|
المادية والمثالية وقضية الوجود والتطرف
غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 7958 - 2024 / 4 / 25 - 19:17
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الصراع الفكري بين المادية والمثالية بشأن قضية الوجود هو من القضايا الأساسية التي تشغل الفلاسفة والمفكرين على مر العصور. قد يكون من الصعب التوصل إلى اتفاق كامل بين المتناقضين في هذه القضية، ولكن يمكن استكشاف بعض النقاط المشتركة والمفاهيم المتقاربة لتعزيز التفاهم وتقليل التباين. على الرغم من أن الاتفاق الكامل قد لا يكون ممكنًا في هذا الصراع الفكري، إلا أن الحوار المستمر والمتبادل يمكن أن يسهم في تحقيق بعض التقارب والتفاهم. أن الفلسفة المادية والفلسفة المثالية ليستا المتناقضتين الوحيدتين في فلسفة الوجود. هناك مجموعة واسعة من الاتجاهات الفلسفية والمذاهب التي تتعامل مع قضية الوجود بطرق مختلفة. ومع ذلك، يمكن تطبيق الأفكار والمبادئ على أي صراع فكري ينشأ بين متناقضين في أي مسألة فلسفية. هناك بعض النقاط المشتركة في قضية الوجود: الاعتراف بوجود الواقع: سواء كنت ماديًا أو مثاليًا، فإن الاعتراف بوجود الواقع هو جزء أساسي من النقاش. يتفق الجانبان على أن هناك وجودًا محسوسًا وقابلًا للتجربة يحتاج إلى تفسير. الدور البناء للوعي: بغض النظر عن الاتجاه الفلسفي الذي تتبناه، يتفق الجانبان على أن الوعي له دور بناء في الواقع. البحث عن التفسير والمعنى: الماديون والمثاليون على حد سواء يسعون لفهم الواقع والبحث عن التفسير والمعنى في الحياة. قد يختلفون في الأسس والمفاهيم التي يستندون إليها، ولكن الرغبة في فهم العالم والبحث عن الغاية والمعنى في الوجود يمكن أن تكون نقطة تواصل. التأثير المتبادل بين العقل والمادة: يعتقد بعض المثاليين أن العقل له تأثير فعّال على الواقع ويمكنه تشكيله، في حين يرون الماديون أن الواقع المادي يؤثر على العقل ويشكل تجربتنا وتصوراتنا. هذه النقطة المشتركة تشير إلى التفاعل المعقد بين العقل والمادة في قضية الوجود. نذكر أنه على الرغم من وجود بعض النقاط المشتركة، فإن هذه الاتفاقيات لا تغطي جميع جوانب الصراع الفكري بين المادية والمثالية. الفلسفة تحتوي على تيارات وتوجهات متنوعة، والتي يمكن أن تختلف في نظرتها لقضية الوجود والعالم. هنا بعض الأمثلة على كيفية تأثير العقل على الواقع وتأثير الواقع على العقل: القوة العقلية وتحقيق الأهداف: يعتقد البعض أن القوة العقلية والتفكير الإيجابي يمكن أن يؤثرا في تحقيق الأهداف. عندما يركز العقل على الهدف المرغوب ويصبح واثقًا من تحقيقه، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعزيز الدافع واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيقه. التجارب الحسية والتعلم: يتأثر العقل بالتجارب الحسية والتجارب التي نعيشها في الواقع. عندما نتفاعل مع العالم من خلال حواسنا، يتلقى العقل معلومات ومحفزات تؤثر في نموه وتطوره. على سبيل المثال، عندما نلمس شيئًا ساخنًا ونشعر بالألم، يتعلم العقل أن يتجنب لمس الأشياء الساخنة في المستقبل. الثقافة والتأثير الاجتماعي: يتأثر العقل بالعوامل الاجتماعية والثقافية في الواقع. القيم والمعتقدات والتوجهات التي تنتشر في المجتمع تؤثر في تشكيل أفكارنا وتصوراتنا. على سبيل المثال، يمكن أن يؤثر البيئة الثقافية المحيطة بنا في وجهات نظرنا الدينية أو السياسية أو الاجتماعية. هذه أمثلة بسيطة توضح بعض آليات تأثير العقل على الواقع وتأثير الواقع على العقل. يجب ملاحظة أن هذا التأثير يعتمد على العديد من العوامل المعقدة والتفاعلات، والتي يمكن أن تختلف من شخص لآخر ومن حالة إلى أخرى. العقل البشري قوة مذهلة وقادرة على استيعاب وتحليل مجموعة واسعة من المعلومات والتفاعل مع العالم من حوله. ومع ذلك، فإن العقل ليس كاملاً وقد يتعرض للعديد من القيود والتحيزات التي قد تؤثر على قدرته على استيعاب الحقيقة بشكل مطلق. بالنسبة للحقيقة، فإن العقل لديه قدرات محدودة في معرفتها. يتأثر العقل بالعوامل الشخصية والتجارب السابقة والمعتقدات والقيم والتوجهات الثقافية. قد يؤدي ذلك إلى ميول وتحيزات تؤثر على قدرتنا على رؤية الحقائق بوضوح وموضوعية. علاوة على ذلك، فإن الحقيقة نفسها قد تكون معقدة ومتعددة الأبعاد. قد تكون هناك وجهات نظر مختلفة وتفسيرات متنازعة للحقائق، وقد يكون من الصعب تحقيق اتفاق مطلق حول ماهية حقيقة واحدة. يفضل أن نستخدم العقل بشكل نقدي ومفتوح، وأن نسعى للتعلم والاستكشاف والحوار لزيادة فهمنا للأمور. من خلال البحث عن مصادر موثوقة وتقييم الأدلة المتاحة، يمكننا الاقتراب من الحقيقة بشكل أفضل. ومع ذلك، يجب أن ندرك أن الحقيقة قد تظل قابلة للتطور وقد تظل هناك جوانب لا نعرفها بعد، وعلينا أن نكون مستعدين لتحديث وتعديل فهمنا واعتقاداتنا وفقًا للمعرفة الجديدة التي نحصل عليها. الحقائق الدينية هي جزء من العقائد والمعتقدات الدينية التي تختلف من دين لآخر ومن فرد لآخر. يمكن للأفراد أن يعتقدوا بشكل قوي أن الحقائق الدينية هي مطلقة وأنها يمكن التعرف عليها بالعقل وحده، ولكن هذا الاعتقاد يعتمد على الفلسفة الدينية والمفهوم الذي يتبناه الفرد. من الناحية الفلسفية، تختلف الآراء حول مدى قدرة العقل البشري على التعرف على الحقائق الدينية بشكل مطلق. بعض الفلاسفة واللاهوتيين يؤمنون بأن العقل يمكنه الوصول إلى حقائق دينية عبر التأمل الفلسفي والتوجه الروحي. ومن الجانب الآخر، هناك من يرون أن الحقائق الدينية تتعدى قدرات العقل البشري وأنها تحتاج إلى تجربة دينية شخصية أو إشراف إلهي للوصول إليها. لذا، لا يمكن الجزم بشكل قطعي بأن الحقائق الدينية يمكن التعرف عليها بالعقل وحده. يعتمد ذلك على المعتقدات والقناعات الشخصية لكل فرد وعلى النهج الفلسفي والديني الذي يتبناه. بعض الأشخاص يعتمدون على العقل والمنطق في استكشاف الحقائق الدينية، في حين يعتمد آخرون على الإيمان والتجربة الروحية الشخصية. الدين عادةً ما يكون نظاماً من المعتقدات والممارسات الروحية التي ترتبط بالعبادة والإيمان بقوة خارقة أو إلهية. يشمل الدين العناصر الروحية والأخلاقية والطقوس والتوجيه الروحي. يترتب على الدين أيضًا وجود مجتمعات دينية وتنظيمات قائمة على المعتقدات الدينية. من ناحية أخرى، الفلسفة تعني الاستكشاف العقلي والفكري للأسئلة الأساسية حول الوجود والمعرفة، والقيم، والواقع، والأخلاق. تهدف الفلسفة إلى تحليل ومناقشة المفاهيم والمعتقدات بشكل منطقي ونقدي، وتطوير نظريات ومناهج لفهم العالم والحياة البشرية. بالنسبة لمحاولة الدين في فلسفة الوجود لخلق إيديولوجيا اتباعية، يعتمد ذلك على التفسير الفردي للدين وتطبيقه في المجتمع. قد يستغل بعض الأشخاص العقائد الدينية لإنشاء نظم إيديولوجية تهدف إلى التحكم في المتبعين وتشكيل سلوكهم وتوجهاتهم. ومع ذلك، فإن هذا ليس صفة أساسية للدين، بل يعتمد على طريقة تفسير وتطبيق العقيدة الدينية من قبل الأفراد أو المؤسسات. من المهم أن نفهم أن هناك تنوعًا كبيرًا في تجارب الدين والفلسفة، وكلاهما يمكن أن يساهم في التنمية الشخصية والروحية والفكرية بطرق مختلفة. يمكن أن يؤدي تفسير العقائد الدينية بشكل خاطئ أو المساس بها إلى إنشاء نظم إيديولوجية سلبية. عندما يتم تحريف أو تفسير العقائد الدينية بشكل غير صحيح، يمكن أن يستغل هذا التفسير الخاطئ لتبرير أفعال سلبية أو تحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية محددة. عندما يتم استخدام الدين كأداة للتحكم والسيطرة على الأفراد، وتحويلهم إلى أتباع لنظام معين، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى نظم إيديولوجية سلبية. يتم استغلال العقائد الدينية لتهديد الحرية الشخصية وتقييد حقوق الأفراد وقمع التنوع والانفتاح الفكري. من الأمثلة التاريخية على ذلك النوع من النظم الإيديولوجية السلبية هو التطرف الديني الذي يستخدم الدين كذريعة لتبرير العنف والتمييز والإرهاب. في مثل هذه الحالات، يتم تحويل العقائد الدينية السمحة والسلمية إلى أدوات للتطرف والتعصب. من الضروري أن نعترف بأن هناك فرقًا بين العقيدة الدينية الأصلية وتفسيرها المتطرف. إن الفهم الصحيح والتأصيل في العقائد الدينية يحترم القيم الأخلاقية والأخلاق الإنسانية العالمية ويعزز التسامح والسلام والتعايش الإيجابي بين الناس. لذا، يجب علينا أن نكون حذرين في تفسير العقائد الدينية وأن نسعى إلى فهمها بشكل صحيح ومتوازن، وأن نرفض أي محاولة لاستغلالها في إنشاء نظم إيديولوجية سلبية تضر بالإنسانية. يجب أن نفهم أن التطرف والتطرف العنيف ينتجان عن انحرافات خطيرة في فهم وتطبيق العقائد الدينية أو النظم الإيديولوجية. عندما يتم استغلال العقائد الدينية بشكل خاطئ لتبرير أعمال العنف أو التمييز ضد المختلفين، فإن ذلك يعد انحرافًا عن مبادئ العدل والتسامح. معظم النظم المتطرفة تعمل ضمن جماعات محددة وتروج للتطرف والعنف وتعتبر المختلفين أعداء. هذه النظم لا تستخدم تفسير العقائد الدينية بشكل صحيح ولا تعتمد على القيم الإنسانية العالمية التي تعزز السلام والتعايش السلمي بين الناس. لذلك، عند مناقشة النظم الإيديولوجية، يجب أن نفصل بين النظم الإيجابية التي تعزز القيم الإنسانية وتتبنى التسامح والتعايش السلمي، وبين النظم المتطرفة التي تنحرف عن هذه القيم وتستغل تفسير العقائد الدينية بشكل خاطئ. فصل النظم الإيديولوجية الإيجابية عن النظم المتطرفة يتطلب فهمًا دقيقًا للمبادئ والقيم التي يتبعها كل نظام وتأثيره على المجتمع. هنا بعض النقاط التي يمكن أن تساعد في فصلهما: المصدر الأساسي: يجب أن يتم فحص المصدر الأساسي للنظام الإيديولوجي. إذا كان المصدر الأساسي للنظام هو العقائد الدينية السمحة والتعاليم السلمية، ويتم تفسيرها بشكل صحيح ومعتدل، فقد يكون النظام إيجابيًا. وإذا كان المصدر الأساسي يتضمن تفسيرات متطرفة أو محرفة للعقائد الدينية أو يستغلها لتحقيق جداول أعمال سياسية أو عنفيه، فقد يشير ذلك إلى نظام متطرف. القيم المعززة: يجب دراسة القيم التي يعتمد عليها النظام. إذا كانت القيم المعززة تشمل العدل والمساواة، والتسامح والتعايش السلمي، وحقوق الإنسان والعطاء، فقد يكون النظام إيجابيًا. ومع ذلك، إذا كانت القيم المعززة تشجع التمييز والعنف والكراهية تجاه المختلفين، فقد يشير ذلك إلى نظام متطرف. سلوك المؤيدين: يمكن أيضًا أن يكون سلوك المؤيدين للنظام مؤشرًا على طبيعته. إذا كانت المؤيدين يتبنون سلوكًا سلميًا وتعاونيًا ويعملون على تحسين المجتمع والمساهمة في الخير العام، فقد يكون النظام إيجابيًا. ومع ذلك، إذا كانت المؤيدين ينتهجون سلوكًا عنيفًا وعدوانيًا ويسعون للتمييز وترويع المجتمع، فقد يشير ذلك إلى نظام متطرف. يجب أن يكون الفصل بين النظم الإيديولوجية الإيجابية والنظم المتطرفة مبنيًا على تقييم شامل وموضوعي للمبادئ والقيم والسلوك المتبع بغض النظر ان كانت مصادرها فلسفة مادية او مثالية لان التطرف يبنى عادة على التفسير الخاطئ من قبل كل الأطراف وينبغي أيضًا الاستناد إلى مصادر موثوقة ومتنوعة للمعلومات والتحليل العقلاني للواقع الميداني والتأثيرات الاجتماعية والسياسية لكل نظام.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانسان من تطورية العقل الى انسحاب بدائي
-
اللعب المخادع ومظهرية الاداء سمة الجبناء
-
جبهة دولية لتغذية الاعلام المنحاز
-
الاعلام المنحاز وأدلجة الحقيقة
-
فلسفة الوحدة
-
جينالوجيا الطاعة في الشرق الاوسط
-
عقدة الضحية وسذاجة الموقف
-
تقنية زراعة الافكار
-
تبييض الاموال واقتصاديات الدول المتخلفة
-
الحق والاخلاق
-
لوحة (دخول المسيح إلى بروكسل)
-
الحقائق الأسطورية و الوجودية و الموروث البدائي
-
الجنس والغذاء بين الحرية والكبت
-
حجر سنمار واقتصاديات الدول المنحطة
-
التصور العقلي و النفسي للذات
-
عشوائية البدايات ونظام الموجودات
-
الذكاء والنجاح الاقتصادي في الدول المنحطة
-
الفن الهادف والتغيير
-
شبكات التواصل قبائل
-
العولمة ولعبة الروليت الروسي
المزيد.....
-
زفاف أمباني وسيلين ديون صنعت الحدث في باريس والرياض.. أحداث
...
-
وزير خارجية طالبان يجري أول اتصال بنظيره السوري.. ماذا بحثا؟
...
-
بلينكن يبحث مع نظيره الأوكراني مسألة الدعم الأمريكي لكييف
-
بعد ضجة واسعة.. محافظ دمشق يصدر توضيحا بعد تصريحاته حول السل
...
-
هل تتحول سوريا لساحة صراع تركي إسرائيلي؟
-
ناسا تسجلاً إنجازاً جديداً بوصول مسبار باركر إلى أقرب نقطة م
...
-
روما تندد باحتجاز صحفية إيطالية في إيران منذ أسبوع
-
أردوغان يعلق على نهاية -ظلم البعث- في سوريا وانتصار السوريين
...
-
الولايات المتحدة تزعم تورط روسيا في تحطم طائرة أكتاو
-
لبنان.. توقيف سائق شاحنة على متنها 67 شخصا تسللوا من سوريا
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|