|
ليس من وظائف الدولة المدنية مكافحة الالحاد والفكر اللادينى
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 7956 - 2024 / 4 / 23 - 23:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بديهى أن " المكافحة " تعنى بالضرورة مواجهة الأشياء ، التى تسبب الأذى والضرر للبشر ، فتعطل ارتقائهم ، وتحررهم ، وتحد من قدراتهم الابداعية ، وتفقدهم المكتسبات والميزات المتحققة ، عبر الزمن . نحن مثلا نكافح الادمان ، والفقر والأمية والبطالة والارهاب والفيروسات ، لأنها خطر على الفرد والمجتمع . لكن لماذا ينشئ الأزهر ، مركزا لمكافحة الالحاد والفكر اللادينى ؟؟. هذا يعنى أن المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر ، تتعامل مع " الالحاد " ، على أنه أذى، مثل الأمراض و الارهاب والفساد . ان الالحاد موقف فكرى فلسفى ، من الأديان بشكل عام ، حيث يعتقد الشخص أنها صناعة بشرية ، جعلت البشر عبيدا لقوى غيبية لا دليل عقلى منطقى يؤكد وجودها . وهم يعبدونها بطقوس محددة ، ويقدمون لها القرابين . والآلهة خلقها الانسان على صورته ، وأضفى عليها القدسية ، ليفسر الظواهر الغامضة والمخيفة ، ويرتاح نفسيا أن هناك قوى عليا حكيمة ، كلية القدرة ، ترعاه ، وتحدد كيف يعيش ، وأين يذهب بعد الموت . " الالحاد " قناعة فكرية ، تتناغم مع شخصية الانسان ، وطريقة تفكيره ، وتساؤلاته ، وتأملاته ، وموقفه من " الحرية " باعتبارها الغاية الكبرى من الوجود . وهو أولا ، وأخيرا ، من حقوق الانسان الأساسية ، التى اعتمدنها المواثيق الدولية ، والدساتير المحلية للدول المدنية الحديثة .
وتلازم وجود "الالحاد " مع وجود الأديان منذ نشأتها . كان هناك دائما مجموعات من البشر ، تشك وتسأل ، وتفكر بشكل مختلف ، وترفض الفكرة الأساسية من جذورها ، وهى تعطيل العقل واخضاعه للخرافات والأساطير ، ووصاية وهيمنة الكهنوت ، ورجال الدين . كيف يكون " الالحاد " خطرا ، وجب مكافحته ، وهو " فكرة مسالمة " وليست تنظيما مسلحا ، لديه امكانيات مادية واعلامية يسخرها لفكرته ، ولا يدعو الى القتل ، والعنصرية والكراهية ، ولا يرفع شعارات مثل : " الحد تسلم " .. أو " الالحاد هو الحل " ؟؟. هل سمعنا عن شاب أو شابة ، لا تؤمن بالأديان والآلهة والرسل والأنبياء والكتب المقدسة ، تفجر نفسها داخل جامع أو كنيسة أو معبد ، أو حافلة أو قطار ، لاعلاء راية الالحاد وكلمة الرب ؟؟. هل سمعنا عن جمعية اسمها " جمعية نصرة الالحاد " ، أو تنظيم " دولة الالحاد فى العراق والشام " ، يسفكون دم غير الملحدين ، ويبيعون النساء فى سوق النخاسة ؟. هل يستخدم الملاحدة ، أو اللادينيون ، مكبرات الصوت المرتفعة ، لالقاء الدروس الالحادية ، غير مبالين بمشاعر وخصوصية الآخرين فى بيوتهم ؟؟. وهل يريدون فرض زى واحد على المرأة الملحدة ، حتى تتميز عن المرأة المؤمنة ؟؟. وهل يطمحون الى السيطرة على كوكب الأرض ، لتتحقق " الخلافة الالحادية " ؟؟. وهل ينشئون الحضانات والمدارس لتعليم " الالحاد " من الصغر ؟؟. وهل هناك ملصقات ، تعلق فى كل مكان ، تبشر ب" الالحاد " ؟؟. وهل " الالحاد " منقسم الى مدارس ومذاهب وطوائف ، كل منها تقاتل الأخرى ، وتزعم أنها " المتحدثة الشرعية " باسم " الالحاد " ، وأنها الوحيدة التى تمثل دون غيرها " الالحاد الحق " ، أو " الالحاد الصحيح " ؟؟. يؤكد التاريخ ، ان الاعتداءات والتفجيرات والحرق والذبح والقتل والتهديدات الارهابية ، والاغتيالات ، تمت قديما وحديثا ، من قبل التيارات الدينية المتشددة المنظمة . وتؤكد أيضا أن " الالحاد" ، أو الفكر اللادينى هو الذى تعرض للمطاردات والنبذ ، واُتهم أصحابه بالجنون ، والعقد النفسية ، وافساد الأخلاق . وكانت هناك دائما الحروب الدينية ، والغزوات الدينية ، فى كل مكان ، لفرض دين أو مذهب محدد ، وتُسمى " الحروب المقدسة ". فى كل برامج اليوتيوب ، يتكرر السؤال الساذج الجاهل " ما الذى يمنع الملحد من أن ينكح أمه ، طالما أنه لا يؤمن بوجود الاله ؟ ". ما هذه العقلية " النكاحية" بامتياز ، الذى ينقصها بديهيات التفكير المنطقى ، والأخلاق ؟؟. لا يسألون مثلا عن السرقة أو الكذب ، وانما هو " النكاح " ، ولا شئ آخر . نحن لا نملك احصائية واحدة موثقة ، تعلن أن الجرائم والانحرافات الأخلاقية ، التى يرتكبها " الملحدون " ، أكثر بكثير بشكل لا يقارن ، من تلك التى يرتكبها " المؤمنون ". فى مصر ، بدأنا مؤخرا ، نسمع مطالبات لاصدار قانون يجرم الالحاد ، بالسجن أو بالغرامة . كيف نعامل " الملحد " ، أو " اللادينى " ، كمجرم ، يعاقب بالعقوبات الجنائية . ألا يعتبر هذا القانون ازدراء للملحد المسالم ، واهانة له ، لمجرد أن أفكاره وعقيدته ، مختلفة عن السائد ؟؟. ألا يضرب مثل هذا القانون ، حرية الانسان ، و" مدنية " الدولة فى مقتل ، ويرسخ التأسلم الشكلى ، والاسلام الاستعراضى ، ويمهد مصر لجنود الدولة الدينية الارهابية . ان " الالحاد " أو " اللادينية " ، أهم مقياس لحرية الانسان ، وأولها حريته فى اختيار الأفكار التى يحب العيش بها . الحرية لا تتجزأ . مثلما نحترم حرية الاعتقاد ، لابد من احترام حرية اللاعتقاد . ليس من الضرورى أن نحبها ، ولكن من الضرورى ضمان كافة حقوقها . " الالحاد " منذ عرفه البشر ، شئ طبيعى ، تماما مثل " الايمان " . وبالتالى فان فكرة " مكافحته " تبدو عبثية ، غير مبررة ، وضد تنوعات الطبيعة . وخاصة اذا كنا نرث الأديان والايمان ، كما نرث لون العيون ، وطول القامة مثلا . ان مقياس الدول الراقية حضاريا وانسانيا ، يتحدد بكيفية ضمانها للحريات العقائدية الدينية ، وحريات الفكر اللادينى ، وتعاقب خطاب الكراهية العقائدى ، وتجرم " تديين الفضاء العام ". وربما يطالب البعض ب" منذ عام 2014 ، لم يحدث شئ فى تجديد الخطاب الدينى ، الا التوسع فى بناء المساجد ، واصلاح وترميم المساجد . وصل عدد مساجد مصر الى 150 ألف مسجدا ، تكلفت 10 مليار جنيه . وهذا معناه أن المؤسسات الدينية ، تشخص مشكلة الخطاب الدينى ، أن المصريين لا يصلون بالقدر الكافى ، وأن هناك " نقصا " فى الصلاة . واذا أضفنا الاحتفال بالمناسبات الدينية ، والندوات الاسلامية ، وتدريبات على الدعاة ، ونشر الفتاوى الدينية ، وغيرها ، فى دولة المفروض أنها مدنية ، نجد انفاقا مفرطا من أموال الشعب ، وموارد الدولة ، تحتاجه المدارس والمستشفيات. ليست من وظائف الدولة ، الانفاق على العقائد أيا كانت . وليس من بين مسئولياتها ، التأكد أن الشعب متدين ، ويؤدى العبادات والطقوس الدينية ، ويعيش حياته بما يرضى الاله المعبود ، لدخول الجنة فى الآخرة . وظيفة الدولة أن تنفق فيما يرتقى بحياة الشعب ، هنا على الأرض ، وهو على قيد الحياة ، وليس هناك فى الآخرة بعد أن يموت . أخشى أن نسمع أصواتا ، تطلب " مكافحة " دول العالم الملحدة أو اللادينية ، مثل الصين ، ونعتبره " جهادا كوكبيا فى سبيل الله .
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا مع - التدين بالفطرة - وتضخم - التدين المغروس - انحدرت
...
-
الجهر بالافطار فى نهار رمضان من أساسيات الدولة المدنية
-
تمهيد التربة لزراعة المواطن الصالح والمواطنة الصالحة
-
سرير القهر .. احتياج قصيدتان
-
الثمن الذى ندفعه من أعصابنا ودمنا وسعادتنا لنأكل
-
- أمى - ليست ناقصة عقل ودين
-
بائعة الفجل وبائعة الشِعر
-
نعش اللعنات .. استعباد قصيدتان
-
الشيطان .. حبيبتك السابقة قصيدتان
-
هيئة الكتاب أماتت ديوانى الشِعرى قبل ولادته
-
أحبها .. الفرح قصيدتان
-
الطبيب الرومانسى .. قُبلة الحياة قصيدتان
-
أحبنى قليلا .. قصيدتان
-
اضطراب خماسى القطب ... قصيدتان
-
ألا أشتهيك لحظة .. قصيدتان
-
رأس المرأة ,, رأس المال .. رأس السنة
-
لست غاضبة منك .. أربع قصائد
-
كان عنده غسيل .. ثلاث قصائد
-
ماذا أعطيك ؟ .. لم يبق لى شئ .. قصيدتان
-
حضارة - الثقب -
المزيد.....
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
ليبيا.. سيف الإسلام القذافي يعلن تحقيق أنصاره فوزا ساحقا في
...
-
الجنائية الدولية تحكم بالسجن 10 سنوات على جهادي مالي كان رئي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|