أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - درسان ثمينان من الانتخابات التركية














المزيد.....

درسان ثمينان من الانتخابات التركية


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 7936 - 2024 / 4 / 3 - 11:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



على الرغم من أن الانتخابات التركية يوم الأحد الماضي كانت انتخابات بلدية ولم تكن برلمانية أو رئاسية، فإن الهزيمة التي مني بها فيها «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا منذ عام 2002، إنما هي ذات دلالة تاريخية تتخطى الدروس الاعتيادية التي يمكن استخلاصها من الجولات الانتخابية التقليدية في البلدان التي تشهد انتخابات حقيقية (وليس بالطبع في البلدان التي ليست الانتخابات فيها سوى مسرحيات مكلفة لا تنطلي على أحد، إذ إن نتيجتها معروفة مسبقاً على شاكلة معظم الجولات الانتخابية التي تعرفها المنطقة العربية).
وثمة درسان تاريخيان رئيسيان يطلّان مما شهدته تركيا يوم الأحد الماضي على من راقب الحالة السياسية التركية منذ مطلع القرن الراهن، درسان يحيل كل منهما إلى حقبة من الحقبتين اللتين تنشطر إليهما السنوات الاثنتان والعشرون لحكم رجب طيب أردوغان وحزبه. يحيل أول الدرسين إلى أهم الإنجازات التاريخية التي حققها حكم أردوغان، ألا وهو إرساء الديمقراطية في تركيا. جرى ذلك خلال الشطر الأول من الحقبة الأردوغانية، أي خلال السنوات العشر التي انصرمت بين تولّي أردوغان رئاسة الوزراء في عام 2003 وتولّيه رئاسة الجمهورية في عام 2014 مصحوباً بسعيه وراء تغيير نظام الحكم إلى نظام رئاسي بحيث يزيد من تركّز السلطات بين يديه ويمدّد حكمه الشخصي للبلاد. خلال تلك السنوات الذهبية من حكمه، قاد أردوغان البلاد إلى التخلّص من الوصاية العسكرية على الحكم التي كانت سارية في تركيا منذ أمد طويل، ولعب دوراً رئيسياً (محاطاً بمعاونين أكفاء) في وضع تركيا على درب الحداثة في شتى المجالات، بما في ذلك إحلال سلام ديمقراطي في شأن المسألة الكُردية.
ولا بدّ من أن يعترف التاريخ لأردوغان بفضله في عدم القضاء على الإنجاز الذي حققه، واستمراره في احترام القاعدة الديمقراطية مثلما تجلّى في الخطاب الذي ألقاه مساء الأحد معترفاً بهزيمة حزبه وداعياً أنصاره إلى القبول بالواقع، مضيفاً أن الديمقراطية هي التي انتصرت. وقد كثرت في السنوات الماضية تعليقات وضعت رجب طيب أردوغان في خانة واحدة مع أمثال فلاديمير بوتين الروسي وناريندرا مودي الهندي وسواهما ممّن أفرغوا الديمقراطية من أي مضمون حقيقي بقطعهم سبل التعبير عن أي معارضة ذات مستوى من الشعبية يمكن أن يشكّل تهديداً لحكمهم. فقد أثبتت الديمقراطية التركية أنها حيّة تُرزق، وأعطت منطقتنا على الأخص درساً بليغاً يدحض دحضاً تاماً المقولات الاستشراقية وتوائمها المعكوسة التي تدّعي أن لا مجال لانغراس الديمقراطية في بلدان ذات أغلبية مسلمة. والحال أن الفارق كان عظيماً بين إقرار الرئيس التركي بهزيمة حزبه بلا تردّد أو تلكؤ أو طعن في نزاهة الانتخابات، وبين المشهد الذي قدّمه للعالم قبل ثلاث سنوات ونيف البلد الذي يتشدّق بكونه منارة الديمقراطية في العالم، عندما حاول رئيسه دونالد ترامب الإطاحة بالعملية الانتخابية، وهو ما زال حتى الآن يرفض الإقرار بخسارته، زاعماً أن الرئاسة سُلبت منه.

أما الدرس الثاني، فيتعلق بالحقبة الثانية لحكم رجب طيب أردوغان، عندما بدا وكأنه يريد أن يتمسك بالحكم إلى أجل غير مسمى، فأخذ يواجه معارضة شعبية متصاعدة، تجلّت في الانتكاسة النسبية التي مني بها حزبه في انتخابات عام 2015 (خسارة الأغلبية النيابية) بما حداه على إجراء انتخابات جديدة بعد أشهر قليلة وبعد انعطاف سياسي حاد، أدّى به إلى التحالف مع أقصى اليمين القومي التركي (جماعة «الذئاب الرمادية») وإعادة إشعال النزاع مع الحركة الكُردية. وقد تتالت الأزمات على أشكالها منذ تلك السنوات، بما فيها المحاولة الانقلابية في عام 2016، التي انتهز أردوغان فرصتها لينقض على قسم كبير من المجتمع التركي ويسرّح أعداداً عظيمة من الموظّفين ويزج بالكثيرين في السجون، بمن فيهم عدد قياسي من الصحافيين.
وقد استمر تفتت شعبية «حزب العدالة والتنمية» تدريجياً، قاضماً الأغلبية التي حاز عليها داخل المجتمع التركي بحيث مني بهزيمة أولى في الانتخابات البلدية لعام 2019، عندما فلتت بعض أهم مدن البلاد من قبضته، بما فيها العملاقة إسطنبول والعاصمة أنقرة. وقد تعمّقت الخسارة هذه المرة إذ حاز «حزب الشعب الجمهوري» المعارض وللمرة الأولى على نسبة من أصوات عموم البلاد تعدّت تلك التي حاز عليها «حزب العدالة والتنمية» بفارق مليون ناخب تقريباً، بينما خسر الحزب الحاكم ما يزيد عن ثلاثة ملايين من الأصوات بين الانتخابات البلدية لعام 2019 والآن.
وما العبرة من ذلك؟ إنها في تأكيد الحكمة الكبيرة التي تتجلّى في الحد من مدة تولّي الحكم في الأنظمة الديمقراطية. ومن الطبيعي جداً أن يسعى وراء الإطاحة بتلك القاعدة الطامحون إلى إرساء حكمهم السلطوي مدى الحياة، كما فعل فلاديمير بوتين وشي جين بينغ وعبد الفتّاح السيسي. صحيح أن الدستور التركي ينصّ على حد الرئاسة لولايتين من خمس سنوات، بيد أن مغزى القاعدة الديمقراطية يقوم على مدة تولي الحكم بوجه عام، بصرف النظر عن تسمية المناصب التي تجري ممارسة السلطة من خلالها والحيل التي تجدد المدة في كل حين من جراء تغييرات دستورية. فقد تولّى أردوغان حكم البلاد بوصفه رئيساً للوزراء أحد عشر عاماً بين 2003 و2014 وكان حرياً به أن يتخلّى عنه عوضاً عن أن ينتقل إلى رئاسة الجمهورية ويغيّر الدستور من ثم في عام 2017، بحيث فسح المجال أمام مواصلة تولّيه للحكم لأكثر من عشر سنوات إضافية في نظام غدا رئاسياً، وقد زاد من تركّز الصلاحيات بين يديه ووصل به فقدان الصواب (تأكيداً للحكمة القائلة «السلطة تُفسد») إلى حد ادّعاء القدرة على تسيير الاقتصاد بمناقضة إجماع الخبراء، بما أدّى إلى أزمة حادة في الاقتصاد التركي تجلت بانهيار الليرة بين أمور أخرى، وكان لها دور أساسي في هزيمة يوم الأحد الماضي. ولو تخلّى أردوغان عن ممارسة الحكم بعد عقده الأول، مسلّماً مقاليده لأحد الأكفاء الذين عاونوه في الحقبة الأولى قبل أن يقصيهم، لخرج من التاريخ بقامة أشمخ بالتأكيد من تلك التي سوف يخرج بها في نهاية المطاف.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نفاق الإدارة الأمريكية والصفاقة الإسرائيلية
- صراعات على منصب بلا سلطة: السجال حول تعيين محمد مصطفى
- السيسي يفوز بأوسكار أسوأ إدارة اقتصادية
- 24، 41، 834: ثلاثة أرقام من إيران
- فلسطين بين خيارين صهيونيين
- نظام السيسي يبني معسكر اعتقال ضخم لأهل غزة
- استئصال «حماس» واستكمال احتلال غزة
- حرب الإبادة الصهيونية بعد أربعة أشهر
- حرب الإبادة الأخرى والتواطؤ الإقليمي
- توأم الصهيونية على نطاق أعظم بكثير
- خواطر ثائرة إزاء منطقة مستباحة
- إسرائيل تصعّد وأمريكا تجاريها
- آلة التدمير الصهيونية تهدّد لبنان بعد غزة
- سنة النكبة الثانية وانهيار النظام العربي
- في سبر آفاق العدوان على غزة
- موقف الإدارة الأمريكية: جريمة أم غباء أم…؟
- «طوفان الأقصى» وخطأ الحساب
- حرب الإبادة الصهيونية والمتواطئون معها
- أشهِروا سلاح النفط إن كنتم تريدون حقاً إسعاف أهل غزة!
- مأساة تطغى على أخرى: غزة والسودان والتفتّت العربي


المزيد.....




- جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR ...
- تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
- جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
- أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ ...
- -نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
- -غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
- لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل ...
- ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به ...
- غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو ...
- مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - درسان ثمينان من الانتخابات التركية