محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 7958 - 2024 / 4 / 25 - 13:50
المحور:
الادب والفن
4
منذ بدأت الكتابة في ستينيات القرن العشرين لم يفارقني التوق إلى كتابة رواية عن القدس.
وحين يجري تناول القدس في الكتابة الإبداعية فلا بدّ من الوقوف بإجلال أمام تاريخها الطويل، وأمام المعاناة التي عاشتها المدينة على امتداد هذا التاريخ، وذلك لكثرة ما كابدت من غزاة ومحتلّين، ولكثرة ما شهدت من مجازر ومن تهديم لسورها ولكل مظاهر الحياة فيها مرّات ومرّات، وكانت تنهض بعدها في كل مرة مثل طائر العنقاء الذي ينهض دومًا من تحت الرماد.
وللحقيقة فإنّ القدس لم تظهر في رواياتي وحسب، بل أيضًا في قصصي وفي نصوصي المختلفة، ولم يحدث هذا من باب الاتكاء على عظمة المدينة وعلى تاريخها العريق، بل من باب المعايشة الفعلية حيث يصبح المكان في النص جزءًا حيويًّا من مضمون النص ومن قيمته الفنية وجدارته وجدواه.
إنّ الاحتفاء بالقدس بصفتها حاضنة للديانات السماوية وللأماكن المقدسة من دون التفات إلى ما تزخر به من حياة يوميّة، ومن تاريخ وعراقة، ومن وجود بشري عربي فلسطيني إسلامي مسيحي على امتداد التاريخ وإلى الآن، إنما يجرّدها من مزايا عدّة ويجعل هويتها مبتورة ناقصة، وهذا ما يرغب فيه المحتلّون الجدد الذين يسعون بكل الوسائل والسبل إلى تجريد القدس من ذاكرتها، وإلى طمس معالم تاريخها، وتهويدها وإحكام السيطرة عليها.
لهذا السبب، ودفاعًا عن القدس وفلسطين، قلت في كتابي "تلك الأمكنة" وهو سيرة ذاتية: "هنا في هذا الكتاب تجربة في الحياة أدوِّنهُا لا للتفاخر أو للمباهاة، ولا لادِّعاء بطولات أو للوقوعِ في مبالغات، إنَّما للردِّ على من ينفون وجودنا وينكرون علينا حقّنا في وطننا، لكي يبرِّروا استيلاءهم عليه استنادًا إلى الخرافة والأكاذيب المسنودة بقوّة الغزو والعدوان.
ولذلك؛ تصبح لخبطة القدم على أديم الأرض دلالة، ولأسماء المدن والقرى والشوارع والمقاهي والمطاعم والأشجار دلالات، وللأثواب المطرّزة بألوان العَلَم الفلسطيني إشارة، وللموسيقى والرقص والغناء في الأماكن العامّة إشارات".
وقلت في كتابي "قالت لنا القدس": "في المسجد الأقصى، كان إحساسي الأوّل بالمكانة الخاصّة للقدس. وفي كنيسة القيامة كان إحساسي الأوّل بأهميّة التعدّدية، وبأهميّة التسامح والتعايش بين الأديان. وبالقرب من سورها الذي بُني أوّل مرّة قبل آلاف السنين، كان إحساسي الأوّل بعراقة المدينة. وكان لي في القدس كتاب أوّل، وفيلم سينمائي أوّل، وحبٌّ أوّل، وتظاهرة سياسيّة أولى، واجتماع حزبي ثانٍ (اجتماعي الحزبي الأوّل كان في رام الله، التي لا يقلّ حبّي لها عن حبّي للقدس). كانت المدينة تعلّمني بحكم نشأتها وتكوينها، وبحكم تنوّع ثقافتها وعراقة تاريخها، كيف أصبح إنساناً بعيداً عن التعصّب والانغلاق".
يتبع...3
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟