روائي عراقي
www.alaazal.com
ليس هناك من شك في أن شخصية الدكتاتور هي أكثر الشخصيات في التاريخ قابلة كي تتحول إلى شخصية أسطورية خاصة إذا كان هذا الدكتاتور مشرقيا أو عربيا على وجه الخصوص.
فربما يتم تدمير العالم باسم هذا الدكتاتور حيا أو ميتا، إذا كانت في هذه( الأسطرة) ما يجعل قوى المال والسلطة والعنصرية تربح مالا أو موقعا أو مركزا أو نفوذا.
والدكتاتور العراقي تحول في مرحلتي الحكم وخارجه إلى شركة كبرى منتجة لمن يبحث عن تجارة أو لمن أفلست تجارته في السياسة وفي غيرها، وتحول إلى نوع من النظارات السوداء نرى من خلاله الحياة، أو أريد لنا أن نحشر في هذه الرؤية المشوهة ونحبس داخل أنفاق الدكتاتور بصورة أبدية دون أي فكر أو بهجة أو تأمل أو أمل.
مرايا الدكتاتور هي مرايا مشوهة لا تصلح معيارا أو ميزانا نزن به الحياة وظواهرها، فالعالم ليس قتلا أو سجنا أو مرضا أو ألما أو حصارا أو جوعا أو خوفا.
وعلينا أن نبحث ولو من خلال الحفر في دبوس عن ينابيع أخرى للحياة والأمل والرؤيا ليس من خلال هذه المرايا المشوهة.
فباسمه توقف العالم العربي عن التضامن وشلت وحدة الصف.
وباسمه صار الخليج العربي ترسانة للسلاح الأمريكي.
وتحت عنوان الدكتاتور تهشم حلم الوحدة العربية.
وبسببه تم قتل العراقيين على مدى سنوات في حصار هو شكل خسيس من أشكال الابادة البشرية.
ومن اجله توقفت الحياة في العراق.
وبحجة وجوده وخطره تعطل نقد المجتمع والفكر والهوية والذات حسب دعاوى كتاب السوق وصارت الثقافة هي عبارة عن سوق عكاظ أو حمام رجالي للبحارة أو ساحة لسباق الخيل: لا تحليل، ولا تركيب، ولا بحث، ولا استقراء، أو استنباط، ولا مناقشة لظاهرة قبل وقوعها أو بعده. كل ما في الأمر ليس على الداخل لهذا الحفل التنكري المسمى زورا سوق الثقافة والإعلام غير رفع القبضة الحديدية في وجوه الجميع ونقل أخلاقيات محطات السفر إلى عالم الفكر.
وبحجة الدكتاتور تم تحويل العراقي إلى كائن متوحش يبحث عن مصح عقلي أكثر مما يبحث عن برلمان أو عمل أو وطن أو زوجة أو مستقبل.
تعطلت الفنون كلها وصارت شتما أو تجسيدا لمساوئ الدكتاتور أو محاسنه.
الحياة نفسها تعطلت وصارت عقارب الساعة هي قبل ظهور الدكتاتور أو بعده على الشاشة، قبل خروجه من هذا الحفل أو ذاك المؤتمر، وصوله إلى هذا المكان أو ذاك، عيد ميلاده أو ميلاد خيوله...الخ.
العلم مهدد بالخطر بسبب أسلحة الدكتاتور القادر على الرد في 45 دقيقة.
التلوث وثقب الأوزون والارتفاع الحراري هو بسبب حرائق الدكتاتور.
خوف من السفر والصلع والعقم وفشل الغرام بحجة الدكتاتور.
حتى بعد أن هرب الدكتاتور لم تتوقف المتاجرة باسمه لا في الوطن ولا على الحدود الإقليمية ولا في المحافل الدولة.
(مناضلو) أسرع موجة في تاريخ السلطة وصلوا مع قوات الاحتلال، قبل فوات الفرصة، وامتلاء المكان بالفراغ والمنافسين، طالبوا، ولا يزالون، بامتياز الاستحقاق والتفرد تحت شعار عداوة الدكتاتور( فهذا النضال لم يكن لوجه الله أو وجه المواطن أو وجه الوطن، بل من اجل المكافأة والجائزة والغنيمة).
أفراد في حزب الدكتاتور صاروا يطالبون بتعويض عن خداعه لهم كل هذه المرحلة المشؤومة.
قوات الاحتلال تقصف قافلة ( لمجرد كونها تتحرك في الليل، حسب وزير الحرب الأمريكي) وتقتل أبرياءً.
قوات الاحتلال ضربت حيا في المنصور بحجة وجود الدكتاتور، وقتلت أبرياءً.
وتهاجم مدنا، ومجمعات سكنية، ومزارعا، ومدارسا، وبيوتا، بحجة وجود الدكتاتور.
وسوف يتم قتل نصف العراقيين في سنوات قادمة بحجة البحث عن الدكتاتور، كما تم قتلهم سنوات الحصار بحجة خطر الدكتاتور.
لا ماء ولا كهرباء ولا أمان لأن ليس من مصلحة أتباع الدكتاتور ذلك.
الجنوبي يخاف من إعلان المقاومة خوفا من تهمة العمل لصالح الدكتاتور.
والشمالي يبحث مع الموساد إمكانية بناء مستوطنات إسرائيلية في شمال العراق خوفا من عودة الدكتاتور أو من يشبهه( ذكرت ذلك جريدة الشرق الأوسط المصرية).
دول الجوار تعزز حدودها، وتغلق المنافذ، وتعطل مشاريع التنمية والحوار والمصالحة الوطنية، بحجة خطر الدكتاتور العراقي وامتداد الحرب الأهلية إلى حدودها.
الكتاب الذين قبضوا ثمن اللحن، واستلموا أجرة العازف، بتعهد خطي للأجهزة الأمريكية لخدمتها والترويج لسياستها وحروبها والتغزل برقتها وصداقتها، يخافون من اتساع المقاومة للاحتلال في مدن أخرى واستهلاك حجة أن ( هؤلاء من أتباع الدكتاتور) لأنه لا يعقل أن يكون له كل هذه الملايين من الإتباع.
لو كان الأمر كذلك فنحن، إذن، المجتمع الدكتاتور،كما كان المسرحي النرويجي هنريك أبسن قد وصف مجتمعه بداية القرن الماضي بالمجتمع المستشفى.
جنود الاحتلال يخشون الخروج ليلا مع بنات الليل، حرائر المرحلة الثورية، وأحزاب آيديولوجيا الثقب الواحد، خوفا من أتباع الدكتاتور.
وكوفي عنان نفسه يخشى تجدد أعمال العنف في العراق بسبب قوة ونفوذ أتباع الدكتاتور ويخشى من انهيار النظام العالمي الجديد .
صار في وسع أي مكبوت جنسيا أو معاق عقليا أو مصاب بتلوث فكري أو نووي أو شعري أن يجلس أمام فندق فلسطين أو القصر الجمهوري ويطالب بحصته من الحب والنفط والبنزين والتراب والرعب والسلاح والتصحر والنوم والحكم والقنابل.
تستطيع أية عاهرة اليوم أن تحمد الله لأن الدكتاتور زال من الوجود وترجو الباري على أن لا يعود مرة أخرى.
منسق الشؤون الدولية في الاتحاد الأوروبي قال أن الدكتاتور خلق فجوة عميقة بين أمريكا وأوروبا.
وبين العرب والعالم.
والجامعة العربية تبحث في مقابر الدكتاتور.
مؤتمر هنا، وحلقة دراسية هناك، لبحث جرائم الدكتاتور.
فنادق ورحلات طيران وبطاقات مجانا لمناقشة ظاهرة الدكتاتور.
سجناء وتفجيرات وخطف واغتصاب فتيات قاصرات أو رجال دين في سجون عربية خوفا من التأثر بالدكتاتور.
قالت بنت ليل في لقاء على الهواء : إن فجوتها تتسع بسبب العملة الصعبة وجنود الاحتلال أصحاب العيون الزرق.
شعار على حائط مؤسسة أو منزل مسروق يقول:
( الفجوة بينا وبين الجماهير تتقلص).
قصف مجمع للأيتام بحجة دخول الدكتاتور فيه حسب معلومات عاجلة.
تدمير مؤسسة لأنها تحمل جدارية الدكتاتور.
اغتيال علماء ومهندسين وأطباء لأنهم صافحوا الدكتاتور.
أزالت هذا الشارع أو تلك الحديقة أو ذاك الحي لأن الدكتاتور مر من هنا يوما.
طرد أو قتل هذا الشخص أو ذاك لأنه صافح يوما الدكتاتور.
هذه مدن موالية للدكتاتور.
وتلك عدوة له.
هذه الطائفة صديقة له.
وتلك عدوة .
جنوب ضد الدكتاتور.
وغرب عراقي معه.
مدن منتفضة.
ومدن قمع.
جيش عراقي ضد الدكتاتور،
وجيش معه.
شيوخ قبائل معه،
وشيوخ ضده.
حزبي معه،
وحزبي ضده.
عراقي مع الدكتاتور،
وآخر ضده.
دول كبرى،
أو دول صغرى معه أو ضده.
حصار هنا أو هناك كما حصل مع الدكتاتور.
حرب هنا أو هناك كحرب الحرية ضد الدكتاتور.
لا تكتبوا نقدا للمجتمع أو السياسة أو الذاكرة أو التاريخ أو سلطة الاحتلال لأن هذا يخدم الدكتاتور.
وسابقا، لا تكتبوا نقدا عن المعارضة( مهما كان نوعها!) لأن هذا يخدم الدكتاتور كما كتب زعيم في الردح والقبض والعزف.
لا تنتحروا اليوم لأن هذا خدمة للدكتاتور.
لا تذهبوا إلى النهر( لا نقول البحر) كي لا تتعرضوا لأشعة الشمس وضربتها وكي لا يفوت عليكم فيلم (الضحك في زمن الانتصار). طبعا انتصار الاحتلال.
مقتل صاحب قارب صيد في بغداد لأنه كان قريبا من قصر الدكتاتور.
اغتصاب صبايا وقتلهن بسبب فوضى يخلقها الدكتاتور.
لا خبز ولا شرطة ولا حامض حلو ولا شربت بسبب هروب الدكتاتور.
لا حكومة ولا نعل ولا وزراء ولا جيش ولا خمر بسبب عشاق الدكتاتور.
نهب هذا المنزل،
أو سرقة ذاك المحل،
السطو على هذا البنك،
أو سحل ذاك المدير،
بحجة كونها أعمال تتم تحت صدمة الحرية. وفرحا بزوال الدكتاتور.
حتى موقع( الحوار المتمدن) انهار عليه حائط قديم لأن رزكار هرب من حلبجة بالريش بلا مال أو أطيان بسبب الدكتاتور.
غدا يوم جديد لأنه ربما يقبض على الدكتاتور.
وهذا المساء قد نسمع نشرة أخبار عن آخر حكايات أو جرائم الدكتاتور.
إفلاس هذا البنك،
أو انهيار تلك الراقصة،
جنون هذا الكاتب،
أو تشرد ذاك الحصان،
موت هذا الأسد،
أو قتل ذاك النمر،
من حديقة الدكتاتور.
لو لا الدكتاتور لما:
صار هذا النكرة،
أو ذاك الشويعر،
هذا النصف سياسي،
وذاك النصف حزبي،
هذا الشبح مثقف وذاك الكاتب المستنسخ،
هذا المقاول، وتلك المتعهدة،
هذا السفير، أو ذاك الوزير،
هذا ( المناضل) أو ذاك الواشي،
لما صاروا شيئا يذكر حتى في مصلحة المجاري العامة.
الدكتاتور لا يمشي على الرمل.
إنه يترك آثاره على الريح والطرق والحجر والأدمغة والأرحام والنفوس والتاريخ.
لذلك يجب محو كل شيء، كل شيء، لكي لا يعود الدكتاتور، بما في ذلك هذا الوطن اللعين،
فحتى هذا الوطن هو وطن الدكتاتور !