|
أوقفوا ثقافة الموت والكراهية قبل أن يلعنكم التاريخ وتبصق عليكم الأجيال
محمود نزال
الحوار المتمدن-العدد: 1755 - 2006 / 12 / 5 - 06:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن المتابع للوضع العالمي والمحلي والمراقب لأخبار العالم في شتى بقاع الأرض يرى ثقافة غريبة وعجيبة جدا ألا وهي ثقافة الموت وثقافة الكراهية، في السنوات الأخيرة انتشرت محليا ودوليا أفكار ومقولات التحريض ضد الآخرين، نسمعها حتى في المساجد ودور العبادة التي تسلل إليها دعاة الكراهية، يعادون أكثرية الناس، وبكل أسف لم يتصد لهذه الدعوات المثقفون، الذين يعرفون أن في الديانات وفي عادات الإنسانية وتقاليدها أدبيات وضوابط كانت دائما تدعو إلى التعايش والتسامح والحب، وتحث على العدل والاحترام في التعامل مع الغير وان الاختلاف يجب أن لا يكون سببا للتناحر والكراهية، فالكراهية شيء سيء وبغيض وهي مرادفة للسيئات من العنصرية والطائفية والكذب والتزوير والتعصب والبلطجة والتحزب والتسلق وأشياء أخرى كثيرة باعتقادي أهمها ارتزاق بعض الفئات والتيارات والشخوص من مثل هذه الأمراض الأخلاقية والعضالة والتي تهدف من اجل كينونتها واستمرارها توريط عامة الناس في كراهية بغيضة، بين أمم وشعوب وفئات وأحزاب عايشت بعضها في تسامح واحترام متبادل لسنين طوال. إن ما لفت انتباهي إلى مثل هذه الآفات هو سهولة نشر الأحقاد عبر وسائل الإعلام والانترنت ودور العبادة. من الضروري جدا والواجب الأخلاقي والإنساني أن يتجرد قادة المجتمع على اختلاف أطيافهم وألوانهم وفئاتهم من مصالحهم الضيقة وان يتفهموا خطورة هذه الظاهرة الجديدة والقديمة في آن واحد، لأنه إذا استمرت وتنامت فانه سيأتي يوم يصعب فيه إدارة واحتواء هذه الكراهية والأحقاد التي تتحول إلى عقائد حزبية، تنظيمية، فئوية، طائفية، عشائرية وبالتالي تشكل ثقافة. إن مثل هذه الثقافة سوف تقوم بتربية وبناء شخصية الإنسان غير السوي ذو السيكولوجية المحتقنة والمقهورة، وخاصة إذا كان هذا الإنسان غير قادر على مواجهة العنف بالعنف المضاد مما سيجعله ينتظر الفرصة المناسبة لتفريغها والقيام برد فعل يأتي على شكل عنف مضاد للقصاص من هؤلاء المروجين والمرتزقين من هذه الثقافة. وكما هو معروف فان لكل فعل رد فعل، فرد الفعل المضاد سيتوقف حجمه عل حجم الحقد والكراهية الكامنة في الإنسان المقهور، فكلما كان القهر والاستبداد كبيراً كلما تضاعف حجم الحقد والكراهية وأخذ أشكال متنوعة من الانتقام يصعب السيطرة عليها لأجل تفريغ الظلم والحقد. واخطر ما يكون في رد الفعل عندما يأخذ شكل عشوائي وغير منظم، لينال الجمل بما حمل دون تحديد المسؤولية وحصرها بمن تسبب بمثل هذه الآفة الخطيرة. وباعتقادي أن أخطر أنواع الكراهية، تلك الكراهية المستترة والمتسترة بالصمت والتي تحابي وتنحني لسلطة الاستبداد كخطة تكتيكية بانتظار الفرصة المناسبة للانتقام والأخذ بالثأر. أقولها بكل مرارة وألم أن في مجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص تعمل السلطات الدينية والاجتماعية والسياسية على استئصال وقمع كافة أنواع الكراهية والحقد المعلن من خلال إجراء سلسلة من التصفيات (الفكرية، الاجتماعية، السياسية وأحيانا تصل إلى حد التصفية الجسدية للمعارضين)، لكنهم بهذا يتجاهلون الكراهية والحقد المكبوت الذي يوما ما سينفجر كالبركان ليدمر كل شيء ومن المستحيل السيطرة عليه. إن ما يرعب السلطات السياسية والدينية وأحيانا الاجتماعية (العشائرية والقبلية) بشكل كبير هو حالة الكراهية والحقد الكامن التي تكون واضحة في عيون المظلومين والمضطهدين. لأن مثل هذه السلطات على يقين تام وتعرف عدم صدق نوايا وادعاءات الضحايا بالولاء لهم، وإنهم كما ذكرت سابقا ينتظرون الفرصة المناسبة للانقضاض والأخذ بثأرهم من هذه السلطات التي غالبا ما قمعتهم. لذلك فان مثل هذه الآفات المستبدة توظف أفراد وأجهزة هدفها رصد أفعال الضحايا والتنبؤ بسلوكهم وتتذاكى بالقيام بالتظاهر بأنها مؤمنة بصدق نوايا هؤلاء البؤساء وولائهم لها، ولكن بنفس الوقت تضعهم تحت الرقابة المشددة من خلال أفرادها المأجورين. من الجدير ذكره هنا هو أن مثل هذه السلطات والأمراض ومروجي الفكر ألظلامي إلى زوال مهما طال الوقت ومهما ظنوا انه من الممكن إحكام السيطرة على الناس والمظلومين بالقبضة الحديدية، وذلك لان اعتقاد مثل هذه المجموعات بأن حالة الإذعان والخنوع للضحايا المغلوب على أمرهم تعني تدجينهم وإيصالهم إلى مرحلة أشبه ما يكونوا فيها من العبيد حيث لا يتوقون إلى التحرر من العبودية، ولكن مما لاشك فيه أن هذا الإذعان والخنوع في نفسيات الضحايا المقهورة يربي الكراهية والحقد، اللذان ينتظران الفرصة المؤاتية للتعبير عمًّا يكمن في ذاتهم. فحذار حذار من البركان القادم الذي سيجتاح كل المجرمين الذين أجرموا بحق نفوسهم أولا حيث فقدوا إنسانيتهم وقيمتهم كبشر وظلموا أناسا كانوا جديرين بحياة كريمة ونفسيات سوية تحب الآخر وتحب الحياة ثانيا. وعليه اكرر ندائي أوقفوا ثقافة الموت والكراهية قبل أن يلعنكم التاريخ وتبصق عليكم الأجيال.
#محمود_نزال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تنمية الموارد البشرية ودور التعليم في رفع فعاليتها في الأراض
...
-
حراك اجتماعي أم عراك ثقافي؟!
-
اهذا هو الوطن؟!
-
صفد وعين اذار
المزيد.....
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|