داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 7928 - 2024 / 3 / 26 - 06:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شهدت العلاقات العربية الفارسية صعودا ونزولا في الحقب التاريخية المختلفة , تمثلت تارة بهيمنة الفرس على بعض البلاد العربية وخضوعها لحكمهم وفرض قوانينهم وبعض طقوسهم عليها , كما في العراق واليمن قبل الإسلام, حيث أنهم أعانوا عرب اليمن على إخراج الأحباش من أرضهم. كان أثر العرب في الفرس قبل الإسلام ضئيلا , لأن الفرس كانوا أعظم من العرب ثقافة وحضارة, وتارة هيمنة العرب على بلاد فارس في فترة الخلافة الإسلامية حيث خضعت بلاد فارس للحكم العربي الإسلامي ، تحت راية الإسلام، في ظل دولة الخلافة الإسلامية التي ضمت كلاً من العرب والفرس. وعندما فَتَحَ العرب بلاد فارس ,بدأ الفرس يدخلون في الإسلام، فلم ينقضِ القرن الأول حتى شملهم الإسلام جميعا إلا قليلًا منهم، وشاعت بينهم اللغة العربية، واختلطوا بالعرب وتسمَّوا بأسمائهم، وكتبوا الفارسية بالحروف العربية، وأثَّرت فيهم الثقافة الإسلامية أثرًا عميقًا، فاللغة الفارسية بعد الإسلام أضحت غيرها قبل الإسلام لكثرة ما دخل عليها من الكلمات العربية وأساليب بيانها، وأصبح القرآن والحديث مصدر الأدب الفارسي، فشاع الاقتباس منهما والإشارة إليهما، حتى إنه يكاد يكون في كثير من مناحيه أدبًا عربيًّا مُترجَمًا. ظهر منهم كُتَّاب وشعراء ومترجمون نبغوا في اللغة العربية نبوغًا لا يزال موضع الإعجاب، كان أبرزهم إبن المقفع وبشار بن برد ومروان بن أبي حفصة وغيرهم .
لعب الفرس دورا بارزا في تطوير وتشكيل الحضارة الإسلامية، في مجالات الثقافة والسياسة والعلوم والاقتصاد. شهدت الفترة العباسية اندماجًا كبيرًا بين الفرس والعرب في المؤسسات السياسية والحكومية، حيث شغل الفرس مناصب رفيعة المستوى في الدولة العباسية وكان لهم دور بارز في إدارة الدولة وتطوير السياسات .
ندرج في أدناه أبرز مساهمات الفرس في الحضارة العربية الإسلامية :
1. ساهم الفرس في تطوير العمارة الإسلامية، حيث أدخلوا العديد من العناصر الزخرفية والمعمارية الفارسية في البناء الإسلامي، مما أضاف لمسة فريدة إلى المدن الإسلامية .
2. ترجمة العديد من الكتب الفارسية إلى العربية، لإثراء المعرفة الإسلامية بفكر الفلاسفة والعلماء الفرس .
3. كان للعلماء الفرس دور بارز في تطوير الأدب العربي وإثراءه. برز منهم شعراء وأدباء كبار منهم , أبرزهم : سيبويه و بشار بن برد وعمر الخيام وغيرهم.
4. تطوير الاقتصاد الإسلامي، حيث ساهم الفرس في توسيع نطاق التجارة وتطوير الصناعات، مما أدى إلى نمو الاقتصاد الإسلامي وازدهاره .
5. أثرى العلماء الفرس الحضارة العربية الإسلامية في مجالات العلوم المختلفة , أبرزهم
أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا (الفارابي) في الفلسفة والطب والعلوم الطبيعية والرياضيات والفيزياء والمنطق ,وأبو ريحان البيروني في الرياضيات والفلك والجغرافيا وأبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي في الرياضيات والفلك والجغرافيا، وأعماله تُعتبر بمثابة الأساس لتطور الجبر في الرياضيات .
كما أسهم العلماء العرب في العلم والفلسفة والأدب والطب والرياضيات وغيرها, كان من بين أبرز العلماء العرب :
- أبو يوسف الكندي : عالم عربي برع في الفلك والكيمياء والفيزياء والرياضيات وعلم النفس والموسيقى والطب والمنطق، اشتهر بعلم الكلام .
-جابر بن حيان : خبير في الكيمياء كما لقب بأبو الكيمياء، كما ساهم في تصنيف المواد الكيميائية منهجيًا، وكان أول من عرف الاشتقاق الغير العضوي للمواد من خلال الوسائل الكيميائية .
-أبو علي بن سينا: هو فيلسوفًا وشاعرًا وطبيبًا وعالمًا , كان ابن سينا متميزا ومنفردا في فكره ونظرته وتحليله لكل ما وصل إليه العلماء الذين سبقوه في بعض النظريات .
-ضياء بن البيطار : ساهم بن البيطار بشكل كبير في الكيمياء الزراعية، كما يرجع له الفضل في صناعة الأدوية العشبية والنباتية التي كان اعتمادها الكامل على النباتات , فقد وصف قرابة ( 1400 )علاج نباتي وصنع( 300 )عقار تقريبًا من الطبيعة , اشتهر بلقب العالم النباتي .
-أبو بكر الرازي :طبيب وكيميائي وفيلسوف، كان من أعظم الأطباء في عصر العلوم الذهبي الإسلامي . أشتهر برسائله الكثيرة في كافة الأمراض وفي فروع متعددة من الطب .
-أبو الريحان محمد البيروني : مؤرخًا وفيلسوفًا رحالة، وفلكيًا وعلامة في الرياضيات والشعر واللغة، أشتهر بنبوغه في علم الطبيعيات الواسع .
-أبو على بن الهيثم : ساهم بشكل كبير في تقدم علم البصريات عمليًا ونظريًا فقد تركزت دراساته بهذا العلم حول النظم البصرية، وإثبات أن مقدار النسبة بين زاوية الانكسار والسقوط غير متساوية .
-ابن النفيس : من أهم وأشهــر اكتشافاته في الطب كانت (الدورة الدموية الصغرى)، وألّف كتابًا اسمه (شرح تشـريح القانون) يحتوي على العديد من الاكتشافات التشريحية، ويتحدث بالتفصيل عن الأمراض ووظائف الأعضاء..، ويعد هذا الكتاب من أهم الكتب العلمية التي قامت عليها النهضـة الطبية في العصــور الحديثة .
-يعقـوب بن إسحـاق الكِــنْـدي : عالم وفيلسوفٌ عــربيٌّ ذائع الصيت والشهـرة والتأثيــر، اهتم بالعديد من المجالات مثل الرياضيات، والفلك، والكيمياء، والفيزياء، والطب والموسيقى، كانت له جهودٌ عظيمةٌ في نقل الفلسفة اليونانية القديمة وترجمتها إلى العربية، كما كانت له جهودٌ في تطوير الفلسفة حيث أدخل الكثير من المفردات الفلسفية إلى اللغة العربية. أيضًا كان له دورٌ كبيرٌ في نشر النظام الهندي للترقيم ، كما كان مبدعًا في مجال التشفير وكان له الفضل في تطوير طريقةٍ لتحليل وفك الشفرات .وهو أول من وضع قواعد للموسيقى في العالم العربي وقام بإضافة الوتر الخامس إلى العود، كما أنه أول من أدخل كلمة (موسيقى) للغة العربية. كما أن لدى الكِندي الكثير من الكتب تناولت موضوعاتٍ كثيرةً، حيث كتب في الفلك، والحساب، والهندسة، والكيمياء، والفيزياء والطب .
- الفارازي : عالم رياضيات وفلك بارز، قام بترجمة الكثير من الكتب الفلكية والرياضية من الهندية إلى اللغة العربية، كما قام بصناعة أول أسطرلاب في العالم الإسلامي.
-حنين ابن اسحاق : عالمٌ ومترجمٌ وطبيبٌ عربيٌ شهيــر،كان من كبار المترجمين في عصــره، حيث قام بترجمة أعمال جالينـوس، وأبقــراط، وأرسطــو، والعهــد القديم من اليونانية إلى اللغة العربية، له كتابٌ يدعى (العشر مقالات في العين) حيث يعتبر أقدم كتاب مؤلف في طب العيون بطريقةٍ علميةٍ.
وبسقوط الخلافة الإسلامية تشكلت دولا عربية وفارسية مستقلة , شهدت حروبا وصراعات دامية فيما بينها و إمتدت بعض أثارها حتى وقتنا الحاضر , إذ ما زال بعض العرب يردد مقولة العداء التاريخي الفارسي العربي , والتي يراد بها تأجيج العداء والكراهية بين العرب والفرس وكأنه قدر محتوم لابد أن يفضي إلى حروب مستعرة , بينما يتضح لكل ذو بصيرة أن علاقات العرب والفرس لا تتعدى كونها علاقات جوار تنافسية , يسعى فيها كل طرف الهيمنة على مقدرات الطرف الآخر وإخضاعه لسيطرته , كما هو حال دول الجوار في كل مكان وزمان منذ فجر التاريخ , نشير هنا إلى علاقات الدول الأوربية مثلا , ألمانيا وفرنسا , وبريطانيا وفرنسا , تارة تحالفات وتارة حروب وصراعات من أجل النفوذ وبسط السيطرة . والحكمة هنا تقتضي البحث عن المشتركات التأريخية الإيجابية بين الدول ,وإستذكار ما هو مشرق في التاريخ وإسدال الستار على ما هو مظلم , والسعي لبناء علاقات تقوم على التعاون وتبادل المنافع على أساس التكافؤ وعدم التبعية لكائن من يكون تحت أية ذريعة .
ونظرا لإرتباط الفرس والعرب بتاريخ طويل مشترك , نجمت عنه روابط وأواصر ثقافية ودينية متينة , فضلا عن مصالح مشتركة بحكم الجوار الجغرافي لا غنى عنها , تستدعي جميعها أن تتسم العلاقات العربية الفارسية بروح الصداقة والرغبة بالتعاون البناء لخدمة بلدانها , والنأي بها عن محاور الصراعات الدولية التي لا تصب في مصلحة أي منها , وهذا يتطلب الكف عن الخطابات التحريضية المتشنجة التي ترددها أطراف مختلفة لا تريد الخير للعرب أو للفرس إطلاقا , إنما تعكير الأجواء للصيد في مياهها العكرة لخدمة أغراضها .
ولا يمكن تحقيق ذلك ما لم يتخلى النظام الإيراني الحاكم عن شعار " تصدير الثورة " قولا وفعلا , والكف عن التدخل في شؤون بعض الدول العربية , دون أن يمنعها ذلك من توطيد أواصر الدعم والتعاون مع حكوماتها من منطلق الصداقة والمصالح المشتركة , ولعل العلاقات العمانية الإيرانية خير مثال يحتذى به في هذا المجال . وأن يتخلى العرب عن موضوع شيطنة إيران التي يصفها بعضهم " بإسرائيل الشرقية " , وتحرضهم الولايات المتحدة الأمريكية وصنيعتها إسرائيل على إقامة حلف عسكري يضم دول المشرق العربي بقيادة إسرائيل تحت غطاء ودعم أمريكي لمواجهة "خطر إيراني مزعزم" , بينما يعرف القاصي والداني أن الخطر الوحيد الذي يهدد أمن المنطقة , لا بل يهدد وجودها قبل أمنها , يتمثل بالخطر الصهيوني المدجج بشتى أنواع أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية . وما إحتلالها لفلسطين العربية وهضبة الجولان السورية وبعض الأراضي اللبنانية , وما ترتكبه الآن من فضائع ومجازر وحشية وتجويع وأعمال إبادة بحق الشعب الفلسطيني نساء وأطفالا وشيوخا جهارا نهارا , بدعم وإسناد من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية دون حياء . وفي المقابل تقدم إيران ما تستطيع تقديمه لفصائل المقاومة الفلسطينية الساعية لإستراد حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه لقيام دولة فلسطين الحرة المستقلة .
ورب هناك من يقول أن الدعم الإيراني لفلسطين , ينبع من خدمة المصالح الإيرانية , كورقة ضغط في صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية بعامة , وملفها النووي بخاصة . وعلى إفتراض صحة ذلك , فإن ذلك لا يقلل من قيمة الدعم الإيراني للفلسطينيين في نضالهم العادل , فما الضير أذا كان هذا الدعم يخدم الطرفين كل من منظوره وحسب مصالحه التي لا تتعارض مع مصالح الطرف الآخر . ويا ليت الدول العربية تحذو حذو إيران بإستخدام مواردها النفطية وودائعها المالية في المصارف الأمريكية والأوربية , لخدمة القضية الفلسطينية , أو في الأقل إيقاف حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل حاليا بحق الفلسطينيين العزل , كما فعلت ذلك في حرب عام 1973 والتي جنت منها أرباحا طائلة . وبذلك تحققت فائدة لهذه الدول النفطية ودول الصراع العربي الصهيوني في آن واحد .
وفي الختام نقول أن لا مفر من التعاون العربي الإيراني إذا أريد الخير للعرب والفرس وسواهم من شعوب منطقة الشرق الأوسط , ومن لديه إعتراض على ذلك فليراجع وقائع أحداث ما عاشته المنطقة في العقود الأخيرة وما آلت إليه احوالها من حروب ودمار وتشريد وجوع وفقر , بينما تتقدم دول العالم الأخرى صغيرها وكبيرها على حد سواء في كل مكان , بينما يسرح بعضنا في التائهات كما يقول المثل الشعبي .
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟