لبنى حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1754 - 2006 / 12 / 4 - 11:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ا لم يكن دعاه الحجاب و أخواته يهاجمون الغرب لمقاومته تلك المظاهر و يعايروهم بعدم احترام الحرية الشخصية؟ا ليس من باب أولى أن يحترموا هم حرية التعبير بدلا من إعلان الحرب على المختلفين في الرأي و الدفع لمنع و مصادرة كتبهم أو إقالتهم من مناصبهم كما حدث مؤخرا مع وزير الثقافة المصري فاروق حسنى, فبمجرد تصريحه الرافض "للحجاب" انقلب العالم على رأسه وسرعان ما ارتفع عَلم "التحريم" و تم ترديد عبارات من عينة" الثوابت و الفرائض و الخصوصية و إنكار ما هو معلوم من دين بالضرورة و لا جدال و لا اجتهاد مع النص الخ...." لتتسع دائرة المحظورات و ينقلب الأمر ليصبح التحريم هو الأصل و تعطيل العقل و سد الأذن هما الحل متناسين أن أول كلمة أنزلت في القرآن هي " اقرأ" و التي تعد دعوه واضحة للبحث و التعليم, خاصة و قد انتهت آيات عديدة بعبارة " ألا تتفكرون" للتأكيد على أهمية إعمال العقل و مواصلة الاجتهاد فلا للجمود و التشنج و لا لكهنته الدين, كما لم تقصر الآيات الدعوة على "مدعى الدين" أو "دعاه الدين" فالمفهوم أن الأصل لم يكن قصر القراءة و التفكر و الاجتهاد على فئة بعينها كما يحدث الآن من حصار و هيمنة "لرجال الدين" – مع تحفظي على المسمى أساسا- الذين قدموا أنفسهم على أنهم محتكري الدين و الوكلاء الوحيدين لله في الأرض, فسعوا لإرهاب الفكر و شل العقل و وأد أي محاولة للاجتهاد.
و الغريب انه قد صار التعامل مع قضية الزى و تحديداً "الحجاب" و كأنه ركن سادس أضيف في غفلة من الزمن لأركان الإسلام الخمس, فدخل ضمن الفرائض متناسين أنها قضية جدلية في المقام الأول, و قد سبق و أوضح الكثير من الباحثين أن غطاء الشعر المسمى "حجاب" لا علاقة له بالإسلام أو بفكرة التدين و أن كانوا أكدوا على أهمية الاحتشام, و كما هو ثابت تاريخيا فغطاء الشعر كان موجود قبل ظهور الإسلام و هو ما يعنى أن الإسلام لم يأتي لفرضه, و هذه الرؤية طرحها باستفاضة المفكر الإسلامي جمال البنا الذي أصدر كتاب بعنوان "الحجاب", كما يؤيدها المستشار سعيد العشماوي في كتاب بعنوان "الحجاب و حجية الحديث" حيث تضمن الكتاب مناظرة مع شيخ الأزهر و تلي هذا عدة كتب و دراسات و اجتهادات تصب في نفس السياق و أحدثها ما قدمه موقع "أهل القرآن" الذي يشرف عليه الأزهري الفاضل الدكتور أحمد صبحي منصور.
و كما سبق و اعتمد أنصار فرضية "الحجاب"- و هو خطأ لغوي- بشكل رئيسي على آية الخمار { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن } [ سورة النور 24: 31].
فقد قدم المختلفين مع تلك الرؤية تفسير أخر حيث أوضحوا أن سبب نزول هذه الآية أن الأنثى في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تغطى رأسها بالخمار و تسدله وراء ظهرها، فيبقى النحر أي أعلى الصدر دون غطاء فكانت تلك الآية لحث النساء على تغطية الصدر, و المعروف أن كلمة "جيوبهن" لغويا و هي جمع جيب لا تعنى الشعر بل أن الجيب يكون على الصدر, و بالتالي فالمقصود بهذه الآية هو تعديل عرف كان قائما وقت نزولها، حيث كانت النساء تضعن أغطية على رؤوسهن ثم يسدلن الخمار وراء ظهورهن فيبرز الصدر بذلك، ومن ثم قصدت الآية تغطية الصدر بدلا من كشفه، و كما أوضح المجتهدين من معارضي فرضية الحجاب فعلة الحكم في هذه الآية قد تكون إحداث تمييز بين المؤمنات من النساء وغير المؤمنات, مما يعنى أن الحكم وقتي يتعلق بعصر معين و ظروف محددة و ليس حكمًا مخلدا خاصة و أننا لا نستطيع النظر للآيات و تجاهل أسبابها و ظروفها التاريخية. و هنا لا يجب أن نتجاهل أن دعاه فرض "الحجاب" باسم الدين اعتمدوا أيضا بشكل أساسي على حديث رواه خالد بن دريك عن السيدة عائشة عن الرسول صلى الله عليه وسلم " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا و هذا" و أشار إلى وجهه و كفيه. و لكن و بالرغم انه من أحاديث الآحاد و لم يرد في صحيح مسلم و لا البخاري و لكن ورد في أبو داود فمن الثابت في أبو داود أن خالد بن دريك نفسه لم يعاصر السيدة عائشة.
بالتأكيد لست هنا بصدد الخوض في التفاصيل أو استعراض الحجج و التفسيرات الدينية المؤيدة أو الرافضة لفرض الحجاب باسم الدين لان هذا قد تم تقديمه مرارا من قبل المتخصصين, و لكن ما أردت توضيحه هو جدلية قضية الحجاب حيث يعتبره البعض غير موجود أصلا فى الإسلام, و يرى آخرون انه فريضة كالصلاة, في الوقت نفسه الذي أكد فيه المفكر الإسلامي محمد سليم العوا أمين عام اتحاد العلماء المسلمين انه ليس فريضة كما يشاع لأنه ليس من أركان الإسلام و اعتبره واجب, و بغض النظر عن تأييدنا لأي من تلك الآراء إلا أن المقصود إبراز كم الاختلاف في الرؤى لتلك القضية بعكس مثلا الصيام و الصلاة و الزكاة كأركان أساسية في الإسلام تنطبق على الرجل و المراة و لا خلاف أو جدال عليهم, و بالتالي فقضية "الحجاب" محل جدال و اجتهاد و لم و لن ترقى لمستوى المقدس و لذا نقول أن فى اختلافهم رحمة للعباد و نؤكد أن ديننا الحنيف دين يسر لا عسر, و لأن الاجتهاد ليس حكرا على أحد فيحق لكل الذين سعوا للعلم و الفهم أن يروجوا لأرائهم تماما كما يحق للأصوليين و دعاه النقاب و الحجاب أن يروجوا لأرائهم.
بشكل عام أرى انه لا داعي لإعطاء قضية الزى أو الحجاب تحديدا اكبر من حجمها فصميم الدين لا يتجاوز أركان الإسلام و أركان الإيمان و هناك خيط رفيع بين القرآن و بين اجتهادات الإنسان في التفسير و التأويل فالناس تخلط المقدس و ما هو دنيوي قابل للأخذ و الرد و الصواب و الخطأ, خاصة و أننا نرى أن تفسيرات القرآن تختلف من مجموعة إلى أخرى فنجد مثلا اختلاف في فهم الإسلام بين الحنابلة و الشافعية و جماعة الإخوان و القرآنيين و الوهابيين والشيعة و الأزهر و بن لادن و الصوفيين و غيرهم.
الإسلام كما أفهمه, دين بسيط و القرآن الكريم يرشدنا لإسلام روحاني و سلوكي هادى لا يتصادم مع الحضارة و لا يفرض قيود ضد غريزة المرأة, و بالتأكيد هو ليس كتاب موضة و أزياء, و لا يعتدي أبدا على حق المرأة كإنسان حر أو يحتقر الرجل و يعامله كحيوان يسير على قدمين, كما هو الحال مع الكتب و التفاسير البدوية الوهابية للإسلام التي غزت العقول في زمن اغبر.
و لكن يظل المزعج في الأمر ابعد كثيرا من اتفاقنا أو اختلافنا مع كيفية النظرة للزى المسمى "حجاب", و يتمثل في الحساسية المفرطة التي يبديها المجتمع الذكوري تجاه أي محاولة للاجتهاد أو الخروج عن الإطار المفروض بفعل الزمن ليصبح تدريجيا المنع هو الأصل و المصادرة هي الحق و الهياج هو الحل, و كأن ديننا الجميل بتلك الهشاشة التي تجعل من خلاف حول مجرد زى إلى كارثة تهدده و تستدعى ثورة أتباعه الذين يسارعوا لإعلان الحرب و يبادروا بالتهديد و الوعيد و أطلاق دعاوى التكفير, و من ثم فتلك تعد إشارة إلى أن استخدام "الحجاب" تعدى مرحلة أن يكون غطاء لشعر المرأة أو زى ليصبح عَلم للإرهاب الفكري, و حجاب على عقل الرجل يصطدم بأي مختلف فيجعله يثور و يهيج و كأن على رأسه بطحة!!
#لبنى_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟