|
لا لاستخدام السيدة فيروز في الأزمة اللبنانية!
جوزيف بشارة
الحوار المتمدن-العدد: 1754 - 2006 / 12 / 4 - 11:19
المحور:
المجتمع المدني
بعد طول انتظار عادت جارة القمر السيدة فيروز إلى خشبة المسرح لتعيد تقديم رائعتها المسرحية "صح النوم" تلك المسرحية التي تحمل الكثير من معاني الحرية والديمقراطية. كان من المقرر عرض المسرحية في إطار مهرجانات بعلبك التي كان ينتظر إقامتها في تموز الماضي، لكنها تأجلت بعد الحرب اللاعقلانية التي دارت رحاها عندئذ بين جماعة حزب الله وإسرائيل. هذه المرة كان هناك إصرار من السيدة فيروز ونجلها الفنان زياد الرحباني على عرض المسرحية في بيروت على الرغم من حالة عدم الاستقرار السياسي التي يشهدها لبنان والتي أفرزت في السنتين الماضيتين العديد من الاغتيالات التي طالت عدداً من رموز لبنان السياسية والثقافية والإعلامية والتي كان آخرها اغتيال وزير الصناعة بيار الجميل.
تزامنت عودة السيدة فيروز ليل الجمعة الفائتة مع تطورات دراماتيكية في الأزمة اللبنانية تمثلت في نزول الأقلية المعارضة التي تتزعمها جماعة حزب الله بالاشتراك مع التيار الحر وتيار المردة إلى الشارع في محاولة لإسقاط الحكومة اللبنانية التي تشكلها قوى الأغلبية المتمثلة في تجمع الرابع عشر من آذار.
مسرحية "صح النوم" التي عرضت في أوائل سبعينيات القرن الماضي تتعرض بشكل أساسي للحاكم الكسول، المعزول عن شعبه، والغائب عن وعيه معظم الوقت. تلعب فيروز في المسرحية شخصية "قرنفل" تلك الفتاة الفقيرة المنتمية إلى عامة الشعب، والتي تعاني كغيرها من إهمال الحاكم لمسؤلياته وواجباته. تقودُ أحداثُ المسرحيةِ الفتاةَ "قرنفل" خلال عدد من الأحداث التي تشير بوضوح إلى فساد الطبقة الحاكمة، وعدم وجود رغبة حقيقية في تنمية البلدة، وغياب الاهتمام الرسمي بالارتفاع بمستوى معيشة الأهالي. تنتهي أحداث المسرحية بسرقة "قرنفل" للمسئولية من الوالي الغافل في إطار سعيها لنوال حقها وحق شعبها، قبل أن يقتنع الوالي بضرورة تعيينها في الحكومة للالتفات إلى مطالب الأهالي.
المسرحية كما يتضح من سياق مضمونها العبقري تحمل إسقاطات سياسية عديدة على الماضي والحاضر والمستقبل. والمسرحية لا تصلح فقط للإشارة إلى الأوضاع السياسية في لبنان، ولكنها تصلح للإشارة إلى الواقع السياسي في مختلف دول العالم العربي. فالمسرحية تتناول الفساد السياسي، وانفصال الحاكم عن شعبه، وانغماسه في ملذاته، وعدم اهتمامه بأمور الأهالي، فضلاً قمع حرية التعبير. ولكن هل اختارت السيدة فيروز مسرحية "صح النوم" بغرض الإسقاط على الاحتقان السياسي الراهن في لبنان؟ وهل رغبت في التضامن مع النداءات المعارضة المطالبة بإسقاط الحكومة اللبنانية؟
حاولت بعض القوى في الأونة الأخيرة إقحام السيدة فيروز في الأوضاع السياسية السائدة حالياً في لبنان بزعم تأييدها لإحدى القوى على حساب الأخرى. وسعى البعض بالأمس للربط بين تقديم مسرحية "صح النوم" ذات الطابع السياسي المعارض لديكتاتورية واستبداد الحاكم، والمظاهرات الشارعية التي تنظمتها الأقلية المعارضة في لبنان للمطالبة بسقوط حكومة الرئيس السنيورة. وبالمثل فقد راجت شائعات مغرضة كثيرة أشارت إلى أن فيروز قصدت الأقلية المعارضة للحكومة حين صرخت في المسرحية قائلة ما معناه أن من حق الشعب أن يصرخ وأن يعبر عن رأيه.
وفي هذا الإطار فقد خرجت صحيفة الأخبار اللبنانية، المقربة من الأقلية المعارضة، يوم السبت الثاني من كانون الأول بتقرير عن مسرحية "صح النوم" تحت عنوان "فيروز تصرخ مع المعتصمين: يا سيد الولاية... فليت وتركتنا!" ويُشتم من التقرير الذي يحمل توقيع الكاتب بيار أبي صعب أن السيدة فيروز كما لو كانت تقدم مسرحيتها تضامناً مع المعارضة أو تأييداً لحركات الشارع الاحتجاجية على استمرار الحكومة. لم يكتف التقرير بذلك، وإنما حاول أن يشعرنا أن الجمهور الذي تجمع بالألاف لمشاهدة المسرحية كان – فقط! - من المعارضين للحكومة، حيث ذكر الكاتب "صفق الجمهور طويلاً لكل التعليقات السياسية التي بدت ضد الحكومة الحالية."
من المعروف أن قرار إعادة عرض المسرحية اتُخِذ قبل شهور طويلة،حتى تقرر أن يؤجل العرض إلى كانون الأول بسبب الدمار الذي لحق بلبنان في حرب تموز الماضي. أما قرار نزول الأقلية المعارضة إلى الشارع فقد اتُخِذ قبيل ساعات فقط من تنفيذه. ومن ثم يسقط الادعاء بأن عرض المسرحية جاء تضامناً مع المعرضة. ولكن من غير المعروف إذا ما كان قرار الأقلية المعارضة بالنزول إلى الشارع مرتبطاً بعرض مسرحية "صح النوم" لاستغلال الزخم الوطني الذي تقدمه السيدة فيروز للبنانيين عبر مضمون رائعتها المسرحية وصوتها الملائكي، ومن غير المؤكد إذا ما كان قرار تزامن مظاهرات الأقلية المعارضة مع عرض المسرحية قد قصد به استغلال نفوذ وشعبية السيدة فيروز اللذين يتخطيان كل الحدود.
لا شك في أن السيدة فيروز تريد بإعادة تقديمها مسرحية "صح النوم" توجيه رسالة إلى اللبنانيين، ولكن هذه الرسالة ليست ذات طابع طائفي مؤيد لفرق ضد أخر كما يدع البعض،وإنما هي رسالة تدعو للتمسك بالديمقراطية وللاتحاد ضد التحديات الراهنة التي تواجه لبنان. إذا كانت مسرحية "صح النوم" تبكي الحال المتدهور في لبنان، فإنه من المؤكد أن مشاعر الحب الجارفة التي تكنها فيروز لوطنها لبنان والتي عبرت عنها مراراً وتكراراً عبر تاريخها الوطني الطويل تنأى بها عن التصريح بانتمائها لفريق ضد أخر في الأزمة الحالية. لقد وقفت فيروز طوال الحرب الاهلية شامخة متفردة رافضة الانضمام إلى فريق أو أخر، مطالبة بالسلام ووحدة كل اللبنانيين فوق أرض لبنان.
ولكن ربما كانت مواقف الفنان زياد الرحباني السياسية الشديدة الوضوح التي يتخذها بدافع أيديولوجي بحت هي السبب في ظن البعض بأن عرض المسرحية في الظروف الراهنة يعد اعتراضاً مباشراً على حكومة لبنان الشرعية. وفي هذا الصدد يجب التفرقة بصرامة بين المواقف السياسية لزياد الرحباني ووالدته التي طالما أبت أن تمارس السياسة منذ ظهورها على الساحة الفنية.
إن إقحام السيدة فيروز، سفيرة العناية الإلهية، في الخلافات والاحتقانات الراهنة لهو أمر مرفوض من محبيها وعشاق فنها الذي طالما توحد اللبنانيون حوله، فهي كانت ومازالت وستظل أكبر من أي من الطوائف المتنازعة، لأنها شخصية بحجم الوطن، ولأنها رمز لوحدة لبنان. إن وطناً سليماً معافى هو جل ما تريده فيروز وما تكرس حياتها وفنها له. ليت مسرحية "صح النوم" تكون جرس الإنذار الذي أرسلته السماء ليوقظ اللبنانيين من غفوتهم الطويلة والمريرة، وليتها تكون الدرس الذي يتعلم منه الجميع كيف تكون الديمقراطية الحقيقية التي تتطلب من الأغلبية الحاكمة أن تستمع للمطالب الشعبية، وأن تحترم الأقلية حكم الأغلبية المنتخبة.
جوزيف بشارة
#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هزيمة حكومة!
-
البريء لا يخشى المحكمة الدولية في لبنان!
-
عيد الشكر اللبناني!
-
إرهاب وزير!
-
حيَّ على الخجل!
-
بارقة أمل من بيت حانون؟!
-
عجيب امرك أيتها الشعوب العربية!
-
وداعاً صدام... شكراً أميريكا!
-
محرقة الأقلية المسيحية في إمارة العراق الإسلامية
-
كل عام ونحن متسامحون
-
تحكيم أم تحجيم العقل في مسألة صراع الأديان
-
25 يوماً من الحرب... 58 سنة من الكراهية
-
نصر الله لمن: لحزبه المغوار أم لشعبه المختار؟
-
سياسة الأسد: عليّ وعلى جيراني
-
من يحاسب حزب الله على أخطائه بحق لبنان؟
-
الأسد يعاقب اللبنانيين بالآلة العسكرية الإسرائيلية
-
لبنان: ماذا يخبيء لك حزب الله؟
-
المسكوت عنه في محاولة تقسيم الكنيسة القبطية
-
تجريد الإنسان الأمريكي من آدميته
-
القذافي يخشى مصير تلميذه الليبيري
المزيد.....
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|