|
«صراع القيم والمنافع في عالم فن الممكن»
مصطفى فاضل
الحوار المتمدن-العدد: 7948 - 2024 / 4 / 15 - 16:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"في ظل عالم تحده المتغيرات من كل حدب وصوب، تكابد فيه المفاهيم الحقة كل أنواع الانحلال والتلاشي، رويداً رويداً مرة، ودفعة واحدة مرة أخرى". هذا الكلام المكرور تصادفونه أو تقصدونه كثيراً، سواء بطريقة مباشرة أو مبطنة، مكتوباً أو مسموعاً أو مرئياً، ويمر على مسامعكم أو نواظركم مرور الكرام وربما الاستحسان والإعجاب، وقد تهللون لكاتبه أو ناطقه أو منتجه بكثيرٍ من عبارات الثناء، وتشهدون له بقدرته على تفكيك المجتمع وتحليله، مضيفين بنبرة واثقة -مؤيدين ما ذهب إليه- أن العالم يسير نحو نهايته الحتمية التي تنعدم فيها قيم الإنسان الحقة وتحل محلها قيم الشيطان وفق المروية الدينية. لذا، دعوني أصدمكم القول إن الكلام مدار الحديث الذي ورد بين هلالين في مستهل المقال لا بأس فيه، وأزيد بأنه كلام سليم لا مناص عنه عند ممارسة العمل في أحد مجالات الحياة، في عالم اللا أعداء واللا أصدقاء، المكر، الكر والفر، عالم الرمال المتحركة، ولا أجاور الحقيقة إن قلت عالم الغاب القوي فيه يفرض حكمه على الضعيف، ألا وهو عالم السياسة. الشرف، والعدالة، والوفاء، وحسن الخلق، مفاهيم تحمل عمقاً عظيماً وتلعب دوراً حاسماً في تكوين شخصية الإنسان. وإن السعي نحو ترسيخ هذه القيم داخل كيان الفرد يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من التزامه الأخلاقي تجاه ذاته والآخرين؛ فلا يمكن للحياة أن تعاش دون التمسك بأسس قيمنا الأخلاقية. ويعتبر مدى تجسد هذه القيم في تعاملنا مع الآخرين هو المقياس الحقيقي لإنسانيتنا؛ فهي تأتي قبل أي إنجازات علمية أو مهنية قد نحققها في حياتنا. أما في السياسة فالأمر يختلف كثيراً بنوعيها الداخلي والخارجي؛ فتلك المفاهيم الإنسانية تنحل وتتلاشى ويصبح الوضع العام أشبه بغابة ينتصر فيها الأكثر مكراً وتلاعباً وأقدرهم على المطاولة في سباق الشد والبسط، من يستطيع أن يقدم الجزرة ترغيباً والعصى ترهيباً، من يحافظ على شعرة معاوية مهما طالت مدية الصراع وقست جبهاته. ماذا تسمون هذا؟ نعم هو البراكماتية بأفصح تجلياتها. وهذا هو لب السياسة. فمنذ غداة التاريخ يترسخ هذا المفهوم يوماً بعد آخر، وإن أنكرناه انطلاقاً من رؤية أيدلوجية، أو لغاية ما، أو لرغبة في عدم تصديق أن مثلنا الأعلى الحاكم الفلاني لا يخرج حكمه عن هذا المفهوم وإن ادعى غير ذلك. لذا من الطبيعي أن نلحظ رجلاً ميزناه بشرفه، وعدالته، ووفائه، وحسن خلقه، في تعاملاته مع الآخرين عندما يتولى منصباً حساساً في الدولة التي يعيش فيها، يتطلب منه إدارة ملف ما أو التعامل مع النظراء أعداء كانوا أم أصدقاء، التخلي عن شرفه، وعدالته، ووفائه، وحسن خلقه، بالقدر اللازم لتحصيل المنفعة العامة لأبناء شعبه فإنه سيفعل ذلك دون أية مشاكل. ومن الطبيعي أيضاً أن يُصنف نظيره في الجهة المقابلة على أنه صديق ويعامله على هذا الأساس لفترة من الزمن، تطول أو تقصر، ولموقف ما يتحول هذا الود لعداء شديد يصحب معه قباحة مرحلة كسر العظم بين الطرفين. وبعد حين -بعد أن أقاموا الدنيا ولم يقعدوها- يعود الود مرة أخرى بقدرة قادر. ألم يتحالف ستالين مع روزفلت وتشرشل في الحرب العالمية الثانية، ويلتف على حليف الأمس هتلر متنصلاً من اتفاقية عدم الاعتداء، ليعود بعد تصاعد التوترات بين الحلفاء بسبب الاختلافات السياسية والاقتصادية والأيدلوجية وينقلب على هذا التحالف. يؤكد هوبز في كتابه "التنين" على "أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، وأن الحالة البدائية هي حالة حرب الجميع ضد الجميع، بحيث إن غريزة البقاء هي التي تقود الإنسان، وأن الناس متساوون أصلاً ولديهم نفس الحقوق على الأشياء والوسائل نفسها بهدف الحصول عليها، ولكن بالدهاء أو بالعنف" فلا يستطع من يتولى أمر الناس ويتسنم أعلى منصباً في الدولة أن يتعامل مع الدول الأخرى بعيداً عن هذه الخلاصة التي أكدها هوبز خلال بحثه الطويل. على الحاكم أن يضمن الولاء الداخلي بالسبل الديمقراطية والدبلوماسية وتبادل المنفعة قبل أن ينظر بشك وريبة تجاه ما يقع خلف حدود بلده، ويعتبر كل يد ممدودة مهما بدا ظاهرها طيباً على أنها تحمل السم بين جنباتها. ويمعن النظر في ما يجري خارجاً فإن تأكد من توفر المنفعة في حدث ما فعليه أن يتقدم الجميع لاستغلاله مستخدماً دهائه ومكره. هذا هو النظام الذي يسير وفقه العالم منذ أزل الزمان وإلى يومنا هذا؛ عالم تحكمه الطبيعية البشرية منفردة أو مجتمعة، لا يمكن حكمه بالنية السليمة والقلب الطيب.
#مصطفى_فاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المدرسة العراقية واضطهاد العاملين العراقيين فيها
المزيد.....
-
الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة
...
-
عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير
...
-
كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق
...
-
لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟
...
-
مام شليمون رابما (قائد المئة)
-
مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
-
مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة
...
-
إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا
...
-
نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن
...
-
وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|