|
الدين حينما يكون غير إنساني
فاخر السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 1755 - 2006 / 12 / 5 - 10:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حينما ينظر المواطن العادي العربي والمسلم، وكذلك المراقب والمتخصص، إلى الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة التي أُقحم الدين بشكل غير طبيعي فيها، يصل إلى نتيجة مفادها هو: كم هذا الدين (أو تفسير الدين) غير إنساني. فبدءا من أحداث العراق الطائفية، والتطورات الشيعية السنية المسيحية الملتهبة على الساحة اللبنانية، ثم ما تشهده الساحة الفلسطينية من قضايا بات الدين أحد عناصرها المؤسسة، مرورا بالساحة الإيرانية والأفغانية والباكستانية، حتى الوصول إلى اندونيسيا وماليزيا والفلبين، ثم التعريج نحو الساحة "الجهادية" الجزائرية، نزولا إلى التجربة الإسلامية في السودان والصومال، تؤكد كل تلك التجارب والأحداث كيف أن التيار الإسلامي الحركي، أنصار الإسلام السياسي، يستغل تفسيره الخاص المنغلق عن الدين لتحقيق مآرب هي أقرب إلى نموذج التاريخ منها إلى الواقع الحاضر، إذ بات الدين يصار ليكون المتهم الأصلي في إطار تهمة واضحة عنوانها انه دين غير إنساني، دين لا صلة له بتطورات حقوق الإنسان. لماذا اتجهت النظرة نحو الدين الإسلامي في هذا الاتجاه غير الإنساني؟ إن الإجابة على هذا السؤال تكمن في أسباب عدة، لعل أهمها يتعلق بعدم وجود تصور لدى القائمين على تفسير الدين، من المنتمين لمدرسة الإسلام الحركي السياسي وكذلك التقليدي، وبالذات الفقهاء، يستطيعون من خلاله رفع التفسير من حالته التاريخية غير الإنسانية. بمعنى أنه لا توجد رؤية واضحة لدى تلك المدرسة تجاه العالم الحديث والإنسان الجديد، ما اعتبر تفسيرها للدين تفسيرا غير حداثي ومناهضا لقيم الحياة الجديدة، وبالذات تجاه الإنسان، وبالتالي أصبح التفسير مناهضا للرؤية الحقوقية، معبرا عن رؤية "تكليفية" تاريخية لا تهتم سوى بتركيب الماضي الديني على الحاضر، وهو ما أدى إلى أن يصبح تفسير الدين، ليس وحده بل والدين أيضا، غير إنسانيين. إن وجود تصور حول العدل والظلم الجديدين، اللذين يختلفان عن العدل والظلم القديمين، ووجود رؤية حديثة حول الحسن والقبح، هو ما يفتقده الفقه والفقيه في الوقت الراهن. فوجود تصور جديد حول هذه المفاهيم من شأنه أن يدفع بالفقيه لإيجاد قراءة جديدة وتفسير جديد للدين يتماشى مع العدل والظلم الجديدين ويتراكب مع الحسن والقبح الحديثين، وهو تفسير من المفترض أن يتقاطع مع مفهوم حقوق الإنسان وقضاياه بحيث يسير بجنب ما يفترض أن يسير عليه التفسير الديني في أن يكون جديدا وحداثيا وعادلا. أي من المفترض أن يصبح الدين إنسانيا وجديدا وبعد ذلك يطلب من الإنسان أن يكون متدينا. ففي تدينه هنا لا توجد افتراضات تنبئ بتمسكه بمفاهيم عفا عليها الزمن حول العدل والظلم، ما جعله إرهابيا، وما جعل الدين غير إنساني. إن معظم أركان المشكلة المتمثلة في أن الدين وتفسيره أصبحا غير إنسانيين، تقع على عاتق الفقه والفقيه. فإذا لم يغير الاثنان نظرتهما – مثلا – إلى الكون وإلى حركة الكواكب وإلى الطبيعة، فكيف يمكن أن يغيرا نظرتهما إلى قضية استهلال شهر رمضان!!. وقس على هذا المثال البسيط (والتافه)، مثالا آخر مرتبطا بالرؤية نحو الإنسان. فكيف يمكن لعقيدة الإنسان وآرائه وخصوصياته وحقوقه الفكرية والاجتماعية أن تكون محل احترام وتقدير واعتراف، ما لم تتغير نظرة الفقه والفقيه تجاه الإنسان كإنسان، من أجل استبدال النظرة التاريخية التكليفية الدونية، إلى نظرة حقوقية حديثة تكون فيها الحرية الإنسانية، بموازاة الكرامة الإنسانية، هي الأصل. فنظرة الفقه والفقيه إلى – مثلا - المرتد لا تزال نظرة قديمة، إذ هي مستندة إلى تفسير ديني اجتماعي تاريخي إلغائي، لا نظرة واقعية راهنة تعتمد الحرية الدينية والتعايش والتعدد الفكري والثقافي أساسا لتفسيرها. كذلك، ينطبق الأمر على النظرة الفقهية إلى الكافر والملحد والمسيحي واليهودي، بل وكذلك على نظرة الفقه السني أو الشيعي إلى بعض الطوائف الإسلامية كالمتوصفة والإسماعيلية والزيدية. فهل بعد ذلك كله يحق للفقيه المنتمي إلى المدرسة الإسلامية التقليدية أن يدعي بأنه يحترم حقوق الإنسان؟ إن نظرة الفقيه إلى الإنسان يجب أن تتبدل. ومن شأن ذلك أن يساعد على الدخول إلى واقع الإنسان الجديد، كما سيسهل عملية تغيير أصول الفقه وأحكامه، من أجل أن يصار إلى احترام الدين (أو التفسير الديني) لحقوق الإنسان. وبغير ذلك، لا نستطيع إلا أن نزعم بأن ديننا الذي فهمناه من خلال الفقهاء والمفسرين، أي من خلال مدرسة الإسلام التقليدي والحركي السياسي، هو دين غير إنساني. إن المعرفة الأفضل بالله تؤدي إلى فهم أفضل لكلامه ولما ورد منه إلينا، لكن في المقابل لا يمكن إنكار أن أحد عوامل الفهم الأفضل هو تعدد طرق إثبات هذا الفهم. وفي هذا الإطار فإن المدرسة الدينية التقليدية والحركية السياسية لا يمكن لها قبول تعدد طرق الإثبات، وذلك لأنها في الأساس لا تؤمن سوى بالفهم المطلق للدين، وبالتالي فإنها لا تعترف إلا بمعرفتها بشأن وجود الله، ولا تقبل سوى فهمها لكلام الباري. أي أنها تنحى منحى بعيدا عن الاعتراف بحق الإنسان المطلق في المعرفة سواء كانت دينية أو غير دينية. فاختلاف طرق "معرفة" الله يؤدي بطبيعة الحال إلى اختلاف "فهم" وجوده وكلامه. وهذا الاختلاف في الفهم تحدده طرق الإثبات، التي بدورها توصل إلى فهم أفضل. وعليه تختلف معرفة الله بالنسبة للأصوليين في المذهبين السني والشيعي اختلافا كبيرا. كما تتباين مدارس معرفة الله وفهم كلامه في كل مذهب، ولكنها للأسف لا تستطيع أن تقر بتعددية المعرفة وتنوع الفهم وتجهد باستمرار لإلغاء الآخر المغاير في فهمه. فالمدرسة السلفية تختلف في تفسيرها حول معرفة الله وفهم كلامه عن المدرسة الأزهرية. وكذلك تختلف المدرسة الأصولية عن المدرسة الإخبارية في الجانب الشيعي. وتعرّف الصوفية الله وتفهم كلامه بطريقة مغايرة وبشكل مختلف عن المدرسة الأصولية. وهي – أي الصوفية – لديها أيضا مدارس فهم وتفسير متباينة. وبالتالي لا معنى لما يتردّد باستمرار في العديد من الدول العربية، ومنها في الكويت، من هجوم إقصائي غير إنساني ضد الصوفية والصوفيين من قبل أتباع المدرسة السلفية. ولأن تلك المدارس لا تزال لا ترى الله أو تفهم كلامه من خلال عين إنسانية، فإنها لا تزال بعيدة عن أنسنة الدين وأنسنة المعرفة والفهم. وهذه باعتقادي هي المعضلة الرئيسية التي تعاني منها هذه المدارس في زماننا هذا الذي أصبح فيه الإنسان محور جميع الأمور وأصبحت حقوقه عنوان مختلف القضايا من سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية وغيرها. فالابتعاد عن النظرة الإنسانية في معرفة الباري وفهم كلامه جعل هضم الاختلاف والتنوع بعيد المنال.
#فاخر_السلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفهم الديني الجامد.. والإنسان الجديد
-
الفهم الديني غير المسؤول: الموقف من حزب الله نموذجا
-
بوش يتخبط.. لكن ماذا عن الإسلاميين؟
-
التعددية في بعدها السياسي
-
التعددية في بحر وجودها وتعريفاتها
-
مناخ التعددية عبر التاريخ
-
متى يتوقف نبض الحياة المتحرك
-
كعادتهم خلطوا الحابل السياسي بالنابل الديني
-
مكاسب وخسائر طهران
-
الإكراه الديني يعادي الإيمان
-
استبداد المدرسة الفقهية
-
اخوان الكويت.. ومعركة رئاسة البرلمان
-
خسارة السيد المعمم
-
جدل الانتحار في غوانتانامو
-
إهداء إلى المحزونين على الذباح
-
نضال الكويتية
-
الفهم الديني.. ومسوغات التكفير والإلغاء
-
الإنسان.. محور غائب في الفهم الديني
-
لماذا ترفض واشنطن رسالة نجاد؟
-
اختلاف الفهم الديني.. وتهم البدعة والزندقة
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|