|
الفاشية باقية … وتتمدد !
محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 7925 - 2024 / 3 / 23 - 00:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(ومن يقتل الناس ظلما وعدونا ، ويذق بلسان وفم دنسين دماء أهله ويشردهم ويقتلهم … فمن المحتم أن ينتهي به الأمر إلى أن يصبح طاغية ويتحول إلى ذئب…) "افلاطون"
(ما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك فيها الله ، أو تربطه بـربـاط مـع الـلـه ، ولا أقـل مـن أن يتخذ بطانة من اهل الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله . )
"إمام عبد الفتاح - كتاب الطاغية"
موضوع الطغيان وبقية أفراد العائلة الخبيثة ، هو الموضوع الأكثر تشويها وتهميشا وغموضا لدى (المنظومة والعقل السياسي والثقافي والديني العربي السائد) ، وأرى أن هذا موقف وعمل مقصود متعمد ، يمارسه رجل الدين والمثقف الخائن ، لصالح السلطة باختلاف الزمان والمكان والتسمية ، بالرغم من كثرة ترديد مفرداتها ، وما كتبه عنها كتاب عرب وأجانب ، ومنها من تبرر الطغيان وما ينتج عنه من ظواهر ، وبأسلوب يتعمد أن يتناولها كحالات خاصة وفردية ، وليس كجزء من ظاهرة عامة ، متجنبا الإشارة والخوض في أسبابها ومصدرها الذي يرجع إلى الطغيان .
وعلى ذكر (عائلة الطغيان) ، ووفقا لما ذكره د. إمام عبد الفتاح في كتاب (الطاغية) ، فان (عائلة الأنظمة اللاديمقراطية المسماة بعائلة الطغيان تشمل عددا كبيرا من الأنظمة السياسية التي تتفق في أصول وتختلف في فروع ضئيلة القيمـة . ومن هذه الأنظمة : الطغيان - الدكتاتـوريـة - الـسـلـطـة المـطـلـقـة - الشمولية - الأوتوقراطية …) .
كل هذه الأنظمة بمختلف تسميتها ، تعمل لمصلحة الحاكم وترسيخ سلطته على حساب مصلحة الإنسان/المواطن في الحياة الحرة الكريمة . وهي تستخدم أساليب متشابهة منذ نشأتها الأولى في التاريخ ، لكنها تتغير لتتماشى مع ظرف الزمان والمكان .
هذه الأساليب تتركز في : 1- القوة الصريحة : تتمثل في اجهزة الشرطة والأمن المعلنة والسرية - الجيش - المليشيات ، كالحرس الثوري/الشبيحة/فدائيي صدام/جند الله/حزب الله… الخ . وهنا تدخل ايضا (سلطة القانون) والتشريعات المقيدة للحريات ، والعقوبات التي تتباين من النفي والتهجير إلى قطع الأذن واللسان وصولا إلى الإعدام . 2- القوة الناعمة : وهذه لا تقل خطورة ، إن لم تكن أكثر تأثيرا وتخريبا وديمومة ، حتى بعد نهاية عهد الطاغية لأي سبب كان . وهي تتمثل في رجال الدين وفتاويهم لمصلحة الحاكم (حاكم غشوم خير من فتنة تدوم) و ( ما على الخلفاء حساب ولا عذاب) … وجوقة الشعراء المداحين (ما شئت لا ماشاءت الأقدار *** فاحكم فأنت الواحد القهّار …. وكأنما أنت النبي محمد *** وكأنما أنصارك الأنصار) والمغنين الطبالين والمهرجين ( العزيز انت - حياك يابو حلى …) ، وكذا أجهزة الدعاية الإعلام وصناعة الرأي ، والتي تسوق الطاغية والطغيان وتسبح بحمده ليل نهار ، بمغازلة العاطفة وتسطيح العقل وتهميشه ، ومن ثم تحويل الناس إلى قطيع يهتف (بالروح بالدم نفديك يا صدام …) ، على سبيل المثال وليس الحصر .
من هنا تأتي أهمية الاستمرار في الكتابة بكل مايتعلق بموضوع عائلة الطغيان ومظاهره ومنها (الفاشية) ، ودفعه إلى الواجهة ليتصدر اهتمام المتابع والشارع العربي ، فهو كما سبق وأشار عبد الرحمن الكواكبي في عام 1900 في كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) ( وحيث إني قد تمحص عندي أن أصل هذا الداء هو الاستبداد السياسي ودواؤه دفعه بالشورى الدستورية . ) . الظاهرة لا تزال سائدة … وتتمدد ! والتشخيص لا يزال صحيحا .
لذا : 1- في البدء لابد من التأكيد على أن الفاشية هي شكل من أشكال الاستبداد ، والذي يقوم على قهر الإنسان والرأي الآخر . والاستئثار - فرد أو مجموعة - بالسلطة والقرار والتحكم كيفما شاء في مصير البلاد والعباد !
2- صحيح أن الفاشية ولدت في مدينة ميلانو الإيطالية بتاريخ 23 آذار/مارس 1919 لكنها لم تنته كحركة ونظام بنهاية واعدام مؤسسها موسوليني يوم 28 نيسان/أبريل 1945 ، وتعليق جثته في ميدان لوريتو في نفس مدينة ميلانو … بل استمرت في الوجود والحضور السياسي والثقافي إلى اليوم ، بالرغم من تغييرها في أساليبها وشعاراتها وتسمياتها ، وقدرتها على أن تبدل جلدها ، و تماشت مع روح العصر حتى انها اليوم ، ومن قبلها فعل هتلر وموسوليني نفسه ، تملك السلطة وتمارس نهجها وسياستها من خلال الحكومة وبقية مؤسسات الدولة ، كما في الولايات المتحدة وإيطاليا وهنغاريا وسلوفاكيا وروسيا والسويد وتركيا واسرائيل والعراق وغيرها من البلدان ، لكن مضمونها وجوهرها بقي على حاله ، مهما رددت من شعارات ورفعت لافتات مزيفة باسم الدين والطائفة و(مقاومة الاحتلال) . ولذا من يتابع بعقل وضمير حر ، بموضوعية وبعيدا عن خنادق الأيديولوجيا والدين والطائفة والقومية وغيرها يراها حاضرة بمعالمها وأفعالها عربيا وعالميا في حركات "الدين السياسي"… في كل مكان في أرجاء المعمورة . أي هي ليست تاريخ وظاهرة في الماضي في بلاد معينة ، بل حاضرة اليوم … والشارع يرقص على إيقاعاتها بمختلف الأماكن واللغات !
3- إذا كانت حتى الشعوب التي تعتمد العلم والمنطق ، والتي سبق لها ووقفت وراجعت تاريخها واستفادت من تجاربها ، وادانت نهج الاستبداد والطغيان ، لكنها عادت ، بسبب من ظروفها الصعبة وغفلتها وأساليب التضليل والدعاية ، ووقعت في براثن النازية والفاشية ، ثم بعد أن دفعت الثمن غاليا ، عاد بعضها اليوم ، والآخر في الطريق ، لتكرار نفس الخطأ ، فكيف بالعربي ، الملزم منذ قرون وحتى اليوم بطاعة ولي الأمر ، وحيثما ادار وجهه يرى تاريخ مقدس ، وواقع زاخر بصور وجداريات القائد المنصور بالله ، ويسمع ليلا ونهارا كلمات التطبيل والتزمير والتمجيد للرمز المقدس مبعوث العناية الإلهية فارس الأمة والزعيم الأوحد … وحيد العصر والزمان الذي لم تنجب مثله النساء !
4- لهذا ولغيره نرى لدى (المنظومة والعقل السياسي والديني والثقافي العربي السائد) أي النخب والشارع ، وجود عوار متأصل ، واضح وفاضح في علاقة الإنسان/المواطن بالسلطة ، وهذا ليس وليد اللحظة ، بل يعود في جذوره إلى البدايات الأولى لظهور السلطة بمختلف تسمياتها ومستوياتها ، وبالتكرار ومرور الزمن ترسخ العوار وأكتسب شرعية وقدسية ، حتى أصبحت المجتمعات العربية ولاّدة وحاضنة للطغاة ما أن يسقط أحدهم حتى ينهض آخر ليخلفه ويواصل السير على نهج السلف الصالح ! 5- لكي لا يضيع رأس الخيط في فوضى المواقف ، وحيص بيص وقائع اليوم ، نرى من الضروري ، أن نشير إلى أن الموقف الثقافي والإنساني يستدعي أن نؤكد ، بأننا نقف ونتضامن - دون تحفظ - مع ضحايا العنف والفاشية في كل مكان ، وفي المقدمة الأبرياء من المدنيين في إسرائيل وغزة . كذلك ندين نهج الفاشية والابادة الجماعية الذي يمارسه نتنياهو ، وكل من يدعمه ويتماهى معه في الإبادة الجماعية للناس العزل . وهو فاشي ، حتى ولو رفع ماشاء من أعلام على رأس تمثال الحرية ، أو رفع صوته مناديا بحقوق الإنسان من فوق جبال الهملايا .
وبنفس الوضوح نشير للطرف الآخر - حماس وغيرها - المواجه لنهج نتنياهو الفاشي ! فإن وصمة الفاشية تظل تلاحقه هو الآخر ، فالمقاومة ليست مجرد رفع شعار واطلاق رصاص وصواريخ ، فهذا رغم كل الأوصاف والألقاب ، لا يسمى مقاومة ، بل شيء آخر مختلف تماما عنها ، لأن المقاومة مشروع للتغيير لصالح حرية وكرامة الإنسان ، وما عدا ذلك فهو خداع وتضليل يعمل لمصالح وأهداف أخرى ، وقد يكفي كدليل أن نذكر أفغانستان وحركة ونظام طالبان !
ونضيف لا يمكن لفرد أو جهة ما ، أن يكون مناضلا من أجل الحرية وحقوق الشعب ويرفع لافتة الجهاد المقدس ومقاومة المحتل ، وهو يؤمن ويستخدم العنف وأساليب الفاشية حيثما امتلك السلطة والقرار ، ضد من يختلف معه . ويتحالف ويتلقى الدعم من الأنظمة الفاشية (ايران وسوريا) ، ويمجد جلاّد وطاغية فاشي قتل شعبه العراقي والكويتي ايضا ، وتسبب في احتلال بلده مثل صدام حسين ، ويضع له تمثال في وسط مدنه ويهتف له : وينك ياصدام حسين بعدك باعو فلسطين … !
https://encrypted-tbn0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcS2MZgULeCgvhFA9WixlSnFM8Y-1_QtlqLZrwjTeYkCnjR0QZ_se7al6Cx5gQ&s
وصدق من قال : الظالم والمعين له والساكت عنه شركاء ثلاث ! والعاقل يفهم !
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفاشية 105 عام 1919-2024
-
-مادونا الفوضوية- تدعى أنيتا غاربين ألونسو
-
على الأحزاب الأوروبية الرئيسية أن ترفض الشعبويين المتطرفين
-
الحركات المتطرفة تركب موجة مشتركة
-
الأديان السياسية والفاشية
-
عندما يتم استبدال سيادة القانون بسيادة الخارجين عن القانون
-
الدعاية السينمائية في ايطاليا الفاشية
-
استغرق الأمر شهرا واحدا فقط لسحق عالم الأدب الألماني
-
رسالة أليكسي نافالني للعالم في فيلم -نافالني- و -قصر بوتين-
-
وقفة مع العوار … ثقافة الاعتذار !
-
جريمة كل الجرائم
-
وقفة مع العوار ... كلب ابن الكلب !
-
-سنكون معا حتى القبر-
-
وقفة مع العوار … السقوط المدوّي !
-
سامعين الصوت... !
-
إمبريالية بوتين -المناهضة للاستعمار- تتماشى مع التاريخ الاست
...
-
توقع فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الإيطالية
-
- رجال أقوياء : من موسوليني حتى الوقت الحاضر-
-
وقفة مع العوار ... 14 تموز الباب المشرعة للعنف والدكتاتورية
...
-
موقف حزب اليسار السويدي من عضوية الناتو
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|