|
ان توظيف القانون لمصلحة حزب او شخص معين بذاته، تجربة فاشلة، هل كررها البعض؟
سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 7943 - 2024 / 4 / 10 - 00:13
المحور:
حقوق الانسان
تلاوة القرآن الكريم ترتبط غالباً بالتفكر بآياته الكريمة، وفي أيام شهر رمضان الكريم، نرى انفسنا في ميل شديد للقرآن الكريم، ولا موجب لشرحها في هذا الموضع، لكن التلاوة والقراءة تقترن بوجوب اخذ العبرة من القصص القرآنية وان تكون محل اعتبار، حيث أشار الله عز وجل الى ان في تلك القصص عبرة للمسلم وقارئ القران من أي دين كان، بدلالة قوله الكريم في الآية 111 من سورة يوسف (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) واولي الالباب هم أصحاب العقل المؤهل للتفكير، بمعنى العقل الذي لا يلحقه عوار الاعتلال والنقص المانع من قدرته على التفكير، وهذه العِبرْ هي تجارب قد حدثت في الماضي ، ويعرضها القرآن الكريم لنا للاعتبار منها، والاعتبار هو التدبر وقياس ما غاب على ما ظهر، أي قياس ما لم يحدث على ما حدث على وفق ما ذكره المختصون، ويكون هذا النشاط بواسطة التفكير، الذي جعله الله فريضة على كل مسلم، بل يرى محمد العقاد بانها تشمل كل العقل الإنساني ولا تقف عند المسلم، وحيث ان التشريع هو نظام قانوني يتكون في المجتمعات من اجل تنظيم احوالها، ويرتبط التشريع بزمن حدوثه داخل المجتمعات، لذلك يكون جزء مهم من تاريخ تلك المجتمعات، ومعبر عن بعض جوانب الحياة فيها، ويرى بعض الكتاب بان دارسة تاريخ التشريع من الدراسات المهمة لان فهم الحاضر لا يكون الا بالرجوع الى الماضي، يوفر رؤية واضحة للسياق التاريخي للتشريعات، وكيفية تطبيقها وتكييفها مع مرور الوقت. ومعرفة تاريخ التشريع توفر لنا التعلم من أخطاء ونجاحات الماضي، ومن هذا المنطلق فأهمية التاريخ الذي هو عبارة عن تجارب، فلابد من الاعتبار بها، وتدارك الوقوع في الأخطاء التي حصلت في حينه، وهو الاعتبار الذي يعد محور فريضة التفكير في الإسلام، في وقتنا الراهن، وبعد حصول التحول في نظام الحكم، والتغييرات الزلزالية التي حصلت في العراق بعد عام 2003، والتي اعادت تشكيل الحكم ونظامه على أسس أخرى غير ما كانت عليه، ولا فرصة لنا في مناقشة تلك الأسس، سواء كانت ايجابية او سلبية، لإنها بحاجة الى دراسات موسعة، وسبق لي وان تناولتها في عدة دراسات، لكن الأهم من كل هذا، هل اعتبرنا من العِبرْ التي مرت علينا سواء في القصص التاريخية، التي سمعنا عنها في الروايات او الوثائق، او تلك القصص التي عشناها، وما زلنا نتعايش معه؟ وللإجابة على هذا السؤال وباقتضاب، من الممكن ان تكون هذه الاجابة مفتاحاً للوصول الى إجابة اوسع مستقبلاً تكون شافية ووافية، وسأعرض لحالة واحدة تتعلق بعنوان هذه الورقة (توظيف القانون لمصلحة حزب او شخص معين بذاته) وتتمثل في السؤال الاتي هل كان توظيف القانون تجربة ناجحة ام انها من التجارب الفاشلة، وهل اعتبرنا من دروسها؟ ام كررها البعض ممن يتحكم بالقرار في البلاد ويتحكم برقاب ابناء الشعب؟، موظفاً كل ممكنات وظيفته وسلطته، لتحقيق منافعه الخاصة، على حساب المصلحة العامة، وهل هذا التوظيف الذي تمثل بمحاولة منع المواطن من التفكير، ومحاولة فرض فكر المتسلط على الغير قسراً قد نجح؟ وهل التنتكيل بواسطة أدوات السلطة التي منحت له بحكم القانون قد أدت الى حماية الطغاة؟، ومن الطرائف ان التنكيل والقمع يصدر اما بقانون والقانون يصدر باسم الشعب!، او يطبق بفرض العقوبات القاسية، وايضاً يكون الحكم باسم الشعب!، بمعنى ان الشعب يعاقب نفسه من اجل خدمة شخصاً او فئة محدودة، تسلطت عليه واحتكرت سلطة القرار. ومن التجارب التي مر بها العراق، وليس في فترات بعيدة، وانما في فترة عايشها ممن ما زال من الاحياء من اقراني بالسن، حيث سعى النظام السابق الى تكميم الافواه وتقوية سلطة الفرد الحاكم، وتأسيس لنظام العائلة الحاكمة، وترسيخ الديكتاتورية، وكان سعيه دائما يؤطر باطار قانوني، ولم يقف الحال عند الشعارات، وانما من خلال تشريع قوانين وتوظيفها في تكريس الديكتاتورية، وانشاء محاكم خاصة، وظيفتها معاقبة من لا يرضى عليه الحاكم، وكانت هذه المحاكم تفصل الاحكام على وفق مشيئة الحاكم الديكتاتور، بل ان التشريع لعب دور حتى في مساءلة الانسان عن أفكاره السابقة التي كان يعتنقها قبل ظهور الحاكم وتسلطه، ومنها القانون رقم 107 لسنة 1974 قانون تعديل المادة (200) من قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 ، عندما عاقب بالإعدام على كل من كان ينتمي لاي حزب غير حزب البعث حتى وان استقال منه او ترك العمل فيه، بمعنى رجعية العقوبة التي هي خلاف كل القواعد الدستورية، ومبادئ حقوق الانسان، لكن القابض على السلطة وظف هذه النصوص القانونية من اجل مصلحته، لكن كل هذه الاعمال التي كان يسعى من خلالها القابض على السلطة لتحصين كرسي الحكم، ومنع الانقلاب عليه او خلعه، وقتل واعتقل من اجل ذلك عشرات الالاف من الضحايا، وكل هذا كان بحكم القانون وبموجب احكام قضائية، السؤال هل نجحت هذه الاعمال بحماية ذلك النظام، او وفرت الحصانة للأشخاص المساهمين في ترسيخ الديكتاتورية؟ الجواب هو النفي حتماً، بل إنها تجربة حياتية فاشلة، لأننا شاهدنا النهاية المخزية، والاثار المأساوية التي حلت بالشعب، حتى بعد تلك النهاية، وكإنها امتداد بقسوة اشد لما كان عليه الحال، ومازال الشعب ينزف دماً من اجل تحصين كرسي الحكم للمتسلطين؟ لكن هل اعتبر هؤلاء المتسلطون من عبرة نهاية اولائك الحكام الذين سبقوهم؟ أرى انهم ما زالوا يعمهون في غيهم، وشهوة السلطة قد اعمت بصيرتهم، وانهم يظنون الظن الخائب، بان توفرهم على سلطة احتكار القرار، وقدرتهم على تسخير وتوظيف كل إمكانيات المؤسسة الدستورية التي اغتصبوا الحكم فيها، سوف تنجيهم من نهاية مماثلة لنهاية من سبقهم! وهذا الامر يؤكد على ان المتسلط ما هو الا اعمى البصيرة، لا ينتفع من تجارب غيره، ولا يعتبر من العِبرْ التي حدثنا عنها التاريخ او التي عايشناها، بل انهم لا يملكون الالباب، لان الله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه يقول ان من يعتبر من القصص والحوادث هم أولوا الالباب، بل انهم كرروا تجارب من سبقهم الفاشلة، بقسوة اشد وضلالة أوسع، وهذه ستولد نتيجة حتمية، بان نهايتهم ستكون اشد خزياً ممن سبقهم، وأقسى على انفسهم وعوائلهم ومتعلقيهم، وعلى المطبلين والمتملقين لهم، واختم القول بما قاله أبو العتاهية لمثل هؤلاء الطغاة كلْ ما بدَا لك فالآكالُ فانيةٌ .... وَكُلُّ ذي أُكُلٍ لا بُدّ مأكُولُ كما يؤكد أبو العتاهية لكل طاغية ملول بانه لابد وان يرِد على حوض الموت بقوله والموتُ حوضٌ كريهٌ أنت واردُهُ ..... فانظرْ لنفسكَ قبلَ الموتِ يا مَذِقُ
قاضٍ متقاعد
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعريب المصطلح الأجنبي هل هو مسألة قانونية ام مسألة علمية وفن
...
-
سيرة القاضي سالم روضان الموسوي بقلم الدكتور درع حماد
-
قراءة أولية في قانون تعديل قانون العقوبات المصوت عليه بتاريخ
...
-
هل يجوز الطعن بالحكم البات؟ جَدَلٌ بين القانون واجتهاد القضا
...
-
معيار تحديد فعل (الإهانة) وأثره في تقييد حرية التعبير عن الر
...
-
هل يجوز للمحكمة ان تحل محل إرادة الخصوم تجاه التمسك بشرط الت
...
-
حصانة عضو مجلس النواب والقراءات المتباينة لنص المادة (63/ثان
...
-
الاقناع والاقتناع بين فن المرافعة واتجاهات الرأي العام
-
سجناء الرأي بين خلود السجين وزوال الطاغية، من وحي ذكرى استشه
...
-
هل تؤثر قيم القضاة الشخصية على الاحكام القضائية؟ المحكمة الع
...
-
فوضى التشريع والتصدي القضائي قراءة في قرار محكمة التمييز الا
...
-
هل يؤخذ الناخب بجريرة المرشح؟
-
هل أسهمت هيئة النزاهة بتعزيز ثقة الشعب بالحكومة؟
-
مركز التسوية والتحكيم الرياضي العراقي
-
ما هو نطاق الدعوى الدستورية في قضاء المحكمة الاتحادية العليا
...
-
الاجتهاد المتطور تجاه مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعيه، تعليق
...
-
الرق الوظيفي وشهوة السلطة
-
رؤية محمد الغزالي تجاه جبابرة العصر الراهن
-
رؤية محمد الغزالي تجاه جبابرة العصر الراهن
-
هل يجوز اصدار قرار التحكيم باسم الشعب
المزيد.....
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
-
مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا
...
-
اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات
...
-
اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
-
ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف
...
-
مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
-
الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
-
تونس: توجيه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام إلى عبير موسي رئيسة
...
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|