أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - حمدي سيد محمد محمود - تداعيات التغلغل الإيراني في القرن الإفريقي على الأمن القومي العربي وسبل مواجهته















المزيد.....


تداعيات التغلغل الإيراني في القرن الإفريقي على الأمن القومي العربي وسبل مواجهته


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 7942 - 2024 / 4 / 9 - 09:31
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


أصبح التواجد الإيراني في أفريقيا اليوم مُسلمة غير قابلة للبحث، فخلال ثلاثة عقود فقط نجح نظام الملالي في خلق طائفة شيعية تؤمن بنظام الولي الفقيه تعدادها يتخطى 8 ملايين نسمة في نيجيريا غرب أفريقيا يلعبون حاليًا دورًا محوريًّا في خلق الأزمات السياسية في غرب أفريقيا، و تشير العديد من التقارير البحثية والإخبارية بوضوح إلى تواجد إيراني فعال تقريبًا في كافة الأقاليم الجغرافية والسياسية الأفريقية (الشمال والجنوب والشرق والوسط والغرب) الأمر الذي يدفعنا للتساؤل حول حدود الدور الإيراني في تلك الأقاليم خاصة الشرق والغرب وما تأثيره على محددات الأمن القومي العربي خاصة في منطقة شرق أفريقيا.
أبعاد التوجه الإيراني نحو القارة الأفريقية
هناك اعتبارات ميدانية وسياسية وأمنية حول أبعاد التوجه الإيراني نحو القارة الأفريقية تتمركز في حرص إيران على مواجهة الحصار الدولي على خلفية مشروعها النووي وفتح أبواب لعلاقات سياسية مع دول خارج محيطها الآسيوي والعربي وتفعيل إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية لتحقيق أغراضها وأهدافها وتعزيز بنيتها النووية بالوصول إلى معادن اليورانيوم الذي تحتاجه في المشروع النوري عبر صفقات ثنائية مع عدد من الدول الأفريقية، وتعزيز الوجود الإيراني بالتوجه إلى المياه الساحلية للمحيط الهندي بعد مياه الخليج العربي والتقرب من مضيق باب المندب وكسر أي حصار إقتصادي قادم لإيران ومد نفوذه سلاحها البحري إلى أبعد نقطة من منطقة الخليج وبحر العرب وتوحيد الأهداف بين تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي عبر الاتفاقيات الثنائية وتقديم الخبرات الإيرانية والأنشطة الثقافية وبين نشر التشيع والاستجابة للهواجس الأمنية حول الممرات المائية.
السياسة الإيرانية في القرن الأفريقي
صممت إيران عقيدة عسكرية ونهجًا للسياسة الخارجية يهدفان إلى تحييد الخصوم المحتملين قبل أن يصلوا إلى شواطئها. وقد استلزمت هذه الاستراتيجية تعزيز كل من القدرة العسكرية للبلاد وزراعة شبكة واسعة من العلاقات مع مجموعة واسعة من الشركاء واتبعت مع القرن الأفريقي ديناميكية مماثلة. فقد سعت الجمهورية الإسلامية إلى بناء نفوذها في المنطقة لأنها رأت أن هذه الخطوة مفيدة لتعزيز بقائها. واعتقدت أن إبراز قوتها في منطقة ذات قيمة متزايدة لمنافسيها التقليديين الولايات المتحدة ودول الخليج العربي وتركيا وإسرائيل سيقويها. كما سعت طهران إلى تحقيق هدفين رئيسيين من خلال توسيع نطاق مشاركتها في المنطقة؛ أولاً: حاولت تأمين طرق الملاحة لسفنها التجارية، حيث تتعرض ناقلات النفط عبر البحر الأحمر وخليج عدن لهجمات من القراصنة. وثانيًا: استخدمت صلاتها في القرن الأفريقي لدعم شركائها المحليين، وفي مقدمتهم جماعة الحوثي المتمردة في اليمن، وكذلك "حماس" في غزة.
وفي هذا السياق استخدمت السفن الحربية التابعة للبحرية الإيرانية مدينة عصب الإريترية التي تتمتع بموقع استراتيجي بالقرب من البوابة الجنوبية للبحر الأحمر كميناء للاتصال، وعلى الرغم من أن طهران تواصل تأطير وجودها البحري في المنطقة ضمن مسعى مكافحة القرصنة، فإن خصومها يرونه ذريعة للحفاظ على وجودها التكتيكي في حوض مياه البحر الأحمر وخليج عدن.
وحددت عمليات مكافحة التهريب التي تقوم بها أساطيل الدول الساحلية وغير الساحلية في بحر العرب نمطًا منتظمًا يشير إلى تورط إيران في تهريب المساعدات القاتلة للمتمردين الحوثيين. ومعظم المراكب الشراعية المضبوطة التي تحمل أسلحة مهربة للحوثيين هي سفن صيد عديمة الجنسية مع طاقم يمني، يتم اعتراضها أثناء الإبحار على طريق بحري يمني إيراني يستخدم تاريخياً لتهريب البضائع غير المشروعة وتعد الموانئ الصومالية واليمنية نقاطا ساخنة لشبكات التهريب البحري.
إيران ومواجهة النفوذ الصهيوني
تعتبر منطقة القرن الأفريقي مسرحاً استراتيجياً حيوياً للكيان الصهيوني في إدارة صراعه وعلاقاته مع الدول العربية، ويهدف تواجدها إلى استمرار مصادر النزاع عبر دعم قوى التوتر في كل من الصومال والسودان (بشكل غير مباشر من خلال إريتريا)، ودعم علاقاتها بكل من إثيوبيا وكينيا وإريتريا، ضمن منظومة من المصالح الأمنية والعسكرية، لتأمين تواجده الاستراتيجي في المنطقة، والذي يحمل أهدافاً عسكرية في المقام الأول. كما كانت مهمته هو الحصول على الاعتراف الدبلوماسي من جانب الدول الإفريقية، وذلك في إطار سعيه الدؤوب إلى تثبيت وضعه كدولة طبيعية في المجتمع الدولي، من خلال برامج المساعدات الخارجية، وتطوير التعاون الاقتصادي مع هذه الدول.
ويأتي ذلك في إطار عقيدة الأمن القومي"الصهيوني"؛ والتي تحقق له العديد من الأهداف الإستراتيجية، ويأتي في مقدمتها تطويق مصر من خلال السيطرة على النطاق الجغرافي المحيط به، وتأمين الملاحة في البحر الأحمر، وتأمين واردات الماس، وصادرات السلاح، وضمان مورد دائم للمواد الخام التي تحتاجه الصناعات الصهيونية وفتح جبهة خلفية للصراع تهدد أمن الأمة العربية، وفي هذا السياق يؤكد بن جوريون على حقيقة هذه الأهداف بقوله: "إن المساعدات الصهيونية للدول الأفريقية تهدف إلى كسر طوق العزلة الاقتصادية والسياسية التي يعيشها الكيان الصهيوني، وتمهد الطريق أمام توسيع أسواق التصدير للمنتجات الصهيونية، وتأمين فرص عمل لعدد من القوى البشرية الصهيونية الفائضة".
فيما تتعامل إيران في سياستها الخارجية على المنفعة المتبادلة من منطلق "براجماتي"، حيث ترتبط بعلاقات قوية مع أوغندا التي تربطها علاقات بالكيان الصهيوني، كما أن لإيران علاقات مع جيبوتي التي تربطها علاقات بالولايات المتحدة، وتختلف دوافع إيران عن دوافع الكيان الصهيوني في الارتباط بشرق إفريقيا، حيث تأتي الدوافع الصهيونية على خلفية نشاط الجماعات الإسلامية في كينيا وبروز النشاط الإيراني في كل من كينيا وأوغندا، فضلا عن الحرب الأهلية في الصومال وما يتردد بشأن وجود لعناصر من "القاعدة" هناك، بالإضافة إلى ظهور خلافات مصرية سودانية مع دول حوض النيل، فيما اعتمدت إيران في علاقاتها على المنفعة وتقديم المساعدات الزراعية والصناعية.
المصالح الاستراتيجية العربية في ظل التدافع الدولي والإيراني نحو القرن الأفريقي:
تعد منطقة القرن الأفريقي ذات أهمية بالغة للبلدان العربية وتشكل عمقا استراتيجيا لها. وترتبط بها على أكثر من مستوى، نتيجة الجوار الجغرافي والتداخل البشري، والتفاعل التاريخي والحضاري. فهذه المنطقة تشكل جزءا مهما من الوطن العربي، لوجود ثلاث دول فيها تنتمي للوطن العربي، وهي السودان وجيبوتي والصومال.
ومع قيام موجة التغيير بثورات الربيع العربي، بدا أن إعادة التفكير في خريطة المصالح الاستراتيجية العربية عامة والخليجية خاصة أمر مهم، لتسليط الضوء على واحدة من المناطق التي أهملت أو حُيّدت في العقود الماضية، وهي منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل. والذي أكد على تأثير الغياب العربي في عزل الدول الأفرو – عربية عن المنطقة وحرمانها من أي نفوذ أو مبادرة لحل الصراعات التي تنشب في الإقليم كما يحدث في السودان والصومال. وهو ما أدي إلي ترك المنطقة إلي النظام الدولي والإقليمي الذي لم يعمل على حل مشاكل منطقة القرن الأفريقي، بل عمقها بحروب الوكالة وبالتشجيع علي قيام دولة جنوب السودان والذي سيؤثر سلبياً في التوازن الاستراتيجي في المنطقة إذا ما سادت علاقات التوتر مع السودان بدلا من التعاون، فيما حُيّد العرب تمامًا طوال العقدين الماضيين عن التأثير في مجريات الأمور هناك، أو حتى المساهمة في حفظ أمن الممرات البحرية الهامة التي تسيطر عليها المنطقة في خليج عدن وباب المندب، لذا وجهت دعوات إلى تنسيق السياسات العربية ومنها الخليجية مع قوى رئيسة في الإقليم كالسودان وإثيوبيا من أجل إيجاد صيغة عربية – أفريقية مشتركة لحفظ الأمن القومي المشترك من التدخلات الخارجية سواء من أطراف الإقليم (إيران، إسرائيل، تركيا) أو من المجتمع الدولي.
ويشكل التكالب والتنافس الدولي، ولاسيما الإقليمي بين إيران وإسرائيل، تهديداً مباشراً، وينال من أسس ودعائم الأمن القومي العربي في صياغاته الكلية والأمن الخليجي بشكل خاص، وفى امتداداته الأفريقية، بمعنى أنه يؤثر حتماً في أمن المنطقة ككل، هذا بالإضافة إلى أنه يشكل تهديدا للمصالح الاستراتيجية للعرب والخليج خاصة.
ويشكل كثافة النفوذ الإيراني في العمق الأفريقي، وفى ضوء التراجع وسلبية الأداء العربي، خصماً موضوعياً من الوجود والمصالح العربية، حيث تقوم باختراق النظم الأمنية والإقليمية الخاصة بالقرن الأفريقي بمفهومه الجيوسياسى، باعتباره ممراً وبوابة للممرات البحرية الكبرى التي تطل عليها المنطقة العربية وهي البحر الأحمر والتي تؤثر على السعودية كجزء من دول الخليج بل الدولة القائد في هذا النظام الفرعي. كما تزيد من تعقيدات استمرارية المعضلة الصومالية، وذلك على الرغم من التباين المذهبي، حيث الطابع السني للجماعات الصومالية، إلا أن إيران ومثلما فعلت في السابق في أفغانستان، فإنها لا تتردد في التعاون تكتيكياً، مع أي تنظيمات سنية أصولية. وعلى الرغم من أنه توجد جاليات عربية مؤثرة في بعض الدول الأفريقية خاصة في الغرب، فأنها لا تمارس دوراً سياسياً فاعلاً في خدمة المصالح العربية، بل في الاتجاه المعاكس في خدمة المصالح والأهداف الإيرانية. كما حاولت تفجير مناطق الأطراف للنظام الإقليمي العربي والتي تمس منطقة الخليج، ولكن لعدم ترك هذه الساحة بالمطلق، بل ربما لتوظيف كثافة الوجود والنفوذ الإيراني ضمن الأوراق الضاغطة والمهمة في أي مقايضات سياسية محتملة، أو لدرء أخطار متوقعة.
ويتضح التنافس الإيراني- الخليجي في افريقيا في العديد من البلدان فنجد مثلاً السودان، ظلت ايران على علاقات قوية بالسودان في المجالات العسكرية والمخابراتية فقد مثلت السودان نقطة نقل هامة للسلاح الإيراني وتزويد المجاهدين في غزة ولبنان عبر السودان (حزب الله، وحماس)، كما أنها كانت من داعمي الحركات الانفصالية في السودان، إلا ان المملكة العربية السعودية استطاعت من خلال علاقاتها بنظام عمر البشير أن تؤثر على الحكومة السودانية في 2014 مما ادي الى طرد السودان لمسئولين ايرانين متهمة إياهم بنشر الإسلام الشيعي عبر المراكز الثقافية الخاصة بها وإعلان الخرطوم تحالفها مع معسكر السعودية و ذلك في محاولة من النظام السوداني تخطي حكم المحكمة الجنائية الدولية التي اتهمت الرئيس السوداني “عمر البشير” في وقت سابق بارتكابه جرائم إبادة في دارفور، ونتيجة هذا الموقف السوداني قامت المملكة العربية السعودية بإيداع 1 مليون دولار في البنك المركزي السوداني.
أما اريتريا فهي تعتبر شريك أساسي لإيران في المنطقة والتي تستخدم إيران قواتها البحرية كأساس استراتيجي لها وذلك لإرساء موطئ قدم لها في البحر الأحمر وخليج عدن.
كما تستخدم إيران الصومال كبوابة رئيسية لتزويد المتمردين الحوثيين في اليمن بالسلاح في صراعهم مع قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، وذلك بالتزامن مع سيطرة الحوثيين على ساحل البحر الأحمر مما يهدد الملاحة البحرية الدولية في باب المندب وطريق هرمز وهو ما يمثل سلاح وسياسة ردع قوية لإيران في مواجهة العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية سواء الإقليمية او الدولية. وعلى الرغم من ذلك تظل الصومال تتبع سياسة “حيادية” حيث تخشي من خسارة 80 مليون دولار من المنح السعودية.
تداعيات التنافس الإيراني-الخليجي في افريقيا
إن التنافس الخليجي- الإيراني في القارة الأفريقية قد يدفع الى تصدير نموذجي للإسلام المتشدد (السني-الشيعي) في القارة الافريقية وهو ما قد يؤدي الى تأجيج الصراعات الطائفية كما هو واضح في نيجيريا على سبيل المثال وليس الحصر، ومن ثم التأثير على الاستقرار والأمن الافريقي. إلا أن هذا التنافس سيحول انظار دول الشرق الأوسط الى القارة الافريقية ويعيد الاهتمام بها مرة أخرى، وقد يتمثل ذلك في توطيد العلاقات الاقتصادية والسياسية مع العديد من الدول الافريقية وضخ استثمارات اقتصادية وزيادة الأموال المتدفقة للقارة السمراء.
ومما لا شك فيه أن التغلغل الإيراني في إفريقيا قد حقق لها مكاسب اقتصادية وسياسية، فقد أصبحت إيران المصدر الأول للنفط إلى جمهورية جنوب أفريقيا، ووقعت مع أوغندا العديد من الاتفاقيات التجارية، وأقامت علاقات قوية مع السنغال، كما عرضت على كينيا المساعدة في إقامة مشروعات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية، وكذلك وقعت معها اتفاقيات في شتى المجالات، وأعطت أهمية قصوى لإريتريا، فالعلاقات بين الجانبين تتطور سريعاً، والدليل على ذلك الزيارة التي قام بها الرئيس الإريتري إلى طهران في 2008، ووقع خلالها اتفاقيات في مجال التجارة والاستثمارات والاقتصاد والزراعة، فضلاً عن الحضور البحري الأمني الإيراني في ميناء عصب الإريتري الذي يعد من المواقع الاستراتيجية المهمة في البحر الأحمر، ووقعت مع جمهورية جزر القمر اتفاقية لتوسيع العلاقات السياسية وتقديم المساعدات، فضلاً عن علاقاتها مع جيبوتي التي تتميز هي الأخرى بموقع استراتيجي مهم على البحر الأحمر، والتي زارها أحمدي نجاد في عامي (2006-2009).
وإدراكا منها لمخاطر تزايد النفوذ الإيراني في أفريقيا فقد تحركت دول مجلس التعاون الخليجي للتغلغل في القارة الأفريقية، فقد سعت السعودية إلى بناء قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، الدولة المطلة على الجانب الغربي من مضيق باب المندب، لتأمين حماية للمضيق الذي يوصل نفطها إلى العالم، وكانت باكورة التحرك السعودي نحو جيبوتي، بدأت بمنحها 5 زوارق بحرية سريعة ومتطورة، مع تكثيف الوجود العسكري فيها، ومن هنا ساهمت جيبوتي كثيراً في نجاح عمليات السفن والبوارج العسكرية لقوات التحالف العربي في تحرير جزيرة ميون اليمنية من سيطرة الحوثيين، فاستعادوا السيطرة على مضيق باب المندب، واستلمته قوات الجيش الوطني اليمني الذي وصل هناك عبر جيبوتي.
بالتوازي تحركت الدبلوماسية السعودية نحو إرتيريا، ففي أبريل 2017 وخلال زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى السعودية، توصلت معها إلى اتفاق تعاون عسكري وأمني واقتصادي لمحاربة الإرهاب والتجارة غير المشروعة والقرصنة في مياه البحر الأحمر، وعدم السماح لأي تدخلات أجنبية في الشأن اليمني.
هذا فضلاً عن العلاقات السعودية- الاثيوبية، التي تطورات اخيراً خاصة في دعم الحكومة في مشروع بناء سد النهضة وهو ما يتعارض بصورة واضحة مع المصالح المصرية.
وكما هو واضح أهمية القارة الافريقية في حماية المصالح الاستراتيجية والامن القومي العربي بصفة عامة والخليجي بصفة خاصة، ولا سيما في ظل التنافس السني- الشيعي في الصراعات الداخلية في الدول العربية مثل اليمن، ومن ناحية أخرى أهميتها على المصالح التجارية الدولية والملاحة الدولية من خلال السواحل الافريقية وكونها مطلة على المضايق البحرية الاستراتيجية.
مستقبل التمدد الإيراني في أفريقيا
يمكن القول أنه إن أمكن اعتبار ما حققته إيران عبر علاقاتها مع الدول الإفريقية إنجازا لها، إلا أن هذا التمدد أصبح يواجه العديد من التحديات، أبرزها عدم استيفاء طهران للكثير من اتفاقاتها الاقتصادية تجاه بعض الدول الأفريقية. وظهرت ذلك جلياً في العلاقات مع السودان، فأضحت السعودية أكبر مستثمر في السودان، وتدهورت العلاقات بين طهران والخرطوم. كما شكلت الضغوط الدولية الرامية إلى تحجيم النفوذ الإيراني في أفريقيا تحدياً جديداً في مواجهة التوغل الإيراني، ما كشفت عنه خطوة إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان، ومشاركة بعض الدول الأفريقية في عملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن، وتأييد دول أخرى مثل موريتانيا والسنغال للعملية، بالإضافة إلى قطع السودان وجزر القمر علاقاتها مع إيران على خلفية أزمة حرق السفارة السعودية بطهران.
ولعب عنصر المخاوف السنية من نشر التشيع دوراً مهماً في الوقوف بوجه التوغل الإيراني، ما اتضح جلياً في حالة المملكة المغربية، التي توترت علاقاتها مع طهران بعد اتهامات للأخيرة بمحاولة نشر التشيع في المملكة. بالإضافة إلى توتر العلاقات مع نيجيريا بسبب اتهامات لطهران بدعم حركة الزكزاكي الأصولية، واتهامات أخرى بدعم حركات انفصالية مثل كاسامانس في السنغال. وهذا ما دفع دولاً سنية إلى الدخول بثقل في أفريقيا لمواجهة النفوذ الإيراني هناك، وعلى رأس هذه الدول، السعودية وبعض الدول الخليجية ومصر عبر بعثات الأزهر.
من الملاحظ أنه رغم التمدد الإيراني في القارة الأفريقية، ألا أن هذا التمدد ظل دون أن يمثل تهديداً فعلياً للمصالح الأمريكية أو الإسرائيلية علي حد سواء.
تداعيات التوغل الإيراني في القرن الإفريقي على الأمن العربي وسبل مواجهته
تأمل إيران في سعيها الحثيث لتحقيق مشروعها السياسي في المنطقة الشرق أوسطية كقوة إقليمية تسعي للهيمنة والسيطرة على النسق الإقليمي الجديد، وهو ما قد تبين من خلال مهام الحرس الثوري الإيراني وأعماله الخارجية في دول الجوار الإفريقي والعربي، لاسيما عقب ثورات الربيع العربى، تلك التي مهدت للأذرع الإيرانية الاندفاع بقوة نحو الإقليم الشرق أوسطي من جهه كما هو واضح في العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان والبحرين.
إلى جانب الوجود والهيمنة أيضاً في منطقة القرن الإفريقي من جهة أخرى، لذلك تسعى إيران لتكوين واستكمال الدوائر المفرغة من “الهلال الشيعي”، الذي لا يكتمل إلا من خلال سيطرة إيران على الجانب الجنوبي من هذا الهلال على حساب دول منطقة القرن الإفريقي ومضيق باب المندب على وجه الخصوص، عن طريق بذر الفتن والصراعات على أسس ثورية شيعية ضد الدول الإفريقية والعربية على حد السواء، وهو الأمر الذي يشكل تهديدا واضحا وصريحا للأمن القومي العربي، الأمر الذي يتطلب استراتيجيات تعاون جديدة وجدية في كل المجالات بين الدول العربية والإفريقية لتحجيم الدور الإيراني المتغلغل داخل منطقة القرن الإفريقي.
وفي حقيقة الأمر، فإن الإقليم الإفريقي يفتقد جدياً للمنظومة الجماعية أو حتى الفرعية لضمان الأمن فيه، إذ إن منظومة الأمن الجماعي فيه تقوم بتأمين الدول داخلياً وتدفع التهديد عنها خارجياً، بما يكفل لها الأمن والاستقرار، بشرط توافق مصالح، وغايات وأهداف أطرافها، إذ كان من الممكن في وقت سابق قيام منظومة عربية ـ إفريقية جماعية لحماية الأمن في منطقة القرن الإفريقي، إلا أن الوضع الآن أصبح مُعقدا للغاية لوجود أطراف إقليمية ودولية ذات مصالح متضاربة في هذه المنطقة، على من ذلك فإن تكوين هذه المنظومة ليست بالأمر المستحيل؛ لضمان حماية بقاء وأمن واستقرار الدول العربية والإفريقية معاً.
بناء على ما قد تقدم، فإن منطقة القرن الإفريقي تمثل بالنسبة للأمن القومي العربي أهمية استراتيجية خطيرة، إذ تضم المنطقة أهم منابع نهر النيل، الذي يعد شريان الحياة لمصر والمصريين، وتعد إثيوبيا أحد أهم منابع نهر النيل بنسبة 86% بالنسبة لمصر من إجمالى المياه الواردة من دول حوض النيل جميعاً، ما يضعها على رأس قائمة أولويات السياسة المصرية.
ويمثل البحر الأحمر أهمية كبرى للأمن القومي المصري، ويعتبر حلقة الوصل لمصر باتجاه إفريقيا وآسيا، ويتميز بأهمية جيوبوليتيكية لما يحتويه من موانئ بحرية وإطلالة على طرق الملاحة البحرية للتجارة الدولية، وبالتالى تأمينه مسألة حياة للمصريين والعرب، ولذلك وجب على الدول العربية توحيد الصفوف وتكوين تكتلات عسكرية واقتصادية لتأمين هذه المنطقة من أي تهديد لها على غرار التهديد الإيراني عند مضيق باب المندب.
كما يجب التركيز على إيجاد حلول سلمية وجذرية للأزمات والمشاكل الإفريقية كما هو الحال في الصومال، وإريتريا، واليمن، وإثيوبيا، والسعي لاستخدام مصر والدول العربية القوة الناعمة المتمثلة في التقارب الثقافي والحضاري، وهو أفضل وأقل كلفة من التنافس مع القوى الدولية والإقليمية الأخرى بالأدوات والآليات العسكرية والقوى الصلبة.
و ختامًا في ضوء هذه التقاطعات والتعقيدات في توجهات إيران الخارجية، والبحث عن بدائل تمددية أو توسعية في ظل التجاذبات والتحديات التي تواجها في المنطقة العربية، فإن الاحتمالات تتزايد في اتجاه حشد إيران لجهودها لتحقيق تواجد ونفوذ أكبر في البحر الأحمر والقرن الأفريقي وشمال اليمن، وتلقي بثقلها الاستراتيجي وإمكانياتها السياسية والاقتصادية في القارة الأفريقية، مما يستدعي وضع استراتيجية عربية موحدة في مواجهة تلك الأخطار التي يشكلها النفوذ الإيراني في أفريقيا عمومًا ومنطقة القرن الأفريقي على وجه الخصوص.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تداعيات إنشاء ممر -زانجيزور- في منطقة جنوب القوقاز، وانعكاسا ...
- عن الاقتصاد الأخلاقي أتحدث
- دور الاتصال التنظيمي في صناعة الصورة الذهنية للمنظمة
- تأثيرات العولمة على التدفق الإعلامي الدولي
- علاقة إيران بطالبان ومستقبل الشيعة الهزارة بأفغانستان
- الأساس الفلسفي والفكري للعولمة
- البعد الإعلامي للعولمة ... السمات والتأثير والمخاطر
- أسباب الأزمات التنظيمية وكيفية مواجهته؟
- الإعلام و إدارة الأزمات في المؤسسات الحكومية
- كيف يسهم الاتصال التنظيمي في صناعة الصورة الذهنية للمنظمة؟
- اقتصاد الانتباه كأحد أشكال الثروة
- هل تستطيع المؤسسات العربية الاندماج في اقتصاد المعرفة؟


المزيد.....




- -جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال ...
- مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش ...
- ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف ...
- ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
- حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر ...
- البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
- -أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك ...
- ملكة و-زير رجال-!


المزيد.....

- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - حمدي سيد محمد محمود - تداعيات التغلغل الإيراني في القرن الإفريقي على الأمن القومي العربي وسبل مواجهته