|
جيل الهشاشة النفسية في عصر نظم التفاهة
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 7947 - 2024 / 4 / 14 - 12:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أ.د. قاسم حسين صالح مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
تحديد مفاهيم • الهشاشة النفسية( Psychological Fragility )
تعني سمة او صفة في شخصية الفرد تتضمن: عدم كفاءة الذات ، الأنجراح النفسي بسهولة ، عدم ثبات المشاعر، لوم الذات ، الشعور بعدم الراحة، سرعة الأنفعال ، والميل الى طغيان المشاعر الصعبة على صاحبها بسهولة. ولها مرادف آخر هو الهشاشة الأنفعالية ( Emotional Fragility) وتعني وقوع الفرد بسهولة تحت سيطرة المشاعر الصعبة ، وعدم قدرته على التعامل مع الانفعالات الشديدة التي تحصل له في المواقف الحياتية الصعبة، وتضخيم ما يحصل له من مواقف او ضغوط ، فنقد خفيف يوجه له يتحول عنده الى كارثة، ولحظات من القلق تتحول عنده الى يوم من التوتر والفزع ،فضلا عن تغيرات سريعة في المزاج. • نظام التفاهة مصطلح مستعار من الفيلسوف الكندي ( د. آلان دونو) يتضمن فكرة اننا نعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة ، تتعلق بسيادة نظام ادى ، تدريجيا ، الى سيطرة التافهين على جميع مفاصل الدولة الحديثة.
تنويه: يتحدث هذا المقال عن اكثر من مليار شاب ومراهق في بلدان تحكمها انظمة تافهة بضمنها الدول العربية، وينبّه الى ان العالم مقبل على ظهور بشر يختلف فكريا وسلوكيا واجتماعيا واخلاقيا ودينيا وسياسيا عن كل عصور تاريخ البشرية، وينذر بخطر ان يتحول الانسان في جوهره الى كائن غير بشري..والأخطر ان انظمة التفاهة الحاكمة والناس بشكل عام غير مدركين لهذا الخطر ، لأن همّ الحكّام هو البقاء في السلطة وكنز المزيد من الثروة ، ولأن الناس منشغلة بتدبير حياتهم اليومية.
التحليل
تساؤلات عن جيل هش هل صار جيل الالفينات ( المراهقون والشباب) مدللا مقارنة بجيل 1950 وما قبله؟ وهل صار يميل نحو تضخيم مشاكله الحياتية ( الألم مثلا)التي كانت الاجيال السابقة تعتبرها عادية؟ وهل نحن امام جيل هش لا يقوى على تحمل اعباء حياته الخاصة وليست له القدرة على تحمل مسؤولية أسرة ولا تحمل دوره في تطوير مجتمعه؟ وهل صار لا يحمل رسالة انسانية ولا قضية وطنية يمكن ان يضّحي بحياته من اجلها كما كان يفعل اجداده؟.
في كتابهما (تدليل العقل الأمريكي 2018) شخّص جريج لوكانيوف واستاذ علم النفس جوناثان هايدت احدى نتائج الهشاشة النفسية لدى جيل الالفينات بقولهما ان شباب وفتيات هذا اليوم يضخّمون اية مشكلة في حياتهم لدرجة تصويرها بانها كارثة وجودية اصطلحا على تسميتها بـ( Pain Catastrophizing ). وما يفعله هذا التضخيم في جيل الالفينات الهش ان وقوع احدهم في مشكلة تجعله يؤمن ان ما حدث له هو اكبر من قدرته على التحمّل،وانه حين يلتقيك يصف لك المشكلة بمفردات مبالغ فيها وبأوصاف سلبية لا وجود لها الا في مخيلته، وانها اكبر من طاقته مع انها تعدّ عادية جدا لدينا نحن الكبار حين كنا بعمره.
وما يفعله هذا التضخيم فيه انه يجعله يعيش كابوسا من الشعور بالتحطم الروحي والانهاك النفسي لا سبيل للخروج منها ، ويحس بالضياع وفقدان القدرة على المقاومة والاستسلام للألم بسبب هذه المشكلة. ويورد الكاتب الدكتور اسماعيل عرفة امثلة واقعية على ذلك نلتقط منها مثالين،الأول: شكت طالبة بكلية الطب برسالة وجهتها لطبيب نفسي ( ارجوك ساعدني ، انا غبية جدا ،لا اعرف كيف اتكلم مع ناس، وردودي احيانا سخيفة، لكني صافية من داخلي والله..انا 22 سنة وفي كلية الطب). وكان رد الاستشاري النفسي ( هذه مجرد تهيؤات، ودعك من جلد الذات، ستعلمك الحياة مع الزمن كيف تتعاملين مع المواقف). والثاني:سؤال موجه لرجل دين ( يا شيخ ، عمري 21 سنة وأرى الدنيا كلها مظلمة وخانقة ، وغير قادر على العيش..انا تعبت،ونفسيتي متدمرة، وأرى كل شيء سوادا . انا قريب من ربنا الله، لكني اشعر اني محتاج لامرأة تكون معي، لكن صعب الزواج والظروف صعبة). ويعلق الدكتور عرفة بأن المشكلة هنا ليست في احتياجه للزواج، فهو مطلب فطري وضروري ، وانما المشكلة في تعطيله لكل شيء في حياته فقط بسبب احتياجه للزواج. ان مثل هذه الحالات النفسية تحصل في كلّ، الاجيال لكنها صارت شائعة في جيل الالفينات، بحيث يصورها وكأنها نهاية العالم بالنسبة له .والملاحظ ان هذه المشاكل تأتي من شباب وفتيات تجاوزوا عمر العشرين..ما يعني انهم تجاوزوا مرحلة المراهقة وانتقلوا الى مرحلة النضج.
مراهقون..في العشرينيات! يتفق علماء النفس وعلوم الحياة على ان مرحلة المراهقة تبدأ بعمر 14 سنة وتنتهي بعمر 18 او 19 سنة. ويخبرنا علماء اميركيون وبريطانيون وكنديون بأن فترة المراهقة تمتد في الجيل الحالي الى منتصف العشرينيات! ما يعني ان الشاب او الفتاة يكون في عشرينيات عمره مراهقا في مشاعره ،وفي تعامله مع مشاكله الحياتية اليومية وضغوطها النفسية، وفي علاقاته مع الاخرين ومع الجنس الاخر.. ما يعني ان طالب او خريج الجامعة في جيل الهشاشة النفسي هذا يساوي في مشاعره وفهمه للحياة والناس أيام كان والداه طلبة اعدادية! وتساءل العلماء الاجانب المعنيون بهذا الشأن عن سبب استمرار مرحلة المراهقة طوال هذه المدة، ولماذا تأخر نضجهم النفسي والفكري ونموهم العقلي وتفاعلهم الاجتماعي الى تسمية هذا الجيل بجيل رقائق الثلج Generation Snowflake لأن رقائق الثلج هشة جدا وسريعة الانكسار،لا تتحمل اي ضغط ، ويعني سيكولوجيا انه هش نفسيا..يتحطم شعوريا عند اول ضغط حياتي يواجهه، وانه يشعر بالضعف في مواجهة صعوبات الحياة، ولا يعرف كيف يسيطر ويتغلب عليها،ويصل نفسيا الى ان يلعب دور الضحية.
وتوصل علماء آخرون الى ان جيل الهشاشة هذا يطغي عليه شعور قوي بالتفرّد والتميز والريادة، وانه صاحب استحقاق..يريد من الاخرين معاملة راقية له، وحفاوة بالغة، وولاءا خالصا لافكاره. بل ان عددا من المراقبين توصلوا الى ان هذا الجيل يرفض ان يكبر! بمعنى انه يرفض ان يتولى مسئوليات مرحلة الرشد، ويظل طفلا في تعامله مع متطلبات الحياة،وينهار عند اول مواجهة حقيقية مع مشكلة حياتية اطلق عليها الكاتب دان كيلي في كتابه Men Who Have Never Grown Up متلازمة (بيتر بان ) اشارة الى عدم رغبة جيل الشباب في النضج، وتصرفهم بشكل غير مسئول امام واجباتهم الحياتية،ورغبتهم الدائمة في التهرّب من اي ضغط حياتي ما يجعلهم اطفالا كبارا في المجتمع.
الأنترنت ..سبب لا يعنينا هنا تاريخ الأنترنت يوم قررت وزارة الدفاع الأمريكية انشاء شبكة اتصالات لأغراض امنية عام 1969 ،يديرها جيل الكبار ، وكيف بدأت تقديم خدماتها للناس بدءا من عام 1985 لتصبح اكبر شبكة في تاريخ البشرية ، فما يهمنا هو سوء استخدام الأنترنت وما احدثته من هشاشة نفسية في جيل الألفينات..نوجز اخطرها في ادمان الأطفال على العاب الفديو الذي اعتبره الأطباء مرضا نفسيا حقيقيا ،ولها خطر اجتماعي هو ان هذه الألعاب تصبح وسيلة تواصل بين الأطفال بدلاً من التواصل بين الناس في عالم الواقع، فضلا عن انخفاض مستواهم الدراسي بسببها. ولأول مرة في تاريخ البشرية يجري التشهير والتفضيح لجيل الألفينات( اطفال،مراهقون ، شباب) يصل في دقائق الى الملايين يؤدي الى العزلة والأكتئاب والأغتراب والأنتحار. وقد شاعت هذه الظاهرة في اميركا وحظيت باهتمام السينما الأمريكية فانتجت فلما دراميا عنها بعنوان Disconnect نبه الأمريكيين الى العلاقات والاتجاهات التي تم تدميرها بسبب اساءة استخدام الأنترنت. وظهر ما يعرف بالمخدرات الرقمية – الألكترونية ..نغمات موسيقية صاخبة يتم تحميلها على مشغل الأغاني المدمجة المختلفة ويبدأ المراهق والشاب يستمع إليها في غرفة خافتة الإضاءة عبر سماعات خاصة للإذن في حالة استرخاء بعد تأثير ذبذبات النغمات على الدماغ نتيجة التفاعلات الكيميائية والعصبية فيشعر بحالة نشوة التخدير مثل الذي يتعاطي المخدرات الحقيقية. واسهمت الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل ( فيسبوك ،تويتر ، انستغرام...)بان جعلت من كثير من تافهي مشاهير السوشيل ميديا والفاششينستات يظهرون لنا بمظهر ( النجاح ) الذي حققوه فعلا وفقا لمعياري المال والتفاهة ، لا كما كانت معايير الأجيال السابقة القائمة على العمل الجاد وحسن الخلق والعلم والثقافة والفن..ما يؤكد صحة مقولتنا بأن جيل الألفينات مصاب بالهشاشة النفسية. نظم التفاهة تسهم نظم التفاهة في تعزيز الهشاشة النفسية لدي جيل الانترنت ،حيث يشكل العمل السياسي بما ينطوي عليه من سلطة وخطاب ومال وجماهير.. المساحة الخصبة لازدهار نظام التفاهة كما يؤكد (الان دونو ) صاحب كتاب نظام التفاهة، الذي يضيف بأن التافهين لا يجلسون خاملين ، بل هم يؤمنون بانهم يعرفون كيف يعملون بجهد..ويصل الى القول بان التفاهة تشجعنا بكل طريقة ممكنة على الاغفاء بدلا من التفكير، والنظر الى ما هو غير مقبول وكأنه حتمي، والى ما هو مقيت وكأنه ضروري..وتحيلنا في النهاية الى اغبياء، ليؤكد صحة مقولتنا بأن انظمة التفاهة عززت الهشاشة النفسية لدى شباب هذا الجيل.. واذا ما ادركنا ان هذا الجيل هو الذي سيحدد مستقبل الوطن، فأن المسئولية الوطنية والأخلاقية والأجتماعية تدعونا الى ان نتدارك ذلك بمقترح لجريدة المدى تبادر فيه الى عقد ندوة علمية يشارك فيها علماء النفس والاجتماع والمفكرون ورجال الدين والصحفيون والأعلاميون وممثلون عن الحكومة والبرلمان لوضع استراتيجية تضمن احتواء ظاهرة الهشاشة النفسية لدى جيل يشكل ثلثي المجتمع وعليه يتوقف مستقبل اغنى بلد بالمنطقة واول بلد في تاريخ الحضارات في العالم. *
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التسامح في العيد ..ما اجمله!
-
لمناسبة استشهاده.مواصفات الحاكم من منظور الأمام علي ومنظور ا
...
-
الفضائح الأخلاقية نتائج..والأسباب باقية
-
فضيحة عميد في البصرة..نتيجة والسبب باق!
-
نوروز..ماذا يعني سيكولوجيا وسياسيا
-
اسرار نوروز..مدهشة للعربي والكوردي
-
معالجة مشكلات الشباب..شرط لتحقيقي الأمن المجتمعي
-
المرأة العراقية في يوم عيدها العالمي- سيدتي..أنت استثناء
-
علماء نفس في اربعة مواقف من الدين
-
فلسطينيان..أحبا العراق وأبدعا فيه - الحلقة الثانية
-
فلسطينيان..أحبا العراق وأبدعا فيه
-
هل انتهى الكتاب في زمن الثورة المعلوماتية والذكاء الأصطناعي؟
...
-
مهرجان المربد الشعري بعيون من حضروا ومن غابوا
-
طلبات الزائرين للأمام موسى الكاطم..هل تحققت بعد 17 سنة؟
-
العراقيون وكرة القدم. تحليل سيكولجي لفرحهم بالفوز
-
العراقيون..بين لعبتي كرة القدم والسياسة
-
انعقاد المؤتمر الأول لمكافحة الفساد في العراق- معالجة علمية
...
-
الحول العقلي..اصيب به المثقفون ايضا!
-
اخوان الصفا..مفكرون اخوان اخوان الصفا..مفكرون في نقد العقل ا
...
-
المعتزلة..مفكرون مجددون أم كفرة وزنادقة؟
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|