاغتيالات كلها تصدر من ذاك الوجه الأسود ولهذا من الصعب اكتشاف المجرم. شتان ثم شتان ما بين انتفاضة الاستقلال الحضارية في ساحة الحرية، وما نراه اليوم أمام قصر الحكومة من نكسة حضارية تعمل لعودة عقارب الساعة إلى الوراء. لقد انبثقت انتفاضة الاستقلال عفويةً من دماء الشهداء وما زالت ترتوي بدمائهم آخرها دماء عريسها الشهيد الوزير بيار الجميل، معبرةً عن حق شعب تواق إلى الحرية والحقيقة والديمقراطية والتحرر من الوصاية السورية التي أرهقته طيلة عشرات السنوات قمعا دمويا، وإرهابا مخابراتيا واختراقا خبيثاً لأجهزته وتخريبا منظما لديمقراطيته وصيغته الوطنية والاجتماعية والثقافية والحزبية مستفيدة من التناقضات العادية بين الناس بشكل أنها خلقت من كل تناقض سطحي خلافا عقيما وانشقاقا بين أبناء الحزب الواحد، الطائفة الواحدة، المنطقة الواحدة وحتى أبناء العائلة الواحدة. الأمثلة كثيرة جدا ومعروفة للشعب اللبناني الذي عانى جدا من هذه الظاهرة وما زال يتعرض لتداعياتها. لأن الخراب أسهل ما يكون حتى في العلاقة بين الناس، أما إعادة البناء فبحاجة إلى الهمم العالية والصبر والتضحية. أكبر مثال على ذلك حزب الكتائب الذي لم يتوحد إلا بعد الخروج السوري من لبنان. وفقط من كان مرضي عنه من المخابرات يصل إلى ما يريد من رئيس الجمهورية وحتى بواب البلدية. ومن كان مغضوب عليه يُنبذُ فيهاجر أو يتجنبهم بعزل نفسه وقتل طموحاته. لا يوجد عندهم معارض سياسي. المعارض السياسي هو عدو يجب التخلص منه. وأسهل الطرق الرمي في السجن دون محاكمة، وحتى المحاكمة لا قيمة قانونية لها لأن أحكامها تكون قد صدرت حسب رغبة النظام قبل أن تعقد، أو القتل علنا أو الاغتيال غيلة ونفض اليد براءة. السبب أن الرأي الآخر المسالم، لا ينظر إليه كرأي بقدر ما ينظر إليه كعامل زعزعة لنظام يخشى المواجهة الفكرية، فيحاربُ الآخرَ ويُتَّهَمُهُ كذباً ويُخَوَّنهُ بهتاناً. وهذا ما يفعله "حزب الله" وكأنه وريث الوصاية السورية الشرعي على لبنان. ولا عجب أن يقوم بتخوين أحرار 14 آذار، لأنهم يعارضون اطروحاته ويشككون بأوهام نصره ويطالبونه بالانصياع للشرعية. على هذا المنوال حدثت كل الاغتيالات للشخصيات اللبنانية المعارضة للهيمنة السورية من الشهيد كمال جنبلاط وحتى بيار الجميل. مشكلة النظام السوري هنا أنه لا يستطيع اعتقال زعيم لبناني لا يرتاح لسياسته ككمال جنبلاط أو حسن خالد أو رفيق الحريري ولهذا يأتي الاغتيال كحل معقول، مقبول، نظيف، خفيف، مريح وعلى المستريح "ولا من شاف ولا من دري" ! مثلا منذ التمديد للحود ووقوف معارضة ضد التمديد أي ضد القرار السوري، ظهرت عمليات الاغتيال بدءاً بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة وحتى آخر اغتيال كسلسلة إرهابية واحدة، هدفها قصم ظهر المعارضة وشلها بالقضاء على قادتها، وتشتيت قواها لكي لا تقوم لها قائمة. وحقا لقد خسرت المعارضة شخصيات لا تعوض كانت رموزا لانتفاضة الاستقلال وكلهم في مقتبل العمر وذروة العطاء. فهل ممكن أن يعوض مفكر فذ كسمير قصير، أو مقاوم مجرب كجورج حاوي، أو صحفي ثائر كجبران تويني، أو وزير شجاع كبيار الجميل؟ بالتأكيد لا ! إلا أن ما لم يحسبوا حسابه هؤلاء القتلة هو أنهم كلما اغتالوا شخصية أججوا انتفاضة الاستقلال أكثر، وزادوها عنفوانا أكثر حيث يتحول فقدان الرمز إلى إرادة شعبية متمردة، ودماؤه إلى زيت لمشعل الحرية والديمقراطية. لقد عجز النظام السوري حتى الآن على كسر الإرادة اللبنانية في المطالبة بالمحكمة الدولية. فأوعز إلى "حزب الله" وبقية الجوقة المعروفة لكسر إرادة اللبنانيين من خلال ما تمارسه هذه الجوقة من حرب على أبناء الوطن وفتنة أطلت برأسها عدة مرات من استفزازات واعتداءات إلا أن هدوء قوى 14 آذار ومعرفتها لخطط سورية أفقد "حزب الله" ما يعمل له لتدمير ما تبقى من لبنان. أي أن "حزب الله" يكمل هنا ما عجز عن تحقيقه النظام السوري. الهدف فرض إرادته ومن خلاله إرادة سوريا وإيران على لبنان. ولكنه لن يستطع كسر إرادة اللبنانيين في المحكمة والحرية والديمقراطية وستفرض الدولة سيادتها على كامل أراضيها. "حزب الله" وقع في الخندق الذي حفره للبنانيين. هو أعجز رغم صواريخه وميليشياته من أن يكسر إرادتهم. إنها إرادة البدر المنير! هو فقد ويفقد يوميا من شعبيته بسبب تصرفاته الرعناء ضد مصلحة لبنان! سعيد علم الدين 6.12.06
#سعيد_علم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بث حي من ساحة الانتصار الإلهي
-
نصر إلهي، كيف ؟
-
وماذا يعني الحصار يا أهل الانتصار؟
-
حزب الله يضع لبنان على كف عفريت. ومن جديد!
-
لبنان في رعاية الأسرة الدولية وسيبقى
-
حكومة السنيورة الراقية باقية، يا أهل الرابية
-
الذي يلعب مع القط عليه بتحمل خراميشه
-
فرسان الشرق الأوسط الثلاثة
-
نصر أم دمار -استراتيجي- ياشيخ نصر الله؟
-
السنيورة يبكي ونصرالله يُمَنِّنْ
-
لبنان ليس سوريا ولا إسرائيليا يا سيد حسن نصر الله
-
خمسمئة يوم مرت، والجريمة لن تمر دون عقاب
-
لا تَحْزَنَّ أيها الكويتيات!
-
ضرورية العلمانية بالنسبة للدولة الحديثة
-
العلمانية والديمقراطية وجهان لميدالية ذهبية واحدة
-
الأوطانُ تُنْهِضُها الهامات وليس التهديد والعنتريات أيها الع
...
-
الصوت أمانة شراؤه وبيعه خيانة
-
أيها اللبنانيون البسوا ما يفصل لكم حزب الله وأنتم الناجون!
-
إلى أين يريد حزب الله أخذ لبنان ؟
-
فتح الانتفاضة، انتفاضة على من ؟
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|